هيئة التحرير
“لا وقود مدعومة”، أولى الخطط، التي يتبناها وزير المالية السوداني، “إبراهيم البدوي” ، ضمن جهود الحكومة الانتقالية، لمكافحة الأزمات الاقتصادية التي تحاصر الاقتصاد المحلي، على رأسها عجز الموازنة العامة الحالية، خاصةً وأن سياسة دعم المحروقات كلفت ميزانية الدولة خلال عامي 2017 و 2018 ما يصل إلى 144 مليار جنيه سوادني، كما يقول الوزير.
وكان “البدوي”، قد لوح في وقتٍ سابق بالاستقالة من الحكومة في حال عدم إقرار رفع الدعم التدريجي عن الوقود، في ميزانية العام 2020، التي تعاني من عجز يزيد عن 3 مليارات دولار.
ما وراء سياسة الدعم الجديدة
أمام ارتفاع تكاليف دعم المحروقات والسلع الأساسية وانعاكسها على الأزمة الاقتصادية، يرى الوزير “البدوي”، أن السودان لا بد له من الانتقال من سياسة الدعم السلعي بشكل عام إلى الدعم المالي المباشر للمواطن، المتمثل بمنحه مبالغ تقدية شهرية، معتبراً أن تلك العملية هي الضامن الوحيد لتحقيق استقرار اقتصادي في بلد يعاني من ارتفاع معدلات الفقر.
وبحسب الإحصائيات الرسمية فقد بلغت نسبة الفقراء في السودان نحو 65 في المئة من السودانيين، وسط ارتفاع معدلات البطالة خلال العام الجاري إلى 19 في المئة.
ويذهب “البدوي” في نظرته إلى أن الدعم المباشر للسودانيين يقود إلى تعزيز القدرة الشرائية للأسرة على حسب أولوياتها، مقدراً حجم المساعدات النقدية بمبلغ 300 جنيه سوداني شهرياً للفرد، بواقع 1500 جنيه لكل أسرة.
وسبق للحكومة الانتقالية في السودان، أن أعلنت عن رفع أجور العاملين في الدولة بنسبة 569 في المئة، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 3 آلاف جنيه سوداني شهرياً بعد ان كان 452 جنيه.
حقيقة إصرار الحكومة ووزارة المالية نحو الدعم المالي، ترتبط من وجهة نظر أخرى بسياسات صندوق النقد الدولي، حيث يكشف مصدر خاص “لمرصد مينا”، بأن الحكومة السودانية تسعى للحصول على مساعدات مالية وقروض من صندوق النقد الدولي، لتمويل المشاريع التنموية، وأن الحكومة قد خاضت خلال الأشهر الماضية، سلسلة مفاوضات مع الصندوق وبعض الجهات المانحة، مضيفاً: “هناك تخوف لدى الجهات الحكومة من فشلها في الحصول على أموال الجهات الدولية في حال استمرار دعمها للسلع الأساسية”.
وشكلت مسألة رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية، أزمة سياسية في البلاد، جراء رفض قوى الحرية والتغيير، الشريكة في المجلس السيادي، لتلك الخطوة، واصفةً إياها “بالخطوة الكارثية”.
بين السياسة والفساد والاقتصاد .. إرث ثقيل
الحديث عن الأزمة الاقتصادية السوداني، يعني الحديث عن 30 عاماً قضاها الرئيس السوداني المخلوع، “عمر حسن البشير”، كما يقول المصدر الخاص، الذي رفض الكشف عن هويته، “لمرصد مينا”، لافتاً إلى أن الطامة الكبرى في الاقتصاد السوداني؛ تجلت في حالة العزلة الدولية والعقوبات الأمريكية على السودان، طيلة عقود، والتي قادت إلى انعدام القطع الأجنبي في البلاد، وعجز الحكومة عن تأمين الدولار لسد حاجة الاقتصاد والمشاريع الانتاجية وتطبيع سياسة نمو، معتبراً أن الحكومة الانتقالية استلمت من النظام السابق إرثاً ثقيلاً.
وكانت سلسلة العقوبات الأمريكية، قد بدأت منذ عام 1988 بسبب عجز السودان عن سد الديون، إلا أن الموجة الأشد من تلك العقوبات كانت عام 1993، بعد اتهام النظام السوداني بدعم تنظيم القاعدة وتنظيمات إرهابية أخرى في العالم.
مصائب الاقتصاد، وكما يراها المصدر، ترتبط بكافة جوانب الاقتصاد ولا تنحصر في قطاع بعينه، لافتاً إلى أن عمومية تلك المصائب وتوزعها يشير إلى وجود عمليات تخريب ممنهجة للاقتصاد السوداني طيلة ثلاثين عاماً، والتي قادت بدورها إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية وارتفاع الأسعار بشكل كبير، بالتزامن مع تراجع القوة الشرائية للمواطن السوداني.
وفي أحدث الإحصائيات الصادرة عن وزارة المالية، فقد بلغ حجم التضخم 98.81 في المئة، حتى شهر نيسان الماضي، مع ارتفاع حجم الدين الخارجي إلى نحو 50 مليار دولار.
مشكلات الاقتصاد السوداني، وانعكاس أثر السياسة على الاقتصاد، يظهر أيضاً بوضوح من خلال رأي الخبير الاقتصادي السوداني، “خالد التيجاني”، الذي يربط الإصلاح الاقتصادي في البلاد يقوم على خطوات الإصلاح السياسية، وضرورات مكافحة الفساد، الذي يرى أنه وصل إلى مراحل متقدمة جداً في البلاد، وفقاً لما نقلته وكالة سبوتنيك الروسية.
وكانت وزارة المالية السودانية، قدرت في وقتٍ سابق حاجة السودان إلى ما يقارب 5 مليارات دولار لمنع الاقتصاد من الانهيار بشكل تام.