يترقب السوريون حرباً كبيرة في شمال بلادهم، صدر قرارها من واشنطن وقرعت طبولها في أنقرة منذ وقت طويل، لكنهم صموا آذانهم جميعاً عن السماع، فبين مقاتل مع تركيا أو ضدها، وبين موالٍ لروسيا ومؤيد لإيران انقسم أصحاب البلد، فبات حالهم يقول: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
أعلنت أنقرة أنها ستشن حرباً كبيرةً في الشمال السوري تحت اسم “عين السلام” مدعيةً أنها تطهر شمال سوريا وتحمي حدودها الجنوبية من مليشيات قوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد”، وذلك بعد جولات ماراثوينة من الحوارات الفارغة بين أنقرة وواشنطن بشأن المنطقة الآمنة، التي لم ترَ النور بعد.
ضوء أخضر أمريكي لتركيا
صرح “إبراهيم كالن” المتحدث باسم الرئاسة التركية اليوم الاثنين عبر حسابه الرسمي على موقع توتير؛ إن “المنطقة الآمنة ” المزمع إقامتها بشمال سوريا تهدف لتطهير الحدود من العناصر الإرهابية وعودة اللاجئين بشكل آمن إلى سورية في إطار وحدة الأراضي السورية، تصريحات “كالن” تأتي بعد بيان البيت الأبيض، أشارت إلى وجود ضوء أخضر أمريكي لتركيا من أجل عمليتها العسكرية المزمعة في شمال سورية.
وقال بيان البيت الأبيض: ” إن تركيا ستمضي قدما قريبا في عمليتها، المخطط لها منذ فترة طويلة شمالي سورية”.
وأضاف البيان الرسمي الأمريكي الذي صدر في وقت متأخر من مساء أمس الأحد: “لن تدعم القوات الأمريكية العملية أو تشارك فيها، ولن تكون قوات الولايات المتحدة، بعد أن هزمت خلافة تنظيم الدولة، في المنطقة التي تجري فيها العملية”.
كما ذكر بيان البيت الأبيض أن تركيا ستتولى المسؤولية الكاملة فيما يتعلق بمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية ممن وقعوا أسرى في العامين الماضيين.
ونوه البيان أن “الحكومة الأمريكية مارست ضغوطا على كل من فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوروبية، التي وفد منها هؤلاء الأسرى التابعون لتنظيم الدولة، وذلك لاستردادهم؛ لكن هذه الدول رفضت ذلك وأبدت عدم رغبة في عودتهم”.
وأضاف البيان الأمريكي:”لن تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتهم لمدة قد تطول سنوات عديدة، وتكاليف طائلة من أموال دافعي الضرائب الأمريكية”.
التحول الرئيسي في الأمر ليس التهديد التركي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الواقع، ولا التصريح الأمريكي حول سحب القوات الأمريكية من الشمال السوري، فكلا الأمرين كان حديث الصحافة العالمية والشارع السوري على حد سواء.
التحول الرئيسي هو الضوء الأخضر الأمريكي لتركيا، خاصة أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية “دونالد ترامب” كان قد هدد تركيا في بداية 2019 بـ “دمار اقتصادي” في حال هاجمت القوات المدعومة أمريكياً في الشمال السوري، والقصد هنا كان هي قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تركت وحيدة في ميدان المعركة.
يخاف الأكراد أن يكونوا مجرد “بندقية تتناقلها الأكتاف” لذلك أخذوا على عاتقهم التصدي لتنظيم الدولة “داعش” الإرهابي كنوع من ورقة ضمان قدموها لأمريكا، على أنهم استخدموا في ذلك أبناء العشائر العربية “أصحاب الأرض” في معركتهم ضد داعش، وكان الأكراد قد أبقوا على شعرة معاوية مع دمشق، غير أنهم لم يمنحوها الامتيازات التي أردات- عندما رفضت القيادات الكردية تسليم آبار النفط للنظام السوري” لكن ذلك لا يفسد التقارب، حيث أعلن نظام بشار الأسد أنه سيتوجه برفقة القوات الروسية إلى الشمال السوري للوقوف إلى جانب القوات الكردية بوجه المحتل التركي.
ويرى هنا المعارض السوري “سمير نشار” في اتصال خاص مع مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي أنه من المستبعد أن تنشب مواجهة مباشرة بين قوات النظام السوري المدعومة روسياً وبين “الجيش الوطني” الذي أسسته تركيا قبل أيام في المناطق السورية المحررة من سطوة الأسد أو مع القوات التركية بشكل مباشر، فالترتيبات تمت بحسب “نشار” بمقايضة ما بين روسيا وتركيا.
برعاية دولية اقتتال سوري-سوري
الكارثة الكبرى هي لو فعلاً استخدمت أنقرة “الجيش الوطني السوري” المكون من الفصائل المعارضة المدعومة تركياً حطباً للمعركة ضد القوات الكردية، والتي تعتبر أيضاً مكوناً سورياً لا يستهان به، فالمواجهة عندئذ ستكون سورية-سورية.
ويقول “سمير نشار” في حديثه مع مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي: ” إن تركيا ستدفع بقوات الجيش الوطني الذي انضمت إليه منذ أيام قوات الجبهة الوطنية للتحرير لتعزيز قواته في مواجهة قسد، حطب المعركة بداية سيكون من السوريين عرباً واكراداً”.
وأضح “نشار”: ” إن الدعم التركي سيكون من الخلف إضافة ربما للدعم الجوي والقصف المدفعي الثقيل من داخل الأراضي التركية، بداية سيكون اختبار تركي لردة الفعل الأمريكية نظرا لفقدان الثقة بين الطرفين”.
ولا يعتقد المعارض السوري وقوع صدام عسكري بين الجيش التركي أو قوات الجيش الوطني المدعوم تركيا وبين قوات النظام السوري أو من حلفائه، “واضحٌ لكل بَصير أن هناك موافقة روسية مسبقة على التدخل التركي، وأن صفقة ما قد حدثت مع الروس أسوة بالصفقات السابقة كدرع الفرات وغصن الزيتون” على حد تعبير “نشار”.
فقدت سوريا سيادتها بشكل كامل على كافة الأراضي السورية المحددة وفق القوانين الدولية، فهناك لاعبون دوليون بالقرارات السيادية السورية، القوات النظامية السورية تتحرك بأوامر روسية، مليشيات الدفاع الوطني والشبيحة بأوامر إيرانية، بينما تحرك تركيا الفصائل المسيطرة على الشمال المحرر، والولايات المتحدة الأمريكية بشكل رئيسي إضافة لحلفائها الأوربيين تحكم شمال وشمال شرق سوريا.
وهذا يعني أنه لا وجود لأي تحرك عسكري أو سياسي دون موافقة الدول المعنية بالحرب السورية، كما أن القرارت الصادرة بحق أي دولة من هذه الدول هي نتيجة توافقات على المصالح المتقاسمة في سورية، وتعتبر حادثة “نقطة مورك” التركية الشهر الماضي الدليل الأكبر، فبالرغم من سيطرة النظام السورية على شمال حماة وجنوب إدلب واحتلاله لخان شيخون، وتطويق نقطة المراقبة التركية في “مورك” بريف حماة الشمالي، فإن الروس لم يسمحوا لقوات النظام السوري بالمساس بالقوات التركية بشكل مباشر، وبقيت الإمدادت التركية تصل لنقطة “مورك” بشكل طبيعي، بينما تعرض عناصر الفصائل السورية المدعومة تركياً لقصف من قبل الطيران والمدفعية السورية.
وفي هذا الخصوص بيّن المعارض السوري “سمير نشار” في حديثه مع “مينا”: ” إن قوات النظام لن تتحرك الا بموافقة روسية ولن تخرج عن الاتفاق الروسي التركي” وطرح “نشار” سؤالاً ” “ماهو الدور الأمريكي في هذا الصراع العسكري لانها لم تنسحب من كامل شرق الفرات وانما من المناطق الحدودية؟ “.
وأجاب “نشار” قائلاً: ” ربما يكون دور أمريكا هو أن تدفع تركيا الى المستنقع السوري، وتدعم قوات قسد من الخلف، ضعف جميع الأطراف على الساحة السورية روسيا وايران وتركيا وقسد والحيش الوطني هو قوة أمريكية ويعزز قوتها ودورها في الملف السوري لأنه سيجعل جميع الأطراف بحاجتها في الحل النهائي وإلا سوف يبقون في المستنقع السوري وهم ينزفون” كما يرى نشار.
داعش عود الثقاب
جاء في البيان الأمريكي الصادر مساء أمس السبت: ” إن الأتراك يتحملون مسؤولية كل أسرى تنظيم الدولة في المنطقة” لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل من الممكن أن يحدث خلل ما في الفترة الانتقالية التي ستتخلى بها “قسد” عن إدارة سجون داعش وتسلمها للأتراك؟
لو حدث هذا الخلل فستكون المنطقة على حافة الانفجار من جديد بعد أن رفضت الدول الأوربية استعادة مواطنيها المنتسبين لداعش من سجون قسد، وتحملت الولايات المتحدة الأعباء المادية لفتح هذه السجون.
هناك آلاف المقاتلين الرجال والنساء ممن ينتمون لتنيظم الدولة، وربما تضاعفت أحقادهم خلال المدة التي قضوها في سجون “قسد” انهارات “خلافتهم” المزعومة، لكنهم ما زالوا يحملون ولاء ً كبيراً لها.
وكانت دراسات أمريكية قد تنبأت ولادة التنظيم من جديد بشكل أقوى وأكثر شراسة لكنها لم تحدد الوقت، ويخشى العديد من انفجار صمام الأمان في المنطقة التي تشهد غلياناً جغرافياً كبيراً، يمتد من شمال سوريا إلى العراق الذي تشهد شوارعه المدماة احتجاجات خارجة عن السيطرة، وسط إشارات تتهم إيران بافتعال فوضى.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.