الملخص التنفيذي:
تتناول هذه الورقة توسع الانتفاضة الشعبية في محافظة السويداء جنوب سوريا، وتمددها حتى بلغت معظم قراها ومدنها، ورغم الظروف الاقتصادية العامة التي أثرت على زخمها الأشهر الأخيرة من هذا العام، حيث التضييق على سبل الحياة والتواصل وضعف القدرة المادية على التعامل مع متطلبات الحياة العامة في محافظة فقيرة ومهمشة اقتصادياً من النظام السوري، ومستثناة من الدول المانحة في مؤتمر بروكسل بحجة كونها تحت سيطرة النظام؛ إلا أن الشارع الشعبي المنتفض سلمياً ومدنياً يصر على استمرار مظاهراته اليومية في قلب مدينة السويداء في ساحة الكرامة لما يزيد عن عام بشكل متتالي ويومي.
ويصر على الربط بين تحسين الوضع المعاشي بالحل السياسي السوري الذي يؤدي الى تغيير النظام القائم والدخول في مرحلة انتقالية؛ كما عبرت عنها القرارات الدولية وأهمها 2254/2015 بمرجعية جنيف 1/2012. هذا كله يتم الحديث عنه من خلال المحاور التالية:
المحاور:
- المدخل
- معطيات ومحددات السويداء الاجتماعية العامة
- المرجعية السياسية والاجتماعية في السويداء تتوزع فيها على محورين:
- المحور الأول سياسي تمثله السلطة السياسية بقيادة حزب البعث وأحزاب الجبهة الموالية
- المحور الثاني اجتماعي ديني
- المميزات العامة لحركة رجال الكرامة والفصائل الأهلية وطنياً وسياسياً وإنسانياً
- المواقف المحلية والدولية من حراك السويداء
- موقف سلطة النظام من حراك السويداء
- الموقف الروسي
- موقف المبعوث الأممي
- المواقف الدولية
- المتحركات الإقليمية
- الخلاصة: أهمية التغيير السياسي
المدخل:
الموجة الثانية للثورة السورية هذه، تتصدر السويداء فيها الحدث السوري محلياً، حتى باتت محط أنظار عربية ودولية متعددة؛ تؤكد على السلمية كرافعة أساسية للحل السوري وضرورة التغيير والانتقال السياسي رغم عطالة ملفاته الدولية لليوم. ([1])
انتفاضة السوريين من أبناء السويداء الحالية؛ أعادت الملف السوري لواجهة الصدارة والاستحقاق العربي والدولي في ضرورة تفعيل الحل السوري وإحداث الانتقال والتغيير السياسي وفقاً لمرجعية القرارات الدولية ذات الصلة.
فقد أتت هذه الانتفاضة في لحظة فارقة في مسار المسألة السورية، كان الترويج فيها لاستعادة النظام السوري لشرعيته المحلية والعربية على أوجها، وذلك بعد دعوة رأس النظام لحضور قمة جامعة الدول العربية في الرياض من شهر أيار/مايو لعام 2023، وبدء الحديث عن عودة العلاقات العربية السورية مرة أخرى؛ وكأن شيئاً لم يحدث في الأعوام السابقة.
كما أنّ التقارب التركي العربي في الآونة الأخيرة اشترط الحل السوري بناء على تحقيق 2254 وفك ارتباط السلطة السورية بالمحور الإيراني حسبما تطرحه، وتؤكد عليه ساحات الكرامة.
رغم محدودية المدن السورية المنكوبة التي تجاوبت مع محافظة السويداء في الموجة الثورية السورية الحالية، لكن استمرار مظاهرات السويداء السلمية والمدنية واصرارها على التمسك بالحل السوري، جعل منها نقطة ارتكاز هامة في انتقالها لاعتصام الكرامة في الشمال السوري، وزيادة كثافة الحوار الوطني السوري على أهمية التوافق السوري على آليات تفعيل الحل السياسي. ما يستدعي بالضرورة الوقوف عند إمكانية تفعيله والمواقف الدولية الرئيسية من آلياته.
معطيات ومحددات السويداء الاجتماعية العامة
محافظة السويداء ليست ذات سلطة سياسة محلية خاصة. فهي ورغم تصنيفها السنوات الماضية يتأرجح بين وقوعها تحت سيطرة السلطة السورية، لكنها بذات الوقت تكاد تبدو خارجة عن قبضته الأمنية والعسكرية مقارنة بباقي المحافظات الواقعة تحت سيطرتها. وهي ذات الغالبية المعروفة بالموحدين “الدروز”، مع نسبة ضئيلة من المسيحين والمسلمين وعشائر البدو متآلفة ومتعايشة سلمياً ومدنياً.
تتجلى محددات السويداء العامة في المعطيات التالية:
الشؤون الإدارية تحتكم فيها للسلطة السورية بقوانينها وتشريعاتها العامة، مع الاحتفاظ بتشريعات خاصة المتعلقة بالزواج والميراث المعروفة بقانون الأحوال الشخصية.
المرجعية السياسية والاجتماعية في السويداء تتوزع فيها على محورين:
المحور الأول سياسي تمثله السلطة السياسية بقيادة حزب البعث وأحزاب الجبهة الموالية:
وأمين الحزب فيها بقي رئيساً للجنة الأمنية فيها لأعوام سابقة، قبل أن يكلف فيها عسكريو الجيش والأمن مؤخراً. فيما المعارضة في السويداء هي من جنس المعارضة السورية التقليدية مع رصيد شبابي ومدني توسع وازداد أثره في أعوام الثورة السابقة، التي لم تتوقف عن متابعة حراكها السلمي في التظاهرات والاعتصامات السلمية رغم محدوديتها في الأعوام السابقة كما بدايات العام 2022 والتي كان شعارها: “هنا السويداء هنا سوريا”.
لكنها اليوم تحولت لساحة تظاهر واسعة تزداد يومياً، مع تشكيل تيارات سياسية ومدنية تطالب بالتغيير السياسي. وأظهر حراك السويداء رفضه القاطع لسلطة البعث، وعمل على اغلاق مقراتها في معظم القرى وتحويلها لأماكن للخدمة الاجتماعية والتعليمية، ورفض تدخله في الحياة السياسية والنقابية.
المحور الثاني اجتماعي ديني:
يتثمل هذا المحور خاصة في المرجعيات الدينية “الدرزية” بشكل رئيسي، والمسيحية والإسلامية. وتعتبر مشيخة عقل طائفة الموحدين “الدروز” والوجهاء الاجتماعيين التاريخيين، هم أصحاب الأثر الأكثر فعالية في واقع المحافظة الشعبي. ([2])
الطابع المدني العام لبيئة الموحدين “الدروز” المتعلقة بحرية التدين وعدم فرضه على أبناء جلدته، وأنه غير تبشيري أو تكفيري، اتاح مساحة واسعة لنواة الفكر والثقافة العلمانية والمدنية في بيئتها الاجتماعية والسياسية. لكن الدور الديني ومرجعياته تزايد في الأعوام الماضية بشكل متداخل دينياً وأهلياً وسياسياً وعسكرياً بحكم تداخل الملفات السورية على مستوى الأقليات ومعادلتها في المسألة السورية، وشعور هذه الأقلية بالتهديد الوجودي ووقوعها بين فكي تهديد الإرهاب والتطرف كما وسطوة السلطات العسكرية المحلية والخارجية. ([3])
فيما برز أثر المرجعية الدينية الروحية للطائفة كعامل فارق ومهم في معادلتها الاجتماعية، خاصة بعد موقف الشيخ “حكمت الهجري” الرئيس الروحي للطائفة، بإعلانه استحقاق التغيير السياسي في عموم سوريا منذ بيانه الأول في 19/8/2023 في بدء الانتفاضة وما تلاه من مواقف لليوم، الامر الذي انتقل لكافة شرائح المجتمع الاهلية والدينية للنزول للشارع واستعادة موجة ثورة 2011، بمحتواها السلمي والمدني وشعاراتها الوطنية العامة.
ورغم التباين العام بين مرجعيات مشيخة العقل في السويداء بموقفها السياسي السوري بين الإصلاح والتغيير الكلي، لكن جميعها تعمل على السلم المجتمعي والاحتفاظ بعلاقات دينية واجتماعية متوازنة بينها، تمكنها من التوافق حول المصلحة العامة من ناحية التماسك المجتمعي وعدم الانجرار للعنف.
كما أنّ الحياد من العمل العسكري السوري مثل خياراً مبكراً لمحافظة السويداء بعمومها، معتبرة أنه صراع دامٍ ذو خلفية دينية متنازعة على السلطة “لا ناقة لهم فيها ولا جمل” ([4]) لكنها بذات الوقت عملت على تعزيز قواها الذاتية تحت عنوان الحماية الأهلية من أي اعتداء خارجي أياً كان مصدره. وقواها المحلية تعمل على الحماية الأهلية المجتمعية كسمة عامة، تتراوح بين حدي اكتفاء شر السلطة وعدم الخضوع الكلي لها والدفاع عن المحافظة من أي تهديد خارجي. وتحتَ عنوان حماية الأرض والعرض تشكلت حركة رجال الكرامة كحركة أهلية خلال العام 2013. استقطبت الشباب المتخلف عن الخدمة العسكرية من كافة الشرائح في السويداء من المتدينين والمدنيين، وشكلت لها بيارق محلية في أغلب قرى ومناطق المحافظة. ([5])
ورغم ما تعرضت له قيادة الحركة لتفجير مدبّر أدى لمقتل قادتها الأوائل وعلى رأسهم الشيخ “وحيد البلعوس” عام 2015. ([6])
المميزات العامة لحركة رجال الكرامة والفصائل الأهلية وطنياً وسياسياً وإنسانياً:
لقد امتازت الحركة والفصائل المحلية الأخرى خارجها طوال الفترة الماضية بالعديد من الممارسات المعتدلة سياسياً وعسكرياً تمثلت ب:
- حرمة الدم السوري، وعدم الاعتداء على أي سوري.
- عدم الانجرار لأي معركة عسكرية سواء مع السلطة أو فصائل المعارضة العسكرية خاصة في درعا المجاورة، إلا إذا فرضت عليها في داخل أراضي السويداء.
- منع الاعتقال الأمني والسوق للخدمة العسكرية، وممارسة الضغط على الأجهزة الأمنية بالإفراج عن أي معتقل سواء باحتجاز ضباط للنظام مقابل الافراج عنه، أو عبر مفاوضات حركة رجال الكرامة مع السلطة مباشرة.
- ساهمت بعض الفصائل المحلية بالتعاون والتنسيق مع الحراك المدني بالسويداء على تثبيت وتعزيز السلمية في ساحات الكرامة منذ بدء الحراك المجتمعي. ورغم انكفائها الأخير عن المشاركة في التظاهر السلمي، لكنها لم تتخلى عن التصدي لمحاولات النظام وأجهزته الأمنية وميليشياته التابعة من التعدي على المتظاهرين السلميين. ([7])
المواقف المحلية والدولية من حراك السويداء
موقف النظام الحاكم من حراك السويداء
لا يمكن للنظام وصف السويداء بالإرهاب، ويصعب أيضاً قمعها بالعنف المباشر الذي مارسه في بقية المدن السورية حتى لا يخسر ورقته المدعي فيها بأنه حامي الأقليات. وكان الإرباك والتخبط ومحاولة تجاهل مظاهرات السويداء هي الموقف الأول لسلطة النظام، مع عمله الدؤوب عن محاولة اجهاض انتفاضتها وفق طرق متعددة:
لذا مارس التشويه وتشغيل ماكنته الإعلامية والصاق تهم العمالة الخارجية والمشاريع الانفصالية لأبناء السويداء، وفق سيل من التهم الجزافية المعتادة على أجهزته الأمنية كما يبثها المدعو “رفيق ولطف” على صفحته يومياً. والعمل على تشويه سمعة الحراك السلمي والقائمين عليه من خلال تهم التمويل الخارجي وتزييف الحقائق وانتحال صفحات وهمية تدعي انتمائها لأبناء السويداء، هدفها العمل على فك الحاضنة الشعبية عن الحراك، الامر الذي تم كشفه على أنه شبكة أمنية يدريها اعلاميون يتبعون للإخبارية السورية.
ودأب على استيعاب العمل على شق الصف الداخلي والتماسك المجتمعي من خلال بث الاشاعات والاتكاء على فرضية الاستيعاب المجتمعي وملل الشارع وعودته عن التظاهر.
ومارس الترغيب بارسال عدد من مبعوثيه للتفاوض على إيقاف المظاهرات وتحقيق طلبات خدمية لأبناء المحافظة، والذي جوبه بالرفض، فمطالب الشعب واضحة وتتمثل بالتغيير السياسي. فيما تلقفت بعض الأصوات المحلية ذلك بالترحيب دون تمكن حكومته من التراجع عن قراراتها الاقتصادية؛ أو تقديم خدمات فعلية للمحافظة. ولم يزل الواقع الاقتصادي العام السوري ومنه السويداء في تراجع مستمر حيث بلغ سعر صرف الليرة السورية (15000) ل.س مقابل الدولار، وراتب الموظف وسطياً لا يزيد عن 20 دولار، أي دون حد الكفاف العالمي للفرد الواحد!
ولا ننسى الترهيب من خلال بث الاشاعات عن تحرك خلايا داعش بإعادة ما فعلته عام 2018، أو الترويج بإمكانية قيام ميليشياته المحلية والمتعاملة مع حزب الله بعمليات نوعية كاغتيالات فردية أو تفجيرات إرهابية. فيما الموقف الإيراني لليوم يتلظى خلف موقف النظام ولا أحد يستطيع التكهن بما سيقدمون عليه في الأيام القادمة. حيث شهدت الأشهر الأخيرة حملة تعزيزات عسكرية للفروع الأمنية ولمطاري خلخلة والثعلة، ومحاولة إقامة حواجز جديدة بالمحافظة، أدت إلى صدامات بين قوى المجتمع المحلي وأجهزة النظام والفصائل المدعومة من قبله، كان نتيجتها وقف العمل بالحواجز ومنعها.
الموقف الروسي
رغم أن روسيا تمكنت من فرض شروطها العسكرية على المعادلة السورية بعد تفريغ الداخل السوري عام 2018، لكنها لم تتمكن من فرض حل سياسي فيها. كما أنها لم تتمكن من جذب السويداء لصالحها. فهي لم تتمكن من اتهام عشرات الآلاف من أبنائها المتخلفين عن الخدمة العسكرية والمنضوية في فصائل الحماية الأهلية بالإرهاب، كما لم تتمكن من استمالتهم للعمل تحت وصايتها من خلال تخليق جسم عسكري يشرف على إدارة السويداء تحت اشرافها. ومع هذا أبقت على خيوطها المنفتحة على السويداء بالإشراف على طريقة إدارة السويداء من قبل أجهزة النظام دون وجود عسكري واضح لها فيها.
حاولت استيعاب انتفاضة السويداء منذ بدايتها تجنباً لافتعال مواجهة عسكرية في منطقة تعتبر هادئة بالنسبة لها، وذلك من خلال ارسال سفيرها في إسرائيل للقاء “موفق طريف” شيخ عقل الدروز في الأرض المحتلة، فيما لم يذكر عن أي تواصل مباشر روسي مع أبناء السويداء سوى في الآونة الأخيرة عند تصاعد الموقف العسكري لوضع الحواجز الأمنية التي رفضها الشارع المحلي. ومؤشر ذلك أن روسيا تحاول الابتعاد عن الخوض المباشر في ملف السويداء، وضمان عدم التصعيد فيها.
لقد فشل المسار الروسي المعنون سياسياً بسوتشي وجيوعسكرياً بأستانا في فرض شروطه المنفردة على الحل السوري بحكم القوة العسكرية وإعادة انتاج النظام السوري رغم جرائمه بحق السوريين وامتهان تجارة “الكبتاغون”، ما يشير لأهمية القرارات الأممية بالحل السوري خاصة القرار 2254، والذي يؤكد عليه أبناء السويداء في انتفاضتهم الشعبية المستمرة لليوم.
ويبدو أن روسيا تراقب المشهد بدقة وتأخذه بعين الاعتبار مع تعقد ملفاتها الدولية والإقليمية خاصة بعد فتح مساحات جديدة للصراع الإقليمي بين إسرائيل وميليشيات إيران التابعة لها، التي قد تتمدد للجنوب السوري، وذلك مع استمرار مظاهرات السويداء دون كلل أو ملل متمسكة بالسلمية والحل السياسي السوري الجذري. ورفض أية شبهة سياسية مغرضة للانكفاء لمطالب محلية انفصالية أو طائفية. ويبدو أن الروس لا خيار أمامهم لليوم سوى هو محاولة اظهار انتفاضة السويداء أنها ذات طابع محلي محظ، وليست ذات سمة وطنية عامة. مع محاولة لجم أي فعل عنفي قد يقدم عليه النظام في السويداء، والمراهنة على عدم تمكن أبناء السويداء من الاستمرار بالتظاهر، والالتفاف على المطالب السياسية السورية العامة في مظاهراتها وتحويلها لمطالب خدمية محضة بالاتفاق مع النظام السوري.
موقف المبعوث الأممي
عمل “ستيفان دي مستورا” المبعوث الاممي السابق، على تغيير مبادئ الحل السوري وفقاً لمخرجات 2254 بوضع سلتي محاربة الإرهاب واللجنة الدستورية قبل البدء في المرحلة الانتقالية، الامر الذي عطل مفاعيل القرار الأممي وغير ترتيب أولوياته وكاد يفرغه من محتواه. وتابع خلفه، السيد “جير بيدرسون”، العمل في سياق اللجنة الدستورية وتجنب الخوض في ملفات الانتقال السياسي وعدم جدية إيجاد طرق ملزمة للنظام في تفعيلها.
ففي احاطة سابقة له أمام مجلس الأمن في تاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2023، صرح بيدرسون: “إن الحل الشامل للصراع السوري مازال بعيد المنال، مشيراً إلى انعدام الثقة وتباعد المواقف”. ولم يتطرق الى مظاهرات السويداء والحل السوري العام إلا بشكل عرضي. ويصر بيدرسون على مغالطته في طريقة الحل السوري، فرغم أنه المحذر من احتمال عودة العنف وموجات جديدة من النزوح، وازدياد الكارثة الإنسانية والاقتصادية للسوريين، لكنه لا يصرح أن ايقافها يبدأ بالدخول بالمرحلة الانتقالية والتغيير السياسي، وأن النظام السوري معطل لها فعلياً وأن صياغة الدستور تأتي بعد الانتقال السياسي، بحسب ما أقره القرار 2254 صراحة. فيما اكتفى بإمكانية العمل على تقديم المساعدات الإنسانية للداخل السوري، وتفعيل أعمال اللجنة الدستورية بعد تعطلها الفترة الماضية.
وقدم بيدرسون في عدد من إحاطاته لبعض الجمل المتعلقة بالوضع بالسويداء كإشارات عرضية تتعلق بسوء الخدمات الاقتصادية وببعض الأوضاع الأمنية المختلة، كإطلاق النار على المتظاهرين الرافضين للانتخابات التي أجراها النظام والتي أشار لأنها غير شرعية كونها لا تستند للقرارات الدولية. إشارات بيدروسون هذه لا تتساوى وحجم طروحات وعناوين ساحات الكرامة التي تطرح الحل السياسي كحل لكل كوارثها الأمنية والاقتصادية!
المواقف الدولية
الموقف الأمريكي من المسألة السورية في السنوات الأخيرة تبلور بصيغة خطوة مقابل خطوة، وتمحور حول نقطتين رئيسيتين: الأولى تفعيل قوانين محاسبة النظام من خلال قانون قيصر وقانون مكافحة ّ”الكبتاغون” وقانون مكافحة التطبيع العربي مع النظام السوري، والثانية الاستمرار في دعم الحل السياسي السوري وفق قرار مجلس الأمن 2254، ومتابعة تقديم المساعدات الإنسانية.
تكثفت خلاصة الموقف الأمريكي من سوريا بجملة الاتصالات التي أجراها عدد من نواب الكونغرس الأمريكي الضالعين في تفعيل قوانين محاسبة النظام السوري مع الشيخ “حكمت الهجري” الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء ومع بعض الجهات السياسية فيها كتيار الحرية والتغيير. حتى وصلت لمستوى رسمي لنائب مساعد وزير الخارجية “أيثان غولدريتش” في بدء انتفاضتها، والذي أكد على الحل السوري العام وفق 2254، وعلى أهمية استمرار حراك السويداء في تظاهراتها السلمية ضد النظام السوري حتى تحقيق مطالبها. فيما أكدت الممثلة البريطانية الخاصة بشأن سوريا “آن سنو” التي تابعت الخطوات الأمريكية باتصالها بالشيخ الهجري وذات الجهات السياسية على تطبيق القرار 2254، وان بلادها تراقب الوضع بدقة. فيما استمر الاتحاد الأوروبي بتواصله المتباين زمنياً في ذات السياق أعلاه.
يتضح لليوم أن تظاهرات السويداء محط اهتمام غربي محدود، والتركيز على الحل السوري العام ليس بجديد في سياستها العامة، لكن مجرد التأكيد على أهميته من خلال تظاهرات السويداء يعني أن المظاهرات بحد ذاتها قد حركت الملف السوري بعد جموده الأعوام السابقة. ما يعطي السويداء بعداً مهماً في معادلة الحل السوري، وفي حال استمرارها السلمي والمدني بهذه الطريقة سيزداد الاهتمام بمفاعيل الحل السوري وضرورة البدء بالانتقال السياسي مرة أخرى. وهذا ما كان له من تداعيات على المبادرة العربية، التي بادرت، وعبر الخارجية الأردنية، بالتشكيك بجدية النظام السوري في تطبيق شروط المبادرة ووقف العمل باللجنة الخاصة المكلفة لهذا الشأن. فيما كان بيان المنامة للقمة العربية في البحرين واضحاً في عنوانه عندما أكد على ضرورة تفعيل الحل السياسي وفق 2254.
المتحركات الإقليمية
يبدو المشهد الإقليمي اليوم بعد أحداث غزة قابل للتوسع بإحدى طريقتين: الأولى تحريك أدوات الضغط الإيرانية، سواء من حماس أو حزب الله، للتفاوض على حصتها في كل من سوريا والعراق، والثانية إمكانية التمدد لحرب شاملة إقليمية تتفادها دول الخليج العربي. وفي الحالتين تعني ضلوع النظام السوري في معادلاتها التفاوضية أو العسكرية. ما قد يؤثر على معادلة الحل السوري وحراك السويداء بالضرورة. وحيث إن السويداء ترفض الوجود الإيراني كلياً كما ترفض جميع الاحتلالات العسكرية لسورية، فمن الضرورة التماسك المجتمعي وعدم الانجرار خلف معادلات التحريك الإقليمي المفتعلة، والتمسك بالحل السوري والانتقال السياسي. ما يتوافق وينسجم مع شروط المبادرة العربية بشكل رئيسي. وأن انفتاح الدول العربية بفتح التواصل مع السويداء في هذا السياق، سيزيد من فرص تفعيل الحل السوري العام ويشكل عمقاً حيوياً للسويداء والمنطقة الجنوبية بعمومها يحميها من أية ارتدادات عنفية قد يفتعلها النظام وميليشيات حزب الله كامتداد لأحداث الجنوب اللبناني المتواترة في الفترة الأخيرة، لفتح معركة بعيدة عن الجنوب اللبناني وحزب الله تخفف الضغط عنه، وفتح معارك جانبية مع إسرائيل تستبعد مواجهتها المباشرة في جنوب لبنان، الأمر الذي قد يؤثر على سلمية الانتفاضة في السويداء، ما يستوجب الحذر وعدم الانجرار خلف أية معادلات عسكرية يخطط لها حزب الله وأجهزة النظام.
الخلاصة: أهمية التغيير السياسي:
ثمة ميزات متعددة في انتفاضة السويداء أبرزها:
- أثبتت ألا نية لدى النظام بتقديم أي حل سياسي في المسألة السورية، وليس لديه أية نية للتنازل عن مصالحه المعادية لصالح الشعب، ومستمر برفع الأسعار وأهمها المحروقات دورياً وصلت لخمسة أضعاف ومثله باقي المواد التموينية.
- مظاهرات السويداء اتسمت بمكنونها الوطني والاجتماعي، فهي ذات سمة واضحة مدنياً وسلمياً، لا يمكن وصفها بالإرهاب كما أسبغ على بقية المدن السورية طوال السنوات المنصرمة سواء كانت تنتمي للثورة والمعارضة سلمياً أو مدنياً أو أهلياً أو حتى لمن رفض إطلاق النار على المتظاهرين من العسكريين المنشقين أو فعلياً للحركات الجهادية، وجميعها ألصقها بالشعب السوري لتبرير حملته الأمنية والعسكرية عليه.
- أسقطت عن النظام ورقته الزائفة بحماية الأقليات، والمعروف جيداً أن أبناء السويداء من الأقلية الدينية المعروفة بالموحدين الدروز غير التكفيريين وغير التبشيريين بآن.
- أعادت احياء المسألة السورية بضرورة الحل السياسي وفق مرجعية القرارات الدولية خاصة قرار مجلس الأمن 2254 والقاضي بمرحلة انتقالية تقودها حكومة وطنية مؤقتة، يصار بعدها لانتخاب هيئة تأسيسية لصياغة الدستور والاشراف على انتخابات ديموقراطية برعاية أممية.
من هنا، بات من الضرورة اليوم توضيح ضرورة تفعيل الحل السوري بالانتقال السياسي، والذي سيحقق جملة من الأهداف والمصالح العامة السورية ولدول الجوار والعالم تتجلى في:
1- إيقاف الكارثة السورية والانتصار لمبادئ حقوق الانسان العالمية ومواثيق الأمم المتحدة.
2- تحقيق السلام والاستقرار للسوريين من كل الأطياف وعموم دول منطقة الشرق الاوسط والدول العربية.
3- تحقيق البيئة الآمنة لعودة المهجرين واللاجئين السوريين والبدء بعمليات إعادة الإعمار مادياً وبشرياً وسياسياً ومجتمعياً.
4- الخلاص من التطرف والإرهاب وإيقاف تمدد الميليشيات الإيرانية وحزب الله الطائفية والمصنفة على قوائم الإرهاب العالمي، التي حولت سوريا لأكبر موزع للكبتاغون في المنطقة والعالم، والمنطقة الجنوبية ممراً لها.
5- الحد من العنف والنزاعات العسكرية الإقليمية الممكنة في سوريا خاصة من جهة إيران – ما يجري بغزة دلالة عليها- التي تهدد أمن الخليج العربي والسلام بالشرق الأوسط برمته.
لا يمكن توقع مجريات وسياقات الحدث السوري بعامه، ولا التنبؤ بما سيحدث بالمنطقة الجنوبية في السويداء كنتيجة لمجريات غزة والجنوب اللبناني وارباك النظام أمام تظاهرات السويداء. لكن يمكن تحريك الملف السوري مرة أخرى، مع إمكانية ضلوع الفاعلين الدوليين خاصة الروس والأمريكان، ومن خلفهما دول الخليج العربي، على التفاوض الجدي حول التغيير والانتقال السياسي السوري الملح والضروري اليوم. وجميع هذه الأطراف لها مصلحة فعلية في كف اليد الإيرانية من المنطقة، ومنع تمدد العنف في سوريا مرة أخرى. الأمر الذي يتطلب من السوريين في هيئاتهم السياسية والمدنية والفاعلين منهم في الشأن السوري دعم انتفاضة السويداء والتأكيد على أحقيتها الوطنية السورية وأهميتها المحورية اليوم في الحل السياسي. وبالضرورة العمل الوطني التوافقي على التفاهم على آليات الحل السوري بالتغيير السياسي أولاً واستبعاد التنازع السياسي على أحقية البديل السياسي في مستقبل سوريا، الأمر الذي شتت جميع الجهود والتضحيات السورية واستفاد النظام منها.
مظاهرات السويداء لليوم تعتبر نقطة القوة الأبرز في عودة موضوعة الانتقال السياسي لواجهة الحدث السوري دولياً. الأمر الذي يذكر بمفاعيل المبادرة العربية منتصف عام 2011، وما تلاها من مؤتمر جنيف 1 منتصف عام 2012، والذي كانت خلاصتها ضرورة التغيير السياسي في سوريا بهيئة حكم كاملة الصلاحيات، وذلك نتيجة اتساع رقعة التظاهر السلمي السوري الذي اجتاح غالبية المدن السورية. ما يتطلب بالضرورة تغيير قواعد وآليات العملية التفاوضية بطريقة الحل السوري واستعادة أولويتها بالانتقال والتغيير السياسي وإيقاف العمل باللجنة الدستورية لما بعدها.
وخلاصة هذا المسار يحتكم لاستمرار التظاهر السلمي في السويداء وابعادها عن اية ارتدادات عنفية أو متغيرات إقليمية وتفعيل المبادرات السورية بالحوار المباشر والاستناد إلى:
1- اعتبار التظاهر السلمي في ساحات الكرامة في السويداء أو أية رقعة جغرافية سورية أساس للحل السياسي ورافعته الوطنية المحورية.
2- العمل على توسيع دائرة التحالفات الوطنية السورية بين ممثلي الشعب السوري في مظاهراته السلمية مع قواه السياسية المعترف بها دولياً، والتي لم تعد كافية بمفردها على تمثيله.
3- الحل السوري العام عنوانه: دولة لكل السوريين، دولة الحق والقانون والمواطنة دون تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي، دولة تحترم مواثيق حقوق الانسان العالمي والمعاهدات الأممية الدولية وتلتزم بمقرراتها.
4- العمل المشترك بالتنسيق والتعاون العام على إحداث التغيير السياسي الوطني والدخول لمرحلة انتقالية سورية تمثل مصلحة عامة للسوريين والعرب وكل دول الجوار.
هل هناك خيارات أخرى أمام السويداء؟ كما يحاول البعض الترويج له بوهم إدارة ذاتية أو تفعيل قانون الإدارة المحلية 107 وتطويره؟
سؤال بحثي أوسع يحتاج للتدقيق الرقمي والكمي، ضمن سياق إمكانيات المنطقة الذاتية، وسياق التفاعل السوري معها، رغم اتضاح أولي عام برفضها مجتمعياً ووطنياً، وهو موضوع دراسة كمية لازمة لاستبعاد الوهم والإجابة على أسئلة الممكن والقدرة.
مراجع
[1] ـ السويداء مدينة في الجمهورية العربية السورية وهي مركز محافظة السويداء، وتقع على بعد 100 كم جنوب مدينة دمشق، وتتربّع فوق قمم سلسلة جبلية بركانية خامدة يطلق عليها جبل الدروز، ويتميز الجبل بجمال الطبيعة والمناخ المعتدل البارد صيفاً والبارد جداً في الشتاء وتتساقط الثلوج على أغلب المرتفعات الجبلية، وترتبط المحافظة بشبكة من الطرق الرئيسية التي تصل المدن الرئيسية بالقرى والبلدات. يُشار إلى المدينة من قبل البعض باسم «فنزويلا الصغيرة» بسبب التدفق إلى المدينة من المهاجرين الفنزويليين من أصول سورية من الأثرياء. وسكان المدينة هم بشكل رئيسي من الموحدون الدروز إلى جانب أقلية كبيرة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية. وقد بلغ عدد سكان محافظة السويداء بحسب آخر إحصائية غير رسمية للعام 2022 نحو 770.000 نسمة، أكثر من نصفهم يعيش خارج القطر بين مسافر مؤقت؛ ومهاجر ولاجئ.
[2] ـ محافظة السويداء لها تاريخ حافل بالبطولات ولقد دحر فيها كثير من المحتلين وآخر من هزم المحتل الفرنسي الذي كان من القوى والدول الاستعمارية الكبرى وقد تصدّى أبناء الجبل للمحتل الفرنسي وسطّروا صفحات مشرقة دفاعاً عن بلادهم فقد انطلقت منها الثورة السورية الكبرى، وأهم المعارك الغاية في الأهمية في استمرار الثورة ووحدتها مثل معركة المزرعة ومعركه الكفر وقد عمل قادة الثورة على الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم تقسيم البلاد السورية وكان من أشد المنادين بضرورة بقاء سوريا موحدة وهذا ما حصل وما حققته وحدة الكلمة والثورات التي تكاتفت في كافة أنحاء سوريا وتحت قيادة سلطان الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى.
قدمت العديد من أبنائها شهداءً في سبيل الذَود عن أرضهم، فقد قاتلوا العثمانيين وكانوا من أوائل من دخلوا دمشق بعد خروج العسكر العثماني. وتزعمهم بعد ذلك سلطان الأطرش في الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الاحتلال الفرنسي، وقف أبناء السويداء كقلعة في وجه الاحتلال العثماني من خلال المواجهات العسكرية العديدة، وقاتلوهم كالجبل الصامد. انطلقت الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين من السويداء بقيادة القائد سلطان الأطرش. وقد قامت أولى المعارك في ربوع السويداء كمعركة المزرعة المعروفة التي خسرت فيها فرنسا معظم قواتها الآتية من جنوب سورية نحو دمشق وكانت هذه المعركة بمثابة تحميل الأذى عن أهل دمشق وحماية لهم وانتصاراً سُجٍّل لثوار الجبل وللثورة السورية.
[3] ـ راجع: التكفير الديني وإرهاب السلطات، الموحدين الدروز بين الانغلاق المذهبي والعقد الوطني، ليفانت، 8/2020.
[4] ـ وهذا رأي الغالبية الدينية في السويداء.
[5] ـ البيرق هو راية محلية ودلالة رد عدوان مفترض. استخدمت تاريخياً أثناء صد الغزوات التي تعرض لها جبل العرب من المصريين أو العثمانيين أو الفرنسيين، وهي ذاتها التي تُحمل اليوم في مظاهرات السويداء تعبيراً عن التضامن الوجداني والأهلي دون أن تمثل أية وجهة سياسية محلية. مع ضرورة التنويه لأن استثمار هذه الراية في مظاهرات السويداء سياسياً جوبه بالرفض المطلق حين حاولت بعض الفعاليات السياسية المحلية استثمارها لفرض مشروع الإدارة الذاتية على ساحة الكرامة.
[6] ـ أشارت تقارير وشهادات محلية لضلوع الأجهزة الأمنية وأيادٍ إيرانية مدبرة له، وتعرض الحركة بعدها للتشتت العام بين فصائلها مع انتقال مركزية الحركة لقيادة جديدة من وقتها لليوم متمثلة بالشيخ “يحيى الحجار”.
[7] ـ السويداء هي أكبر مدن جبل العرب أو محافظة السويداء وتشتهر المدينة والمحافظة بآثار رومانية كثيرة. هناك مناطق أثرية كثيرة يعود تاريخها لعصور قديمة بعضها إلى العصر الحجري الأول بدليل الكهوف والمواقع التي استوطن بها الإنسان القديم وهناك عدد من المواقع والكهوف المكتشفة في المحافظة التي دلّت على استقرار الإنسان الأول في المنطقة، وتشتهر مدينة السويداء بمتحفها الذي يضم العديد من أوابد المحافظة الأثرية. تعد المنطقة متحفًا مفتوحًا يضم الكثير الكثير من المدن والمواقع الأثرية الرومانية والبيزنطية والنبطية وغيرها، وتنتشر الأوابد الأثرية في كافة أرجاء المحافظة بشكل كبير، وتتمثّل في المعابد والقصور والأعمدة والكنائس والمسارح والحمامات الرومانية والبوابات وخزانات وأقنية المياه الرومانية واليونانية والجسور والمساكن التي تغطي كل مدينة وبلدة وقرية على امتداد مناطق المحافظة.