لم يغب مشهد اصطفاف الناس وانتظارهم لساعات طويلة عن سوريا، ليطلق عليها “بلد الطوابير”، بينما تعددت طرق تنظيم الأدوار لدى النظام السوري لينتشر مؤخراً ما يعرف بـ “أقفاص الخبز” التي تنتهك كرامة المواطن، ويتبعها النظام برفع سعر مادة الخبز بنسبة 100%.
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أعلنتعن رفع سعر الخبز والطحين المدعوم في مناطق سيطرتها، ليصبح سعر مبيع الكيلو غرام الواحد من مادة الخبز المدعوم 75 ليرة سورية بدون “عبوة عند بيعها للمستهلك”، ويحدد سعر الربطة بـ 100 ليرة سورية “معبأة بكيس نايلون” عند البيع للمعتمدين والمستهلكين من منفذ البيع بالمخبز.
“أبو أحمد” وهو موظف حكومي يقول لـ”مرصد مينا”: “أستيقظ كل يوم في الساعة الثالثة صباحًا لأستطيع ان أؤمن لقمة الخبر لأولادي وأنتظر ثلاث ساعات في الطابور حتى أتمكن من الحصول على الخبز”. مشيراً إلى أنه “بات يتعامل مع مشكلة نقص الخبر في ظل زيادة صعوبات الحياة، بتناول وجبة واحدة والاعتماد على الأرز وغيرها من البوقوليات لتوفير رغيف الخبز الذي بات الحصول عليه صعباً للغاية”.
السوق السوداء..
الموظف أكد أنه “في ظل الازمة الحالي التي لم تتوقف طيلة السنوات الماضية، وصل سعر ربطة الخبز في السوق السوداء إلى ثلاثة ألاف ليرة سورية”. لافتاً إلى أن “المواطن العادي لا يستطيع شراء من هذه السوق لان الأسعار تكون اضعاف مضافة وهي ليست للناس العاديين في سوريا”.
وزارة التجارة الداخلية التابعة لنظام الأسد، قالت إن ” قرارها يرتبط بالظروف الصعبة والحصار المفروض على سوريا وما يسببه من صعوبات في توفير المواد الأساسية للمواطن وشحنها وتسدد قيمتها وارتفاع تكاليفها”
بدوره أكد المدير العام للمؤسسة السورية للمخابز، “زياد هزاع” أن “القرارات فرضتها التحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا بسبب الحصار والمقاطعة الاقتصادية والتي أدت إلى صعوبة تأمين مادة القمح وارتفاع تكاليف نقله ومستلزمات إنتاج رغيف الخبز وأسعار أكياس النايلون المخصصة للخبز”، وفقًا لما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية.
وكان النظام قد قنن استخدام مادة الخبز وبيعها عبر البطاقة الذكية حسب عدد أفراد الأسرة، اذ لا تتجاوز حصة الفرد الواحد ثلاثة أرغفة ونصف الرغيف يوميًا، على أن تباع الربطة بـ 50 ليرة بالبطاقة، ويحق لأسرة مكونة من شخصين الحصول على ربطة خبز واحدة فقط يوميا؛ بينما تحصل العائلة المكونة من ٤ أفراد على ربطتين، والمكونة من 6 أفراد على 3 ربطات، بينما العائلات المكونة من ٧ أشخاص أو أكثر تقتصر على ٤ ربطات من الخبز، بغض النظر عن عددهم في المنزل، وتتكون الربطة الواحدة من 7 أرغفة.
الشمال السوري والقمح..
معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك “جمال الدين شعيب”، أكد أن “صدور هذا القرار الذي سيبدأ تطبيقه من صباح يوم الجمعة، جاء لصعوبة تأمين مادة الدقيق للأفران التموينية جراء العقوبات الاقتصادية. لافتاً إلى أن “تكاليف ربطة الخبز الواحدة تصل إلى 600 ليرة والحكومة تقوم بدعمها بمبلغ 500 ليرة”.
وأوضح “شعيب” أن “هناك أسبابا أخرى تتعلق بتهريب الدقيق التمويني والإتجار به والذي يذهب للقطاع الخاص والأفران السياحية وأفران المعجنات”. مشيراً إلى أن “حرق محاصيل القمح في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية أدى أيضا إلى انخفاض كمية القمح المسوقة من قبل المؤسسة السورية للحبوب ما أدى إلى رفع تكاليف تأمين المادة بشكل كبير واستيرادها وبالتالي ارتفاع تكلفة إنتاج الرغيف”.
حكومة نظام الأسد أعلنت في وقت سابق، عن وجود أزمة في كميات القمح والطحين المتوفرة في الأسواق، وأنها بحاجة لاستيراد ما لا يقل عن 200 ألف طن من القمح شهرياً لسد العجز، متهمةً ” قوات سورية الديمقراطية التي تسيطر على مناطق زراعة القمع في الجزيرة السورية، بمنع المزارعين من ارسال القمح إلى مناطق سيطرة النظام.”
وأصدرت “الإدارة الذاتية”، لمناطق شمال شرق سوريا ، في 6 حزيران/يونيو الفائت، قراراً يقضي بمنع تصدير “محصول القمح” خارج حدود مناطق سيطرتها شمال وشرق سوريا، من خلال بيان رسمي.
صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، أكدت أن وزير التجارة الداخلية “طلال البرازي” رفض التعهد بعدم رفع سعر الخبز، وذلك خلال جدال بينه وبين رئيس “الاتحاد العام لنقابات العمال” جمال القادري، أثناء حضوره أعمال مجلس الاتحاد، قبل أيام.
وأشارت الصحيفة أن “القادري” حاول أن يأخذ من “البرازي” تعهداً بعدم رفع سعر الخبز، لكن الأخير أصر على أن المهم هو ضمان جودة الرغيف.
أزمة جديدة..
“أبو أحمد” يوضح لـ”مينا” أن “المخصصات السابقة لا تكف العائلة، وتجار الازمات في كل أزمة يستغلون ظروف المواطن الصعبة، ولتجاوز دور الزحام يجب أن تدفع سعر الربطة ربطة بين 500 إلى 1000 ليرة”. مؤكداً أن “معاناة المواطن لا تتوقف عند ربطة الخبر والشتاء قادم وأزمة الوقود لا تختلف عن ازمة مادة الخبز، بل ستكون أكثر صعوبة على المواطنين في ظل استراتيجية النظام والفساد الذي يستشري في كل المفاصل”.
ويعاني السوريون في مناطق سيطرة النظام من أربع أزمات رئيسة، هي ارتفاع الأسعار، وأزمة الوقود والخبز، وأزمة في النقل سببتها أزمة الوقود، اذ يعيش تحت خط الفقر 90% من السوريين، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا.
محللون اقتصاديون يؤكدون أن الأزمة الاقتصادية في سوريا ستزداد، وستواجه انهيار للعملة ونقص في السلع الأساسية، بسبب أزمة كورونا والأوضاع الاقتصادية في لبنان التي تنعكس على الواقع السوري.
وأكد المتابعون للشأن السوري أن “العقوبات الأميركية على النظام السوري بموجب قانون قيصر، أحد أهم العوامل الأساسية في انهيار العملة واتساع ازمة تأمين المواد الأساسية ولا سيما بعد طرح حزمة العقوبات الثالثة بموجب قانون قيصر والذي يحظر التعامل مع النظام السوري الذي يعتمد على الدعم الإيراني والروسي في مواجهة ازمته الاقتصادية.
بينما يبلغ متوسط الأجور في سوريا 149 ألف ليرة سورية (60 دولارًا أمريكيًا) في الشهر، وتبدأ من 37 ألف ليرة، ويزيد من الأزمات انخفاض قيمة الليرة السورية، إذ وصل سعر الدولار الأمريكي الواحد، اليوم الجمعة إلى 2490 ليرة سورية.
يذكر أنه وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، يعيش 90٪ من السوريين في مختلف الأجزاء التي يسيطر عليها النظام يعيشون تحت خط الفقر، وبلغت البطالة 80٪ ، كما أكد برنامج الغذاء العالمي أن 9.3 مليون سوري يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة قدرها 1.4 مليون في الأشهر الستة الماضية وحدها، وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق.