كانت الفرصة سانحة لدينيس كوليسنيك، المستشار والمحلل الفرنسي، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، لإجراء مقابلة مع إيجور سيميفولوس، الخبير الأوكراني في شؤون الشرق الأوسط ومدير مركز الأبحاث AMES (جمعية دراسات الشرق الأوسط)، الذي تم إنشاؤه عام 1994.
شنت حماس هجوماً قوياً على إسرائيل، في أوائل تشرين الأول/أكتوبر. كيف تفسر هذا التوقيت؟ وما هي الجهات الفاعلة الإقليمية التي يمكن أن تستفيد من هذا الهجوم؟
يعتبر يوم 7 أكتوبر تاريخًا رمزيًا بما أنه يصادف الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران. من الواضح إذًا، أن هذا ليس من قبيل الصدفة. أعتقد أن حماس خططت للهجوم في هذا اليوم.
السؤال الأهم هو ماذا أرادوا أن يفعلوا. في الواقع، العديد من الروايات يتم تداولها حالياً، بما في ذلك روايات غريبة مفادها أن حماس كانت تستعد لشن هجوم ثان، وأنها كانت ستهاجم مدناً إسرائيلية كبرى لو نجح الهجوم الأول. أعتقد أن هناك القليل جدًا من الحقيقة في هذه الإصدارات. فوفقا للمنطق الأساسي، حماس هي قوة مشاة خفيفة، وبالتالي فإن مثل هذه النسخة تكاد تكون مستحيلة.
ولكن هناك روايات أكثر واقعية كذلك، تؤكدها تصرفات حماس إلى حد ما. الأولى تتلخص في إلحاق هزيمة استراتيجية بإسرائيل، بمعنى إثبات أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على احتواء حماس. والثانية هي أخذ أكبر عدد ممكن من الرهائن ثم مبادلتهم بأسرى فلسطينيين. وهي ممارسة كانت موجودة بالفعل.
ونستذكر هنا قضية جلعاد شاليط، الجندي الإسرائيلي الذي تمت مبادلته بألف أسير. وأعتقد أن بعض الناس في غزة ربما كان لديهم هذا السيناريو في ذهنهم، حتى كسيناريو رئيسي.
ونجد كذلك نسخة عبرت عنها حماس نفسها. والتي بإمكاننا أن نشكك في صحتها طبعًا. لكنها تستحق التعبير عنها لأنها تتناسب مع السياق العام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حيث يقولون أن القضية الفلسطينية اختفت عمليا من العناوين الرئيسية في العالم العربي في السنوات الأخيرة، ولم يعد أحد مهتما بها، وأن العرب بدأوا يقتربون بنشاط من إسرائيل و مثل هذا الحدث كان ضروريا لتغيير هذا الوضع.
إذا نظرنا إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، نتذكر أنه كانت هناك فترات هدأ فيها هذا الصراع، ولم تكن هناك أعمال نشطة، ثم كانت هناك العديد من الأعمال الإرهابية التي ارتكبها الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم، واختطاف الطائرات، واغتيال الرياضيين الإسرائيليين. خلال دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ، الخ. كل من هذه الهجمات الإرهابية أعادت إشعال المناقشات حول فلسطين وخلقت موجات جديدة من المجادلات. وهو ما سعت إليه حماس بهذا الهجوم.
لكنها أدركت أن إسرائيل سترد بقوة على مثل هذا الهجوم. أليس كذلك؟
نعم لقد فهموا ذلك. ولكن السؤال هنا هو معرفة إلى أي مدى فهموا ذلك؟ أظن أنهم فهموا أن إسرائيل ستشن عملية برية هناك. لكنهم اعتقدواعلى الأرجح أنهم سيمنعونها من القيام بذلك.
كما كان من الجلي أن أغلب التقديرات كانت تشير إلى أن العالم العربي سوف ينهض وأن جبهة ثانية سوف تنفتح على الأغلب، كما حدث في 2006. و ربما كانت حماس، بعبارة أخرى، تعتمد على المساعدات الخارجية، ولكنها لم تحصل عليها. وهذا يعني أنها أخطأت في حساباتها. ونتيجة لذلك، فإنها ستفقد السلطة وتخلق وضعا صعبا إلى حد ما في الشرق الأوسط فيما يتعلق بإعادة احتلال إسرائيل المحتمل لغزة.
ما هي الدول الأخرى، حسب رأيك، التي يمكنها استغلال هذا الوضع لتعزيز مصالحها؟
أرغب في طرح السؤال بطريقة مختلفة: من خسر هنا؟ مما لا يدعو للشك أن السياسة الأميركية تضررت بشدة. إذ كانت مجمل الاستراتيجية الأمريكية، بصفة عامة، تنص على تشكيل مثل هذا التحالف في الشرق الأوسط، بين الدول العربية المعتدلة وإسرائيل. وكان هذا التحالف يهدف إلى كبح جهود إيران التوسعية. وهي إستراتيجية مهمة بالنسبة للأميركيين لأنها وفرت أموال دافعي الضرائب الأميركيين. ويمكن بعد ذلك تخصيص موارد أقل لاحتواء إيران.
فمجرد وجود هذا التحالف من شأنه أن يسمح للأميركيين بالتصرف بحرية أكبر، بما في ذلك في الشرق الأوسط، من خلال مناشدة الدول العربية المعتدلة. وهو ما لم يحدث حتى الآن، على الرغم من أن اتفاقيات إبراهيم والمفاوضات مع السعوديين وغيرهم، أصبحت الآن معلقة إلى حد كبير.
أما فيما يخصّ المستفيدين، فإن أحد أهمهم هي إيران. لأن طهران لم تستسغ التقارب بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط، مثل السعودية، واتفاقيات إبراهيم.
ومن المهم أيضًا بالنسبة للإيرانيين أن يعززوا نفوذهم. وتظهر الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني إلى الرياض لحضور اجتماع الجامعة العربية أنها خطوة غير مسبوقة في التقريب بين الأتراك والإيرانيين والعرب. وهذا يعني أن إيران والدول العربية على الأقل لديها مجال اهتمام مشترك.
وقد اكتسب بشار الأسد الشرعية الكاملة. ولم يعد أحد يتذكر أنه دكتاتور متعطش للدماء، أو ما فعله في سوريا. أما الصينيون الذين يلعبون بنشاط كبير على هذه التناقضات، يستخدمون قوتهم الناعمة لتعزيز مصالحهم، ومن الجلي أن روسيا تواصل التقليد السوفييتي وتقف إلى جانب العرب، وفي هذا الصدد، يمكننا أن نتذكر تصريح بوتين في بداية هذا الصراع، والذي قال فيه إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط قد فشلت. وهذا هو خلاصة رؤية بوتين لما يحدث وما يجب أن يحدث في الشرق الأوسط.
الروس ليسوا قلقين للغاية بشأن احتمال تدهور العلاقات مع إسرائيل. وهم في الواقع مقتنعون بأن وجودهم في سوريا لن يترك لإسرائيل مجالاً كبيراً للمناورة. وفي الوقت نفسه، يؤكدون من جديد على أهمية علاقتهم الاستراتيجية مع إيران.
كيف ترى تقدم الأحداث في ظل توقف التقارب بين إسرائيل والدول العربية؟
من غير المحتمل على المدى القصير، أن نعود إلى فكرة دفء العلاقات، على الأقل، طالما لم يتم حل مسألة غزة. بمعنى آخر، يجب اتخاذ قرار أساسي سيكون له تأثير على المستقبل. كل ما أستطيع قوله اليوم، لا يملك أي من الفاعلين في الشرق الأوسط رؤية واضحة للوضع.
مثلًا، تبعث إسرائيل إلى حد كبير برسائل متناقضة تماما، بدءا بفكرة إمكانية حدوث نكبة ثانية. وهي تصريحات غريبة من المسؤولين الحكوميين. بالإضافة إلى أن نتنياهو نفسه يتأرجح بين موقف صعب للغاية، مقرب من شركائه في ائتلاف الصهاينة المتدينين اليمينيين المتطرفين، وبين مطالب الأميركيين. ورغم طبعه العنيد، إلا أنه لا يحب اتخاذ القرارات. بعبارة أخرى، هو عادة ما يؤخر اتخاذ القرارات لأطول فترة ممكنة، على أمل أن يتم حلها من تلقاء نفسها أو أن يحدث شيء آخر.
وربما يكون الأمر صعباً بالنسبة لزعيم يواجه صراعاً بهذا الحجم. لأنه عليه أن يتحمل مسؤوليات سياسية هو يخاف منها. فالوحيد الذي لم يتحمل مسؤولية فشل الوضع الأمني في 7 أكتوبر هو نتنياهو.
وماهو السيناريو الذي يمكن أن ترحب به الدول العربية بهدف إنهاء الحرب وإستئناف مفاوضات التقارب مع إسرائيل؟
حسب ما فهمته، لقد تمت بالفعل صياغته بطريقة عملية. يتمثل الأمر في إنهاء الحرب على غزة في أسرع وقت ممكن. وقد وافقت الدول العربية ضمنياً على ضرورة تدمير حماس.
ورغم أن هذه الأخيرة قد تخلت على علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين، إلا أننا نفهم أنها فرع فلسطيني من جماعة الإخوان المسلمين المصرية. بالنسبة لكثير من الناس، فإن الإخوان المسلمين هم قضية الأمن الداخلي لمختلف دول المنطقة. ولذلك فإنهم لن يعارضوا بشكل خاص تدمير حماس باعتبارها مصدر إزعاج. ولكن، يبقى السؤال الحقيقي هو ماذا قد يحدث في غزة، لأن الحل الوحيد يتلخص في نقل هذه الأراضي إلى السلطة الفلسطينية. والحكم الذاتي الفلسطيني في الوقت الحالي ضعيف للغاية ومعرض للخطر بشكل جسيم، ولا سيما بسبب تصرفات الحكومة الإسرائيلية، التي بذلت الكثير للحول دون العودة إلى شكل المفاوضات المباشرة مع حل الدولتين. وكانت مهمتهم الرئيسية تتلخص في تشويه سمعة الحكومة والحكم الذاتي الفلسطينيين، والحفاظ على حماس باعتبارها البعبع الذي يبرهن على ما قد يحدث إذا مُنحت فلسطين دولتها.
إن مستقبل غزة دون عودة الفلسطينيين وحكمهم الذاتي أمر غير مقبول بالنسبة للعرب. ولن يقبلوا بسيناريو آخر يتضمن الاحتلال الإسرائيلي لغزة. ومن المهم أيضاً أن يقوم الأميركيون بإصلاح السلطة الفلسطينية وجعلها أكثر فعالية.
وهناك حرب أخرى قائمة، وهي الحرب الروسية-الأوكرانية. كيف تصفون سياسة القوى الإقليمية تجاه الصراع المسلح الروسي-الأوكراني؟
هم يظلون محايدين بصفة رسمية. وقد ظهر مصطلح جديد في المملكة العربية السعودية : الحياد النشط، والذي يعني ضمناً مشاركة أكثر نشاطاً في البحث عن حلول للصراعات. حسب ما يلوح لي،فإن موقف محمد بن سلمان يتمثل في أن المملكة العربية السعودية، باعتبارها واحدة من الدول الرئيسية في الشرق الأوسط، يمكنها ويتحتم أن يكون لها مصلحة في إعادة التوزيع الشامل للموارد في العالم. وهنا، أريد أن أؤكد أن القوة هي أيضا مورد. كذلك التأثير على صنع القرار بُعتبر مورد. ومن المهم بالنسبة لهم أن يتصوروا ويروا هذا الصراع على أنه ليس نزاعًا محليا، بل هو قادر على أن يغير موازين القوى في العالم. وتحاول الرياض وحلفاؤها تأمين مكان لهم في عملية التفاوض المستقبلية التي ستعيد توزيع الموارد حول العالم.فيما تتمثل نوعية هذا التفاوض؟ لا أحد يفهم أو يدرك منهم أطرافه أو من سيجلس على تلك الطاولة. لكن من المؤكد أن العرب لا يريدون أن التشبه بما فعلوا خلال الحرب العالمية الأولى أو الثانية. إذ لم يكن هناك شيء يعتمد على وجهات نظرهم ومواقفهم، في ذلك الوقت.
وبناءً على ذلك، يظل السعوديون محايدين، من وجهة نظر معينة. ويحاولون تعزيز سيادتهم، بما في ذلك في المفاوضات مع الأمريكيين. يمكننا هنا الحديث، على سبيل المثال، عن زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط العام الماضي والمفاوضات التي لم تسفر إلا عن القليل أو لا شيء. وتشير أيضًا إلى أن بن سلمان على الأقل لا يرى نفسه عميلاً لأميركا، بل شريكًا على قدم المساواة.
ولكن، تطرح هنا كذلك، أسئلة حول العلاقات مع بكين وروسيا. فقد أتعب السلام الأمريكي الكثير من الناس، لكن لا أحد يعرف ما قد يحدث بعد ذلك. ألن يتبين مثلاً أنه بدلاً من الأميركيين بتوجهاتهم العملية واستعدادهم للتسوية، ستكون هناك قوى تتجاهل ذلك تماماً؟ فالصينيون، مثلًا، يمكنهم ضخ الكثير من الأموال إلى المملكة العربية السعودية، ولكن يمكن أن يكلفوا الرياض غاليًا أيضًا.
أو الروس، الذين يلعبون اليوم دور الشريك الأصغر للصينيين، لكنهم في الوقت نفسه يهيمنون من وجهة نظر أيديولوجية. وحتى الصينيون، في الواقع، يكررون كل الرسائل الرئيسية التي يرسلها الروس. بمعنى آخر، تحاول المملكة العربية السعودية ممارسة ألعاب جيوسياسية كبيرة قدر استطاعتها. ولا أستطيع أن أقول إنها ناجحة، ولكننا نرى أن سيادتها وثقلها في العالم يتزايدان.
وفي ذات السياق، فإن قرارات الدول الرائدة في الشرق الأوسط ليست هي المهيمنة، حيث لا تستطيع وحدها فرض قرار معين حتى في المنطقة. وفي نظرهم، كانت الحرب الروسية-الأوكرانية مجرد فرصة للتعبير عن أنفسهم. وقد استغلوا ذلك لمصالحهم من ناحية، وتعزيز ثقلهم على الساحة العالمية من ناحية أخرى. ولكن هناك جانب آخر: الأمن الغذائي في المنطقة. إذ يعد الوضع في أوكرانيا وإمدادات الغذاء من هذه الأخيرة إلى دول الجنوب عنصرين مهمين للغاية. ولا يمكنهم تجاهل ذلك في سياستهم ويجب عليهم تأمين ممر النقا. لكن عمل هذا الممر ليس مهما، والشيء الرئيسي هو أن الحبوب يتم نقلها إلى الشرق الأوسط.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما الدولتان اللتان قدمتا لأوكرانيا مساعدات إنسانية كبيرة. فنحن نتحدث عن مئات الملايين من الدولارات إذا لم أكن مخطئا، 400 مليون دولار لكل منها، لكننا لا نسمع الكثير عنها.
هناك أيضا مسألة الاستياء. وتستند معظم المشاعر المعادية للغرب والمعادية للولايات المتحدة على هذا الاستياء. ومن الطبيعي أنهم سيبحثون عن أي حليف لتحقيق هذا الاستياء. ومن هذا المنطلق، فإن الصين وروسيا هما على وجه التحديد الدولتان اللتان تقدمان الموارد اللازمة لكي يصبحوا أقوى، وللتأثير على عملية صنع القرار، ومن غير المرجح أن تكون هذه القرارات ملائمة للمصالح الأمريكية. كما أن ذاكرة الاتحاد السوفييتي كبديل للغرب، والذي بفضله تمكن العرب من موازنة أنفسهم، تلعب دوراً أيضاً.
نتذكر كل الحروب التي دارت في الشرق الأوسط وانتهت بالمفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. إنهم يرغبون في العودة إلى هذا التنسيق، ولكن مع لعب دور أكثر أهمية.
كيف تصف الديناميكيات الرئيسية في المنطقة منذ بضع سنوات خلت وحتى اليوم؟ وكذلك روسيا والصين؟
فلنبدأ مع الروس. هم بحاجة إلى الحفاظ على الوضع الراهن، الأمر الذي سيساعدهم على تعزيز مواقفهم تدريجياً. و الصراعات في الشرق الأوسط تمنحهم الفرصة. مثلما دخلوا الشرق الأوسط من خلال هذه الصراعات. والآن، بفضل هذا، يمكنهم على الأقل رفع علمهم هناك.
صراع كامن سيسمح لروسيا بإبقاء إسرائيل مقيدة بقوة، بدافع من مصالحها الإستراتيجية في الصراع مع إيران. ونرى في رد فعل إسرائيل على الصراع الروسي الأوكراني مثالًا ممتازًا.أظن أن التحالف الروسي الإيراني اتخذ منعطفا غير مسبوق، في الفترة الأخيرة.فقد كان من المستحيلفي السابق، تخيل مثل هذا التحالف بكل بساطة. لكننا اليوم نرى أن هذا التحالف يتطور بنجاح. وليس فقط في سياق الحرب في سوريا، ولكن أيضًا في سياق الحرب في أوكرانيا، والآن في سياق الحرب في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، الاتصالات تتزايد وهي روابط نظامية تعزز الوجود الروسي من جهة، وتخلق، من جهة أخرى، إطاراً معيناً يمكنهم الخروج منه، مع مراعاة مصالح إيران.
وإذا تحدثنا عن الأميركيين، كان من المهم بالنسبة لهم إنشاء هذا النظام الأمني الإقليمي الذي من شأنه أن يردع إيران، والذي سيكون موجوداً دون تدخل أميركي. بمعنى آخر، سيتواجد بمفرده، وستكون لهذه الدول مصالح مشتركة من شأنها أن تدعم هذا النظام الأمني، ومن ثم يتوقع الأمريكيون إنفاق موارد أقل. ولهذا السبب نتحدث عن القوة الناعمة، بدلاً من القوة الصارمة التي يضطرون إلى استخدامها عندما يتعلق الأمر بسوريا والعراق والقتال ضد المنظمات الإرهابية الأخرى.
يلعب الاتحاد الأوروبي، في هذه الحالة، دورًا ثانويًا. على سبيل المثال، ليس لديه مصالح خاصة في الشرق الأوسط، لكن لديه مصالح في الاستقرار وضمان عمل الأسواق وحرية الملاحة وإمدادات النفط. وربما يكون انخفاض عدد المهاجرين من الشرق الأوسط قضية مهمة أيضًا بالنسبة إليه.
بعض دول الاتحاد الأوروبي لديها مصالح خاصة. و هي إسبانيا، إيطاليا وفرنسا. وإذا كان للبلدين الأولين مصالح في بلدان المغرب العربي، فإن الفرنسيين لديهم كذلك سياسة تقليدية في العالم العربي. وهذا يتعلق قبل كل شيء بلبنان وسوريا. بمعنى أن كل هذا يمكن أيضًا، على الأقل، أن ينعكس في التصريحات ذات الصلة لنفس الرئيس الفرنسي ماكرون.
لقد استثمر الصينيون، في الآونة الأخيرة، الكثير في الشرق الأوسط. وهم على طريق التوسع الاقتصادي. بالنسبة لهم، فإن سلامة طرق النقل وتوريد سلعهم مهمة للغاية. إنهم بحاجة إلى التواجد في المحيط الهندي والخليج الفارسي. وبحاجة إلى حلفاء هناك، حتى إن كان لهم وجود بحري دائم، كما هو الحال في جيبوتي. وفي الوقت نفسه، فإنهم يعملون بنشاط على الجبهة الدبلوماسية، والنجاح الأكبر هو استعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران.
هذه الأخيرة هي أيضاً لاعب مثير للاهتمام، وخاصة فيما يتعلق برؤيتها وثقافتها الاستراتيجية، فضلاً عن أفكارها حول كيفية ضمان مصالحها في الشرق الأوسط. فمن ناحية، تعتبر الوحدة الإسلامية مهمة بالنسبة لهم. وهم يستخدمون كل نقاط الألم، وكل الصراعات الناجمة عن الصراع العربي-الإسرائيلي لتعزيز هذه الرسالة، وهذه الرواية الإسلامية الشاملة.
من حيث المبدأ، تعتبر الوحدة الإسلامية ثانوية لإيران، لم تعتمد عليها أبدًا. وفي وقت من الأوقات، أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بسبب الحرب بين العراق وإيران، لأن جميع الدول العربية في ذلك الوقت، كانت تدعم العراق. إذًا فهم يفهمون حدود هذه الأداة.
ولا شك أن المذهب الشيعي هو الركيزة الأكثر أهمية في ثقافتهم الاستراتيجية، وهي أيضاً ركيزة مفيدة للغاية. وهذا يعني أنه لضمان أمن إيران نفسها، من الضروري أن تستمر الحروب في أماكن أخرى، ولكن ليس على أراضي إيران نفسها. لذلك فمن المنطقي دعم الجماعات الشيعية في الشرق الأوسط، وتقويتها، وإنشاء وحدات جاهزة للقتال، بحيث ينشغل العرب بقتال بعضهم البعض داخل العالم العربي وعدم تشكيل جبهة موحدة ضد إيران.هناك عنصر آخر مهم في الثقافة الاستراتيجية الإيرانية هو الحضارة الفارسية. يشير هذا العنصر إلى أن إيران كانت دائمًا محاطة بالأعداء. نوع من القلعة المحاصرة، تماما مثل روسيا. فالبلدان متشابهان جدا.
ولضمان الأمن ومنع الأعداء من التوحد حولهم، هم بحاجة إلى حلفاء. وهم يبحثون عن هؤلاء الحلفاء. وفي هذه الحالة، فإن الصين وروسيا هما بالضبط الحليفان اللذان يسمحان لهما بالبقاء والدفاع عن نفسيهما في هذه الظروف. ان يسيطروا على الشرق الأوسط بأكمله. وليس لديهم طموحات إقليمية كبيرة. و أنا هنا أبسط الكثير، لكنهم يفترضون أن هناك أعداء في كل مكان وعليهم الدفاع عن أنفسهم. كانت تركيا،لفترة طويلة، و حتى في عهد أتاتورك، حذرة بشأن الشرق الأوسط. بالنسبة لها، يظل الشرق الأوسط يشكل تهديدا وتذكيرا مؤلما بالإمبراطورية العثمانية التي اختفت.
بالنسبة لأردوغان، حتى أثناء الصراع مع الأكراد في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان تصوره للمصالحة مع الأكراد يرتكز على حقيقة أن الأتراك والأكراد شعبان مختلفان، إلا أنهم جميعًا مسلمون. ويمكن للعامل الإسلامي أن يوحدهم، لكنه كما تعلمون لم ينجح في حالة المسألة الكردية، لأن القومية الكردية هي أيضا علمانية في الأساس، وبهذا المعنى فهي تتناقض مع سياسات أردوغان.
لكن الربيع العربي فتح نافذة من الفرص لهذا الأخير. لقد غيرت تركيا موقفها بشكل جذري في الشرق الأوسط، إذ دعمت بنشاط الحكومات الإسلامية، خاصة في مصر وتونس وليبيا، وتدخلت بشكل مباشر في الحرب في سوريا. لقد انخرط الأتراك في حرب تتعارض مع ثقافتهم الإستراتيجية، لأنه كانت لديهم في وقت من الأوقات رؤية واضحة ومتميزة مفادها أنه لا ينبغي لتركيا أن تشن حربًا بالقرب من حدودها. تركيا الآن مزروعة في سوريا ولا تعرف ماذا تفعل بها. مع وجود عدد كبير من اللاجئين، ومع الأراضي المحتلة في شمال سوريا، ومع عملية تفاوض معقدة تضم روسيا أيضًا.
أما السعودية فتحددها سياسات محمد بن سلمان وجاذبية الأمريكيين، مما لا يسمح لها باتخاذ إجراءات جذرية. و تدرك المملكة أن أمنها يعتمد إلى حد كبير على التعاون النشط المستمر مع الأميركيين. حيث أظهرت حرب اليمن ضعف الجيش السعودي وعدم قدرته على تحقيق الأهداف الاستراتيجية رغم تجهيزه الجيد.و بخصوص الصراع الحالي في غزة، تريد الرياض أيضًا أن تكون المستفيد، حيث تأمل على الأقل أن تكون المملكة العربية السعودية الدولة التي ستنشئ الدولة الفلسطينية. هذا مهم بالنسبة لهم.
فالإمارات دولة لديها طموحات كبيرة، وتنافس السعوديين على النفوذ، وتمتلك موارد كبيرة توزعها وتستثمرها في مشاريع سياسية مختلفة في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، مصالحهم في السودان ومصر وليبيا، حيث يدعمون حفتر.
وهناك أيضاً مصر، الدولة الأكبر في الشرق العربي، والتي لا تزال تنظر إلى نفسها باعتبارها الدولة الرئيسية، أو المركز، إذا جاز التعبير، الذي ينبغي أن تدور حوله كل سياسات الشرق الأوسط. ومع ذلك، يعاني هذا البلد من مشاكل داخلية خطيرة، وعلى المستوى الاقتصادي، لا تلعب البلاد الدور الذي كانت تتخيله.
كما أنها تجد نفسها في وضع صعب إلى حد ما فيما يتعلق بالحرب في غزة، لأنه من ناحية فإن التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل مهم للغاية، ومن ناحية أخرى، فإن ضغط الشارع قوي جدًا، ولا يمكنها أن تتجاهل ذلك. القضية الأساسية هي الأمن في شبه جزيرة سيناء، وبالتالي ما يجب القيام به مع قطاع غزة واللاجئين، لكنها قضية سياسية وأمنية، وكذلك مسألة اقتصادية.
فلنتحدث الآن، عن سياسة أوكرانيا في المنطقة. كيف تصف ذلك ومن هم الشركاء الرئيسيون لأوكرانيا؟
موضوعيًّا، يبدو حجم التبادل التجاري بين مختلف البلدان لعام 2021، أي قبل بدء حرب واسعة النطاق، وبالتالي: يعتبر حجم المبيعات مع المملكة العربية السعودية إيجابيًا بالنسبة لأوكرانيا، حيث يبلغ حوالي 880 مليون دولار. مع الإمارات العربية المتحدة نحو 0.6 مليار دولار، ومع مصر 1.6 مليار دولار، وكلها لصالح أوكرانيا. أما قطر فتبلغ 200 مليون دولار، والأتراك 8.7 مليار دولار، وإسرائيل نحو 0.9 مليار دولار. ومن الناحية الاقتصادية، تعتبر تركيا شريكا رئيسيا لأوكرانيا.
ولكن إذا نظرت إلى المبلغ الإجمالي للأموال التي نتلقاها من الشرق الأوسط، يصبح من الواضح أننا بحاجة إلى علاقات مع كل هذه البلدان. فهذا سوق، واستثمار، ويمكننا أن نتذكر أننا طورنا نظام صواريخ “فيلخا” وأشياء أخرى كثيرة بفضل الأموال العربية. ولهذا السبب فإن التعاون مع الدول العربية مهم جدًا أيضًا بالنسبة لصناعة الدفاع الأوكرانية. ولكن هناك أيضًا مسألة تحديث الموانئ، حيث تهتم الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة بالموانئ الأوكرانية ومستعدة للاستثمار هناك. دون أن ننسى مسألة الزراعة. بمعنى آخر، نحن بحاجة إلى الشرق الأوسط من وجهة نظر اقتصادية، ولكن أيضاً من وجهة نظر أصواتهم في المنابر الدولية مثل الأمم المتحدة.
لكن أمام أوكرانيا الكثير لتفعله في هذا المجال، على سبيل المثال من خلال بناء رواية أوكرانية في الشرق الأوسط باللغة العربية. وهذا حضور طويل الأمد في مجال الإعلام وحضور سياسي يحتاج إلى تطوير.
إضافة إلى أن دول الشرق الأوسط تراقب كيفية تصويت أوكرانيا في الأمم المتحدة وكيف تتصرف في المحافل الدولية. وفي المقام الأول من الأهمية، يتعين على أوكرانيا أن تتصرف وفقاً لمصالحها الوطنية. وتشرح لشركائنا سبب تصويتنا بطريقة أو بأخرى. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن هذا هو بالضبط ما فعلته أوكرانيا عندما لم تصوت لصالح إنهاء الحرب في غزة. وقد إمتنعت أوكرانيا عن التصويت لأن النص لم يتضمن إدانة لحماس، وهو ما كان موضوع تفسير منفصل.
باختصار، يكمن الحل الجيد الوحيد لأوكرانيا في هذا السياق في الالتزام بمبدأ القانون الدولي.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.