في الوقت الذي خرج فيه آلاف العراقيين في عدد من المحافظات، لاحياء الذكرى الأولى لـ “ثورة تشرين” التي لم تكتمل، حرض زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” على الاحتجاجات، محذراً ممن وصفهم بـ”المندسين المشاغبين” المدعومين من الخارج الذي بدأوا يخرجون “الثورة عن سلميتها”.
زعيم التيار الصدري لم يكتف بذلك، ووضع الصدر، علامات تعجب واستفهام على قرار الحكومة العراقية “نزع سلاح القوات المكلفة بتأمين مواقع التظاهرات”. مطالباً بـ”بسط الأمن وفتح الطريق وإرجاع هيبة الدولة ” وردع من وصفهم بـ”الوقحين والمخربين” الذين يعملون على “زعزعة الأمن”
وكان الأول من أكتوبر (تشرين الأول) في العام 2019 أشعل الشرارة الأولى للاحتجاجات التي بدأت بشكل عفوي للمطالبة بتغيير الطبقة السياسية، ومعالجة البطالة وتحسين الخدمات الأساسية والحد من تزايد نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وفسادها.
المؤامرة والميليشيات..
أحد الشباب الناشطين في تظاهرات ذكرى الثورة العراقية قال لـ”مرصد مينا”: ” إن ثورة تشرين تمثل جيل الشباب العراقي الرافض للطبقة السياسية التي ساهمت وكانت شريكاً في تدمير العراق وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية”. موضحاً أن “كل ذلك يصب في مصلحة ايران التي تسيطر على قرار العراق وسيادته من خلال ميليشياتها المسلحة التي ساهمت في قتل المتظاهرين”.
وأضاف: “كلام الصدر أكبر دليل للتحريض على سفك دماء المتظاهرين، ويحاول اثارة أنصاره للقيام بأعمال العنف لاثبات نظرية المؤامرة والتدخلات الخارجية التي يروجون للحشد أكبر عدد من التأييد”. موضحاً أن ” الصدر فشل في اختراق الانتفاضة العارمة التي انطلقت قبل عام في العراق، وهو لم يكتف بمحاولة ضرب الحركة الاحتجاجية بالطرق السياسية بل شارك في قمع المظاهرات من ميليشيات القبعات الزرق”.
وأكد رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي”، أنه “أمر قوات الأمن بعدم استخدام السلاح ضد المتظاهرين”. مؤكداً أنه يعمل على انصاف شهداء أكتوبر 2019.” ودعا المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء، اللواء يحيى رسول، دعا المتظاهرين للبقاء في ساحة التحرير، لاعتباره أنها المكان الوحيد “الآمن تماماً”.
وغطت ساحة التحرير المعقل الرئيسي للاحتجاجات في بغداد، صور “شهداء” الانتفاضة، بينما تجمع متظاهرون قرب المنطقة الخضراء، بالقرب من مقر الحكومة والبرلمان والسفارة الأمريكية، وانقسموا ليتوجه بعضهم إلى المنطقة الخضراء عند الجانب الثاني من مدينة بغداد.
بينما أوضح مسؤولون أمنيون أن “قوات الأمن العراقية اشتبكت مع متظاهرين مناهضين للحكومة في بغداد أمس الأحد، الامر الذي أدى إصابة نحو 50 شخصاً من المتظاهرين وقوات الأمن”.
ثورة لم تكتمل..
وأصر المتظاهرون على رفع صور الشهداء الذي سقطوا خلال الاحتجات، فيقول الناشط “حيدر” لـ”مرصد مينا” : إن “القصاص من القتلة أول مطلب لنا، وهو البداية لتأسيس مرحلة جديدة، لعراق جديد بعيد عن الوصاية الخارجية، وازلام ايران الذين يحتكرون السلطة، ويخلقون الفتن التي تغذي حقدهم الطائفي”. مؤكداً أنه “لم يتحقق أي تغيير وإصلاح، ومفاصل الدولة والبرلمان بيد المليشيات الموالية لإيران “
وكانت الثورة التي بدأت منذ عام أسفرت عن مقتل عن مقتل نحو ٧٠٠ متظاهر وإصابة 30 ألفاً بجروح، في الوقت الذي يحاول فيه رئيس الوزراء الجديد “مصطفى الكاظمي” تعويض الشهداء والتحقيق في مقتلهم، فيما أصدر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أمرًا ديوانيًا بتشكيل لجنة تقصي حقائق “عليا” تستهدف أحداث العنف التي رافقت الاحتجاجات منذ انطلاقها مطلع أكتوبر 2019. الا أن حساسية التحقيق لا تتعلق بالكاظمي والحكومة وحدها، بل تمس جميع القوى السياسية التي لا تحبذ فكرة التحقيق (حتى غير المتورطة بالأحداث والجرائم الأخيرة).
ويشير نص القرار الحكومي، إلى ارتباط اللجنة بمكتب رئيس الوزراء، اذ تتألف من قضاة متقاعدين وخبراء قانونيين (لم تعلن أسماؤهم بعد) لكن الملفت للنظر هو ما حملته صلاحيات اللجنة من إمكانية الاستعانة بخبراء دوليين ومحليين لإنجاز أعمالها.
ويتهم ناشطون عراقيون أنصار الميليشيات المدعومة من إيران، بالتعدي على المتظاهرين وقتلهم، ولا سيما التابعين إلى التيار الصدري، الذين صوروا اعتدائهم على المتظاهرين لترهيب الناشطين، في حين نشر حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، يحمل اسم “زلم الشايب”، في إشارة إلى نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، “أبو مهدي المهندس”، قائمة بأسماء ناشطين عراقيين يتوعدهم بالقتل، مرفقاً تعليق: “كواتنما لا تخطئ”.
كما يؤكد “حيدر” لـ”مرصد مينا” أن “الكثير من مطالب الثورة لم يتحقق، وعلى رأسها محاكمة قتلة المتظاهرين، رغم محاولة حكومة الكاظمي بدأت بالإجراءات الإصلاحية التي نادى بها ثوار أكتوبر “. لافتاً إلى أن “المتظاهرين عازمون على اكمال المسيرة، وما يجري اليوم هو تذكير للكاظمي بأن الاستمرار ومحاسبة القتلة بداية الطريق للتغير وإزالة السلطة الفاسدة”.
ويشير مراقبون للمشهد العراقي إلى أن “الأزمة الاقتصادية والأداء الحكومي وسيطرت الميليشيات على المشهد السياسي أكبر عقبة بوجه الشباب الذين يرغبون بتغيير حقيقي وفعلي”. موضحين أن “السياسيين يفرغون التحركات الشعبية من محتواها، واستهداف الميليشيات للناشطين وغياب حماية الدولة له أثرا كبير على انتفاضة الشباب”.
أما المندسين بين صفوف الثورة هم المخربين ومنتهزين، وهم من ينهب ثروة العراق بصورة “شرعية” في رواتب ومخصصات خيالية، وبصورة السرقات والرشاوي والعمولات والمشاريع الوهمية وجميع أشكال الفساد المالي والاداري والأخلاقي وهم من يقتل ويعتقل ويختطف ويعذب، وفقاً للمراقبين.
الخريطة السياسية..
بدوره، يرى رئيس مركز التفكير السياسي “إحسان الشمري”، أن “ما تحقق في ثورة أكتوبر، إضافة إلى إسقاط حكومة عبد المهدي، هو قبول القوى السياسية بالانتخابات المبكرة بقانون جديد، والذي ما كان ليحدث لولا الثورة” مشيراً إلى أن “التحركات الشعبية تتمثل في إعادة بلورة الهوية الوطنية والدفاع عنها، وعنوان الانتفاضة الرئيس استعادة الوطن من قوى الفساد واحتكار السلطة، وإسقاط شرعية الحكومة والبرلمان”.
“الشمري” يقول: إن “التأييد الشعبي الكبير الذي تحظى به الاحتجاجات سيفرض نفسه في الانتخابات المقبلة، وسيكون عاملاً رئيساً في تغيير الخريطة السياسية”. لافتاِ إلى أن “اعتراف رئيس الوزراء بأن حكومته نتاج خريطة الثورة، سيدفعه بالضرورة للعمل على الاقتراب بشكل أكبر من مزاج المحتجين ومطالبهم، خصوصاً أنه لا يملك كتلة سياسية تدفع باتجاه تنفيذ تعهداته”.
ودعا الناشطون كل شرائح المجتمع العراقي لاستجابة للتظاهرات والخروج في مظاهرة مليونية في ٢٥ أكتوبر/تشرين الأول الذي يصادف ذكرى انتفاضة تشرين للعام ٢٠١٩ لتغيير العملية السياسية جذريا وإنهاء نفوذ إيران وحل الحكومة والبرلمان.
يذكر أن ذكرى “انتفاضة تشرين” رفعت شعارات “ثورة مستمرة حتى استعادة الوطن”، و”ثورة الشباب”، و”الحساب لقاتلي الشعب”، و”ثورة وطن”، والثأر للشهداء”.
وتصدر وسم “دقت طبول الثورة”، مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد، حيث تفاعل عبره الآلاف مجددين مطالب التغيير ومحاسبة المسؤولين عن أحداث العنف التي طالت المتظاهرين، كما استذكروا ضحايا التظاهرات ومن بين أبرزهم صفاء السرايّ.