لقد كان من دواعي سرورنا مناقشة الوضع في شمال أفريقيا مع زينب ريبوا، زميلة بارزة ومديرة برامج في مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط في معهد هدسون. وهي متخصصة في مشاركة الصين في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعلاقات العربية الإسرائيلية. و قد أدار الحوار، المستشار والمحلل الفرنسي، دينيس كولسينك .
كيف تصفين الاتجاهات والتطورات التي تشكل الوضع في شمال أفريقيا؟
من وجهة نظر استراتيجية، تعتبر منطقة شمال أفريقيا مهمة لأنها تتمتع بإمكانية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. كما أنها تقع جغرافياً في منطقة مهمة جداً لأنها تربط بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. و تتمتع هذه المنطقة أيضًا بإمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي، رغم أن هذا لا يتعلق إلا بالمغرب وموريتانيا. ولهذا السبب نرى منافسة قوية في هذه المنطقة. فهناك جانب جغرافي، ولكن هناك أيضًا جانب الطاقة في هذه المنافسة. على سبيل المثال، تعتبر الجزائر، وأيضاً ليبيا ومصر تاريخياً، من البلدان المهمة التي يعتمد عليها الأوروبيون، مثل الإيطاليين والفرنسيين، في إمداداتهم من الغاز.
فيما يخص المنافسة بين القوى العظمى، فإن روسيا اليوم هي واحدة من اللاعبين العالميين الرئيسيين الذين يحاولون تأكيد نفوذهم. أما بالنسبة لفرنسا، فأعتقد أن هناك جدلاً حول كيفية إعادة تشكيل نفوذها، لكنني أرى أنه يتراجع من حيث النفوذ العسكري الخطير. الولايات المتحدة، بطبيعة الحال، لاعب مهم، ولكن ليس بالقوة التي قد يتوقعها المرء. كما تشارك إيطاليا بشكل متزايد في الشؤون الإقليمية، وخاصة في منطقة القرن الأفريقي.
كما تتنافس تركيا على حصتها من النفوذ وتلعب هنا على الأسباب الجغرافية والروابط التاريخية التي كانت تجمعها بالمنطقة بفضل الإمبراطورية العثمانية. وأخيرا، نلاحظ أيضا أن الصين تلعب دورا هاما كمستثمر عملاق ليس في شمال أفريقيا فحسب، بل في أفريقيا عموما.
إنه حقًا أمر مثير للاهتمام، بمعنى أن شمال إفريقيا تجتذب العديد من القوى، أين نشهد منافسة. ولكن في الوقت نفسه، إذا جاز لي، هناك هذا الصراع المستمر منذ عقود بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية.
ما هو دور هذا الصراع بالنسبة لشمال أفريقيا؟
يمكنني القول إنها من بقايا الاستعمار الإسباني للأراضي المغربية. فقد كان المغاربة حينها منقسمين بين إسبانيا وفرنسا، ولذلك كان من الصعب عليهم جدا أن يستعيدوا كل أراضيهم في وقت واحد. فظلت الصحراء الغربية قضية صعبة للغاية، كان ينبغي تسويتها بموجب اتفاقات مدريد لعام 1975. ولكن بمجرد أن حاول المغرب استعادة سيادته على الصحراء الغربية، دعمت الجزائر جبهة البوليساريو التي أعلنت أنها حركة مسلحة مستقلة وادعت أن الصحراء الغربية جزء من أراضيها.
باختصار، هذا هو سبب التدهور الجذري في العلاقات بين المغرب والجزائر. ويعتبر هذا الأمر بالنسبة للرباط في غاية الأهمية لأنه يتعلق بسلامة التراب الوطني والأمن، خاصة وأن جبهة البوليساريو نفذت عدة هجمات إرهابية استهدفت المدنيين المغاربة. حاليًا، في أفريقيا، تدعم الجزائر وجنوب أفريقيا جبهة البوليساريو. إذ يعتبرها هذان البلدان لاعباً شرعياً. وقد اتخذت القضية منعطفا جذريا عندما قام المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في ظل إدارة ترامب، واعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وهنا تعقدت الأمور بالنسبة للجزائر، لأن ذلك يعني أنها خسرت قضية مقدسة مثل قضية فلسطين.
مالذي يجعل ذلك مهمًا جدا بالنسبة للجزائر؟
بادئ ذي بدء، الجزائر تعارض المغرب إيديولوجياً لأنه نظام ملكي، نظام ملكي شبه دستوري على وجه التحديد. وهم يعتقدون أن النهج الغربي للغاية الذي يتبعه المغرب ليس هو النهج الصحيح. كما أن الجزائريين محدودون جغرافيًا إلى حد كبير، ولا يمكنهم الوصول إلا إلى البحر الأبيض المتوسط، وإذا تمكنت جبهة البوليساريو من الوصول إلى المحيط الأطلسي، فسيكون ذلك مكسبًا كبيرًا للجزائر.
لذلك، فإن لديها الكثير لتخسره بعدم ممارسة الضغط على المغرب وعدم وجود الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كجارة. وهذا أيضًا أحد الأسباب التي تجعل الجزائر تحافظ على علاقات وثيقة مع جنوب إفريقيا وكوبا والدول الأخرى التي تدعمها. لكن حتى لو لم تدعمها روسيا صراحة أو على الأقل ظلت محايدة بشأن هذه القضية، أود أن أقول إن الروس أذكياء للغاية لأنهم يعرفون أن هذه قضية ملحة بالنسبة للمغرب والجزائر. وبسبب قوة روسيا في منطقة الساحل وشراكتها مع الجزائر، يشعر المغرب بالعزلة ووجوب التحدث مع روسيا.
لقد ذكرت روسيا ووصولها إلى منطقة الساحل. وكانت مالي “النجاح” الأول لروسيا في المنطقة، وقد أثرت التطورات الأخيرة في مالي سلباً على العلاقات بين باماكو والجزائر.
أتساءل إلى أي مدى يؤثر استقرار منطقة الساحل على الأمن في المنطقة المغاربية؟
أود أن أقول إن مالي تواجه العديد من المشاكل في نفس الوقت. بداية ، هناك صراع عرقي، ولا سيما مع الطوارق الذين لا يريدون الاندماج مع سكان جنوب البلاد. أعتقد أن هناك صراعًا حقيقيًا على الحكم عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة موحدة. هذا كل شيء بالنسبة للجزء الأول. والجزء الثاني هو أنه يتعين عليهم أيضًا التعامل مع الإرهاب. فتنظيم القاعدة حاضر بقوة في بلاد المغرب الإسلامي، ومالي أصبحت مركزا للقاعدة. ولهذا السبب، بعد الانقلاب في مالي، كانت الجزائر متوترة للغاية. و استدعى المجلس العسكري المالي سفيره من الجزائر وسحبه في ديسمبر 2023.
وقد حدث هذا بشكل رئيسي لأن الجزائر كانت تفقد نفوذها في مالي. وأصبح ذلك يشكل تهديداً لأمنها القومي، ولحدودها، حيث كان عليها أن تواجه تنظيم القاعدة. وتوجد أيضًا مجموعة في شمال مالي تسمى أزواد.
إنهم يريدون الحصول على استقلالهم، ويريدون تشكيل دولة أعتقد أنها ستشكل تهديدًا مباشرًا للجزائر. فالانفصاليون معادون للغاية للنفوذ الجزائري. وعندما رسخت روسيا وجودها في منطقة الساحل، وفي أفريقيا بشكل عام، لاحظت أن الدول الناطقة بالفرنسية تعاني من نقاط ضعف. هم يواجهون العديد من المشاكل ويشعرون بالاستياء الاستعماري تجاه فرنسا.
أعتقد أنها لعبة ينقلب فيها المتمردون الماليون ضد الجزائر. فبالنسبة لهم، الأمر يتعلق بخدمة المصالح الروسية، وهو ما سيمنحهم ضمانات أمنية، ولكن أيضًا يتعلق بطرد فرنسا. لذلك أعتقد أن هذا هو الهدف النهائي. وهذا هو المكان الذي يمكن للولايات المتحدة أن تلعب فيه دورًا إلى الحد الذي لا يعني أن هؤلاء الانفصاليين أو هذه المجالس العسكرية لديها روابط ضارة أو ضارة جدًا مع فرنسا، مما يعني أنهم ليسوا منفتحين على المفاوضات أو التعامل مع الولايات المتحدة. حتى أنتوني بلينكن قال أنه ربما كان من الممكن عدم تنفير هذه الطغمات العسكرية، لضمان إمكانية التوصل، على سبيل المثال، إلى اتفاقيات بمعنى أن روسيا تستخدمها ضد فرنسا، ولكن هناك فرصة للولايات المتحدة. وهذا ما كتبته في مقال نشرته صحيفة واشنطن إكزامينر بعنوان « التراجع الفرنسي في أفريقيا يمهد الطريق أمام الولايات المتحدة »,دعمًا لفكرة أنه من المهم فصل السياسة الفرنسية-الأفريقية عن السياسة الأفريقية للولايات المتحدة. صحيح أن المشاعر المعادية للغرب قوية جدًا في منطقة الساحل، لكنها ليست بنفس المستوى من العداء تجاه فرنسا والولايات المتحدة في كل هذه الدول.
وهنا أعتقد أنه من مصلحة الولايات المتحدة حقًا أن تستمر في تنمية علاقات جيدة مع هؤلاء المتمردين، على الرغم من أنهم يمثلون مشكلة في العديد من النواحي. أولاً، تعتبر منطقة الساحل مهمة، نظراً لطرق الهجرة التي يمكن للروس السيطرة عليها. ويتذكر الجميع ما فعله بوتين في سوريا مع كل المهاجرين من خلال تفجير مدن بأكملها وتوجيههم إلى أوروبا. ومن المهم للغاية بالنسبة للأوروبيين، ولكن أيضًا بالنسبة للأمريكيين، أن ينتبهوا لذلك بينما تستمر الحرب في أوكرانيا. و تعد منطقة الساحل مركزًا للإرهاب بالنسبة لتنظيم القاعدة، ولكن ليس هذا فحسب، بل إن العديد من وكلاء إيران يتدربون هناك أحيانًا. ولهذا السبب تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون لديها استراتيجية متماسكة عندما يتعلق الأمر بإفريقيا، وأن تنظر إليها كجزء من تحدٍ أكبر، كما أود أن أقول، أو منافسة أكبر مع ما يمكن أن أسميه “محور المقاومة”، الذي يتكون من روسيا، الصين وإيران.
تكاد وسائل الإعلام الكبرى في العالم أن تنسى الصراع في ليبيا.
لكن ماذا يحدث الآن؟ وما هي انعكاسات هذه الحرب على شؤون المنطقة؟
أود أن أقول إن الأمور تسير في اتجاه خطير للغاية. وقد تمكن الروس من السيطرة على حقول النفط الرئيسية. وبالتالي فإن جزءًا كبيرًا من موارد البلاد أصبح الآن في أيديهم. والأخطر من ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار الوضع الداخلي لليبيا وعدم قدرتها على تشكيل حكومة تجمع قبائل الجنوب والشمال والغرب أيضا، حتى يتمكنوا من الجلوس على طاولة المفاوضات وتوحيد البلاد.
المشكلة هي أن الروس يحاولون إنشاء نوع من الممر بين ليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. إذ أعتقد أن هذا هو الهدف الذي يسعون إليه. وللقيام بذلك، يستخدمون ليبيا كميناء. ويفكر الروس أيضًا في تحسين الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديدًا مباشرًا للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. لذلك من المهم أن نضع في اعتبارنا أنهم يستطيعون وربما يخططون لشيء ما في هذا الصدد. تمر ليبيا بمرحلة انتقالية. و المغرب منخرط في نوع ما من عملية السلام. لكن المشكلة هي أنه سيتعين على هذا البلد الخضوع لإصلاحات سياسية واقتصادية هائلة حتى تكون له في النهاية دولة فاعلة.
العديد من الحروب مستمرة واشتدت بعد اندلاع الحرب الروسي- الأوكرانية. ومن المثير للاهتمام أن المغرب هو الدولة الإفريقية الوحيدة التي ترسل أسلحة إلى أوكرانيا، في حين تظل الجزائر متحالفة بقوة مع روسيا.
كيف يمكن أن نفسر الاختلاف في التعامل مع هذا الصراع بين الرباط والجزائر؟
بدايةً، لا أعتقد أن إرسال المغرب لهذه الأسلحة أمر رسمي. أعتقد أن هذه الدبابات مملوكة للمغرب واستخدمتها بولندا أو أي دولة أخرى في المنطقة قبل إرسالها إلى أوكرانيا. والمغرب لم يبادر بذلك. إلا أن المغرب، كما قلت، ليس لديه نفس العلاقات التي تربط الجزائر بروسيا لسبب بسيط. ودعونا لا ننسى أن المغرب حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي، وهذا الوضع يؤكد أهميته الاستراتيجية بالنسبة لهذا الحلف. كما تتمتع الرباط بروابط وعلاقات تاريخية مع الولايات المتحدة.
بالنسبة للمغرب، كان الغرب دائمًا بمثابة نوع من الصديق. لكن بالنسبة للجزائر، فإن القصة مختلفة تمامًا، خاصة لأسباب تتعلق بالحكم. وقد كان الجزائريون تحت قيادة المجلس العسكري وحافظوا لفترة طويلة على علاقات وثيقة مع السوفييت. بالإضافة إلى ذلك، كان المغرب والجزائر على طرفي نقيض خلال الحرب الباردة. لذلك أود أن أقول إن الأمور ظلت على هذا النحو بطريقة ما. وبالنسبة للجزائر، فإن رؤية فوز روسيا أو نجاح روسيا في تدمير دولة ذات توجهات غربية يمكن أن يعزز طموحاتها عندما يتعلق الأمر بتخويف المغرب أو محاولة القيام ببعض الاستفزازات لإحياء صراع الصحراء الغربية. لذلك أعتقد أن هذا نهج مختلف.
وأعتقد أن روسيا تدرك ذلك جيدًا. إنها تدرك التوترات، لكن يجب عليها أن تلعب على كلا الجانبين للاستفادة من موقع المغرب الاستراتيجي ونفوذه في أفريقيا. وفي الوقت نفسه، تعتقد أيضا أن الجزائر ستكون دائما حليفا بسبب مشاريعها في مجال الغاز. علاوة على ذلك، تعد الجزائر أحد العملاء الرئيسيين لروسيا فيما يتعلق بالمعدات العسكرية. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن المغرب لعب دوراً هائلاً عندما يتعلق الأمر بالأسمدة، لأن أوكرانيا كانت تكافح حتى لا تتضور جوعاً بلدان أفريقية أخرى أو تضطر إلى المعاناة من بعض المآسي فيما يتعلق بالمواد الغذائية، على سبيل المثال.
لقد قلت إن روسيا تحاول تدمير أوكرانيا، وهي دولة ذات توجهات غربية. وأن هذا قد يشجع الجزائر على تبني موقف أكثر عدوانية أو حزمًا في المنطقة.
فهل يمكن أن تخبرينا المزيد عن هذا؟ هل يتعلق الأمر بالصحراء فقط أم بمنطقة الساحل أيضا، و النفوذ في تونس؟
عندما ترى الجزائر أن روسيا، التي تعد أحد الضامنين الرئيسيين لأمنها، تحاول ضم بلد بأكمله وغزوه بطريقة وحشية وعدوانية للغاية، فإن ذلك بالنسبة للجزائر إشارة إلى أنه إذا استمر الغرب في الخسارة، كما حدث مع شبه جزيرة القرم، فإن هذا يعني أنه ربما حان الوقت للجزائر لتوسيع نفوذها. أما بالنسبة للمغرب، فقد تبنت وزارة الخارجية الجزائرية موقفا عدوانيا إلى حد ما تجاه هذه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا. بل إنها ذهبت إلى حد وصف المغرب بأنه « كيان صهيوني يجب التعامل معه ».
هناك، إذن، الاستفزازات التي تكون بمثابة دعاية لسكانهم لتأليبهم ضد المغاربة وأيضا ضد المغرب كدولة، لأنهم ربما يعتقدون أن هذه هي اللحظة المحددة التي يمكن أن تساعدهم فيها المزيد من الاستفزازات على المضي قدما في أجندتهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بإنكار سيادة المغرب على الصحراء الغربية. وهنا يُضاف البعد إسرائيل-حماس. فقد هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وبعد يوم أو يومين رأيت أن بعض أنصار البوليساريو أو حتى جنود ومقاتلي البوليساريو بدأوا بالتغريد على موقع X (المعروف سابقًا باسم تويتر)، حول استخدام تكتيكات معينة ضد المغرب.
ولذلك من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن هذه الصراعات، وتحديدا الحرب الروسية الأوكرانية والحرب بين حماس وإسرائيل، على الرغم من أنها بعيدة جدا عن شمال أفريقيا، تؤثر بشكل كبير على الطريقة التي تتعامل بها الجزائر ووكيلها، جبهة البوليساريو، أو أن تتعاملا بها في المستقبل.
في الواقع. تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية بشكل غير مباشر على عدد كبير من الصراعات، ولنقل أقل أهمية، وتمنح الأنظمة المناهضة للغرب ووكلائها استعداداً أكبر للتحرك. ونرى أيضًا أن إيران تتخذ موقفًا أكثر حزماً وتتخذ إجراءات عدوانية.
يبدو الأمر كله وكأنه قطع مختلفة من أحجية كبيرة، أليس كذلك؟
نعم. سأقول أن هناك الغرب والدول الموجهة نحو الغرب. ثم هناك “محور المقاومة”، أي الصين وروسيا وإيران. وكل منهم يعمل بطريقته الخاصة، من خلال الوكلاء والمرتزقة. أو الصين أيضًا من خلال الجواسيس والتجسس الصناعي. لكن الهدف واحد: إضعاف نفوذ الغرب في العالم. وهنا، حتى لو حدث ذلك في منطقة الساحل، وحتى لو حدث في أوروبا، مهما كانت المسافة التي تفصل بين أفعالهم، فإنهم ينسقون مع نفس الهدف، وهو الإعداد للنظام التالي، ويمكنني القول ،النظام العالمي حيث لم تعد الولايات المتحدة الأميركية قائدة.
العلاقات الفرنسية-الجزائرية والفرنسية-التونسية متواضعة إلى حد ما. هي ليست جيدة كما كانت في السابق. على الرغم من أن الفرنسيين يحاولون تطبيع علاقاتهم مع الجزائر وتونس، لكن حسب ما رأيته ليس متبادلاً. ومن المثير للاهتمام أن الهند والجزائر أصبحتا عدوانيتين بشكل واضح تجاه فرنسا، على الأقل في خطاباتها. وحقيقة أن الجزائر تعتمد على روسيا في العديد من المجالات لا تساعد العلاقات الفرنسية-الجزائرية، لأسباب واضحة. لذا فإن هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للفرنسيين، وذلك لأنهم سوف يقعون في الفخ عند مرحلة ما إذا لم تنتصر أوكرانيا وتزايد نفوذ روسيا.
فيما يخص المغرب، أود أن أقول إن العلاقات بين المغرب وفرنسا كانت سيئة للغاية. لا أعتقد أنهم وصلوا إلى هذا المستوى من قبل. أود أن أصفها بأنها كارثية، وذلك لأن فرنسا لا تعترف صراحة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. ومن خلال عدم قيامها بذلك، تزيد الجزائر من ضغوطها على المغرب وترى في ذلك “ضوءا أخضر” للقيام بما تريد. ونظراً لموقف فرنسا، أصبح المغرب الآن أكثر انفتاحاً على المستثمرين الجدد. لديهم استراتيجية تنويع مهمة تؤكد فقط تراجع العلاقات الفرنسية المغربية. ويجذب المغاربة المستثمرين من بريطانيا والهند ودول أخرى. كما أنهم أكثر انفتاحاً على الاستثمار الصيني. وهذه نتيجة مباشرة لضعف نفوذ فرنسا.
ومع ذلك، أعتقد أن هذه مسألة قصيرة المدى، حيث ستتعاون فرنسا والمغرب في مرحلة ما وتحسنان علاقاتهما لسبب بسيط هو أنهما يتقاسمان نفس القيم ولديهما مصالح استراتيجية وثيقة في البحر الأبيض المتوسط. لكن فرنسا، لأسباب سياسية، لا يمكنها ببساطة أن تتخذ خطوة وتعترف صراحة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية بطريقة جريئة. دعونا لا ننسى أن فرنسا تعتمد على الغاز الجزائري. أما بالنسبة لتركيا، فتحاول أنقرة الانخراط بشكل أكبر في المنطقة. كما أنها مهتمة بإفريقيا، لأنها تحتاج إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية. يريد أردوغان أن تكون بلاده أكثر قدرة على المنافسة، وأن تغزو أسواقًا جديدة لمعالجة الوضع الاقتصادي التركي. ويحافظ الأتراك على علاقات جيدة مع مصر.
ومؤخراً، زار أردوغان نظيره المصري عبد الفتاح السيسي. لدى الأتراك أيضًا مصلحة أمنية وطنية مهمة في ليبيا، ويحافظون على علاقات جيدة مع جميع دول شمال إفريقيا. أما الصينيون، فأعتقد أنهم تجاريون بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بإفريقيا. إنهم لا يتبعون نفس النهج الذي تتبعه روسيا، لكن نهجهم يتلخص في وضع أنفسهم كبديل للاستثمارات الغربية. والمشكلة في الاستثمارات الغربية هي أن البلدان يجب أن تحترم قواعد معينة، في حين أن الاستثمارات الصينية ذات طبيعة مختلفة تماما وبكين لديها طريقة مختلفة في العمل. على سبيل المثال، لا تهتم الصين بما إذا كانت هذه الدولة أو تلك تلتزم بقواعد حقوق الإنسان. ويعمل الصينيون على توسيع نفوذهم، ولكنني لا أعتقد أن الغرب قد طور استراتيجية جيدة لمواجهتهم. ولهذا السبب أعتقد أنهم سيستمرون في التوسع والتطور.
لكن، خاصة، على المستوى الاقتصادي، تقصدين ؟
على المستوى الاقتصادي، ولكن أيضًا على المستوى السياسي. دعونا لا ننسى أن الصينيين لديهم قاعدة عسكرية في جيبوتي. إنهم لا يقولون إنهم سيتدخلون في اليمن ويهاجمون الحوثيين، لكن الحوثيين يقولون إنهم لن يستهدفوا السفن الصينية والروسية. إذن، هناك جانب عسكري لم أسلط الضوء عليه سابقا، ولكنه جانب مهم أيضا لأن الصين تبني نظاما موازيا لا يطيع القواعد الغربية. وهذا يجعل الغرب أكثر عرضة للخطر لأن لديه هذا التحالف مع محور المقاومة كما ذكرت سابقا. في واقع الأمر، بينما يهاجم الحوثيون السفن الغربية، ترسل الصين أسطولًا يتضمن مدمرة صواريخ موجهة. وهذا يظهر بوضوح أن الصين تريد أن تلعب دورًا عسكريًا أكبر وليس من قبيل الصدفة أنها قامت ببناء أحواض بناء السفن الخاصة بها في السنوات الأخيرة. النفوذ الصيني يتنامى وتستخدم الصين الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهدافها السياسية والأمنية.
* زينب ريبوا هي زميلة بارزة ومديرة برامج في مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط في معهد هدسون. وهي متخصصة في مشاركة الصين في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعلاقات العربية الإسرائيلية. قبل انضمامها إلى معهد هدسون، كانت السيدة ريبوا باحثة مساعدة في مركز الحضارة اليهودية بجامعة جورج تاون، حيث عملت على الهوية اليهودية في المغرب، والعلاقات المغربية الإسرائيلية، والآثار الثقافية لاتفاقيات إبراهيم. شغلت مناصب بحثية في وزارة السياحة المغربية ووزارة الاقتصاد والمالية وبنك المغرب. تم نشر مقالات وتعليقات السيدة ريبوا في واشنطن إكزامينر، وفورين بوليسي، ووول ستريت جورنال، ومجلة تابلت، وغيرها. والسيدة ريبوا مرتبطة أيضًا برابطة الفكر السياسي العالمي بجامعة هارفارد.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.