مقدمة
طرأت تغيرات واضحة على خريطة سيطرة الأطراف الليبية المتنازعة في الفترة ما بين آذار/مارس وأيار/مايو 2020، حيث استطاعت حكومة “الوفاق الوطني” والقوات المتحالفة معها استعادة توازنها جراء الدعم التركي، بعد أن أوشكت على فقدان العاصمة طرابلس في نهايات عام 2019، لصالح قوات اللواء الليبي “خليفة حفتر”.
حالة المد والجزر التي تشهدها رقعة نفوذ الأطراف الليبية، باتت تتأثر بشكل واضح بحجم الدعم الدولي الذي تتلقاه، حيث بات الدور الخارجي مؤثراً أساسياً في المشهد العسكري والسياسي الليبي. ويبدو أن ليبيا باتجاه التحول إلى حرب دولية بالوكالة بشكل كامل، للصراع الدولي الموسع، بعد تصعيد الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر أيار / مايو من العام الحالي لهجتها ضد الدور الروسي، وإجراء الجيش الأمريكي اتصالات مع وزارة الدفاع التونسية لمناقشة نشر قوة أمنية أمريكية في تونس.
وبالتوازي مع تعاظم النفوذ التركي والروسي في ليبيا، يستمر الموقف الأوروبي بالانقسام حيال التعاطي مع الملف الليبي، حيث تفردت مالطا بتوقيع اتفاقية مشتركة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في الثامن والعشرين من أيار / مايو، بعد أسابيع فقط من انسحاب مالطا من عملية “إيريني” البحرية الأوروبية الخاصة بمراقبة الالتزام بحظر توريد السلاح إلى ليبيا.
وبالتزامن مع التقدم الذي أحرزته “الوفاق” غربي البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية، تتزايد المؤشرات على تبلور محور دولي يشمل كل من تركيا وتونس، كمحور موازٍ للحلف الروسي–الإماراتي–المصري الداعم لـ “خليفة حفتر”.
أما على الصعيد الداخلي فقد أصبحت الأبواب مشرعة أمام ظهور أطراف جديدة على ساحة الصراع، وأبرزها “عقيلة صالح” رئيس برلمان “طبرق”، الذي تحالف لسنوات عديدة مع “حفتر”، إلا أن مبادرته التي أطلقها في نيسان/أبريل 2020 من أجل الحل في ليبيا أعطت مؤشراً على تحركه كطرف مستقل، وفتحت المجال للبحث في خيارات للمصالحة بين شرق ليبيا وغربها، وقد تعززت هذه الفكرة بعد أن إعلان “حفتر” الشهير عن تسلمه سلطات البلاد بتفويض من الشعب.