حملت الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة لميليشيات الحشد الشعبي المدعوم من إيران، رسالة دعم مبطنة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في محاولته الحد من نفوذ الميليشيات التي تملك قوة ضاربة تفوق قدرة الجيش العراقي الرسمي، فيما يرى متابعون أن الاستهداف الأمريكي، وهو الأول من نوعه منذ تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن، حمل رسالة أيضا لإيران مفادها أن ما يبدو من تساهل في تعامل البيت الأبيض مع الملف النووي الايراني لا يعني أن واشنطن ستترك طهران تتحرك بكامل حريتها في بلدان المشرق العربي، لاسيما أن هذا الامر أغضب تل أبيب التي يصر قادتها على تحجيم النفوذ الايراني في سوريا، فضلا عن إصرارهم على منعها من امتلاك السلاح النووي مهما كان ثمن هذا المنع.
وزير الدفاع الأمريكي، “لويد أوستن” أعلن أن الضربة تمت استنادا إلى معلومات استخباراتية وفره الجانب العراقي، في إشارة إلى حكومة الكاظمي.
أوستن وفي تصريحات عقب الضربة أكد ثقته في أنه قد تم ضرب الهدف الصحيح، مضيفا: “متأكدون من أن الهدف الذي استهدف في سوريا كانت تستخدمه نفس الميليشيات التي نفذت الهجمات الصاروخية في العراق”، موضحا أن القوات الأمريكية نفذت الضربة استنادا إلى معلومات استخباراتية وفرها الجانب العراقي، وقال: “سمحنا وشجعنا العراقيين على التحقيق وجمع المعلومات الاستخباراتية وكان ذلك مفيدا جدا لنا في تحديد الهدف، فيما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”، عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الضربات الأخيرة هي رد فعل “صغير للغاية” تمثل في “إلقاء سبع قنابل على مجموعة صغيرة من المباني على الحدود السورية العراقية تستخدم لعبور مقاتلي الميليشيات والأسلحة داخل وخارج البلاد”.
لا يوجد مقاومة..
التلميح الأمريكي قابله تصريح عراقي على لسان وزير الخارجية فؤاد حسين الذي قال في مقابلة مع تلفزيونية إن العراق دولة ديمقراطية ولا توجد فيها مقاومة وأن من يطلق الصواريخ هم إرهابيون ويعملون ضد الحكومة والشعب العراقي، وأضاف فؤاد حسين أن الحكومة العراقية دعت الأميركيين لمساعدتها.
وخلال الأيام الماضية شهد العراق هجمات صاروخية عدة طالت المنطقة الخضراء وقبلها قاعدة بلد العسكرية، ومطار أربيل، ما طرح العديد من الأسئلة حول الأهداف.
وفي السياق، قال مسؤول عسكري أميركي كبير في العراق بحسب فرانس برس غداة إطلاق قذائف صاروخية في اتجاه السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد “يبدو أننا عدنا إلى أحداث العام الماضي”. كما رأى أن الحوادث الأخيرة تشبه الهجمات التي وقعت العام الماضي، واستخدمت فيها عشرات الصواريخ من طراز 107 ملم التي تطلق من مركبات صغيرة.
لكن اللافت للنظر الآن أن المجموعات المتهمة بتنفيذ تلك الهجمات كانت أول الجهات المستنكرة لها، على الرغم من أن المصادر الأمنية لا تبدو مقتنعة بهذا التنديد لاسيما ميليشيات حزب الله العراقي وكتائب سيد الشهداء، وهي نفسها التي استهدفها القصف الأمريكي فجر اليوم الجمعة.
ميليشيات كتائب حزب الله العراقي
تم إنشاء كتائب حزب الله في العام 2006، وهي مدعومة من إيران و”تسعى إلى تنفيذ أجندة إيران الخبيثة في المنطقة”، وفقا للخارجية الأميركية، وسبق أن أدرجت واشنطن الكتائب على لائحة المنظمات الإرهابية والإرهابيين المدرجين بشكل خاص.
الكتائب كانت قد أعلنت مسؤوليتها عن عمليات إرهابية عدة في العراق، بما في ذلك هجمات بعبوات ناسفة وعمليات إطلاق نار غير مباشر وهجمات بالقذائف الصاروخية وعمليات قنص.
وبحسب الخارجية الأميركية، فإن تقارير تفيد بتورط كتائب حزب الله في سرقة واسعة النطاق وحديثة لموارد الدولة العراقية، ومقتل متظاهرين وناشطين سلميين في العراق، واختطافهم، وتعذيبهم، فيما تقول وزارة الدفاع الأميركية إن كتائب حزب الله العراقية ترتبط ارتباطا وثيقا بفليق القدس الإيراني، ولطالما تلقت المساعدة القاتلة والدعم من إيران لتستخدمهما في الهجوم على قوات التحالف في العراق.
وفي ديسمبر 2019، شنت الطائرات الأميركية غارات واسعة على مواقع تابعة للكتائب في منطقة الأنبار شرق البلاد أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من عناصرها.
وقتلت غارة أميركية، في يناير 2020، زعيم كتائب حزب الله أبو مهدي المهندس مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وبعد مقتله أصبح عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) الذي طالته عقوبات أميركية، في يناير 2021، خلفا له.
كتائب سيد الشهداء
تشكلت كتائب سيد الشهداء في العام 2013 بحجة حماية المراقد الشيعية في سوريا، وكانت إحدى الحركات التي شكلت “الدائرة الضيقة” لكتائب حزب الله، حسبما يقول مايكل نايتس، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق بمعهد واشنطن.
وتتخذ الكتائب من معسكر الصقر جنوبي بغداد مقرا لها. وكان انفجار في منشأة لتخزين الذخيرة بالمعسكر أسفر عن مقتل مدني وجرح العشرات.
نايتس، أشار إلى أنه تم نقل مقاتلين من كتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله إلى سوريا في إطار توسيع نطاق العمليات الإيرانية هناك، مشيرا إلى أنها من “أقولى الوحدات العراقية قتالا” في سوريا إلى جانب كتائب حزب الله،.
وكلفت كتائب سيد الشهداء بالدفاع عن ضريح السيدة زينب الذي يقع في ضاحية دمشق الجنوبية، فيما شهدت مدن عراقية في 2013 والأعوام اللاحقة جنازات لعشرات الجثامين التي تعود لمقاتلين من الكتائب قتلوا في سوريا.
مسؤولون في الإدارة الأميركية السابقة سبق ودعوا “كافة القوات التي تقودها إيران، والتي تشمل كتائب حزب الله لمغادرة سوريا.
يشار أن كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء تندرج تحت فصائل ميليشيات الحشد الشعبي التي تمولها الدولة في العراق. وكانت واشنطن أدرجت فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي على قائمة الإرهاب، في يناير الماضي.
تفاصيل الضربة..
الضربة التي نفذت بأمر من الرئيس الأمريكي جو بايدن، أسفرت، كحصيلة غير نهائية، بحسب مصادر متطابقة عن مقتل 22 جميعهم من ميليشيات الحشد الشعبي وبشكل خاص حزب الله العراقي، موضحة أن الضربة استهدف شحنة أسلحة لميليشيات موالية لإيران لحظة دخولها إلى سوريا قادمة من العراق قرب معبر القائم بريف دير الزور الشرقي.
مسؤولون أميركيون أوضحوا، بحسب رويترز، أن الولايات المتحدة نفذت ضربة جوية استهدفت هيكلا تابعا لفصيل مدعوم من إيران في سوريا، مؤكدين أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أعطى موافقته لشن غارة على الفصيل الإيراني في سوريا.
ومن جانبها، أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في بيان أن “الغارة رسالة واضحة بأن بايدن سيتحرك لحماية الأميركيين والتحالف”، فيما كشفت وزارة الدفاع الأمريكية “بنتاغون” أن الغارة دمرت مواقع تستخدمها ميليشيا “كتائب حزب الله” و”كتائب سيد الشهداء”.
المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، قال في بيان، إنه “بناء على توجيهات الرئيس بايدن، نفذت القوات العسكرية الأميركية مساء الخميس ضربات جوية استهدفت بنية تحتية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران في شرق سوريا”، مضيفا: “سيعمل الرئيس بايدن على حماية الجنود الأميركيين وقوات التحالف. كما أننا تحركنا على نحو محسوب يهدف لعدم تصعيد الوضع في كل من شرق سوريا والعراق”.
وذكر أن الضربات دمرت عدة منشآت في نقطة سيطرة حدودية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران ومنها “كتائب حزب الله” وكتائب “سيد الشهداء”.
يشار أن الميليشيات الموالية لايران والتي تتمركز بشكل رئيسي في مناطق ريف دير الزور الشرقي، أعادت تموضعها جراء الضربات المتتالية التي ازدادت وتيرتها خلال الشهور القليلة الماضية.