هيئة التحرير
حالة الطوارئ في لبنان، يقرها مجلس النواب، في جلسته المعقودة اليوم الخميس، ليفتح بذلك باب مواجهةٍ جديد بين النظام السياسي والحراك الشعبي، الذي لا يزال يردد بإسقاط السلطة السياسية والنظام السياسي الحاكم، على حد قول الخبير في الشأن اللبناني، “أحمد عيتاني”، الذي أكد أن فرض حالة الطوارئ لن يقدم أي حل للمشكلة أو الأزمة، وإنما هي خطوة يسعى من خلالها النظام الحاكم لامتساب قوة عسكرية نظامية لضرب الحراك ومطالب الشعب اللبناني.
مرد القلق من آثار قرار مجلس النواب، يختصره “عيتاني”، بعدم وجود حالة طوارئ في لبنان سوى حالة الطوارئ العسكرية، التي ستمنح للمحاكم العسكرية، التي يسيطر عليها حزب الله والتيار العوني، سلطة كبر لقمع الحريات وتقييد عمل الصحفيين ومحاكمة المدنيين، الذين يخالفون تعليمات وقوانين حالة الطوارئ.
وتقوم حالة الطوارئ، بحسب القانون اللبناني، على منح الجيش صلاحيات استثنائية وتوليه إدارة عدد من مؤسسات الدولة والإشراف المباشر على بعض المناطق، التي يحولها إلى مناطق عسكرية مغلقة.
مؤسسة غير حيادية
الحديث عن نية النظام الاستعانة بالجيش ورفض الحراك والمعارضة لفرض قانون الطوارئ، يربطه الخبير “عيتاني” بأن قيادة الجيش والأجهزة الأمنية، حالياً لا تمثل قيادة مستقلة عن النظام السياسي الحاكم قادرة على تسيير فترة الطوارئ بشكل حيادي، عل العكس بل قد يتحول إلى يد ضاربة لمواجهة مطالب الشعب، على حد قوله، مستشهداً بقائد الأمن العم اللبناني، “عباس إبراهيم” المقرب من حزب الله، وبعض القادة العكسريين المقربين من التيار العوني.
نظرة، “عيتاني” حول الظروف اللبنانية، تلاقت مع رأي الخبير الأمني، “إدوارد بو صعب”، الذي اعتبر أن الظروف في لبنان لا تتطلب وجود حالة طوارئ عسكرية، كون انفجار بيروت وبحسب إعلان الحكومة والنظام السياسي، هو حادث وليس عمل أمني، يستدعي نزول الجيش، مشيراً إلى أن وجود الأكثرية النيابي لصالح التيار الحاكم وحلفاءه يعكس ما هو المطلوبة من مثل هذه الخطوة.
ويسيطر كل من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وبعض الشخصيات الحليفة لهم في تيار المردة وبعض التيارات السنية والدرزية الصغيرة على أغلبية في البرلمان اللبناني، والتي سبق لرئيس اللقاء الديمقراطي، “وليد جنبلاط”، أن حذر من خطورتها على لبنان، كونها تمنح الفريق الحاكم فرصة لتمرير القرارات، التي تخدم بقاءه في السلطة.
وكان رئيس مجلس النواب، “نبيه بري” قد اعتبر خلال إعلانه للقرار، أن الجيش اللبناني هو أحد أهم رموز الوحدة الوطنية هو الجيش، ويجب على اللبنانيين أن يضعوا ثقتهم فيه دائماً.
تعليقاً على تصريح “بري” يرى “بوصعب” أن الشعب فعلاً يثق بالجيش، ولكن لا يثق بقياداته، التي تتلقى الدعم من الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب الله والتيار العوني، موضحاً: “تلك النظرة من قبل الشعب ستدفع باتجاه المزيد من المواجهة، وخطوة مجلس النواب تعني أن الفريق الحاكم اتجه فعلياً للحرب على الشعب”.
وبحسب القانون اللبناني فإن للجيش الحق في فرض أحكامه خلال حالة الطوارئ، من خلال تقييد عمل مؤسسات الإعلام ومنع التظاهر والتجمع، وشن عمليات الدهم لمنازل المدنيين في أي وقت دون أذون مسبقة، وفرض الإقامة الجبرية على كل من يراى الجيش أنه يقوم بنشاط يشكل خطراً على الأمن.
حقائق مدركة وخيارات الحرب مع الجيش
توجه البرلمان اللبناني لوضع الجيش في واجهة المشهد الحالي، من خلال حالة الطوارئ، يعتبرها المحلل السياسي، “عيتاني”، مؤشر على أن السلطة الحاكمة باتت تدرك تماماً أن شعرة معاوية بينها وبين الشعب قد انقطعت بتفجير مرفأ بيروت، وأن اعتمادها على الشارع الموالي وتنظيمه للمسيرات المؤيدة لن يغير أي شيء بالمعادلة، خاصة مع استقالة الحكومة ورفع سقف مطالب المتظاهرين لحل البرلمان ونزع سلاح حزب الله، مضيفاً: “إدراكها هذا ولد لديها قناعة بضرورة أن يتصدر الجيش المشهد، وبالتالي تحقق هدف من اثنين، إما أن يقمع الجيش الحراك ويكون سلاحه أقوى من صوت المتظاهرين، أو أن يتورط الجيش بعمليات القمع وتتخفى هي وراء أزمة جديدة طرفيها الشعب والجيش”.
توضيحاً للكارثة، التي قد تترتب على فرض قانون الطوارئ ووضع الجيش في واجهة الأحداث، يحذر الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “حسام يوسف”، من إمكانية استنساخ المشهد السوري في لبنان، مضيفاً: “الثورة في سوريا بدأت ضد نظام سياسي، ولكن سرعان ما تحولت إلى مواجهة بين الشعب والجيش، وهنا لا يوجد فرق كبير بين قيادة الجيش السوري وقيادة الجيش اللبناني، من حيث وجود قادة كبار موالين للنظام اللبناني، خاصة لرئيس الجمهورية ميشال عون، وزعيم ميليشيات حزب الله، لا سيما مع ظهور كلمة مؤامرة ضمن الخطاب السياسي للنظام الحاكم”.
وكان رئيس مجلس النواب، قد اعتبر استقالة عدد من النواب كمؤشر على وجود مؤامرة مسبقة ضد لبنان، على حد وصفه.
في السياق ذاته، يشير “يوسف” إلى أن قائد الجيش، “جوزيف عون” مطالب بالتفكير فقط بمهامه العسكرية وعدم الانزلاق إلى مستنقع المواجهة مع الشعب، لأن ذلك سيفجر الأوضاع ويخلق حادثة أكثر كارثية من انفجار مرفأ بيروت، مع إمكانية تكرار سيناريو 1988، إبان محاولة إنقلاب “ميشال عون” على السلطة بكامل دمويته.
وكان “عون” قد حاول عام 1988 الانقلاب على السلطة اللبنانية، وتشكيل حكومة عسكرية، ما أدى إلى صدامات مسلحة داخل الجيش والأجهزة الأمنية انتهت بفشل الإنقلاب فرار “عون” إلى فرنسا، بعد أن تسببت تلك الأحداث بمقتل المئات، بينهم جنود لبنانيون.
“باسيل” ومحاولات سلطوية تمر عبر الجيش
في ظل تناول الدور الذي يمكن أن يلعبه الجيش في مستقبل لبنان، يكشف مصدر لبناني خاص، لمرصد مينا، بأن وزير الخارجية الأسبق، ورجل العهد العوني النافذ، “جبران باسيل” بذل خلال الأشهر القليلة الماضية، جهوداً كبيرة للسيطرة على قيادة الجيش من خلال بعض الشخصيات، وفرضها ضمن الهكيلية القيادية، مضيفاً: “بعد بروز اسم جوزيف عون كخليفة محتمل لميشال عون، بدأت تحركات باسيل الطامع في خلافة والدة زوجته، للتوغل أكثر داخل الجيش، من خلال بعض التعيينات مستفيداً من دعم الرئيس له، وهو ما أدخله في صدامات مع قائد الجيش الحالي”.
ويعتبر “باسيل” من أكثر الشخصيات المرفوضة من قبل الحراك اللبناني، حيث يصفه المتظاهرون بأنه المحرك الرئيسي للأحداث في لبنان، وأنه يلعب دور الرئيس الفعلي، من خلف ستارة “عون”.
هنا يذهب المصدر إلى الإعراب عن قلقه من قدرة “باسيل” على تحريك أذرعه داخل الجيش اللبناني والقضاء العسكري، لضرب المعارضة والانتفاضة الشعبية، معتبراً أن المطلوب اليوم من خلال فرض حالة الطوارئ في لبنان، هو توريط الجيش في الساحة السياسية خدمةً للنظام القائم، الذي بات يعلم بأنه مرفوض شعبياً إقليمياً ودولياً، وأنه لم يعد يمتلك أي ورقة للاستمرار سوى في التستر خلف المؤسسة العسكرية، على حد قول المصدر.