طالما شكلت مسألة العامل الخارجي ودوره وموقفه وموقعه من تحولات الداخل في أي بلد محور نقاش سياسي وفكري في آن. ولم يكن هذا الموقع الذي احتله الموضوع (العامل الخارجي) في دائرة المفكّر به ناتجاً عن عبث أو هذر فكري، بقدر ما كان احتلاله له صادراً عن جدارة وأصالة معرفيين، من حيث أنه (الخارج) شكل على مدار التاريخ ومدار الأحداث الحاصلة في عالمنا اليوم، عنصرا فاعلاً وأساسياً ليس في التحولات الحاصلة في امبراطورية ما أو دولة ما أو جغرافية أو قارة ما فحسب، بل لأنه طالما كان أيضا عنصرا فاعلاً في رسم مسار التاريخ وتحولاته وانعراجاته.
إذ من يستطيع أن ينفي ما فعلته الإمبراطورية الرومانية في العالم كله من تحولات عميقة في البلدان والجغرافيات التي وصلتها، ومن بعدها الإسبانية والبريطانية والعثمانية، وأيضا الاستعمار بأشكاله المختلفة بعد انتهاء عصر الإمبراطوريات وبزوغ مسألة الدولة، وصولا إلى العصر الحديث حيث تغير شكل ودور العامل الخارجي في مسألة التحولات التي تحصل في كل بلد، دون أن يتغير الجوهر، إذ طالما كان هدف الخارج الحفاظ على مصالحه، مهما تعددت الأشكال والأنواع، بما ينعكس أثره سلباً أو إيجاباً على بلدان أخرى.
تعريف الخارج؟
ولكن قبل أن ندخل في إطار نقاش مسألة الخارج ودوره تاريخيا والآن، يستوجب علينا، محاولة لملمة تعريف هذا الخارج الذي نتحدث عنه وتحديده ما أمكن.
فالخارج، هو مجموعة العوامل والأدوات والقرارات والسياسيات الصادرة عن مراكز قرار تقع خارج مجال سيادة سلطة الدولة، والتي يقع أثرها على ما هو داخل مجال سيادة هذه السلطات دون أن يكون لديها قدرة على ردها أو دفعها جزئيا أو كليا، مضافا لها ما هو صادر عن عوامل خارجية ثابتة أو شبه ثابتة تشكل عنصرا شبه دائم ينبغي أخذه دوما بعين الاعتبار حين رسم السياسات أو القرارات.
التعريف السابق، يوضح لنا أن هناك عوامل خارجية ثابته أو شبه ثابتة وأخرى متحولة غير ثابتة.
ونعني بالثابتة تلك الصادرة عن عوامل جغرافية أو سياسية تقع خارج دائرة التأثير المباشر عليها، فأن نقول أن المسألة الكردية مثلا محاطة بأربع دول تعادي الاستقلال الكردي في دولة كردية، فهذا أمر يقع حالياً خارج دائرة التأثير المباشر، فنحن أمام عامل خارجي لا يستطيع الكرد ولا غيرهم التأثير به حالياً، ويحتاج التحول والتأثير فيه إلى زمن طويل نسبياً وإلى أحداث كبرى شهدنا بعضها مثل الحرب الأميركية على العراق التي فككت أحد أطراف المربع، ومن ثم الحرب السورية التي فككت أحد أضلاع المربع الثاني، دون أن يمنع ذلك تكاتف الأطراف الأربعة (إيران والعراق وسورية وتركيا) رغم كل خلافاتهم، حين حاول الزعيم الكردي مصطفى البرزاني إعلان الاستقلال في إقليم كردستان العراق، ما يعني أننا هنا إزاء عامل خارجي شبه ثابت، لا يستطيع الكرد ولا غيرهم، مهما امتلكوا من القوة والدهاء التأثير فيه حالياً، ما يعني أن عليهم أخذ دور وموقف هذا الخارج دوماً في أي قرار يتخذونه أو سياسة يرسمونها وفق سياسة الممكن المتاح في لحظة ما.
ونفس الأمر ينطبق على مسألة إسرائيل في العالم العربي أو الجغرافية السورية بالنسبة للبنان المحصور بين إسرائيل وسورية. علما أيضاً أن هذا العامل هذا ليس بالضرورة أن يكون سياسياً أو جغرافياً، بل من الممكن أيضاً أن يكون اقتصادياً، فأن تتزوّد أوروبا مثلا بالطاقة من روسيا، هذا موضوع يشكل عامل خارجي شبه ثابت، وينعكس بدوره على العلاقات الأوروبية الروسية، بحيث تجد أوروبا نفسها مدفوعة دوما لأخذ هذا الأمر بالاعتبار في سياساتها الخارجية تجاه موسكو.
وأما فيما يخص العامل الخارجي المتحول، فنعني به المواقف والمواقع السياسية القابلة للتحول والتبدل وفقا للمصالح، والتي يمكن التأثير بها أو تفاديها عبر الحنكة السياسية أو الدبلوماسية أو حتى الحرب أو القوة العسكرية، والتي بناء عليها وعلى تقديراتها تبنى السياسات والتحالفات.
وهو الأمر الذي نرى وظيفته السياسية منوطة بوزير الخارجية في كل بلد دون أن يكون محدد به طبعاً، فالعامل الخارجي أبعد وأعمق من أن يحاط بوزارة ما لأنه ليس متعلقاً بدولة واحدة، بل هو يتعلق بمجموعة الدول المؤثرة في بلد أو قضية ما وحصيلة تأثيرها الذي قد يؤدي إلى السلام أو الحرب.
ولعل المسألتين السورية والليبية اليوم، تشكلان درسا واضحا لهذا النوع من العوامل الخارجية حيث تتناحر فيما بينها بما ينعكس أثره سلباً على هذين البلدين الذين أدمتهما الحرب.
العامل الخارجي بين التاريخ واليوم
على الدوام كان العامل الخارجي عنصراً فاعلاً في مسار الأحداث وصناعة التاريخ، إذ أدى إلى سقوط دول وامبراطوريات ونظم وإلى انتصار محور على أخر وإلى انتصار هذا الزعيم على ذاك أو حدوث انقلاب أو خسارة حرب وإلى انتصار ثورات أو هزيمتها.
ولعل تاريخ منطقتنا يعتبر الأكثر قدرة على رصد هذه التحولات، ليس في التاريخ القديم فحسب، بل أيضاً في التاريخ الحديث، حيث حاول محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق تحديث بلاده وبناء ديمقراطية تعددية، مطالبا شركة النفط الانكلو إيرانية بنصف عائدات النفط، وحينما رفضت الأخيرة القيام بتأميم النفط، قامت بريطانيا بفرض مقاطعة عالمية للنفط الإيراني الذي لم يجرؤ أحد على شرائه فأصيب الاقتصاد الإيراني بالاختناق وسقط مصدق في أب/اغسطس ١٩٥٣ وعاد الشاه بقوة، وهو ما يذكرنا بما يجري اليوم، حيث العقوبات الأميركية مفروضة على إيران، التي ستضعف الاقتصاد الإيراني، بما يهدف إلى تركيع نظام الملالي.
وبغض النظر عن عدالة هذه العقوبات أو لا عدالتها، إلا أننا هنا أمام عامل خارجي متحول غير ثابت، فهو قابل للتبدل في أي لحظة، وهو ما رأيناه حين وقعت إيران الاتفاق النووي مع واشنطن والقوى الأوروبية في عهد باراك أوباما ثم تراجع عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
أيضا من التاريخ الحديث، فبعد إعلان الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر عام ١٩٥٨ بدا أن القومية العربية بقيادة عبد الناصر تتجه نحو التمدد في كل العالم العربي، حيث بات ناصر بطلاً قومياً عربياً، وقد أدى هذا الحدث إلى حدوث تفاعلات في بلدان عربية كثيرة منها سعي العراق والأردن إلى تشكيل مملكة عربية مضادة لجمهورية ناصر المتحدة ما دفع الناصريين اللبنانيين للدفع باتجاه انضمام لبنان إلى الوحدة العربية.
ولكن هنا حصل حدث صغير في الرقعة العالمية صب في صالح جمال عبد الناصر حين أدى انقلاب ما إلى سقوط الحكم الملكي العراقي، فبات العراق على مقربة من عبد الناصر، وبات عرش الأردن مهددا. وهنا جاء العامل الخارجي ليطيح بأحلام ناصر، حيث قامت كل من واشنطن ولندن بالرد السريع تخوفاً من تمدد القومية العربية وانتشارها، عبر إنزال قوات المشاة الأميركية في لبنان فيما جاءت قوات بريطانية إلى الأردن، لتعلن إيقاف مشروع القومية العربية الذي حمل لواءه جمال عبد الناصر الذي توالت هزائمه بفعل تكاتف العوامل الخارجية التي كان أقساها حرب ١٩٦٧، دون أن نغفل العوامل الداخلية ودورها ومنها دكتاتورية ناصر نفسه.
وقبل جمال عبد الناصر حاول محمد علي باشا تحديث مصر وبناء دولة عربية قوية، إلا أنها سقطت بفعل القوة العثمانية والتواطؤ الغربي الذي سعى بعد قرن لتوجيه ضربته القاضية للرجل المريض من خلال تشجيع ثورة الشريف حسين الذي وافق على هذا الدعم والثورة موعوداً بمملكة عربية كبرى كانت تلاقي الطموحات القومية التي بدأت تبزغ في بلاد العرب الذين وقعوا ضحية أحابيل القوى الكبرى مرة أخرى حين نكث الفرنسيون والبريطانيون بوعودهم، وهو ما يتكرر اليوم مع الربيع العربي، حيث ظنت القوى الثورية والمعارضات العربية أن الغرب “الديمقراطي” هو حليفها في المعركة ضد الدكتاتوريات، لتتكشف الأحداث عن ازدواجية الغرب الذي جلس يتفرج، ويدعم أحيانا، قوى الاستبداد والثورة المضادة والإرهاب، وهي تفتك في جسد الثورات العربية وأحلام شبابها.
الخارج والشرعية وقطع مسار الحداثة
إلا أن مسألة العامل الخارجي لا تتوقف عند الدور الذي يلعبه الخارج في الأحداث السياسية فقط، عبر إجهاض هذا المسار أو الدفع باتجاه أخر، بل يذهب الأمر عميقاً في تأثيره، وهو تأثير ذو اتجاهات متعددة، فلكل تدخل خارجي ما أثر ما اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي، بحيث يترك الاستعمار أثاره على تلك المجالات كافة، تاركاً بذوراً تنمو وتتطور في شروط جديدة وبيئة جديدة، الأمر الذي يجعل من مسألة الإحاطة بمسألة العامل الخارجي وتداعياته أكثر صعوبة مما نعتقد، فإذا كانت مسألة رصد الأثار السياسية للعامل الخارجي ممكنة، فإنها صعبة التحديد اجتماعياً وثقافياً وحداثياً، بحيث يصبح من الصعوبة بمكان تحديد أين يبدأ العامل الخارجي وأين ينتهي، بحيث يصبح الداخل خارجا والخارج داخلا، وبحيث أحياناً أخرى، يتحول أثر الخارج إلى متحول مستقل من تلقاء ذاته في الداخل نفسه، ويصبح إذاك عاملاً داخلياً لا خارجياً بعد فترة من الزمن.
ولتبيان أثر الخارج داخلاً من هذه النقطة، سنركز في هذه الورقة، على مسألة الشرعية في مثال واحد ومن ثم سيكون التركيز على مسألة توطين الحداثة في بلدان العالم الثالث أو البلدان النامية في علاقتهما مع الخارج.
ففيما له علاقة بالشرعية، يقول أمين معلوف: “مع اكتشاف النفط، كان من المستبعد أن تدع الدول الكبرى إيران تحيا حياتها هي. واضطرت الأسرة الحاكمة حفاظاً على حكمها، أن تتحالف مع البريطانيين ثم مع الأميركيين، أي مع أولئك الذين كان الشعب الإيراني يرى فيهم أعداء ازدهاره وكرامته.. فالشرعية لا تعطى لمن يتبدى في حماية الدول المعادية، وكل ما يفعله يكون عرضة للجرسة، فإذا شاء تحديث البلاد، عارض الشعب التحديث، وإذا حاول تحرير المرأة، امتلأت الشوارع بالحجابات الاحتجاجية”.(١).
هنا نرى مثالاً عن أثر الخارج فيما يتعدى مسألة السياسة أو التدخل المباشر، من حيث كيف يؤثر الخارج والموقف منه على وعي الجمهور ورأيه وتحولاته تجاه سلطته بناء على موقفه ونظرته للخارج، وبما ينعكس أيضاً على مسار الحداثة في بلد ما، وهو ما سنناقشه بتفصيل أكثر، لأن أحد أهم المسائل التي يمكن ملاحظتها فيما يتعلق بمسألة العامل الخارجي ودوره في سياق التاريخ في عالمنا العربي والإسلامي، يتعلق بدوره في قطع التطور والنمو السياسي والحداثي في بلداننا، سواء عبر إجهاض الثورات أو دعم الأنظمة الدكتاتورية.
وقد رأينا سابقاً في مثالي عبد الناصر في مصر ومحمد مصدق في إيران، كيف لعب العامل الخارجي دوراً بارزاً في محاربة عبد الناصر وفي منع محمد مصدق من ترسيخ أسس الدولة الحديثة في إيران. هذا الأمر تكرر دوماً في محطات تاريخية كثيرة، لعل مثال اندونيسيا يعتبر مثالاً بارزاً هنا، حيث كان يوجد في اندونيسيا، وهي البلد المسلم، في ستينات القرن الماضي حزب شيوعي يضم حوالي مليون ونصف مليون عضو بين أعضائه، وكان الرئيس أحمد سوكارنو يقود بلاده نحو الحداثة بخطى واثقة، رغم كل ما يمكن أن يقال عن أخطائه. إلا أن قيامه بتأميم المناجم إضافة إلى سياسته الاستقلالية، أدت إلى قيام الأمريكان بدعم مذابح كبيرة ضد القوميين والعلمانيين والشيوعيين وصلت حد ٦٠٠ ألف قتيلاً، لتخسر أندونيسيا نخبتها الحداثية لصالح حكم دكتاتوري، ما أدى مع الزمن إلى اختفاء النسخة الإسلامية المتسامحة من الإسلام الأندونسي، ما يجعلنا نضع يدنا على دور العوامل الخارجية أيضا في ولادة التطرف والإرهاب، سواء كأثر جانبي لهذه الأحداث، أو كأثر مباشر، ما ساهم في وأد الحداثة عربياً لصالح صعود النسخة الأكثر راديكالية من الإسلام الجهادي ومشتقاته، مرة بفعل إجهاض الغرب للقوى الحداثية ومرة بفعل تحالف هذه القوى مع النظم الاستبدادية الظلامية، وهو ما عبر عنه أمين معلوف بالقول أن القوى الغربية “انتقصت كثيرا من القيم التي تؤمن بها، لا لأنها حاربت بشراسة خصومها الماركسيين أو في العالم الثالث.. بل لأنها استغلت بوقاحة أسمى المبادئ الكونية لمصلحة طموحاتها ومطامعها، وأكثر من ذلك، لأنها تحالفت على الدوام، لا سيما في العالم العربي، مع أكثر القوى رجعية وظلاما، تلك القوى التي ستعلن عليها يوما أخبث الحروب”. (2).
وهو ما عبر عنه المفكر الراحل محمد أركون بطريقة أخرى إذ قال: “عقل التنوير حاد عن مقاصده الأساسية النبيلة واتخذ كرهينة من قبل إرادات القوة والهيمنة إبان المرحلة الاستعمارية والتوسعية الإمبريالية. لقد حصلت خيانة للتنوير في الغرب من قبل أرادات القوة والهيمنة والاستغلال والجبروت والتوسع الكولونيالي”(3).
ودائماً كان يتم هذا باسم الديمقراطية والإصلاح أو “أسمى المبادئ الكونية” وفق ما يقول معلوف كما ذكرنا أعلاه، وهو ما عبر عنه عبد الإله بلقزيز إذ قال: “كان الهدف الواحد، المتكرر منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر (منذ ضرب مشروع محمد علي باشا في مصر)، هو تجزئة البلاد العربية وتفكيكها، فهو أطل في عهوده كافة، تحت عنوان فرض الإصلاح والإصلاحات (نشر الديمقراطية اليوم). بهذه التعلة فككت الإمبراطورية العثمانية، وغزا الفرنسيون تونس والمغرب، والبريطانيون مصر، والأميركيون والبريطانيون وحلفاؤهم الأطلسيون العراق عام ٢٠٠٣، وبالتعلة عينها تنظم أضخم عملية تفتيت كولونيالي في عدة من البلدان العربية”. (4).
إذن، إن قطع مسار الحداثة ونموها في بلد ما بفعل الخارج، له تاريخ عريق في منطقتنا، حيث أدى الاحتلال العثماني إلى دخول المنطقة العربية في مرحلة انحطاط كبير، حاول العرب الخروج منه مع الثورة السورية الكبرى بقيادة الشريف حسين، والتي أجهضت بدورها بفعل التدخل الاستعماري الغربي في منطقتنا، دون أن يكون السبب الوحيد، حيث رافق انهيار الدولة العثمانية نشوء حركة قومية عربية تنادي بالاستقلال والمملكة العربية الواحدة، والتي وجدت جذروا اجتماعية لها، سعت لنقل العالم العربي من مكان إلى أخر، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى ونتائجها أثر بدوره على هذا الأمر، والذي انتهى بالانتداب الفرنسي والبريطاني في مناطقنا، وقد عبر الباحث القدير عبد الله حنا عن الأمر بالقول: “كان من المقدر أن تأخذ الحركة الوطنية العربية في بلاد الشام بعد المـؤتمر العربي الأول أبعادها القومية مع الخلفيات الاجتماعية التي أخذت تطفو على السطح، لو لم تنشب في صيف عام ١٩١٤ الحرب العالمية الأولى التي وضعت الحركة القومية العربية في أوضاع جديدة”.(5).
ويتابع في مكان أخر: “ولكن الدولة الوطنية العربية العلمانية والليبرالية لم تتمكن، لأسباب داخلية وخارجية متعددة، من الاستمرار أكثر من عامين، إذ عاجلتها جيوش الغزو الفرنسي التي فضت على المقاومة الوطنية في ميسلون في ٢٤/٧/١٩٢٠، واحتلت دمشق وسائر المدن السورية، فانهارت الدولة الوطنية العربية، الليبرالية إلى حد بعيد، بفعل ضربات الغزو الاستعماري لا بفعل العوامل الداخلية”.(6).
دون أن ينتهي الأمر هنا، فانقلاب حسني الزعيم الذي كان بداية الانقلابات العسكرية في سورية الذي دشن عملية وصول العسكر إلى السلطة، منهيا حكم الكتلة الوطنية السورية بقيادة شكري القوتلي آنذاك، جاء بدعم من القوة الأميركية الصاعدة آنذاك، وبهدف مد أنبوب نفط التابلاين من السعودية إلى صيدا عبر الأراضي السورية، ولتحجيم النفوذ الفرنسي البريطاني في سورية التي يمكن أن يعتبر تاريخها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، مثالا مكثفا لأثر العامل الخارجي ودوره في التحولات الجارية في بلد ما، حيث يشهد البلد اليوم أكبر عملية تدخل تعكسها الاحتلالات الروسية والإيرانية والتركية والأميركية للأرض السورية، وهي احتلالات عسكرية مباشرة، مضافا لها عوامل خارجية أخرى تتفاعل معها وتطيح بأحلام السوريين الذين خرجوا لتعبيد الطريق أمام الحداثة فأدى العنف الاستبدادي والخارج الإمبريالي إلى قطع المسار مجددا.
خاتمة
إن تأمَّل دور العامل الخارجي وقراءته في ضوء تواريخ البلدان العربية والإسلامية، يوضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا العامل كان دوماً عنصراً فاعلاً ومؤسساً في مسار الأحداث، بما يجعلنا نقول أنه يتوجب على أي حركة سياسية صاعدة أو طالبة تغيير أن تأخذ هذا العامل بعين الاعتبار، إذ لا تغيير ممكن دون إدراك واضح للممكنات التي يتيحها هذا الخارج في عملية تجادله مع الداخل، وقد وقعت المعارضات العربية والحركات الثورية الساعية للتغيير ضحية إهمالها دور هذا العامل وأثره، فانتهت أحلامها إلى سراب.
المراجع:
- أمين معلوف، اختلال العالم، دار الفارابي، ص: ١١٥.
- أمين معلوف، غرق الحضارات، دار الفارابي، ص: ٢٠٥.
- محمد أركون، الهوامل والشوامل، حول الإسلام المعاصر، دار الطليعة، ص: ٧٢.
- ما بعد الربيع العربي، عبد الإله بلقزيز، المركز الثقافي للكتاب، ص: ١٢٤.
- عبد الله حنا، صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص: ٤٠/٤١.
- عبد الله حنا، صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص:٧٤..