تعيش الدول النفطية كابوسًا خطيرًا تمثل بالانخفاض الحاد لأسعار برميل النفط عند نقطة لم يبلغها منذ 11 عامًا في منعطف سبب اختلالًا واضحًا في موازنات تلك الدول المقومة والموضوعة استنادًا لمبيع النفط في الأسواق العالمية وفق لأسعار تغاير الانخفاض الفجائي والحاد.. الأمر الذي يهدد تلك الدول – العراق منها – بعجز كبير جدًا في ميزانيتها وحساب مدفوعاتها فيما لو استمر الانخفاض لفترة طويلة.
النفط وتقلبات السوق.. سياسة واقتصاد
رغم أن تأثير فيروس كورونا على سوق النفط كان سلبيًا وتسبب بتراجع الطلب وخفض الأسعار نظرًا للحجر الصحي الصيني “أكبر مستورد عالمي للنفط” لكن خطط كبار المنتجين كانت تصب في اتجاه موازنة هذا التراجع وتخفيض المعروض في الأسواق لتحقيق أسعار مقبولة عبر مجموعة (أوبك+).. لكن في النهاية كان لروسيا رأي آخر.
نزل سعر خام برنت القياسي العالمي، مسجلاً أكبر خسارة يومية في أكثر من 11 عاما، بعد رفض روسيا اقتراح منظمة أوبك بتنفيذ تخفيضات كبيرة لإنتاج النفط لتحقيق استقرار في الأسعار المتضررة أصلًا بفعل التبعات الاقتصادية لفيروس كورونا، لترد أوبك بإلغاء القيود على إنتاجها.
الرفض الروسي يرتبط بقضايا سياسية اقتصادية، تتعلق بالتنافس مع واشنطن في أسواق النفط العالمية
يؤكد ذلك تصريحات وكالة “بلومبرغ” الإخبارية الاقتصادية، المملوكة للملياردير والمرشح الرئاسي الأميركي مايكل بلومبرغ، التي ربطت رفض روسيا تعميق وتمديد اتفاق خفض إنتاج النفط، مع فائض الإنتاج الأميركي من النفط الصخري.
وقالت الوكالة، على لسان مصادر لم تسمها، أن موافقة روسيا على مقترح اتفاق تعميق وتمديد خفض إنتاج النفط ستكون بمثابة هدية من جانب تحالف “أوبك+”، الذي يتضمن روسيا، إلى الولايات المتحدة، وهذا ما ترفضه موسمو.
والجمعة الماضية، رفضت روسيا مقترحًا جديدًا لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” بشأن تعميق وتمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية 2020، بحجم خفض كليّ 3.2 ملايين برميل يوميا.
هذا ويجري حاليا تنفيذ اتفاق لخفض إنتاج النفط من جانب التحالف، بواقع 1.7 مليون برميل يوميا، ينتهي في آذار/ مارس الجاري.
يذكر أنه جرى تداول ما يزيد عن مليون عقد للخام الأميركي خلال الجلسة، في الوقت الذي تحول فيه اتفاق استمر لثلاث سنوات بين أوبك وروسيا إلى اختلاف.
وسجلت العقود الآجلة لخام برنت أكبر انخفاض يومي بالنسبة المئوية منذ ديسمبر 2008، لتنخفض 4.72 دولاراً أو 9.4 بالمئة وتبلغ عند التسوية 45.27 دولاراً للبرميل، وهذا أدنى مستوى إغلاق لبرنت منذ حزيران 2017.
في سياق متصل، حذر محللون في تقرير نشرته غولدمان ساكس وهي مؤسسة خدمات مالية و إستثمارية من تراجع سعر خام برنت إلى 20 دولاراً مع “بدء حرب الأسعار” بين أوبك وروسيا.
وقال البنك إن هذه الخطوة غيرت تماماً توقعات أسواق النفط والغاز، حيث خفضت توقعاته للربعين الثاني والثالث إلى 30 دولاراً للبرميل.
إلى ذلك، قال محللون “نعتقد أن حرب أسعار النفط في أوبك وروسيا بدأت بشكل لا لبس فيه في نهاية هذا الأسبوع”، مضيفين “أن التنبؤ بسوق النفط أشد وطأة مما كان عليه في تشرين الثاني 2014 ، عندما بدأت حرب الأسعار هذه أخيرًا ، حيث وصلت إلى ذروتها مع الانهيار الكبير في الطلب على النفط بسبب فيروس كورونا”.
العراق.. بلد نفطي واقتصاد في أزمة
يعتمد العراق على النفط بشكل شبه تام، حيث تشكل عائداته أكثر من 95% من موارد الموازنة المالية، الأمر الذي يعرض اقتصاد البلاد إلى مخاطر قوية في حال انخفاض سعر النفط، ويتسبب بأزمة اقتصادية حادة تنذر بنتائج وخيمة.
من جهتهم، المختصون يعتبرون أن الاعتماد الكلي للحكومة على النفط وعدم ايجاد بدائل أخرى لتعزيز الموازنة العامة في البلاد، قد يتسبب بانهيار وكساد اقتصادي كبير، يلقي بآثاره على الوضع العام في البلاد.
إلى ذلك وفي خضم الأزمة الحالية، صرّح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، يوم أمس الاثنين 9 آذار / مارس 2020، بضرورة الذهاب في الأمد القريب إلى تشريع موازنة طوارئ، تضمن استدامة مالية ضرورية في هذه المرحلة الحرجة.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن صالح قوله إن “هبوط أسعار النفط الى أقل من 30 دولاراً لمدة غير قصيرة الأجل، يعني بطبيعة الحال التعاطي مع صدمة مالية – اقتصادية كبرى أساسها غياب موارد سيادية مهمة، وحرمان الموازنة العامة منها، آخذين بالاعتبار أن موازنات البلاد تعتمد بنسبة 92% على عائدات النفط”.
وتابع مستشار رئيس الوزراء العراقي، أنه “إذا ما اُؤخذت مؤشرات العجز الأولية المقدرة في مسودة قانون الموازنة العامة الاتحادية 2020، التي هي بنحو يقارب الـ50 تريليون دينار، بعد أن تم اعتماد أسعار نفط مرتفعة، التي أمست بعيدة، وهي بنحو يبلغ الـ56 دولاراً لبرميل النفط المنتج، معنى ذلك أن العجز سيرتفع الى الضعف، فيما إذا ظل سقف الانفاق في موازنة 2020 على تقديراته الابتدائية الراهنة البالغة 164 تريليون دينار”.
وأشار مظهر صالح، إلى أن “العجز المالي بهذا المستوى، لا يمكن أن يُموَّل، خصوصاً إذا ما استمرت أسعار النفط هابطة دون 30 دولاراً للبرميل الواحد، إلا عن طريق الاقتراض من أسواق رأس المال الدولية أو اللجوء الى اتفاقات مع المؤسسات المالية والنقدية الدولية”.
وكحلول ونصائح فعلية تلتقي مع مخاوف المواطنين العراقيين من أزمة حادة تؤثر على معيشتهم المضطربة أصلًا، شدد المستشار على “ضرورة الذهاب في الأمد القصير الى تشريع موازنة طوارئ توفر الاستدامة المالية في هذه المرحلة، وتلبي الاحتياجات الضرورية وفي مقدمتها رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية ومستلزمات الحياة الصحية وضروراتها، والذهاب في الأمد المتوسط الى إعادة فحص القوانين المالية كافة، التي اثقلت كاهل البلاد ومستقبله الاقتصادي، وتأسيس بنية حقيقية للتنمية بديلة للاقتصاد الريعي”.