كانت الضربة الأمريكية التي استهدفت الجنرال قاسم سليماني في محيط مطار بغداد الدولي، ذات تبعات وأبعاد في مستويات مختلفة، فالضربة التي راح ضحيتها القيادي البارز في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، إلى جانب سليماني سببت شرخًا ضمنيًا – حتى الآن – في خطط الحشد وآليات عمله، لا سيما مع تأخر اختيار بديل للمهندس واستمرار أزمة الحكومة في بغداد، بشكل مخالف لما جرى في طهران التي حرّص قادتها على سرعة وضع البديل “اسماعيل قآاني ” في منصب سليماني.
ظهرت مؤشرات حالة الانقسام بين مليشيات الحشد الشعبي العراقية مؤخرًا، بعدما اختارت المؤسسة الموالية لإيران عبد العزيز المحمداوي ” أبو فدك” رئيسًا لأركان الحشد، خلفًا لأبو مهدي المهندس الذي قتل خلال الغارة الأمريكية التي استهدفت قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني الماضي.
وذكر منتدى “جست سيكيورتي” المتخصص في الشؤون القانونية والحقوقية والأمن القومي بكلية الحقوق بجامعة نيويورك، أن التعيين الذي جرى في أواخر فبراير / شباط الماضي، تلقى انتقادات من عناصر من الحشد الغير موالية لإيران، ما يشير إلى انقسامات غير معلنة داخل المؤسسة.
المنتدى الأمريكي، ذكر خلال تقرير منشور عبر موقعه الإلكتروني، إلى أن تعيين أبو فدك المحمداوي، يشير إلى حالة انقسام أوسع في السياسة العراقية بشأن دور المليشيات الشيعية ومستقبلها كقوة أمنية موازية للجيش العراقي.
لا بديل للمهندس
وفقًا لمعايير الحشد، فقد كان زعيمه السابق أبومهدي المهندس، يتمتع بالمهارة والكفاءة، وربما يكون من الصعب إيجاد بديل له، فبصفته المؤسس وقائد كتائب حزب الله، ووكيل إيران في العراق، كان يتمتع بالإمكانيات السياسية والاستخباراتية، والخبرة العسكرية لتوحيد المليشيات المختلفة التي تشكل أركان الحشد الشعبي المدعومة من إيران، فضلًا عن علاقته القوية بسليماني.
في 2016، تم تقنين تشكيل الحشد الشعبي بأكمله، وإدراجه تحت قوات الأمن العراقية، حيث أصبحوا قادرين على ضمّ أنفسهم إلى أجزاء بالحكومة العراقية، حتى إن المهندس نفسه أصبح مؤثرًا وفاعلًا في المشهد العراقي وتحديدًا عبر دوره كقائد العمليات للحشد الشعبي.
سيطرة إيرانية
المحمداوي، واسمه الحقيقي عبد العزيز المحمداوي، عمل لفيلق بدر منذ عام 1983، حيث تعتبر المنظمة من بين أقدم المليشيات الموالية لإيران في العراق، نظرًا إلى أنها تشكلت في الأساس لقتال نظام صدام حسين.
كما عمل مع سليماني عبر عدد من المليشيات التي كانت تقاتل الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات التي تلت غزو العراق عام 2003، وبعد مقتل المهندس، كشفت اللجنة المشكلة لاختيار خليفته حجم سيطرة المليشيات الموالية لإيران على المؤسسة.
وبالرغم من أن تشكيلها وجهازها الإداري تم إعلانه كيانًا قانونيًا، حيث تضطلع بمهامها تحت سيطرة الحكومة العراقية، فإن القائمين على لجنة اختيار القيادي الجديد مثلوا بعضًا من أبرز الجماعات الموالية لإيران.
ثم سرعان ما أظهرت كتائب حزب الله دعمها الكامل له، من خلال بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني، لكن خلال الأشهر الأخيرة، كانت هناك تساؤلات متزايدة حول الدور المستقبلي لمليشيا الحشد الشعبي؛ فبالرغم من أنها قانونا تعتبر جزءًا من دولة العراق، فإن الحكومة تتمتع بسيطرة محدودة على المؤسسة الموالية لإيران.
هذا الأمر طرح وتداول كثيرًا خلال الاحتجاجات المناهضة للفساد التي تعرضت لأعمال عنف على يد عناصر الحشد الشعبي الموالي لإيران.
رفض واحتجاج
بعد إعلان اختيار أبو فدك، أصدرت 4 فصائل تابعة للحشد الشعبي – ذات هوى إيراني أضعف – بيانًا تنتقد فيه القرار والعملية، لتؤكد أنه لم يكن لديها علم بشأن اختيار أحد للمنصب.
وأوضحت الفصائل الرافضة أن الأمر يتطلب عملية قانونية غير متاحة في ظل وجود حكومتين، واحدة تدير الأعمال، والثانية لم يتم الانتهاء من تشكيلها، وعلى العكس من المليشيات الكبرى، تدين هذه الفصائل الأربع بالولاء إلى حد كبير إلى علي السيستاني المرجع الشيعي بالعراق.
نصيحة للغرب
بحسب دراسة المنتدى الأمني، فإن فهم الخلافات بين فصائل الحشد الشعبي أمر ضروري، خاصة أنها تكسب نفوذًا متزايدًا في الحكومة، من بينها القطاع الأمني العراقي الرسمي.
وعليه يجب على الولايات المتحدة التفكير في وسائل لتعزيز العناصر البناءة في هذه الدراما، حيث يجب تشجيع الحكومة العراقية القادمة لممارسة سلطتها القانونية على الحشد الشعبي لاختيار مرشح “رسمي” لمنصب نائب رئيس الحشد.
كما ويجب أن يكون هذا الشخص أقل ولاء لإيران من أمثال المحمداوي، وفي الوقت نفسه يتمتع بشعبية كبيرة وخبرة قتالية؛ ليتم قبوله داخل التشكيل الأوسع للحشد، مع قدرته على الصمود أمام محاولات الضغوط والترهيب التي تقوم بها العناصر المدعومة من إيران.