يثير الانتشار العسكري الروسي في المناطق الشرقية من سوريا وتحديدا في محافظة دير الزور، قلق “الحرس الثوري” الإيراني، الذي يخشى إضعاف تواجد ميليشياته في المنطقة، ما دفعه لبذل المزيد من الجهود في سعيه المتواصل لكسب ود العشائر العربية، للحفاظ على العلاقة المصلحية معها، في محاولة لقطع الطريق على القوات الروسية، حسبما يرى مراقبون.
وبدأت تحركات “الحرس الثوري” منذ منتصف الشهر الجاري، حيث نظمت الفرقة الرابعة لقاءً كبيراً في الملعب البلدي وسط مدينة الميادين، حضره مجموعة من وجهاء العشائر ورئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في دير الزور، اللواء “نزار أحمد الخضر”، بالإضافة الى الأمين الجديد لفرع حزب البعث في دير الزور “فاضل النجار”، ومسؤولين مقربين من الحرس والمليشيات الإيرانية وعلى علاقة جيدة بالمكونات العشائرية.
بعد أيام، غادر وفد من وجهاء عشائر عربية في شرق الفرات، إلى طهران للقاء مسؤولين إيرانيين حسبما كشفت مصادر لمرصد “مينا”، عُرف من الوفد كل من “خطيب الطلب” شيخ عشيرة البوعاصي، و”عبد الله نظام” رئيس الجمعية المحسنية في دمشق، ووجهاء من قبيلة البكارة والعكيدات والجبور والعنزة.
ضم جيش العشائر لميليشيات أيران
يسعى الحرس الثوري لضم جيش العشائر للميليشيات المسلحة التي يدعمها، لسد الفراغ الذي يمكن أن يشكله أي انسحاب اضطراري وتكتيكي لواحدة من تلك المليشيات المعروفة بولائها لإيران، وبالأخص تلك التي تتعرض للضربات الجوية الإسرائيلية المتتالية، حسبما يرى المحلل “حسين العمري”، الذي يؤكد لمرصد “مينا” أن “المليشيات الإيرانية في دير الزور تعيش حالة حرجة نتيجة الضغوط التي تتعرض لها من ناحية الانتشار العسكري وحرية التوسع بعد وصول المد الروسي إلى المنطقة وزيادة أعداد الضربات الجوية الإسرائيلية ولطيران التحالف ضد مواقعها.
وتعليقا على الجهود الإيرانية للتقرب من شيوخ العشائر يوضح “العمري” أن إيران تسعى لاستغلال العلاقات مع وجهاء العشائر لمنع خسارة ورقة الميليشيات لصالح القوات الروسية التي تدفع أكثر، ولديها من الاغراءات الكثير التي تدفع العشائر للوقوف في جانبها والتخلي عن العلاقة مع الوجود الإيراني.
مصادر مينا أشارت إلى أن المسؤولين الإيرانيين وعدوا خلال لقائهم وفد العشائر العربية في طهران، بتقديم الدعم لميليشيا “جيش العشائر” وفتح باب التطويع فيه، فيما أكد أحد وجهاء قبيلة “البكارة”، أن المسؤولين الإيرانيين كلفوا كلا من “خطيب الطلب” شيخ عشيرة “البوعاصي” وأيضا الشيخ “نواف البشير” شيخ قبيلة “البكارة”، بتولي مهام التجنيد وتحفيز أبناء العشائر للالتحاق بالجيش.
وتتبع ميليشيا “جيش العشائر” لاستخبارات النظام السوري ويقودها “تركي البوحمد” عضو المكتب السياسي لحركة الاشتراكيين العرب، وشاركت الميليشيا في الكثير من عمليات قوات النظام السوري ضد تنظيم “داعش” على امتداد البادية السورية، لا سيما في محافظتي الرقة ودير الزور.
ضمان السيطرة على المعابر
خلال الأسبوع الماضي، عززت القوات الروسية، تواجدها العسكري في مدينة البوكمال بمحافظة دير الزور، شرقي سوريا، ونشرت عناصر تابعين لها في نقاط تفتيش تابعة لمليشيا “الحرس الثوري” الإيرانية، وسط المدينة، حسبما أفادت مصادر أهلية لمرصد “مينا”. كما افتتحت القوات الروسية مقراً لها في الفندق السياحي بمدينة البوكمال، بعد موافقة القوات الإيرانية التي كانت ترفض الطرح كلياً، بحسب المصادر.
وبينما يرى محللون التحركات الروسية الأخيرة اتفاقا مع إيران التي تسعى لاستغلال التواجد الروسي لحماية ميليشياتها من القصف الإسرائيلي والأميركي، وتعزيز سيطرتها على معابر التهريب، يتحدث آخرون عن مخاوف إيرانية من فقدان سيطرتها على المعابر النهرية التي تدر لها ملايين الدولارات من خلال عمليات التهريب وفرض الإتاوات على المدنيين في المنطقة.
وتسيطر الميليشيات الموالية لإيران على 6 معابر نهرية شرقي دير الزور، تربط مناطق سيطرتها غرب الفرات، بمناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شرق الفرات، وتستغلها لأغراض تهريب المحروقات والقمح والشعير من مناطق سيطرة “قسد” إلى مناطق سيطرتها.
الاستقطابات العشائرية في سوريا مسألة شكلية قائمة على علاقات تقتصر على بعض الوجهاء، بحيث يكون قسم من وجهاء العشيرة على علاقة جيدة مع الروس وبعضهم مع الايرانيين أو الأمريكان، وذلك حسب مناطق نفوذ كل قوة على الأرض، يقول المحامي “عمار الطلاع” مضيفا أن علاقات وجهاء عشيرة واحدة قد تتمدد لتطاول كل هذه القوى المذكورة في آن واحد.
ويضيف “الطلاع” أن إيران تدرك ذلك، و ترى أن الانتشار العسكري الروسي يهدد مصالحها في المنطقة لذلك كثفت جهودها لكسب ود العشائر العربية، للحفاظ على معابرها من خلال تسليمها لجيش العشائر التي تعمل على إعادة هيكلته.
بالإضافة الى ذلك، يرى “الطلاع” أن إيران تلعب على وتر مساعدة العشائر العربية على التخلص من “قسد” ومواجهة القوات الأمريكية لكسب ودها وضمان سيطرتها على المعابر النهرية من خلال تسليمها لميليشيات جيش العشائر.
مصادر مقربة من جيش العشائر أكدت أن الشيخ “نواف البشير” نقل لقيادات جيش العشائر عرضا إيرانيا يتمثل بمنح جيش العشائر معبر “مصفاية الزوية” الواقع تحت سيطرة مليشيا “أبو الفضل العباس”، والمعروف باسم “معبر عباس 17″، والذي يربط بين مدينة “القورية” الخاضعة لسيطرة المليشيات الإيرانية، ببلدة “الطيانة” الخاضعة لسيطرة “قسد” مقابل العمل بالتنسيق مع الميليشيات الإيرانية لطرد قوات قسد من المنطقة.
وكانت مصادر محلية أكدت أنه خلال اجتماع “محمد حسن اختري” رئيس الهيئة العليا للمجمع العالمي لأهل البيت، مع وجهاء وشيوخ العشائر العربية في محافظة دمشق، سعى خلال هذه الزيارة إلى إقناع العشائر العربية بسحب أبنائها من صفوف “قسد” وإلحاقهم بالقوات التابعة للحرس الثوري الإيراني.
و بعد الاجتماع بين شيوخ العشائر مع المسؤولين الايرانيين، ازداد تداول مفهوم ومصطلح “المقاومة الشعبية” و”جيش العشائر العربية” والسعي إلى مناهضة وجود قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية بين شيوخ تلك العشائر الموالين للأسد.