ما يزال اليمنيون يئنون تحت وطأة انقلاب الميليشيات الحوثية الموالية لطهران، والتي استولت على السلطة في صنعاء تحت تهديد السلاح وبدعم وتنسيق إيراني لزيادة بلبلبة وقلقلة الأوضاع في اليمن ومحيطها الخليجي نظرًا لموقع البلاد المتميز والمؤثر على بوابات عبور عالمية.. الأمر الذي يفسر دعمًا عربيًا انطلق برعايا سعودية عبر التحالف العربية لمحاولة ارجاع الشرعية للحكم هناك، ولاقى ذلك التحالف دعمًا غربيًا وتنسيقًا عالي المستوى في المعارك الدائرة هناك..
ويبدو أن محاصرة الحوثيين (ذراع إيران في اليمن) لن تقتصر على المعارك العسكرية بل هناك توجهات غربية “أمريكية” لفرض عقوبات متصاعدة على تلك الميليشيات الإرهابية وسط ارتفاع حدة التصريحات بقرب تصنيف الجماعة على القائمة السوداء أمريكيًا.. بشكل يعني زيادة معاناة اليمنيين ويعرقل دخول المساعدات الإنسانية التي يعيقها تواجد الميليشيا الإرهابية أصلًا.. مؤخرًا فرضت الخزانة الأمريكية جملة عقوبات على أفراد وكيانات في اليمن وهايتي وروسيا، متهمين بجرائم تخص بحقوق الإنسان.
إيران.. المتهم الأول
بعد أن أرسلت طهران موفدها “حسن إيرلو” كسفير لها في صنعاء (رغم الغموض بطريقة وصوله)، فرضت واشنطن عقوبات على الموفد الذي قدّمته على أنه “موفد إيراني لدى المتمردين الحوثيين”، والمتهم بـ “المساهمة في إطالة أمد الحرب في اليمن”.
وزارة الخزانة الأميركية، في بيانها، قالت إن “إيرلو” مسؤول في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ويصنف كمبعوث النظام الإيراني لدى الحوثيين في اليمن.
حيث اعتبر وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، أن “تعيين إيرلو لتمثيل طهران يظهر عدم وجود إرادة لدى النظام الإيراني لحل النزاع”.
في حين اعتبرت الوزارة أن الدعم الإيراني للحوثيين “يستمر في الدفع باتجاه عدم الاستقرار في اليمن الذي يشهد أخطر أزمة إنسانية في العالم”.
سياقًا.. تستمر التكهنات حول ما إذا كان وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” سيدرج الحوثيين على القائمة الأميركية السوداء للمنظمات الإرهابية، مما يعقد وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن.. في ظل الأيام القليلة المتبقية للإدارة الحالية في البيت الأبيض.
عقوبات على قيادات حوثية
لم يمض يومان على إصدار واشنطن عقوبات على “حسن إيرلو” سفير إيران عند ميليشيات الحوثي في صنعاء.. حتى أشفعتها – أي الإدارة الأمريكية- أمس الخميس بعقوبات على خمسة مسؤولين حوثيين، أكدت أنهم تورطوا “بانتهاكات جسيمة ضد النساء والأطفال”.
الاتهامات الأمريكية طالت خمسة شخصيات حوثية، على رأسها: رئيس جهاز الأمن في الجماعة، عبد الحكيم الخيواني، المتهم وفق وكالة رويترز، “بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.
حيث أصدرت وزارة الخزانة الأميركية، بيانًا جاء فيه، إن القادة الذين صدرت بحقهم عقوبات ارتكبوا انتهاكات عدة، “من حجز تعسفي وتعذيب لليمنيين من كبار السن والأطفال، إضافة إلى استهدافهم للصحافيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان”.
القيادي الموالي لإيران “عبد القادر الشامي” شملته العقوبات، مع “سلطان زبن” مدير إدارة التحقيقات الحوثية، وكذلك نائب رئيس مكتب الأمن لدى جماعة الحوثي “مطلق عامر المراني”، والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الحوثي “عبد الرب جرفان”.
بدوره، بحسب ما نقلت عنه وكالة رويترز، قال دبلوماسي أميركي يوم الخميس إن استهداف جماعة الحوثي للمدنيين و”تعميقها” العلاقات مع الحرس الثوري الإيراني واستخدام عمليات الخطف أداة من أدوات الحرب، جميعها عوامل تقود إدارة الرئيس دونالد ترمب للنظر في اعتبار الحركة منظمة إرهابية أجنبية.
يذكر أن “واشنطن بوست” ومجلة “فورين بوليسي”، علقتا منتصف تشرين نوفمبر 2020، أن تلك القرارات ستؤدي إلى عرقلة عمل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن في المستقبل.
حيث أشارتا إلى أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، يريد تسريع هذا المسار باعتباره جزءاً من سياسة “الأرض المحروقة” التي يتبناها البيت الأبيض حاليًا.
اتهامات مؤكدة
نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي “تيموثي ليندركينغ” في تصريحه للصحافيين في مؤتمر عبر الهاتف – بحسب إندبندنت- قال: “لو لم تحدث هذه الأمور لما أثير النقاش، بشأن وصف الحركة منظمة إرهابية”.
ليوضح “ليندركينغ”، ما اعتبر إنها الأسباب الرئيسية للنظر في تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية.. لكنه رفض أن يعرض لتفاصيل المداولات داخل الإدارة..
حيث بيّن: “يفعل الحوثيون أشياء أقرب إلى سلوك منظمة إرهابية. إنهم يستهدفون المدنيين… ويستخدمون الخطف أداة من أدوات الحرب. وهم على ما يبدو يعمقون علاقتهم مع الحرس الثوري وهو من وجهة نظرنا منظمة إرهابية”.
وأسهب قائلاً: “إذا أرادوا أن يكونوا طرفًا سياسيًا شرعيًا داخل اليمن، فعليهم أن يتوقفوا عن هذه الأنشطة”.
ليس الحوثيين فقط
استهدفت عقوبات الخزانة الأميركية كيانات أخرى، حيث قالت في معرض تلك العقوبات إنها “تستهدف أفراداً وكيانات في هايتي واليمن وروسيا متعلقة بحقوق الإنسان”.
وكان على رأس أولئك المستهدفين رئيس جمهورية الشيشان الروسية “ذاتية الحكم” المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رمضان قديروف.
في حين طاولت العقوبات ثلاثة أفراد من هايتي بسبب مزاعم متعلقة بانتهاكات لحقوق الإنسان.
وبموجب تلك العقوبات.. تُحظر جميع ممتلكات ومصالح الأفراد أو الكيانات المذكورة داخل الولايات المتحدة، أو في حيازة أو سيطرة أشخاص يقيمون في الولايات المتحدة، كما يحظر على الأمريكيين التعامل مع تلك الكيانات.
سياقًا، أعلنت وزارة العدل الأمريكية في بيان خاص؛ أن “قديروف والقوات التي يقودها ويُطلَق عليها اسم قاديروفتسي، متورطون في مقتل بوريس نيمتسوف، وكذلك في انتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان”.
ونيمتسوف الذي كان سابقا نائبا لرئيس الوزراء، تحوّلَ إلى معارض لبوتين، وقُتل بالرصاص في 2015 في موسكو. وأوقف العديد من المشتبه بهم من شمال القوقاز، ولكن الحقيقة لم تظهر ابدا.
ترحيب حكومي
رحبت الحكومة اليمنية، بقرار واشنطن فرض عقوبات على 5 قيادات في جماعة الحوثي، معتبرة في ذلك انتصارًا.
وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية اليمنية في وقت متأخر من مساء الخميس، نشرته وكالة الأنباء الرسمية ”سبأ“.. اعتبر أن الخطوة “تأتي انتصارًا للضحايا المدنيين ضد طغيان وجرائم هذه المليشيات الإرهابية (جماعة الحوثي)“.
كما أعرب البيان عن “تطلع الحكومة إلى اتخاذ خطوات مشابهة من قبل المجتمع الدولي لردع هذه المليشيات التي لم تتوقف عن ارتكاب الجرائم والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين”.
بدورها.. رفضت جماعة الحوثي اليمنية، مساء أمس الخميس، فرض الولايات المتحدة عقوبات على 5 من قياداتها.
حيث أعلن عضو المجلس السياسي الأعلى في الجماعة، محمد علي الحوثي، في تغريدة عبر حسابه على “تويتر” إن “التصنيف من قبل الولايات المتحدة لأي يمني مدان وغير قانوني”.. ليضيف: “لا يوجد أي قانون يجيز لأمريكا تصنيف الآخرين”.
ثم تابع: “التصنيف الأمريكي في اليوم العالمي (لحقوق الإنسان) سياسي للتغطية على إرهابها للشعوب”.
معاناة مستمرة
تعيش اليمن منذ عام 2014 حربًا قاسية بين الميليشيات الحوثية المحسوبة على إيران، والقوات الشرعية الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمدعومة من تحالف عربي بقيادة السعودية.
وتسبب النزاع – بحسب منظمات حقوقية – بمقتل عشرات آلاف الأشخاص، بينهم الكثير من المدنيين، حيث كانت الميليشيات الإيرانية المسؤول الرئيس عن تلك التجاوزات والمتهمة بارتكاب “جرائم حرب”.
وبينما يحتاج 24.1 مليون آخرون، أكثر من ثلثي السكان، إلى المساعدة.. لا يزال نحو 3.3 مليون شخص نازحين، بحسب الأمم المتحدة التي أكّدت بشكل متكرر أن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم حاليًا.
قبل أيام، قُتل عشرة مدنيين معظمهم من الأطفال والنساء وجُرح العشرات في قصف للمتمردين الحوثيين على أحياء سكنية في محافظتي تعز والحديدة.. وفق ما أفادت به حينها، مصادر طبية وحكومية لوكالة الصحافة الفرنسية.
مصادر طبية في تعز جنوب غربي اليمن، التي تعتبر ثالث أكبر مدينة في اليمن من حيث عدد السكان، وتخضع لسيطرة الحكومة، لكنها محاصرة بشكل شبه كامل من الحوثيين.. قالت تلك المصادر إن طفلتين، إحداهما رضيعة تبلغ تسعة أشهر، وصلتا إلى المستشفى مساء الاثنين ميتتين نتيجة إصابة في الرأس وأقسام متفرّقة من الجسم، إضافة إلى سبعة جرحى آخرين بينهم أطفال.
لتعلن مصادر حكومية أن “الجريمة ارتكبها الحوثيون في قصف استهدف حي عصيفرة الخاضع لسيطرة الحكومة”..
دعوات للالتزام
غداة غداة مقتل خمسة أطفال وثلاث نساء في قصف استهدف أحياء سكنية في قرية القازة غرب مديرية الدريهمي في الحديدة، بحسب مصادر طبية وحكومية..
دعت منظمة “أطباء بلا حدود”، دعت في تغريدة على “تويتر”، “جميع الجماعات المسلحة للالتزام بالقانون الإنساني الدولي واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لتجنّب وقوع إصابات في صفوف المدنيين”.
كما أكدت الأمم المتحدة الحصيلة، مشيرةً إلى تزايد أعمال العنف في الايام في الحديدة، التي تضمّ ميناءً استراتيجيًا على البحر الأحمر.. حيث جاء في بيان للمسؤول الأممي عن المساعدات الإنسانية في اليمن، ألطف موساني، أن استهداف النساء والأطفال “غير مقبول وغير مبرّر”.
قبل يومين ذكرت صحيفة “واشنطن بوست ” الأمريكية أن الأمم المتحدة وجهت نداءً لإدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن الكارثة الإنسانية المحتملة في اليمن، وذلك قبل قرار متوقع بتسمية الحوثيين هناك “منظمة إرهابية”.. في الوقت الذي يستعد فيه المسؤولون الأمريكيون لوقف محتمل لبرنامج المساعدات بقيمة 700 مليون دولار.
وفي رأى بعض المراقبين إن قرارات واشنطن الاخيرة، بديلة عن قرار بتصنيف جماعة الحوثيين بشكل عام ضمن قوائم الإرهاب.. بسبب العواقب الإنسانية المحتملة، والاكتفاء بأبرز القيادات المتهمة بانتهاكات لحقوق الإنسان، لا سيما أن عقوبات أميركية مماثلة قد شملت زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ورئيس جهاز الاستخبارات عبد الله الحاكم، المعروف بـ “أبو علي الحاكم”.
وأعلن – قبل اسبوعين – وزير الإعلام اليمني “معمر الإرياني”؛ أن تصنيف الحوثي في قائمة الإرهاب مطلب رسمي وشعبي، معتبرًا ذلك “أولى خطوات حل الأزمة اليمنية، بعد أن أكدت التجارب والأحداث أن استقرار اليمن مرهون بالقضاء على هذه الجماعة العنصرية الإرهابية”.
ليؤكد الوزير اليمني عبر منصة تويتر، أن “مليشيات الحوثي تنظيم إرهابي عابر للحدود، لا ينتمي لليمن بل لإيران الخمينية”، حيث أشار إلى أن “إرهابه لن يتوقف عند حدود اليمن، بل سيطال المنطقة وسيتضرر منه العالم أجمع، ما لم يتم تصنيفه ضمن قوائم الإرهاب”.
وفي عام 2014، صنفت السعودية جماعة الحوثي “إرهابية”، فيما يخضع زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، لعقوبات دولية، ضمن قائمة تضم قياديين آخرين بجماعته، ونجل الرئيس الراحل، أحمد علي صالح، بسبب عرقلة التسوية السياسية في البلاد.. كما حثت الرياض واشنطن على فعل الأمر نفسه.