دخلت العلاقات الأمريكية- التركية في نفق مظلم ومأزق حاد، فالسياسة التي انتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه العديد من القضايا الحساسة، إقليميا ودولياً، أرخت بظلالها على استياء أمريكي كبير، وصولاً إلى تدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن بشكل غير مسبوق.
ولعل أبرز الملفات التي تتجه تركيا لدفع فاتورتها، هي الإسلام السياسي الذي تديره في الشرق الأوسط وتجند لأجله وتخطط وتدبر، والتقارب المسلح مع روسيا، العدو اللدود لـ “الناتو”، واقتناء منظومات صواريخ إس- 400 الحديثة، والتوغل في الشمال الشرقي من سورية، والتنقيب عن النفط في البحر الأبيض المتوسط دون الإصغاء لنداءات المجتمع الدولي حول ذلك.
الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها، فعلت سلاح العقوبات الاقتصادية ضد أنقرة وأزلام النظام التركي المقربين من أردوغان، وفي الساعات الماضية أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية قرارا يقضي بالإعتراف بـ “إبادة الأرمن” على يد الإمبراطورية العثمانية عام 1915.
وفي هذا الإطار، أدانت الحكومة التركية قرار مجلس النواب الأمريكي الأخير، والذي يتعلق بفرض عقوبات على أنقرة بسبب العملية العسكرية التي شنتها على شمالي سورية “نبع السلام”، ويعترف بارتكاب تركيا “إبادة جماعية” بحق الأرمن في القرن الماضي، وردا على ذلك استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الأمريكي في أنقرة، ديفيد ساترفيلد.
مجلس النواب الأمريكي صوت مساء أمس الثلاثاء وبأغلبية ساحقة لصالح مشروع قانون ينص على فرض عقوبات على تركيا بسبب عملية “نبع السلام” في شمال سوريا، كما تبنى المجلس أيضا قرارا بإدانة تركيا “بإبادة 1.5 مليون من الأرمن” في عهد الإمبراطورية العثمانية في القرن الماضي.
الحكومة التركية تسمي ما حدث بحق الأرمن على يد الدولة العثمانية “مأساة”، ولكنها في الوقت ذاته تعتبرها نتيجة للاضطرابات التي صاحبت الحرب العالمية الأولى، وترفض تسميتها “إبادة عرقية”، والاعتراف بما يتضمنه من دفع تعويضات.
من جهتها أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا رسميا ردا على مقررات مجلس النواب الأمريكي جاء فيه: “ندين بشدة قبول مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يستهدف بالعقوبات دولتنا بذريعة عملية نبع السلام”، ولفت البيان إلى أن مشروع القانون يستهدف مسؤولين أتراك رفيعي المستوى، إضافة إلى القوات المسلحة التركية، وكما أن أمريكا لا يمكنها أن تصل لشيء من خلال مثل هذه التهديدات أحادية الجانب.
وشددت الخارجية التركية رفضها لمشروع قانون “الإبادة الأرمنية”، الموافق عليه في مجلس النواب الأمريكي، مؤكدة أن القرار المتخذ بدوافع سياسة داخلية، يفتقد إلى أسس تاريخية وقانونية، حسب وصفها.
وفي حديثها عن إدانة “نبع السلام” علقت الوزارة التركية بالقول: “هذا المشروع لا يتسق مع روح الشراكة المستمرة تحت سقف حلف شمال الأطلسي(ناتو)، ويتنافى مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بشأن سوريا”.
وأضافت “على المسؤولين الأمريكيين، الذين يتجاهلون بأقوالهم وأفعالهم الفرق بين دولة حليفة ومنظمة إرهابية، ويقرون بشرعية شخص إرهابي أن يروا أنهم لن يستطيعوا تحقيق أي شيء بتهديدات فرض عقوبات أحادية الجانب”.
كما حثت الكونغرس الأمريكي على “وقف استغلال القضايا التي ليست لها علاقة بروح علاقتنا، والزج بها في السياسة الداخلية، والتحرك وفق علاقات الشراكة والتحالف بين البلدين، وعلى ضرورة اتخاذ إجراءات لمنع المزيد من الخطوات التي يمكن أن تضر بالعلاقات”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.