الملخص التنفيذي:
تلقي هذه الورقة الضوء على التطورات المتلاحقة في العلاقات الإيرانية السورية، وتأثير روسيا والدول الغربية والعربية على توجهات النظام السوري في علاقته مع إيران، مع الوقوف على أهمية سوريا بالنسبة لطهران، وإمكانية إحداث خرق في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
كما تناقش برود وتوتر العلاقة بين النظامين السوري والإيراني في ضوء الأحداث المتلاحقة بالمنطقة؛ والتهديدات الإيرانية بشن حرب على إسرائيل! أو ضربة انتقامية بعد اغتيال حسن هنية داخل الحضن الإيراني، ومحاولات الانفتاح العربي والأوروبي على النظام بدمشق. وذلك من خلال المحاور التالية:
المحاور:
- المدخل
- مؤشرات تغيير العلاقة بين إيران وسوريا!
- الوصاية الإيرانية على دمشق!
- محاولا أسدية للانعتاق من الوصاية الإيرانية!
- سوء العلاقات مع إيران؛ وتحسنها مع أمريكا!
- لماذا لم يشارك الأسد في حرب غزة؟
- دور المصالح في العلاقة السورية الإيرانية!
- تراجع التعاون الاقتصادي السوري/الإيراني!
المدخل
بين فترة وأخرى يعود الحديث عن برود؛ أو توتر في العلاقات بين النظامين السوري والإيراني، ما يثير التساؤل حول طبيعة العلاقات الإيرانية السورية ومدى قدرتها على مواجهة الضغوط الغربية والعربية التي تهدف إلى إبعاد دمشق عن طهران، وظهرت عدة مؤشرات وتصريحات خجولة تشير إلى تغيرات في العلاقات بين الطرفين، فعلى الرغم من أن الأسد هو “الحليف الأبرز” لإيران في المنطقة، فقد كان آخر من التحق بركب المعزين بمقتل الرئيس الإيراني، وهي المناسبة التي أدلى بها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بتصريحات، تؤكد على استمرار تواجد سوريا في جبهة المقاومة، وهو ما بدا؛ وكأنه محاولة لنفي ما أشيع عن فتور العلاقات بين الطرفين، هذا في الوقت الذي تمت الإشارة فيه إلى وجود اتصالات بين دمشق والإدارة الأمريكية مع تحسن ظاهر في العلاقات السعودية السورية.
وعلى الصعيد العسكري، والمجهود الذي تساهم فيه سوريا في محور الممانعة الذي تقوده إيران، كان لافتاً تراجع دور سوريا في حرب غزة التي تطورت إلى هجمات مباشرة للمرة الأولى بين إيران وإسرائيل، وذلك بعدما استخدمت إيران جميع أذرعها تقريباً للرد على إسرائيل خاصة في اليمن ولبنان، إلا أن الجبهة السورية بقيت شبه مستقرة، ولم تشارك قوات النظام السوري أو الميليشيات السورية بأي مجهود يذكر.
مؤشرات تغيير العلاقة بين إيران وسوريا!
يتداول العديد من المحللين السياسيين ما يشير إلى أن إيران تعتمد بشكل متزايد على رئيس الحكومة السورية، وهو منصب لم يكن يحظى بأهمية على صعيد السياسة الخارجية وحتى الداخلية، لكنه أصبح يمتلك العديد من الصلاحيات الجديدة، ففي حادثة مقتل الرئيس الإيراني، سافر رئيس الوزراء السوري “حسين عرنوس” إلى طهران وكان في مقدمة المعزين، فيما وصل الرئيس السوري للتعزية بعد حوالي أسبوعين، هذا فيما يظهر رئيس الوزراء في العديد من المناسبات وخاصة لقاءات المسؤولين الإيرانيين في سوريا.
وعند ذهاب الأسد إلى إيران، حملت تصريحات خامنئي وتوجيهاته، رسائلاً مبطنة تشير إلى حرص على أهمية إبقاء سوريا في محور المقاومة، لكنها في نفس الوقت أكدت للدول العربية والغرب أن أي تحرك للنظام السوري نحوهم؛ لن يحدث إلا وفقاً لما تريده إيران وبما يخدم مصالحها، حيث يحدد حديث خامنئي صورة واضحة عن شكل العلاقة الآنية والمستقبلية التي تجمع “الحليفين”.
ولم تنشر وسائل الإعلام الرسمية السورية فحوى اللقاء الذي جمعه مع خامنئي على نحو دقيق، على عكس ما أورده الموقع الرسمي للمرشد الإيراني، وما انتشر لاحقاً في سلسلة تغريدات لافتة على حساباته الرسمية في موقع التواصل “إكس”.
ففي إحدى تغريداته اتهم خامنئي “الغرب وأتباعه في المنطقة بالسعي لإسقاط النظام السياسي في سوريا وإخراجه من معادلات المنطقة عبر إشعال الحرب”، وبعدما استدرك بالقول إنهم “لم ينجحوا” في السابق. وأضاف: “الآن أيضاً يرومون إلى إخراج سوريا من المعادلات الإقليمية بأساليب أخرى، بما في ذلك الوعود التي لن يوفوا بها أبداً”. وبينما لم يوضح حديث المرشد الأعلى الإيراني ماهية “الدور الإقليمي” الذي تلعبه سوريا وكذلك “الوعود”، أكد في سلسلة تغريدات لاحقة على “هوية المقاومة التي تتميز بها سوريا”، وأنه “ينبغي الحفاظ عليها”.
ويتزامن حديث المرشد الأعلى مع تحسن في العلاقات السعودية العربية مع سوريا، واعادة التحضير لافتتاح السفارة السعودية في دمشق، إضافة إلى الحديث عن اتصالات مزعومة بين دمشق وواشنطن، وبناء عليه يمكن القول بأن حديث خامنئي كان موجها بشكل مباشر إلى بشار الأسد، بعد تصريحاته قبل فترة عن تواصل مع الولايات المتحدة الأميركية، “لكن دون جدوى أو نتائج”.
الوصاية الإيرانية على دمشق!
ما ذكرناه آنفاً؛ أراد منه خامنئي تذكير الأسد بأن “لدى إيران تجربة مشابهة مع التفاوض مع الأميركيين، ولكنهم نقضوا العهد والتوافقات بسرعة”، في إشارة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترامب”، وهذا نوع من الوصاية بين دولتين بحجم إيران سوريا!
وبالتالي فإن “تأكيد المرشد الإيراني الأعلى على هوية سوريا المقاومة بحسب وصفه؛ أي البقاء في الفلك الإيراني كتابع لسياستها كنوع من الوصاية عليها؛ حاول من خلالها تذكير الأسد بأن الاصطفاف السوري تاريخياً كان ضمن ما يسمى محور المقاومة”. ولا يملك الأسد خياراً آخر في ظل ما يعانيه من أزمة داخلية وعسكرية بعد حرب أنهكت جيشه كثيراً.
وخلال اللقاء الذي جمعه مع خامنئي الخميس وجه الأسد للمرشد الأعلى الإيراني كلمة جاء فيها بحسب الموقع الرسمي للخامنئي: “إن العلاقات الإيرانية السورية استراتيجية؛ وتتقدم وتسير بتوجيهات فخامتكم وسيادتكم”.
لكنّ وسائل إعلام النظام السوري لم تتطرق إلى تلك العبارة، وهو ما يشير أيضاً إلى رغبة إيران في تأكيد تبعية النظام السوري المباشرة للمرشد الأعلى، فيما لدى النظام على ما يبدو رأي آخر، أو تحفظات على هذه النقطة.
محاولا أسدية للانعتاق من الوصاية الإيرانية!
هناك محاولات للنظام السوري واضحة للانعتاق من الوصاية الإيرانية! ولا يمكن أيضاً إغفال القرار الذي أصدره مكتب الأمن الوطني، بفرض قيود على دخول الزوار الأجانب إلى الجامع الأموي، والمقصود بهم الزوار الشيعة، وأشار موقع “صوت العاصمة” المحلي نقلاً عن مصادر اطلعت على التعميم، إلى أن التدابير الأمنية المقرّرة تشترط على الوفود السياحية الدينية الحصول على موافقات خاصة للدخول إلى المسجد.
كما وتشدد التدابير على منع الوفود من ممارسة الطقوس والشعائر الدينية، وإصدار الأصوات التي من شأنها أن تتعدى على حرمة المسجد! ولفت الموقع إلى صدور تعليمات لإدارة الجامع الأموي تقضي بعدم إدخال أي “مواطن أجنبي” حتى وإن كان بصفة شخصية سياحية إلا بعد حصوله على موافقة أمنية.
وشمل التعميم الدبلوماسيين ورجال الدين من الطائفة الشيعية، والذين ينبغي لهم الحصول على موافقات عبر البعثات الدبلوماسية لبلدانهم قبل زيارة الجامع. كما شمل التعميم الصحفيين غير السوريين، والمصورين والسياح الذين يقصدون سوريا من مختلف دول العالم، أما عن دلالة صدور التعميم في هذا التوقيت، فتذهب التحليلات إلى أنه قد يكون رسالة لها بعدها العربي، وجاءت متزامنة مع اجتماع جامعة الدول العربية في المنامة بحضور الأسد في شهر أيار/مايو 2024.
سوء العلاقات مع إيران؛ وتحسنها مع أمريكا!
بعد تعرض السفارة الإيرانية في دمشق إلى هجوم إسرائيلي أدى إلى مقتل العديد من السياسيين والدبلوماسيين الإيرانيين، تحدثت تحليلات من أن هذا الحدث أدى إلى تضعضع الثقة بين طهران ودمشق، حيث تشير بعض التحليلات إلى تورط النظام السوري في تسريب معلومات حول تحركات قادة ميليشياتها في اجتماعاتها ضمن الجغرافيا السورية، ويضاف إلى ما سبق أن عملية الاغتيال التي طالت “محمد رضا زاهدي” قائد الحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان، أمام مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق تشير إلى وجود اختراق كبير وجهة مُسَرّبة للمعلومات.
وقال تقرير لصحيفة “إزفيستيا” الروسية إن دمشق تجري اتصالات مع واشنطن، وذكر التقرير، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد كشف في مقابلة مع القناة الأولى في أبخازيا، عن اتصالات بين بلاده والولايات المتحدة، وهو يعلق آمالاً على عودة العلاقات مع الغرب.
وأضاف أنه منذ خريف 2020، بدأ الأسد يكشف عن مناقشة مواضيع محدودة مع واشنطن؛ فخلال رئاسة “دونالد ترامب” اقترح البيت الأبيض على دمشق إنشاء قناة اتصال مباشرة لمناقشة القضايا التي تهم الدولتين؛ ومن بين تلك القضايا ما يتعلق باختفاء العديد من المواطنين الأميركيين والإفراج عن الأميركيين في السجون السورية، واستخدام الأسلحة الكيميائية، وتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا.
وكانت الرحلة التي أجراها رئيس مجلس الأمن القومي آنذاك في البيت الأبيض “كاشياب باتيل” إلى العاصمة السورية قبل 4 سنوات دلالة على ذلك، وهي أول زيارة يقوم بها مسؤول أميركي رفيع المستوى منذ بداية الأحداث؛ ومن ثم الحرب في سوريا.
وفي ربيع 2022، أشار التقرير إلى أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية آنذاك، “نيد برايس” قال إن الولايات المتحدة ستعمل على تطبيع العلاقات مع بشار الأسد حتى يتم إحراز تقدم ملموس نحو حل سياسي للصراع في سوريا. وقد عكست كلماته تغيّر موقف واشنطن. وفي حال كانت الولايات المتحدة قد قالت في وقت سابق إن أيام الرئيس السوري باتت معدودة، فقد ظهرت في الوقت الراهن الظروف الملائمة لتطبيع محتمل للعلاقات.
وفي الآونة الأخيرة تغيرت لهجة دول رئيسية في أوروبا تجاه النظام السوري، حتى إن لم يحدث ذلك بشكل مباشر، فقد أعلن المستشار الألماني “أولاف شولتز” في شهر أيار/ مايو 2024، إمكانية إعادة طالبي اللجوء من مرتكبي الجرائم إلى بلادهم الأصلية، وقام بتسمية كل من أفغانستان وسوريا، وذلك على خلفية مقتل شرطي ألماني على يد شاب أفغاني، خلال استهدافه لسياسي ينتمي لليمين المتطرف.
وقال شولتس إنه “يشعر بالغضب عندما يرتكب أحد الأشخاص من طالبي الحماية لأخطر الجرائم، وسيتم ترحيلهم حتى لو جاؤوا من سوريا أو أفغانستان”. ويعني هذا التصريح إمكانية إجراء محادثات مع الحكومة السورية من أجل ذلك، وهو ما كانت ألمانيا والاتحاد الأوروبي ترفضه لسنوات.
لماذا لم يشارك الأسد في حرب غزة؟
بات من الواضح أن دمشق تتجنب التورط في حرب غزة، خاصةً بعد تحذير من تل أبيب، بحسب تقرير إسرائيلي يشير إلى محاولة الأسد الموازنة بين داعمتيه روسيا وإيران، وبحسب التقرير يحرص النظام السوري منذ بدء الحرب في غزة على عدم الانجرار إليها، رغم أن استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق كاد أن يشعل المنطقة، ووفقاً لذلك أكد التقرير أن “الأسد تلقى تحذيراً واضحاً من اسرائيل، بأنه إذا ما استُخدمت سوريا ضدهم، فسوف يدمرون نظامه”.
ويقول المحلل في معهد واشنطن “أندرو تابلر” إن روسيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، التي استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق عام 2018 “حثّتاه على البقاء بمنأى عن النزاع” الدائر بين حماس وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر. ومنذ ذاك الحين، ازدادت وتيرة الضربات المنسوبة لإسرائيل ضد أهداف إيرانية في سوريا، التي أسفرت عن مقتل قياديين رفيعي المستوى من الحرس الثوري الإيراني.
وفي حين سارع حلفاء إيران في لبنان والعراق واليمن إلى فتح جبهات ضد إسرائيل دعماً لحماس التي ينضوون معها في ما يعرف بـ ”محور المقاومة” بقيادة طهران، بقيت جبهة هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل هادئة نسبياً. وتم إحصاء ما بين عشرين وثلاثين هجوماً صاروخياً من سوريا نحو الجولان منذ بدء الحرب، لم يسفر معظمها عن أضرار. وأكثر من ذلك، أقدمت إيران مؤخراً على خفض وجودها العسكري في الجنوب السوري، وتحديداً في المناطق المحاذية للجولان، وفق ما يؤكد المرصد السوري؛ ومصدر مقرّب من حزب الله.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية في الرابع من شهر حزيران/يونيو 2024، عن إنشاء مركز إضافي في الشطر السوري من الجولان مهمته “مراقبة وقف إطلاق النار على مدار الساعة وخفض التصعيد” بين القوات الإسرائيلية والجيش السوري، فضلاً عن “رصد أي استفزازات محتملة”. ويحاول الرئيس بشار الأسد الموازنة بين داعمتيه الرئيسيتين: إيران، عدو اسرائيل اللدود التي سارعت ومجموعات موالية لها الى مساندة حركة حماس، وروسيا التي تدفع باتجاه الاستقرار في المنطقة، بحسب ما تقول مصادر إسرائيلية.
دور المصالح في العلاقة السورية الإيرانية!
بالحقيقة فإن الغموض هو سيد الموقف في حقيقة العلاقات الإيرانية السورية اليوم، لكن من المؤكد أن إيران لن تتخلى عن النظام السوري بسهولة بعد الجهود المضنية التي بذلتها في سبيل مساعدة النظام السوري خلال سنوات الحرب التي اندلعت في العام 2011 ، ولولا الدعم الإيراني الذي كان سابقاً عن الدعم الروسي؛ فعلى الأرجح ما كان النظام السوري أن يخرج متماسكاً بعد الحرب، لكن في نفس الوقت تتاح اليوم أمام النظام السوري خيارات؛ لم تكن متوفرة من قبل، منها الانفتاح على الوطن العربي؛ والتواصل مع بعض الدول الغربية؛ وحتى التناغم غير العلني مع المصالح الإسرائيلية، وكلها متغيرات يمكن أن تعزز موقع النظام السوري أمام إيران، فحتى لو استمرت العلاقات الجيدة بين الطرفين، فإنها لن تبقى علاقة تبعية كاملة للمرشد الأعلى كما هي عليه الآن كما يأمل النظام السوري، لأنه لم يعد يعتمد على إيران وروسيا وحدهما.
وبينما يبتعد الرئيس السوري عن واجهة ما يحدث في فلسطين؛ أو في المواجهة بين إيران وإسرائيل، قالت مصادر دبلوماسية إن “الأسد يأمل خصوصاً أن يحصل على مقابل من العرب والغربيين لضبط النفس، ويدفعه الروس باتجاه ذلك”، فبعد عزلة دبلوماسية على المستوى الدولي منذ بدء النزاع عام 2011، يحاول الأسد إعادة تعويم نظامه خصوصاً بعد استئناف العلاقات تدريجياً مع دول خليجية بدءاً من العام 2018 واستعادة مقعده في جامعة الدول العربية. ويأمل الحصول من دول الخليج على تمويل يحتاجه من أجل مرحلة إعمار البلاد التي مزقتها سنوات الحرب وقضت على اقتصادها.
وهنا تأتي مصلحة إيران في رفع العقوبات الغربية عن حليفتها سوريا، كون سوريا حلقة وصل مهمة واستراتيجية لطهران بين إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، ولكنها في نفس الوقت لا تريد أن يؤدي ذلك إلى خروج دمشق من محور المقاومة مهما كلف الثمن، ما يعني بأن إيران لن تقبل بمسار التطبيع بين النظام السوري والدول العربية في حال خروجه عن الدائرة التي رسمتها كحدود لهذا التطبيع، والدليل على ذلك بأن مسار التطبيع العربي مع الأسد شهد انتعاشه كبرى في أعقاب التطبيع السعودي مع إيران، وبحسب خبراء فإن الخطوط الحمراء التي رسمتها إيران تتمثل في “تحجيم وجود إيران في جنوب سوريا، ووقف تصنيع وتهريب حبوب “الكبتاغون؛ وتقليص النفوذ الإيراني في شرق البلاد”. ولكن إيران في نفس الوقت تخشى من أن يؤدي التطبيع إلى قيام سوريا بتغيير تحالفاتها؛ أو تغيير مواقعها الاستراتيجية.
أما بالنسبة للنظام السوري، فهو يدرك أن تحالفه مع إيران هو الأقوى والأكثر استمرارية، خاصة أن إيران لن تتخلى عن النظام السوري في أحلك الظروف، ولذلك يمكن القول بأن نية النأي عن إيران لا تجول في ذهن الأسد، الذي يدرك في نفس الوقت أهمية بلاده بالنسبة لطهران بسبب موقعها، ودورها في ضمان استمرارية الممر البري من طهران إلى بيروت، ووصولها إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وفق ما تشير إليه عدة تقارير لوسائل إعلام ومراكز أبحاث غربية.
ويدرك الأسد أيضاً أن المبادرات الغربية والعربية على أهميتها لها مقابل غالٍ جداً، وهو التنازل عن بعض الصلاحيات السيادية، ولذلك فإن العلاقة المتجذرة تاريخياً مع إيران لها أهمية كبرى بالنسبة له، ذلك أن إيران لا تفرض على الأسد أي تغييرات سياسية أو تحولات جذرية لا يرغب بها، ولهذا ليس من السهل التخلي عنها من جانبه وبهذه السهولة، خصوصا بأن العلاقة بينهما تندرج ضمن التحالف الإستراتيجي. ويقوم هذا التحالف على التاريخ والتهديد المشترك والمنافع المشتركة وجميع هذه العوامل لم تتغير خلال هذه الفترة.
ومن جهة أخرى، فإن إيران لديها نفوذ ذو أبعاد متعددة لا تقتصر على الطابع الرسمي في سوريا، فهي تمارس نفوذاً بين العشائر في شرق سوريا؛ ونفوذاً في مناطق حلب عبر تقديم الخدمات؛ ونفوذاً أيضا في منطقة الساحل السوري. وليس بالأمر السهل أن يبتعد الأسد عن إيران، وفق حديث الباحث الأردني “عامر السبايلة” ولذلك وبناء على التجذر الحاصل في البلاد “هو مضطر أن يطمئن طهران من جانب؛ ويسير بالمسار العربي من جانب آخر”. ويضيف السبايلة أن نظام الأسد “يعلم أن إيران لا يمكن أن تُخرج سوريا من العزلة”، وأنها “أزمة مستمرة بحد ذاتها”، ما يضطره “لإيجاد حالة من التوازن الدبلوماسي في الوقت الحالي”.
داخل إيران، يحث عدد متزايد من السياسيين على إنهاء الدعم المكثف المقدم لسوريا، ويشك بعضهم في أنه إذا استمرت إسرائيل في ضرب أهداف إيرانية بدقة، فإن ذلك كان جزئياً بمساعدة المخابرات السورية، لكن لا يوجد حتى الآن إجماع في طهران حول تورط نظام الأسد.
كما أن طهران غاضبة من استبعاد إيران من خطط إعادة إعمار سوريا؛ وكذلك من الفرص التجارية الحالية. وقال الرئيس السابق للجنة الأمن القومي البرلمانية “حشمت الله فلاحت بيشه” إن سوريا لم تفعل شيئاً لسداد الـ30 مليار دولار المستحقة عليها للجمهورية الإسلامية، في حين كانت تقوم بتسوية ديونها مع روسيا بشكل مطرد. وأضاف “فلاحت بيشه” إن سوريا مدينة لإيران بما يعادل ميزانية الدولة السنوية بأكملها.
ولإثبات القول المأثور بأن الدول ليس لديها أصدقاء دائمون، بل مصالح فقط، يشير “فلاحت بيشه” إلى أن تركيا، التي دعمت معارضي الأسد، لا يزال لديها تجارة بقيمة أكثر من ملياري دولار مع سوريا في عام 2023 – أي أكثر 20 مرة من التبادلات بين إيران وحليفتها.
تراجع التعاون الاقتصادي السوري/الإيراني!
رغم الكم الكبير من الاتفاقيات التي أبرمتها إيران مع النظام السوري، إلا أن جزءاً كبيراً منها لم ينفذ على أرض الواقع، على عكس تلك الاتفاقات الخاصة بموسكو، التي اتخذت مسارات بعيدة كل البعد عن ذلك. وقال “عبد الأمير ربيهاوي” مدير عام منظمة غرب آسيا لتنمية التجارة، حسبما نقلت وسائل إعلام إيرانية، إنهم صدّروا في العام الماضي إلى سوريا ما قيمته 244 مليون دولار، مضيفاً أن هذه ليست إحصائية تستحق التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وتخشى إيران من منافسة الأطراف الأخرى على الاقتصاد والاستثمارات السورية المستقبلية؛ ويقول أحد المسؤولين الإيرانيين: “إذا لم نذهب إلى هذا البلد الآن حيث ليس لدينا منافسون أقوياء في سوريا؛ فسيكون من الصعب تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين في المستقبل”.
وتوجد عدة أسباب تساهم مجتمعة في انخفاض حجم التجارة بين إيران وسوريا، بحسب باحثين، منها أن المسار غير الرسمي الموازي في سوريا لأي تعاملات تجارية كبرى والضرائب غير الرسمية وغير ذلك من معضلة السوق السورية بشكل عام.
وتنشط إيران في مختلف القطاعات الاقتصادية بسوريا، وكانت ركّزت مؤخراً على ضرورة دخولها في الأسواق السورية.
ويعتقد الباحث السوري في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، “محمد العبد الله” أن أسباب ضعف التبادل التجاري بين إيران وسوريا يرتبط بجزء أولي وأساسي بالتجار السوريين أنفسهم. ويقول إن “الكتلة الأكبر منهم داخل الغرف التجارية السورية كانوا غير راغبين في التعامل مع الجانب الإيراني، لأسباب ترتبط بأن الأخير يحاول إغراق الأسواق بمنتجات رديئة”. ويمكن القول إن العلاقة بين التجار السوريين والإيرانيين قائمة على مبدأ “رابح خاسر” وليس “رابح رابح”، وفق العبد الله.
ويضيف: “إيران تحاول الهيمنة على السوق التجاري في سوريا مقابل عدم وجود مكسب حقيقي للتجار السوريين، إذا ما تناولنا الزاوية من ناحية الكسب المتبادل”. وبعد طول تواجدها في سوريا وما دفعته من فواتير تحاول إيران الآن قدر الإمكان أن تستعيد جزءاً من التكلفة، وسواء من جيب النظام وخزينته أو أي فرص استثمارية في البلاد. لكنها تدرك حسب الباحث الاقتصادي أن “النظام غير قادر على دفع التكلفة المرتفعة”. ولذلك تحاول “السيطرة على قطاع الإسكان وقطاعات أخرى بما يؤمن لها عائد ومردود اقتصادي ربما يسد جزءاً من التكلفة التي تكبدتها”، حسب قوله.
مما تقدم كله نطرح السؤال التالي: العلاقة السورية الإيرانية إلى أين؟
المراجع لهذه الورقة:
- (Worldcrunch) في 13 حزيران/ يونيو 2024
- (الحرة) في 12 آذار/ مارس 2024
- (اقتصاد) السوري في 11 أيار/ مايو 2024
- (الجزيرة) في 18 أيار/ مايو 2024
- (عكس السير) في 29 نيسان/أبريل 2024
- (إيران انترناشونال) في 3 آب/أغسطس 2024