تزامناً مع حالة التأرجح والتوتر الأمني في العراق، تكشف مصادر عراقية مطلعة عن سيناريو قد تلجأ له ميليشيات العراق المدعومة من إيران، لتثبيت سلاحها مجدداً وخلق ذرائع لإبقائه بحوزتها، لافتةً إلى أن البلاد باتت مهددة بالعودة إلى سيناريو الحرب الأهلية والصدامات الطائفية التي سبق وأن اندلعت عام 2006.
يشار إلى أن العراق شهد بين الفترة من 2006 وحتى عام 2008، حرباً طائفية بين السنة والشيعة أدت إلى مقتل عشرات الآلاف، وتعزيز سلاح الميليشيات الموجودة حالياً، والتي سبق وأن تم تشكيلها على الأراضي الإيرانية، خلال فترة حكم “صدام حسين” للعراق، مثل فيلق بدر وجيش المهدي.
في السياق ذاته، تشير المصادر إلى وجود خطة ب لدى الميليشيات للاحتفاظ بسلاحها وتشريعه من خلال إعادة إشعال المواجهات الطائفية، حتى وإن كانت بوتيرة أقل من ما شهدته البلاد عام 2004، لافتةً إلى أن ذلك المخطط قد يتم اللجوء إليه، في حال عدم تمكن الميليشيات من الاستمرار في استهداف القواعد الأمريكية في العراق.
مواعيد مفترضة وحلول سامة
تكشف المصادر أن الميليشيات قد تلجأ إلى خلق أو افتعال هجمات ضد مراكز وأضرحة شيعية في العراق، لإعلان وجود خطر يهدد المقدسات، وبالتالي عرض سلاحها كضامن لأمن المراقد والأضرحة والعتبات المقدسة، مذكرة بما حصل في عام 2006، عندما تم تفجير ضريح الإمامين العسكريين، وحادثة جسر الأئمة عام 2005 وانفجارات عاشوراء في الكاظمية وكربلاء 2004.
يذكر أن سلاح الميليشيات العراقية، بدأ يتعرض لحملات انتقاد كبيرة، لا سيما خلال العامين الماضيين، خاصة مع اندلاع مظاهرات تشرين الأول 2019، وما رافقها من اتهامات للميليشيات بالمسؤولية عن مقتل أكثر من 600 ناشط عراقي، وخطف عشرات آخرين، بالإضافة إلى وصول “مصطفى الكاظمي” إلى منصب رئيس الحكومة، وهو معروف بتبنيه لسياسة معارضة لسلاح الميليشيات ومطالباً بإسقاطه.
من جهته، يشير الباحث في شؤون الميليشيات، “عبد الحسين المرزوق”، إلى أن الميليشيات في العراق قامت في أساسها على عاملين، أولهما الحرب الأهلية ومواجهة ما أسمته “الخطر أو الإرهاب السني”، ممثلاً بالقاعدة ومن بعدها داعش، وثانيها مواجهة ما تصفه بـ”الاحتلال الأمريكي”، لافتاً إلى أن الميليشيات في الأعوام الأخيرة، حاولت رفع شعار المقاومة للمحتل كحل لتشريع سلاحها ومنحها مزيداً من الدعم الشعبي، إلا أن الهجمات الأمريكية خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق، “دونالد ترامب”، أجبرت الميليشيات على تحاشي الاستمرار باستهداف المصالح الأمريكية، وتحديداً بعد اغتيال عراب الميليشيات وقائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني” عام 2020.
يذكر أن مصادر عراقية قد كشفت عن مغادرة عدد من قادة الميليشيات العراقية إلى إيران خشية تعرضهم لعمليات اغتيال مشابهة، لعملية قتل “سليماني”، لا سيما وأنها أدت أيضاً إلى مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، “أبو مهدي المهندس”.
ويضيف “المرزوق”: “قدوم بايدن أشعر الميليشيات بشيء من الراحة وإمكانية العودة إلى مسألة المقاومة والاحتلال واستهداف القواعد، ولكن في حال إظهار بايدن لشيء من الصرامة تجاه تلك القضية، فإنه من المرجح عودة الميليشيات إلى الخيار الثاني وهو إشعال فتيل أزمة طائفية في العراق، لإحراج الحكومة ولإظهار أهمية سلاح الميليشيات في الناحية الأمنية، مشيراً إلى أن عناصر الميليشيات قادرين على الوصول إلى أي مكان في العراق وتنفيذ هجمات وهمية فيه.
كما يؤكد “المرزوق” أن ارتباطات الميليشيات وتبنيها لمشروعات أكبر من حجمها، ستجعل من الصعب عليها تقبل فكرة التخلي عن سلاحها، خاصة مع مفصلية القرار الإيراني في تلك النقطة، مرجحاً أن تعتمد الميليشيات على نسب هجمات واعتداءات ضد الزوار الشيعة ولمراقد الشيعية لتنظيم داعش الإرهابي.
قتال حياة أو موت
“قتال الجبناء أو قتال من لا يملك ما يخسره”، بتلك العبارة يصف المحلل السياسي، “صلاح نديم” وضع الميليشيات في مواجهة الحكومة العراقية والولايات المتحدة، موضحاً: “الميليشيات بعد أو وصلت الأمور إلى سلاحها فإنها ستقاتل دون حساب للعواقب سواء إشعال حرب أهلية أم طائفية أو دخول في مواجهات مع الجيش العراقي، كلها أمور مطروحة بالنسبة للميليشيات، فسلاحها يعني وجودها وسحبه يعادل قتلها أو لف الحبل حول رقبتها”.
ويرى “نديم” أن العراق خلال الأشهر القليلة القادمة، وخاصة الأسابيع التي تسبق الانتخابات النيابية، سيكون على شفا بركان، مشيراً إلى ضرورة تأمين دعم إقليمي ودولي للحكومة العراقية، سواء من الناحية الأمنية أو العسكرية أو الاقتصادية.
كما يلفت “نديم” إلى أن العراق في ظل الوضع الراهن أقرب ما يكون إلى وضعية الانفجار، مشدداً على أن الميليشيات لن تتردد في إشعال فتيل أي أزمة أو توتر طالما أنه قد يمنحها فرصة للحفاظ على سلاحها، مهما كبرت تلك الفرصة أو صغرت، ما يعني ضرورة عدم ترك العراق يعيش مصيره لوحده، لا سيما وأن تبعات أي انفجار في العراق سيتخطى حدوده الإقليمية ويضرب المنطقة بشكل كامل.