الملخص التنفيذي:
الصراع بين الغرب والصين يتمثل في سعي الصين للتمدد خارج حدودها اقتصادياً وسياسياً، فمنذ وصول الرئيس الصيني الحالي “شي جينغ بيغ”، والصين تتمدد اقتصادياً من خلال “طريق الحرير” الذي وضع موضع التنفيذ، حيث تسعى الصين إلى دعم البنى التحتية في بلدان العالم الثالث؛ مقابل فتح أسواق تلك البلدان أمام منتجاتها واستثمار ثروات تلك البلدان لصالحها، وأحياناً المقايضة بين الثروات والدعم.
فالسياسة الاقتصادية الصينية، تهدد الأنموذج الغربي الاقتصادي الذي يعتبر “صندوق النقد الدولي” والبنك الدولي” معبرين بارزين عنه، فإذا أخدنا مثلاً النصائح التي يقدمها الصندوق للدول التي ينوي “مساعدتها” كما في حال لبنان وتونس ومصر مثالاً، ومقارنتها بما تسعى الصين لتقديمه، سنجد فرقاً هائلاً، حيث تقول الصين إنها تقدم قروضاً طويلة الأجل لدعم البنى التحتية في تلك البلدان؛ دون أية شروط لها علاقة بالحوكمة وشكل الحكومة ونوع الاقتصاد القائم. هذا بالإضافة إلى الجانب الإيديولوجي والعسكري؛ الذي بات يشكل قلقاً حقيقياً للغرب؛ كون الصين باتت منافساً حقيقياً؛ لا يمكن تجاهله؛ ولا تجاهل تمدد التنين الصيني في مناطق حيوية استراتيجياً بالنسبة للغرب عموماً، وللولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً.
هذا كله نناقشه في المحاور التالية:
- المدخل
- لماذا هذه الحرب المعلنة ضد الصين؟ وإلى ماذا يرمي هذا الصراع حقاً؟
- الصراع الأوروبي الصيني في تحدياته الثلاثة:
- تحدي الاقتصاد السياسي
- التحدي الإيديولوجي
- التحدي العسكري
- هل الديمقراطية وحقوق الإنسان أم الاقتصاد؛ أساس الصراع بين الفريقين؟
- مشكلة الأيغور كنموذج محتمل!
- الخاتمة
المدخل
كان ملفتاً بحق ما تمخض عنه اجتماع مجموعة الدول السبع وحلف الناتو لجهة العلاقة مع الصين، إذ صحيح أن من المسلّم به أن العلاقات الدولية تقوم في جوهرها ومبناها على التحالف والخصومة، وأنّ ثمة مواجهة غير معلنة أو حرب خفية لمواجهة تمدد التنين الصيني في العالم؛ لا يمكن استبعاد جذورها العائدة إلى فترة الحرب الباردة.
لكن حِدّة الخطاب الذي تمثل فيها التعبير مؤخراً عن الاستعداد الغربي لمواجهة الصين بدا شيئاً جديداً في عالم السياسة، شيئاً ربما لم نقرأ مثله منذ انتهاء الحرب الباردة، ليس لجهة اللغة فحسب، إذ طالما حفلت الساحة الدبلوماسية بتصريحات حادة وغير لائقة، إنما نعني هنا لجهة الجدّية في تلك المواجهة إلى جانب التعبير الجاد بدوره، والذي جاء الرد الصيني عليه؛ ليذكرنا حقيقةً بتعبيرات الحرب الباردة بين أوروبا والاتحاد السوفياتي والصين وملحقاتهما الشيوعية/ الاشتراكية. ([1])
في ذلك الزمن الذي أضحى بعيداً، كان الاتحاد السوفياتي يمثل الخصم الأول للغرب، وكانت الصين تقف خلفه (الاتحاد السوفياتي) إيديولوجياً، مع محاولة الاستثمار فيه سياسياً لصالحها، في حين يبدو اليوم أننا أمام تبادل أدوار من نوع مختلف.
حيث يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محاولة يائسة لاستعادة موقع الاتحاد السوفياتي سابقاً، مشاكساً في أوكرانيا ومتقدما في سوريا ومحاولاً اللعب في ليبيا وغيرها من الساحات، ونحن ندرك جميعاً أن الدب الروسي فقد القدرة على أن يكون خصماً عالمياً، وأن الصين هي التي يؤخذ لها الحساب اليوم على الصعيد الدولي، وهي التي تخشاها أوروبا وأمريكا، فكل ما بإمكان بوتين اليوم فعله هو الاستثمار في هذا الصراع لتحسين موقع بلاده الضعيف، داخلياً ودولياً، لنكون أمام سؤال: لماذا هذه الحرب المعلنة ضد الصين؟ وإلى ماذا يرمي هذا الصراع حقاً؟
لماذا هذه الحرب المعلنة ضد الصين؟ وإلى ماذا يرمي هذا الصراع حقاً؟
قد يكون الجواب ماثلاً، أو يمكن استنباطه من كلام الأمين العام للناتو “ستولتنبرغ” حين دعا في مقابلة مع قناة “سي بي سي” زعماء دول الحلف إلى وضع سياسة مشتركة أقوى لمواجهة الهيمنة المتزايدة للصين، لأن الصين تملك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وأكبر بحرية! وتستثمر بشكل هائل في المعدات العسكرية الحديثة، وهذا “يؤثر على أمننا”. وأضاف: إنّ “الصين لا تشاركنا قيمنا، نرى ذلك في طريقة قمعها للاحتجاجات الديموقراطية في هونغ كونغ واضطهادها أقليات مثل الأويغور” في غرب الصين، وكذلك في استخدامها التكنولوجيا الحديثة لمراقبة سكانها “بطريقة غير مسبوقة”. ([2])
إذا أردنا أن نحلل الكلام السابق للأمين العام لحلف الناتو، يمكن إجمال التحديات الصينية للغرب بثلاثة محاور لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وهي كالتالي، اقتصاد سياسي، وعسكري، وإيديولوجي/ معرفي.
الصراع الأوروبي الصيني في تحدياته الثلاثة
تحدي الاقتصاد السياسي:
يتمثل الاقتصادي السياسي في سعي الصين للتمدد خارج حدودها اقتصادياً وسياسياً، فمنذ وصول الرئيس الصيني الحالي “شي جينغ بيغ” والصين تتمدد اقتصادياً من خلال “طريق الحرير” الذي وضع موضع التنفيذ، حيث تسعى الصين إلى دعم البنى التحتية في بلدان العالم الثالث؛ مقابل فتح أسواق تلك البلدان أمام منتجاتها واستثمار ثروات تلك البلدان لصالحها، وأحياناً المقايضة بين الثروات والدعم، كما في حال الحصول على النفط مقابل تقديم الدعم الاقتصادي والقروض.
السياسة الصينية في طريق الحرير، تهدد الأنموذج الغربي الاقتصادي الذي يعتبر “صندوق النقد الدولي” والبنك الدولي” معبرين بارزين عنه، فإذا أخدنا مثلاً النصائح التي يقدمها الصندوق للدول التي ينوي “مساعدتها” كما في حال لبنان وتونس ومصر مثالاً، ومقارنتها بما تسعى الصين لتقديمه، سنجد فرقاً هائلاً، حيث تقول الصين أنها تقدم قروضاً طويلة الأجل لدعم البنى التحتية في تلك البلدان؛ دون أية شروط لها علاقة بالحوكمة وشكل الحكومة ونوع الاقتصاد القائم. ([3])
في حين يشترط صندوق النقد الدولي رفع الدعم الذي تقدمه الدولة ومستوى معين من الحوكمة ومحاربة الفساد، بما يعني أننا هنا لسنا أمام مجرّد صراع اقتصادي على مناطق النفوذ والأسواق فحسب، بل ثمة صراع مضمر على شكل الاقتصاد الذي ينبغي أن يسود عالمياً.
حيث يسعى الغرب إلى جر الصين إلى مربع اقتصاد السوق؛ والشكل الاقتصادي القائم عالمياً وفق الشروط الغربية، وبما يجعل موقع الدولار هو الأقوى، في حين تعمل الصين وبالتدريج على الاستفادة من الاقتصاد القائم، إنما دون الركون له في محاولة فرض أنموذجها الذي تسميه النموذج الاشتراكي، في حين أنه في حقيقته هو نوع من رأسمالية الدولة المتعارف عليها، وهي الرأسمالية التي تتحول مع الزمن إلى رأسمالية المحاسيب، حيث يسيطر على الاقتصاد مجموعة من الأفراد الذين يخرجون من عباءة النظام نفسه، ويجدون بعد حين أنه أصبح ضيقاً عليهم، فيسعون لتمزيقه بحثاً عن أسواق جديدة لاستثماراتهم. ([4])
فهل يحصل هذا لاحقاً في الصين؟ أم تثبت الصين أنها أنموذج مختلف حقاً؟ أم أن هذا حاصل حقاً اليوم؟، لكن بطريقة صينية مختلفة، بحيث أن الاستثمارات الصينية تبحث عن أسواق جديدة إنما من داخل الدولة نفسها!
التحدي الإيديولوجي
تلك الأسئلة وما سبقها، توصلنا إلى التحدي الصيني الثاني للغرب؛ ونعني به الشق الإيديولوجي، فحين تتمدد الصين اقتصادياً في كل أنحاء العالم، فهذا يعني أنها تقدّم “قيمها” وأنموذجها السياسي في الحكم.
وهذا أمر مهم جداً للنظام الصيني، كما لكل نظام عالمي، وهو كان جزءاً من الصراع الكبير أيام الحرب الباردة، فالصين وكوريا الشمالية وبعض الدول الأخرى، هي من الدول القليلة التي بقي نظامها راسخاً كما هو منذ مرحلة الحرب الباردة، حيث يسود نظام الحزب الواحد الذي يقود البلاد منذ عقود طويلة، حيث يقترب النظام من ذكرى مئويته (هل يصمد حتى ذلك الحين؟). ([5])
قوة النموذج الصيني، تتمثل في نموذجه الاقتصادي الفريد؛ الذي تمكن من تحقيق تنمية مستدامة بحدٍ ما؛ عبر عقود طويلة رغم كل ما يقال عن جمود النظام الاشتراكي للحكم سياسياً، وها هي اليوم تتقدم اقتصادياً في العالم مقاومة التنبؤات السابقة عن “نهاية التاريخ” و”سيادة النظام الليبرالي الحر”.
هنا إذن، يجرى التنافس بشكل حاد، ليس على الأسواق فحسب، بل أيضاً على الإيديولوجية وشكل النظام السائد ونوع النظام الذي يجب أن يسود عالمياً، حيث تعارض الصين علناً النموذج الليبرالي الغربي وحقوق الإنسان والانتخابات التعددية، وتسعى لإجهاض ذلك ليس في دول محيطها فحسب، بل أيضاً في كل العالم.
فالنظام الحاكم يدرك عملياً أن سيادة الأنموذج الليبرالي الغربي تهديد مباشر له، ولذلك هو يسعى لنشر أنموذجه في كل أنحاء العالم كمواقع حماية متقدمة له، مدركاً أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، يسعون عملياً ودون شك إلى زعزعة الاستقرار الصيني في ملفات كثيرة على رأسها حقوق الإنسان والإيغور وهونغ كونغ وتايوان وبحر الصين الجنوبي. ([6])
لذا تعمل الصين حالياً إلى نقل المعركة مع الغرب إلى خارج حدودها أولاً، وإلى الشق الاقتصادي ثانياً، وعبر الإيديولوجيا ثالثاً، وذلك في الوقت الذي تنمو فيه ترسانتها العسكرية بما يقلق العالم كله، وهنا نصل إلى التحدي الصيني الثالث للغرب، وهو الذي كان فحوى كلام الأمين العام لحلف الناتو.
التحدي العسكري:
لن نتوسع كثيراً في الحديث عن القدرات العسكرية الصينية، لأنها في النهاية تشكل أداة كل من المحورين الأول والثاني (الاقتصاد السياسي والإيديولوجي) حيث تعمل الصين على تعزيز ترسانتها العسكرية لحماية مواقع نفوذها وتمددها في العالم.
فكلما توسعت الأسواق وتوّسع التمدد خارجاً زادت الحاجة العسكرية لحماية تلك الأسواق، وأيضاً لحماية الحلفاء الجدد عبر مدهم بالأسلحة والقدرات، وهذا ما أصبح محور جدل بين حلف الناتو وعدداً من بعض أعضائه وحلفائه الذين أصبحوا يتوجهون اليوم نحو الصين؛ مثل بعض دول الخليج وتركيا على وجه التحديد، فتركيا مثلاً هي عضو في حلف شمال الأطلسي، ولكن علاقتها مؤخراً توترت كثيراً مع الحلف، ما دفع أنقرة للتوجه شرقاً، في حين يسعى الحلف اليوم، وربما الإدارة الأميركية لاستعادتها أو إيجاد طريقة ما لمنع أنقرة من التوغل شرقاً في ظل سعي الصين لاحتواء الدول التي دخلت في توتر مع الغرب، سواء على خلفية المصالح السياسية المتضاربة أو على مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية. ([7])
وهنا تظهر نقطة في غاية الأهمية تستغلها الصين اليوم، ونعني ذلك نقطة الضعف الغربية في مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية.
هل الديمقراطية وحقوق الإنسان أم الاقتصاد؛ أساس الصراع بين الفريقين؟
إذا تأملنا مشروع “دمقرطة” العالم كما تجلى في السياسات الغربية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، سيصاب الإنسان بالإحباط واليأس، ليس من الديمقراطية التي تحولت بضاعة عالمية مرغوبة لسكان الكوكب كله عملياً، إنما من الاستثمار الغربي في ملف حقوق الإنسان والديمقراطية، فالغرب استخدم الملف لتحقيق مصالحه ونفوذه دون أن يقدم أية بدائل جيدة ومحتملة.
إنما تحولت كل النماذج التي حاول الغرب “دمقرطتها” إلى دول فاشلة كما حصل في العراق وسورية وليبيا واليمن إلخ… في حين أنه يغض النظر عن دول حليفة له محكومة باستبدادات أشد وأقسى من تلك التي عمل لإطاحة نظمها الاستبدادية.
مقابل هذا الازدواجية الغربية الذي أصبحت واضحةً، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الأميركية، نجد أن الغرب لم يقدم أي مساعدات اقتصادية جذرية لبناء تلك الدول، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى صناعياً، بل على العكس من ذلك، هو يعمل إلى تحويلها إلى مجرد سوق لمنتجاته؛ ومكان للأيدي العاملة الرخيصة والتهرب من الضرائب وما إلى ذلك.
في حين تأتي الصين اليوم لتقدم ملايين الدورات في مشاريع البنية التحتية التي تحتاجها تلك الدول الفقيرة حقاً، وفوق ذلك لا تطلب أية شروط سياسية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وشكل نظام الحكم، وهو ما يمثل إغراءً كبيراً، خاصة للدول المحكومة من قبل نظم استبدادية (إيران مثالاً) أو تلك التي لها ميول استبدادية (أردوغان مثالاً). ([8])
وهنا في هذا المكان، تجد دولة مثل تركيا مثلاً، نفسها في موقع حيرة، فهي عملياً وعلى امتداد قرن مضى كانت جزءاً من المعسكر الغربي، إلا أن هذا الغرب نفسه، لم يعمل على امتداد قرن على مساعدة أنقرة على التحول إلى دولة إقليمية قوية وديمقراطية، بل دعم العسكر المستبد طيلة القرن الماضي، ودعم سياسة أردوغان نفسها حين كان لا يزال ضمن العباءة الغربية، وحين حاول التمرد وقع الصدام مع الغرب، في حين تأتي الصين اليوم لتقدم له كل ما يريده اقتصادياً دون أية مطالبة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان؛ الذي يزداد سوءاً في تركيا مع الزمن.
لكن هنا نكون أمام سؤال يطرح نفسه بشكل جدي:
هل الأنموذج الصيني هو الحل حقاً؟ ولماذا تقدم الصين على تقديم كل تلك المساعدات إن لم يكن لديها غايات؟ وهل حقاً ستترك تلك البلدان تواصل نموها، وتفرض حضورها بعيداً عنها؟ أم تسعى للتحكم بها والهيمنة عليها؟
كما لا يوجد في السياسة أصدقاء دائمون، كذلك يمكن القول إنه لا يوجد في الاقتصاد مال بريء، بما يعني أن الصين لا تقدم كل تلك المشاريع إلا لتحقيق مصالحها التي تحدثنا عنها كثيراً.
ولا شك أن الابتسامات الصينية الأولى ستتحول لاحقاً إلى هيمنة اقتصادية وسياسية فجة، كما يحصل الأمر في كل أنحاء العالم، ومع أية إيديولوجية كانت.
ولنا في الأنموذج الإيراني وكيفية تقدّمه إقليمياً في سورية والعراق واليمن ولبنان وفلسطين مثالاً حياً، حيث عملت إيران بعد انتصار الثورة الإيرانية على تقديم نفسها كمناصر للشعوب الفقيرة ضد “الاستكبار الأمريكي والإسرائيلي” وقدمت الكثير من المساعدات والدعم، ثم حين حانت اللحظة المناسبة تمكنت من الهيمنة والاستحواذ على قرار تلك الدول والمساعدة في تدميرها بما يحقق مصالحها.
بعد عدة عقود ستكون الصين في موقع كهذا، وستضطر إلى استخدام ترسانتها العسكرية للدفاع عن موقعها ومصالحها الاقتصادية في العالم، خاصة إن الغرب أعلن المعركة معها بشكل واضح لا لبس فيه، كما رأينا في بيان مجموعة السبع الكبار الذين يستعدون لوضع استراتيجية غربية لمحاصرة الصين وإيقاف تمددها كما فعلوا مع الاتحاد السوفياتي سابقا، فأية أدوات سيتم استخدامها؟
مشكلة الأيغور كنموذج محتمل
إذا كان للاتحاد السوفياتي “أفغانستانه” التي أدت إلى انهياره السريع كما بات معروفا، فأية “أفغانستان” يعدُّ الغرب للصين؟
يتوقع المحللون أن يكون ملف الإيغور إلى جانب ملفات أخرى كثيرة (هونغ كونغ، تايوان..) بمثابة الخاصرة الرخوة للصين، حيث يوجد مؤشرات كثيرة على أن الغرب يعمل ويسعى لاستخدام مسلمي الإيغور وقوداً له في حربه ضد الصين، في سعي لاستخدام المطالب المحقة لمسلمي الإيغور في تهديد الأمن القومي للصين، وذلك وفق سياق بات شبه مكشوف في طريقة التعاطي الغربي، وخاصة الأميركي مع هذا النوع من المعارك التي باتت مكشوفة حتى للصين التي تعد العدة للمواجهة من نفس الباب أيضاً.
فالمحاولات القاسية والحادة التي تقوم بها الصين ضد مسلمي الإيغور؛ ليست إلا لقطع الطريق على واشنطن لاستخدام هذا الملف ضدها، خاصة بعد أن كشفت معلومات كثيرة عن قيام عدد من مسلمي الإيغور بالقتال في سورية! كنوع من تمرين عسكري، قد يتحول لاحقاً إلى تنفيذ عمليات إرهابية ضد بكين أو حتى عسكرة مسألة الإيغور، تحت مسمى “تحرير” قومية الإيغور التي تتعرّض لـ”الاضطهاد” الديني والعرقي من حكومة بكين الشيوعية.
وفي هذا الصدد يقول الخبير في الشؤون الصينية، الكاتب سامر خير أحمد: “ما يعزّز هذا الاعتقاد أن قومية الإيغور موجودة في الصين منذ سبعة عقود، وأن الحركات الجهادية السلفية حاضرة في العالم منذ أربعة عقود، كما أن الحركة الانفصالية الإيغورية موجودة طوال الفترة نفسها، فلماذا تذكّرت الصين اتخاذ إجراءات لتعزيز اندماج هذه القومية المسلمة في المجتمع الصيني الآن، بعد مشاركة الإيغور في أحداث الثورة السورية؟ ولماذا لم تطبق الإجراءات نفسها على القوميات المسلمة التسع الأخرى في الصين؟ هذا يعني أن الصين لا تشعر بالأمان تجاه هذا الملف، بعد زوال إدارة ترامب، خصوصاً أن خطاب الرئيس “بايدن” تجاه الصين لا يقل عدائية عن خطاب سلفه، إذ يُفهم من تصريحاته وأركان إدارته أن الولايات المتحدة تسعى إلى قيادة تحالف دولي ضد الصين في المسائل التجارية، يحول دون تمدّد نفوذ بكين الاقتصادي في العالم، خصوصاً منذ إطلاق مبادرة الطريق والحزام، مع تولي الرئيس الصيني “شي جينغ بيغ” مقاليد السلطة قبل ثماني سنوات. وتخشى الصين كذلك أن تنظّم الولايات المتحدة تحالفاً دولياً “جهادياً” ضدها، بحجة إنقاذ قومية الإيغور، تشارك فيه دول عربية ومسلمة، على طريقة ما جرى ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان”. ([9])
المشكلة أيضاً هنا، أن الصين تكرر نفس الخطأ الذي قامت به كل الدول الأخرى التي تعرّضت للاستهداف الغربي والأميركي، فبدلاً من منح الإيغور حقوقهم وتعزيز مواطنتهم الصينية، يجرى العمل على حصارهم والتضييق عليهم خوفا من استخدامهم ضدها من قبل الغرب، وكأن الطرفين لا يتركان للإيغور خياراً إلى العبور عبر هذا الدرب الذي شهدنا حلقات متعددة منه في أفغانستان والعراق وسورية.
الخلاصة
إن الغرب لن يسمح للصين بالتمدد في فضائه الاستراتيجي الحيوي؛ ولا سيما في شرقنا البائس؛ حيث الطاقة والأسواق المشرعة والمتقبلة للسلعة الصينية؛ كما أن الغرب يخشى أن تتحول تلك المساعدات الصينية غير المشروطة يوماً ما إلى قواعد صينية أكثر من خطراً من القواعد العسكرية؛ كما حدث للسياسة الإيرانية التي باتت تتحكم بقرارات أربع دول عربية! ولها أذرع عسكرية فيما بعد فيها؛ تهيمن على تلك البلاد ـــ سوريا ولبنان واليمن أنموذجاً ـــ فهل يتحول الاقتصاد إلى طريق ممهد لإيديولوجيا الصينية غير الواضحة حتى الآن؟
مراجع
[1] ـ آلاء عثمان: حرب كلامية بين الصين والولايات المتحدة؛ ما قصة تايوان؟
[2] ـ الأمين العام للناتو يدعو دول الحلف إلى سياسة أقوى تجاه بكين.
[3] ـ صعود الصين، مجموعة مؤلفين، المركز القومي للترجمة، مصر.
[4] ـ المرجع السابق.
[5] ـ أمير طاهري: الصين والتحول الأيديولوجي الغريب!
[6] ـ روب غيفورد: طريق الصين، رحلة في مستقبل قوة صاعدة، مكتبة العبيكان.
[7] ـ نعوم تشومسكي: الدول المارقة، مكتبة العبيكان.
[8] ـ روب غيفورد: طريق الصين، رحلة في مستقبل قوة صاعدة، مكتبة العبيكان.
[9] ـ هل يوجد “تقييد لحرية العقيدة الدينية” في شينجيانغ؟ خبراء عرب يدحضون ذلك بتجاربهم الشخصية.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.