أدانت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان، اليوم الأحد، اختطاف الطبيب الجراح عبد المنعم احمد الثني، المعروف بعبد المنعم الغدامسي الذي يعمل في عدد من المستشفيات الليبية. موضحة أن مندوبها أفاد “بانه تم اختطاف الغدامسي يوم أمس السبت، بالقرب من منزله بالعاصمة طرابلس، ولم تتوفر أيّة معلومات عن مكان وجوده، أو الجهة التي قامت بذلك.
ودعت المنظمة كل الجهات الأمنية لتحمل مسؤولياتها في الكشف عن مصيره، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل حمايته، وضمان سلامته محملة الجهات الخاطفة المسؤولية الكاملة عن سلامته البدنية ومطالبة بالإفراج عنه دون قيد أو شرط.
اختطاف ممنهج
تأتي عملية الاختطاف في وقت تشهد فيه تجدر ليبيا هذا العام تزايداً لافتاً للانتباه في عمليات الاختطاف والتعذيب. حيث باتت ظاهرة الاختطاف الممنهج حدث يومي في المدن الليبية، الأمر الذي ارق الحكومة الليبية، ولا سيما أن قدرتها على التعامل مع حالات الاختطاف محدودة، في ظل غياب مؤسسات الدولة القوية القادرة على فرض سلطة القانون ومعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم. وهنالك بعض عمليات الخطف تتم بطريقة ممنهجة نتيجة للانتماء القبلي أو الخطف على الهوية، إذ يقوم الخاطفون من العصابات الإجرامية الإرهابية بطلب فدية مالية أو قد يختلف الدافع لمجرد القتل. وباتت أخبار الاختطاف مسيطرة على المشهد الإعلامي والسياسي في ليبيا في ظل الحوادث المتكررة والتي تطاول الجميع دون استثناء.
عمليات الخطف هذه التي يمارسها قطّاع الطرق، و”عصابات الحرابة”، فضلاً عن تشكيلات مسلحة بخلفيات دينية وجهوية مختلفة باتت تطال جميع الفئات في ليبيا. فقد ضمت قائمة المخطوفين، خلال الأشهر الماضية، عسكريين، وأمنيين، وصحافيين، ومواطنين بينهم رجال وأطفال، وامتدت أيادي الخاطفين أيضاً إلى الفنيين الأجانب العاملين في شركات الكهرباء والنفط بمدن الجنوب، ولم يفرقوا بين الليبيين، وغيرهم من جنسيات عربية وأجنبية، مستغلين الانفلات الأمني في البلاد.
عصابات وارهابيون
وفي الوقت الذي تتواصل فيه هذه الظاهرة المخيفة، يقتصر الدور الأمني على استقبال الشكاوى، وتوثيق حالات الخطف فيما يفتقر إلى نجاعة الأجراء إلا فيما ندر. إذ عزا رئيس المجلس العسكري “المنحل” في صبراتة، العقيد الطاهر الغرابلي، انتشار عمليات الخطف في ليبيا من أجل الابتزاز والحصول على المال، إلى “غياب الجهات التنفيذية للقانون، ما جعل هذه الجرائم تتزايد بشكل واسع.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن “الغرابلي” قوله: إن “عمليات الخطف لا تتوقف على قُطّاع الطرق، و(عصابات الحرابة)”، بل أضاف إليهم “(جماعات إرهابية منظمة) مثل تنظيم (داعش)، تستهدف الحصول على المال، وبث الفرقة بين الليبيين، ونشر الخوف والذعر في قلوبهم”، لافتاً إلى أن “هذه العناصر إن لم تحصل على الفدية التي تطالب بها فإنها لا تتردد في قتل المخطوفين”.
وأضاف الغرابلي، أن التصدي لتلك الجرائم لا يتأتى إلا من خلال “وجود دولة مؤسسات، مبنية على أساس علمي، بعيداً عن تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية في حكومة (الوفاق الوطني) على أساس جهوي… فمن غير ذلك ستستمر حالة الانفلات في البلاد، وتتزايد عمليات الخطف للحصول على المال الحرام الذي يدفعه أولياء المخطوفين”.
هذا وتوعدت “قوة الردع الخاصة” التي تسيطر على العاصمة، بتتبع “المجرمين الذين يمارسون الخطف والحرابة، فيما شنت الغرفة الأمنية المشتركة القطرون بجنوب البلاد، هجوماً واسعاً على العصابات الأجنبية التي تمتهن الخطف والتهريب في المنطقة، بالقرب من تجرهي التي تبعد نحو 75 كليو متر عن القطرون.
غياب مؤسسات الدولة
ويتفق الكثيرون على اعتبار عمليات الاختطاف، إحدى أشد المعضلات المروعة التي تترك بصمتها على المواطن الليبي اليوم. فمنذ العام 2014، زادت بصورة حادة أعداد حالات اختطاف المدنيين من قبل الميليشيات، طلباً للفدية في كثير من الأحيان، ولا سيما في غرب البلاد، وما يزال مئات الأشخاص في عداد المفقودين.
ويرى مراقبون، أن غياب مؤسسات ليبية حقيقية منذ سنوات، بات أهم دافع للمجرمين الذين أصبحوا يعيثون في الأرض فساداً دون رادع، ومع حالة الانقسام السياسي التي تأثرت بالتجاذبات الأمنية على كامل التراب الليبي، تحولت البلاد إلى ساحة تنتشر فيها الميليشيات المسلحة التي تمارس أنشطتها الإجرامية دون رادع. وتبقى مسألة القضاء على عمليات الخطف صعبة في ظل ضعف مؤسسات الدولة، وصراع أجهزتها، وانقسام نخبتها، التي تساهم بشكل كبير في غياب القانون وإرساء الفوضى.
وكان لافتاً تصدر ليبيا قائمة الدول الأفريقية التي تشهد تزايداً كبيراً في حالات الاختفاء القسري، خلال العام الماضي، إذ أعلنت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، في لاهاي، أن العدد الحقيقي للمفقودين في ليبيا بلغ 10 آلاف، ويشمل هذا الرقم المتخفين منذ العام 2011، دون الحصول على أيّة معلومات عنهم.
في السياق ذاته، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن قلقها العميق إزاء الزيادة الأخيرة في عمليات الاختطاف والاختفاء القسري في المدن والبلدات في أرجاء ليبيا من قبل الجماعات المسلحة وإفلاتها التام من العقاب. كما جددت البعثة من دعوتها أطراف النزاع إلى الاحترام الكامل للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.