هيئة التحرير
“وعدنا بأن المتورطين بدم العراقيين لن يناموا ليلهم”، تغريدة يبدو أن رئيس الحكومة العراقية الجديد، “مصطفى الكاظمي” يدشن من خلالها مرحلة جديدة من العلاقات بين الدولة العراقية والميليشيات الموالية لإيران، خاصةً وأن التغريدة جاءت عقب مقتل متظاهر في البصرة قبل أيام، برصاص عناصر تابعة للميليشيات، وفقاً لما أكده ناشطون.
وكانت منظمات محلية ودولية اتهمت الميليشيات الموالية لإيران خلال الشهور الماضية، بالتسبب بمقتل أكثر من 600 متظاهر عراقي، بالإضافة إلى شن عمليات اغتيال وخطف بحق ناشطي الحراك المدني.
رصاصة الحرب الأولى على الميليشيات
الحديث عن نفوذ الميليشيات في العراق ومنذ تشكيلها عام 2003، يرتبط عادةً بنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، “أبو مهدي المهندس” وقائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني”، و يمتد أيضاً إلى الحديث عن الحرب ضدها، وهو ما تراه الصحافية الأمريكية، “شيلي كيتلسون”، حيث تؤكد بأن نفوذ تلك الميليشيات بدأ فعلياً بالتراجع منذ مقتل “المهندس” مطلع العام الحالي، في الغارة الأمريكية، التي أدت أيضاً إلى مقتل “سليماني”، الذي كان هدف الغارة الأول.
ويعتبر “أبو مهدي” عراب تشكيل الميليشيات في العراق، كما كان بمثابة صلة الوصل الرئيسية بينها وبين الجنرال “سليماني”، المشرف المباشر على الأذرع الإيرانية خارج الحدود .
على الرغم من أن مقتل “المهندس” أثر بشكل عام على نفوذ الميليشيات مجتمعة، إلا أن “كيتلسون” تذهب إلى أن ميليشيا “حزب الله العراقي” ستكون أكبر الخاسرين في الحرب الدائرة ضد الميليشيات، بالاستناد إلى نقطتين، الأولى ترتبط بأنه مؤسس الحزب ومحركه الأول، أما الثانية فترتبط بالعداء الكبير بين قياداته وبين رئيس الحكومة الجديد، الذي اتهمه الحزب صراحةً بالضلوع في عملية اغتيال “سليماني” والمهندس”.
آثار اغتيال القيادي الميلشيوي العراقي على قوة الميليشيات وسطوتها، وفي هذا السياق يقول الباحث “رانج علاء الدين”، إن مقتل “المهندس” أحدث حالة من الخلخلة ضمن صفوف الميليشيات، خاصة وأن الرجل كان يمثل ركناً أساسياً في الشبكة العراقية والجهات الوكيلة لإيران، مضيفاً: “هذا سيفتح الباب على معارك جديدة في السياسات العراقية الشيعية يمكنها أن تفضي إلى اتّجاهات مختلفة”.
عودة الجنرال ومخاوف خروج عن السيطرة
علاقات الميليشيات المتوترة بعدد من الأجهزة الأمنية العراقية، وفي مقدمتها جهاز مكافحة الإرهاب، مثلت بدورها حلقة من حلقات الحد من نفوذ وكلاء إيران في العراق، خاصة مع قرار “الكاظمي” بإعادة الجنرال “عبد الوهاب الساعدي” إلى الخدمة الأمنية وترقيته ليتسلم قيادة أهم تشكيل عسكري نظامي ظهر في العراق منذ عام 2003.
ويعتبر “الساعدي” أحد أهم أعداء الميليشيات الإيرانية في هيكلية الأمن العراقي، ما دفع رئيس الحكومة السابق “عادل عبد المهدي” لإقالته قبل أشهر، وسط موجة احتجاجات كبيرة في الشارع العراقي على القرار، الذي وصف وقتها بالمختوم إيرانياً.
ملامح ارتباط عودة “الساعدي” إلى الخدمة بالحرب على الميليشيات، يربطه ناشطون، رفضوا الكشف عن هويتهم، في حديث لمرصد مينا، بوجود رغبة لدى الحكومة الحالية، بدمج كافة الميليشيات بالتشكيلات الأمنية التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب، الذي يترأسه “الساعدي”.
وهنا يشير “يزن الجبوري” أحد قادة المجموعات المسلحة السنية في العراق، إلى وجود توتر مستمر بين الجماعة المسلحة المرتبطة بإيران وأجهزة المخابرات العراقية، وهو الخلاف الذي فجرته حالة السرية التي تستخدمها الميليشيات في عملها، لافتاً إلى حالة القلق في الأوساط العراقية، تحديداً السنية منها، من إمكانية خروج وحدات وكتائب حزب الله عن السيطرة، بعد مقتل “المهندس”، خاصةً في حال شعرت بأنها فقدت قوتها فعلاً على الساحة العراقية، على حد قوله.
وسبق لـ “كتائب حزب الله” أن هددت بشكل مباشر رئيس مجلس النواب “محمد الحلبوسي” و”مصطفى الكاظمي”، الذي كان يشغل منصب رئيس المخابرات العراقية، قبل توليه رئاسة الحكومة، والذي ترى فيه الميليشيات رئيس حكومة عراقية بترشيح أمريكي.
فراغ السياسة وولاء يجب أن يبقى للعراق
حالة التعيينات الجديدة وقدوم “الكاظمي” إلى السلطة وتغييب “سليماني” و”المهندس” وعجز إيران عن فرض مرشحها لرئاسة الحكومة، خلق حالة فراغ واضحة في مراكز قوة الميليشيات داخل النظام السياسي العراقي، كما تراه الصحافية الأمريكية، “كيتلسون”،لافتةً إلى أن الدولة العراقية بدأت تحد فعلياً من نفوذ الميليشيات والجهات المدعومة من إيران، والتي قالت إنها تتصرف فعلياً كقوة احتلال أكثر من كونها جزء من النسيج العراقي.
وسبق لأربعة فصائل ميليشياوية تابعة للمرجع الديني “علي السيستاني”، أن أعلنت قبل أسابيع إعادة هيكلة نفسها من جديد، استعداداً للاندماج بالقوات الحكومية العراقية، تحت إشراف رئيس الحكومة.
المكسب الفعلي، الذي يمكن للدولة العراقية تحقيقه في الفترة الحالية، تلخصه “كيتلسون” بأنه يتعلق بمدى قدرتها على دمج تلك الميليشيات بالقوات العراقية النظامية، التي كانت موجودة قبل 2014، والذي سيساعدها بحسب الصحافية، على الحد من تأثيرها وفصلها بشكل كامل عن القرار الإيراني.
وكان دور الميليشيات قد تعاظم بعد تشكيل ما يعرف بالحشد الشعبي عام 2014، الذي أنشأ بفتوى من “السيستاني”، لقتال تنظيم داعش، لتتحول فيما بعد ذلك إلى لاعب أساسي في القرار السياسي العراقي، وقوة تفوق قوة وسلطة الدولة العراقية.
ما هو مطلوب حالياً من “الكاظمي” بوصفه الحاكم الجديد للبلاد، تختصره “كيتلسون” في مقال لها نشرته فورين بوليسي الأمريكية، بوضع برنامج حكومي واضح لدمج جميع القوى المسلحة في البلاد تحت سيطرة الدولة، والتركيز على أهمية ان يكون ولائها الأول والمطلق للعراق.
وكان “الكاظمي” قد تعهد خلال تكليفه بتشكيل الحكومة، بالعمل على حصر السلاح في العراق بالمؤسسات الرسمية والتابعة لأجهزة الحكومة، ومحاربة فوضى انتشار السلاح.
خيارات إيران والميليشيات الوهمية
أمام تراجع قوة الميليشيات وجدية الحكومة العراقية والدولية الفعلية لإخراج العراق من حالة اللا دولة، وغليان الشارع العراقي وتردي الوضع الداخلي الإيراني، تنحصر خيارات إيران للحفاظ على جزء من نفوذها في العراق، باتجاه إنشاء ما يمكن تسميته بـ”الميليشيات الوهمية”، بحسب ما يؤكد المحلل السياسي العراقي، “هيوا عثمان”، الذي يلفت إلى أن إيران قد اتجهت بالفعل نحو هذا الخيار من خلال ترديد أسماء بعض الميليشيات، مثل عصبة الثائرين وأصحاب الكهف وقبضة المهدي، موضحاً أنها ميليشيات لم يسمع بها أحد من قبل.
وكانت إحدى تلك الميليشيات، عصبة الثائرين، قد تبنت منتصف آذار الماضي، هجوماً استهدف قاعدة التاجي العسكرية، الذي قتل فيه ثلاث جنود، أمريكيين وبريطانية، من مرتبات التحالف الدولي، وذلك في أول ظهور لاسم الميليشيا المذكورة.
أما عن الهدف من ظهور تلك الميليشيات، كما يراه “عثمان” في تصريحات صحفية، فيكمن بزعزعة ما تبقى من استقرار في العراق، عبر استدراج القوات الأميركية إلى المواجهة مع إيران والموالين لها على الأراضي العراقية، مضيفاً: “نجاح أو فشل الاستراتيجية الإيرانية الجديدة في العراق يعتمد بشكل أساسي على العراقيين أنفسهم ومدى ردة فعل القوى السياسية العراقية على الميليشيات الوهمية التي ظهرت مؤخرا، فالقوى السياسية العراقية بحاجة إلى موقف حازم وقوي لكبح جماح الميليشيات الخاضعة لطهران، ومنعها من تحويل البلاد لساحة صراع مع الولايات المتحدة”.