علاء الدين الخطيب
لقد شكل ادعاء النظام الأسدي أنه نظام علماني أساس حملاته الإعلامية داخلًيا ودولياً؛ والواقع أن كثيرين داخل سوريا وخارجها -بين العرب وبين الغربيين، بين النخب وبين العامة- مقتنعون بعلمانية نظام الأسد، حتى الذين يدينون دكتاتوريته القاسية من بينهم. فهذا الادعاء ليس محض شعار مثل بقية شعارات الأسد ونظامه، في الواقع هو أحد أهم أسس حملات الدعوة للتمسك بنظام الأسد، والتحذير من سقوطه؛ إنه يشكل الرافعة الإعلامية الأساسية للنظام الأسدي داخلياً وخارجيا؛ وبخاصة أن الهوس والبارانويا من الإسلامية السياسية في تصاعد مضطرد، فكل من ادعى محاربتها يكسب مناصرين وداعمين حول العالم.
لذلك فإن مناقشة هذا الادعاء بموضوعية ضرورة يفرضها الواقع، وتتطلبها أي محاولة لإيجاد حلّ ينقذ ما يمكن إنقاذه من سوريا والمنطقة كلها.
السؤال محور الدراسة هو: هل نظام الدكتاتور بشار الأسد وأبيه وحزب البعث من قبله علمانيون؟
المدخل
أحدث القانون 31 الصادر في 10/10/2018 الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد، والمعروف أيضاً من خلال المرسوم 16، جدلاً إعلامياً واسعاً. مثار الجدل كان ما يمنحه هذا القانون من سلطات لوزارة الأوقاف، لكن هذا الموضوع ليس مثار بحثنا هنا، فقد كتب حوله كثير اعتراضاً أو تمجيداً، وكان لافتا صدمة بعض مؤيدي النظام الأسدي الذين توهموا دائما أن نظام الأسد علماني، وأنه حامي العلمانية في سوريا. في كل الأحوال هذا الجدل أعاد إلى الضوء جدلاً آخر حول فكرة منتشرة داخل سوريا وخارجها. الفكرة مفادها: “إن بشار الأسد ونظامه علمانيون، وهو ضمان عدم أسْلَمَة سوريا، وحامي الأقليات الدينية”. إن خطورة مقولة “النظام الأسدي علماني تتضح في انتشارها الكثيف في الإعلام الغربي، حتى عند من يهاجمه ويندد بسياساته، وهي أهم أدوات النظام وحلفائه لإعادة النظام الأسدي إلى الساحة الدبلوماسية الدولية.
ما هي العلمانية؟
لن ندخل هنا في تفاصيل تقاطعات التعريفات المتداولة للعلمانية واختلافاتها، هذا بحد ذاته يحتاج إلى دراسات منفصلة. لكن يمكن تلخيص أهم ما قيل في العلمانية من ناحيتين:
- من الناحية النظرية والفلسفية تباينت التعريفات[1] ما بين علمانية متشددة[2] وعلمانية ناعمة[3]. فمن الناحية النظرية هناك طيف واسع في تعريفات العلمانية يتباين ما بين التشدد والتسامح، مثل أي أيدلوجية أو نظرية في العلوم الإنسانية أو عقيدة؛ ومن ثم بوصفه تعريفاً نظرياً يمكن للعلمانية عند بعض المنظرين أن تشترط الإلحاد أو اللادينية ومواجهة الدين، وعلى النقيض قد تعني العلمانية عند آخرين التسامح الكامل مع الدين والعقائد الدينية. لكن في المجمل يجمع المنظرون حول العلمانية على أن مهمتها الأساسية هي إبعاد السلطة الدينية، المتمثلة في رجال الدين، عن الشأن العام للمجتمع البشري، سواء رأوا الدين والسلطة الدينية كياناً واحداً لا ينفصل، أو رأوا الدين أوسع كثيراً من السلطة الدينية.
- من الناحية التطبيقية يمكن النظر إلى العلمانية من خلال دراسة الدول التي تتبناها، سواء كانت هذه الدول تعرف نفسها دولة علمانية بوضوح، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وكندا واليابان والهند وتركيا وكوريا الجنوبية والصين؛ أو أنها تمارس العلمانية ضمناً، مثل ألمانيا والسويد والنرويج وفنلندا وإنكلترا[4]. فالعلمانية من الناحية التطبيقية بعيدة جداً عن محاربة الدين بوصفه ديناً، بل إن الحرية الدينية مصونة ومحترمة في الدول كلها التي تتبناها في عصرنا الحالي[5]، ما دامت هذه الحرية لا تتعدى على الدولة والمجتمع معنوياً أو مادياً.
لا بد من تأكيد أن العلمانية لا يمكن أن تحقق أهدافها الأساسية، أي حماية الإنسان من التمييز وفق الدين، وحماية الدين من السلطة السياسية، وحماية الدولة من تعدي السلطة الدينية المتمثلة في رجال الدين، إلا بترافق تطبيق العلمانية مع الديمقراطية بوصفه نظاماً مؤسساً للدولة والمجتمع والثقافة، وإلا لكانت علمانية شكلية عرجاء، فمن المعروف أن الاتحاد السوفايتي وعدد من دول المنظومة الشيوعية في القرن الماضي تبنوا العلمانية، من حيث فصل الدين عن الدولة، بل إنهم تبنوا أحيانا العلمانية المتشددة المناهضة للدين بكل ما فيه، لكنهم بسبب افتقارهم إلى الديمقراطية رسخوا معيار تمييز بين المواطنين بديلاً من التمييز الديني، وهو التمييز بين المواطنين وفق الأيديولوجيا، أي إن علمانيتهم كانت عملياً محرد استبدال لمعيار التمييز بين البشر. إن هدف نشوء العلمانية ومسوغها أساساً هو المساهمة في محاربة أشكال التمييز بين المواطنين وفق العرق واللون والقومية والجنس والدين والطائفة والقبيلة والرأي. فالعلمانية وفق تطورها التاريخي وتطبيقها العملي في عصرنا الحالي جزء لا يتجزأ من الغاية البشرية الأسمى “حماية حقوق الإنسان”، لم تعد العلمانية محرد مبحث نظري يمكن لأي كان تعريفها على هواه أو حصرها في نص أو كتاب؛ فالتطبيق هو المعيار في النظم كلها؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
[image src=”https://mena-researchcenter.org//wp-content/uploads/2019/12/الكذبة-الكبرى؛-علمانية-نظام-الأسد-1-773×580.png” size=”” width=”650″ height=”” align=”center” stretch=”0″ border=”0″ margin_top=”” margin_bottom=”” link_image=”” link=”” target=”” hover=”” alt=”” caption=”” greyscale=”” animate=””]
التعريف والفهم الأشمل للعلمانية يأتي بجمع التعريف النظري والتطبيق العملي القائم، وأيضاً الأخذ بالحسبان هدف العلمانية؛ وبما أن العلمانية ليست ديناً، أي ليست نظرية مقدسة لا تقبل التعديل أو التطوير؛ يمكننا أن نعرف العلمانية بأنها “العمل ضد أي تمييز في الحقوق والواجبات والفرص بين البشر بناء على دينهم، وإبعاد مرجعية التفسيرات الدينية وما يُشتق منها من شرائع عن نظام الدولة القانوني والتشريعي والتنفيذي، وحجب التفسيرات الدينية الإقصائية عن النظام التعليمي والإعلامي وسلم القيم الأخلاقية الاجتماعية والثقافية. ولا يعني ذلك رفض الدين بوصفه عقيدة وطقوس عبادة وممارسة تقوم على حرية الاختيار، ولا رفض القيم الأخلاقية الدينية التي تتوافق مع القيم الأخلاقية الإنسانية العامة“[6].
موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من العلمانية
كان موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من العلمانية في مراحل نشوئه الأولى، أي قبل وصوله إلى السلطة في سوريا والعراق، موقفاً ملتبساً غير واضح، فما قاله منظروه المؤسسون معظمهم حول الموقف من العلمانية كان كلاماً إنشائياً، وإعادة تفصيل للعلمانية على قياس الحزب. هذا الالتباس يعود إلى أن الحزب نشأ ضمن متغيرات فرضت عليه متناقضين أساسيين:
- خلال مرحلة النشوء والصراع مع بقية الأحزاب السياسية، واجه حزب البعث طرفين، بين الأحزاب السياسية الناشئة، شكَّلا منافساً ومصارعاً قوياً، وهما الأحزاب الشيوعية والأحزاب الإسلامية وأهمها الإخوان المسلمون. لذلك أراد التمايز عنهما والابتعاد عن أي شبهة تقاطع مع توجهاتهما، فاختار منظروه المؤسسون كلمة العلمانية مواجهاً فلسفياً للتوجه الإسلامي السياسي.
- المجتمعان السوري والعراقي حيث نشأ وقويَ عود الحزب مجتمعان محافظان متديّنان عموماً، والإسلام دين الأغلبية فيهما، ولأن الحزب لا يستطيع الصدام مع البنية الدينية للمجتمع ولطبقة شيوخ الدين من خلال طرح العلمانية شعبياً كشعار موازٍ لشعاراته المشهورة: وحدة، حرية، اشتراكية. حتى أن عدداً غير قليل من البعثيين فهموا شعار “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” على أن الرسالة الخالدة هي رسالة الإسلام.
يتضح موقف البعث من العلمانية في ما قدمه ميشيل عفلق عام 1950، في أثناء المناقشة المحتدمة حول الدستور السوري الجديد، من رؤية حول العلمانية[7]، إذ لا يحمل كلام عفلق مفهوماً واضحاً للعلمانية، بل كلام عام يمكن أن يحتمل عشرات التفسيرات.
أما في التطبيق العملي لحزب البعث في سوريا، ما بين 1963 و1970، فإن حزب البعث لم يمارس سياسة داخلية أو يبني دولة لنحكم على علمانيتها أو اشتراكيتها أو ليبراليتها؛ مارس في سبع سنين سياسة الحكم الشمولي العسكري، واستغرق في صراعات ضمن الحزب نفسه، ومع الأحزاب السياسية الأخرى، علاوة على صراعاته وصداماته مع أغلبية الحكومات العربية. أما استدلال بعضهم على “علمانية” البعث من خلال حربه وقمعه للإخوان المسلمين، فهو نوع من القراءة القاصرة التي تجتزئ ما يلائمها من الصورة العامة، فالبعث في سوريا قمع القوى السياسية كلها، شيوعية يسارية، قومية سورية، قومية عربية، إسلامية، سياسية تقليدية.
ماذا قال حافظ وبشار الأسد حول العلمانية
من الناحية النظرية نادراً ما تطرق حافظ الأسد إلى كلمة العلمانية في خطاباته ولقاءاته العامة. في الواقع هو لم يذكرها بوصفها مسألة للبحث في سوريا، بل اقتصر ذكرها عنده في مناسبتين:
الأولى، يوم كان يتكلم عن الآخرين. عام 1971 وهو ما زال جديداً في السلطة، تحدث عن العلمانية بوصفها طرحاً مقدماً من المقاومة الفلسطينية فقال: “لقد طرحت المقاومة الفلسطينية أن تكون في فلسطين دولة علمانية تضم العرب واليهود نحن في سوريا لم نقرر حلا كهذا. ولم نناقش مثل هذا الموضوع. ولكن يبدو من وجهة نظري أن مثل هذا الحل الذي طرح من قبل المقاومة قابل للمناقشة”[8]. المرة ثانية كانت في خطاب له تحدث فيه عن خلافاته مع كمال جنبلاط بخصوص لبنان، وحول إصرار جنبلاط على كون لبنان دولة علمانية، وبحسب شرح حافظ الأسد كانت العلمانية تعني بالنسبة إليه في لبنان ألا تكون الدولة طائفية[9].
الثانية، يوم كانت بعض وسائل الإعلام الغربية توجه إليه سؤالا حول العلمانية، من باب فهمهم لنظام حافظ الأسد بوصفه نظاماً علمانياً. فمثلا في لقائه مع محطة “السي إن إن” الأمريكية عام 1991 ورد ضمن سؤال يقارنه بصدام حسين العبارة الآتية: ” كلاكما يريد أن يبني دولة قومية علمانية وكلاكما ضد الأصولية الإسلامية“[10]، وهذا السؤال يوضح إلى حد بعيد الرؤية المشوهة للإعلام الغربي لنظام حافظ الأسد وصدام حسين؛ بكل الأحوال جواب حافظ الأسد لم يتضمن أي إشارة أو تعليق على عبارة “العلمانية في سوريا”[11]. المرة الوحيدة التي قال بها حافظ الأسد إنه يرى سوريا تحت حكمه دولة علمانية كان في لقائه مع الإذاعة الفرنسية فرانس أنتير في 16/11/1984، حين سألوه عن إمكان وجود تناقض في تقاربه مع إيران ذات الحكم الإسلامي، بينما سوريا دولة علمانية، فأجاب حافظ الأسد: “هذه هي المشكلة، لكن ليس هذا هو التناقض، التناقض الذي يشير إليه هو كما قلت نحن نظام علماني ولديهم نظام إسلامي. ليس في اختصاصنا التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد”.
لعل بشار الأسد تقدم خطوة على أبيه، حين تكلم أكثر عن العلمانية بشكل مباشر، في بضع خطابات ومقابلات؛ مع أن ما قاله لو جمعناه لا يزيد على صفحة واحدة، وفي أغلبيته جاء بعد عام 2011، وغالباً في لقاءاته مع وسائل إعلامية غربية وليس في خطابات موجهة إلى السوريين، في سياق استراتيجيته الأساسية القائمة على تقديم نفسه بوصفه نظاماً علمانياً مقابل الصيغة الإسلامية السنية التي فُرِضت على الثورة السورية بالسلاح والمال والإعلام. ومن أهم ما قاله بشار الأسد حول العلمانية وفهمه لها جاء في نص أورده كاملاً ضمن المراجع[12]؛ يكرر بشار الأسد ما قاله ميشيل عفلق حول العلمانية بطريقة مختلفة شكليا، وما قاله أبوه حول معنى العلمانية في لبنان أو فلسطين؛ فهم يعرفون العلمانية على قياسهم وفق ما يمكن أن نختصره بالتعريف الأسدي للعلمانية: “العلمانية أن يعيش أتباع الطوائف الدينية المختلفة في بلد واحد متساوين أمام القانون وبدون حروب في ما بينهم“؛ أما كل ما فصله وأضافه الأسد أو عفلق فهي عبارات تجميل عاطفية؛ وفي كل الأحوال يا ليته طبق حتى هذا المفهوم القاصر للعلمانية في سوريا.
أخطاء الرؤية البعثية والأسدية للعلمانية
يتلخص التشويه المقيم في ما طرحه البعث والأسدين للعلمانية في تناقضين أساسيين:
- العلمانية أوسع كثيراً من أن يتساوى المواطنون أمام القانون فحسب؛ بغض النظر عن دينهم أو طائفتهم. لأن هذا ادعاء يمكن أن يقدمه حتى الإخوان المسلمون وكثير من الإسلام السياسي، والطائفية السياسية في لبنان، بل حتى اليهودية السياسية في إسرائيل؛ لكن التطبيق العملي وتفاصيل النظام القانوني وادعاءات الخصوصية الثقافية وغير ذلك يمكن أن تهدم هذه المساواة كلها. (راجع فقرة ما هي العلمانية؟).
- لا المجتمع السوري ولا أي مجتمع تحت حكم الخلافة الإسلامية كان مجتمعاً علمانياً، مثلهم مثل الدول الغربية حتى القرن التاسع عشر. المجتمع السوري، مثل بقية دول المنطقة، كان محكوماً مدة 1400 سنة من حكم ذي شكل ديني إسلامي، سني أو شيعي أو فاطمي. وكان -وما زال- المجتمع السوري يعاني تقاليداً وأعراف ومفهومات تميّز بين الناس بحسب انتمائهم الطائفي والديني. وطرح هذه الصورة الحالمة للتاريخ لاستثارة العواطف من باب “ذهبية تاريخ أجدادنا” هو محض تلاعب بالعواطف[13].
قد يُقال إن من حق السياسي أن يطرح مفهوماً مختلفا للعلمانية أو الديمقراطية أو أي نظرية سياسية، بما يراه ملائماً لواقعه. وهذا قول محق من حيث المبدأ، لكنه قول يحمل كثيراً من المطبات والأسئلة. فمثلا، يدعي النظام الأسدي في سوريا، والأنظمة “الجمهورية” كلها في الدول العربية أنهم ديمقراطيون، بدءاً من عبد الناصر مروراً بالسادات وحافظ ومبارك وصدام والقذافي وبوتفليقة، ووصولاً إلى بشار الأسد والسيسي وغيرهم؛ فهل من المنطق أو المعقول أن نتمسك بحجج بيزنطية تحمل الحق في شكلها، مثل المقولة المذكورة، ونتناسى الواقع والحقيقة الساطعة وهي: لا نظاماً عربياً هو نظام ديمقراطي، حتى في الحد الأدنى، منذ عهد الاستقلالات عن الاستعمار الغربي إلى اليوم؟ كذلك العلمانية، فهي تحمل جوهراً أساسياً يقول: يجب فصل السلطة الدينية بأشكالها كلها عن بنية السلطة في الدولة، أي فصلها عن السلطة التشريعية والتنفيذية والقانونية وحتى الإعلامية؛ بما يؤدي إلى عدم التمييز بين المواطنين وفق دينهم أو طائفتهم. لكن بشار وأباه ومنظري البعث وضعوا العربة أمام الحصان، فبدؤوا من النتيجة ورفضوا قاطرة العلمانية الأساسية.
النظام القانوني والدستوري تحت حكم نظام الأسدين على مقياس العلمانية
إن أول ما فعله حافظ الأسد بعد انقلاب 1970 كان العمل على وضع دستور جديد لسوريا عام 1973، نصت المادة الثالثة منه على فقرتين:
- دين رئيس الجمهورية الإسلام.
- الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.
كذلك في دستور عام 2012 الذي وُضِع بإشراف بشار الأسد، جاءت أيضاً الفقرتان نفسهما في المادة الثالثة منه[14]. هاتان الفقرتان تناقضان أساس العلمانية بأشكالها ومعانيها كلها؛ فالعلمانية بكل تعريفاتها، من أقصى تشددها إلى أقصى مرونتها ترفض هذين المبدأين الذين وضعهما حافظ وبشار الأسد في الدستور السوري. فماذا يبقى من العلمانية إن كان منصب رئيس الدولة محكوماً بانتمائه إلى دين معين؟ وماذا تبقى منها إن كان هناك تشريع ديني يمثل أحد مصادر التشريع في الدولة؟ في الواقع هذا ما ينادي به تنظيم الإخوان المسلمون أيضاً، فهم علمانيون على مقياس الأسدين.
يدعي النظام الأسدي -وغيره من نظم الحكم في الدول الدكتاتورية ذات الأغلبية المسلمة ممن يدعون العلمانية- أن علمانيتهم لا تعني التدخل في قوانين الأحوال الشخصية، فيتركونها مستمدة من الشرائع الدينية، بحجة احترامهم للدين الذي يشكل منبعاً روحياً لأغلبية الشعب. لكن في واقع الحال هذه القوانين مفصلة بشكل كامل وفق أحد مذاهب الإسلام، وهي ليست مما يمثل جوهراً دينياً للإسلام كما يدعون ويدعي كثير من الشيوخ والفقهاء[15]؛ هذه القوانين ترسخ التفرقة بين المواطنين بحسب دينهم، بل ترسخ التفرقة بين المواطنين بحسب الجنس بين الرجل والمرأة[16]. سأطرح باختصار بعض أبرز القوانين التي ترسخ التفرقة الدينية بين المواطنين:
أولاً: قوانين الأحوال الشخصية المرسومة وفق التشريعات الدينية، تعترف فقط بالمسلمين السنة، وتستقي أغلب الأحكام من المذهب الحنفي؛ وتعترف بخصوصية في بعض القضايا للمسيحيين واليهود والدروز، لكنها تجبر الطوائف الأخرى الإسلامية كلها مثل الشيعة والعلوية والإسماعيلية على الخضوع للتشريع الإسلامي السني. طبعاً القانون السوري لا يعترف بوجود أو احتمال وجود جماعات خارج التعريف العام للمسلمين والمسيحيين واليهود.
ثانياً: من المعروف أن القانون السوري وكثير من منظومات القانون في الدول التي كانت تحت الاحتلال العثماني، لم تصدر قوانينا تلغي بشكل كامل العمل بما سنّه الحاكم العثماني، فيحصل أحياناً أن يعود القضاء إلى بعض القوانين العثمانية القديمة، عندما لا يجد نصاً قانونياً صريحاً بديلاً أو مخالفاً، ولا يوجد ما يمنعه من ذلك نظرياً. ومن بين الأحكام القضائية المشهورة التي صدرت في سوريا بضعة مرات وتكررت، كانت أحكاماً قضائية بما يتعلق في خلاف الوالدين على الأولاد إن كانا من دينين مختلفين؛ واجتمعت في هذه القرارات عبارة “الإسلام أشرف الدينين”[17]؛ وهي تستند بقرارها إلى المادة 381 من كتاب قدري باشا التي تجيز إسقاط الحضانة عن الأم غير المسلمة إذا خُشيَ على دين الولد[18]. فالقانون السوري تحت حكم الأسدين لم يميّز فقط بين الأديان، بل أقرّ المفاضلة بين الأديان وحدد من هو الأشرف.
ثالثا: شُكِّلت عام 2007 لجنة مهمتها إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري[19]. جاء هذا القانون دينياً بشكل كامل، من دون مراعاة تناقض بعض الأحكام الدينية مع حقوق الإنسان[20]. وأيضاً متحيزاً ضد المسيحيين، فقد فرض عليهم قوانين إسلامية ترفضها الكنائس المسيحية كلها[21]، مثل السماح للرجل المسيحي بالزواج بأكثر من زوجة في وقت واحد وفق المادتين 639 و640. بل إن هذا التمييز خرج بشكل يضرب أساس المواطنة والمساواة الإنسانية إذ استخدم كلمة “ذمي” في نصوصه للدلالة على المسيحي. كما ورد في المادة 38 منه[22]. ومهما حاول الإسلاميون السياسيون تجميلها، إن كلمة ذمي بمعناها التاريخي التطبيقي والمعنوي تعني المواطن من الدرجة الثانية وفق أحكام الفقه الإسلامي[23]. هذه الاصطلاحات الفقهية الإسلامية أيضا شملت مصطلح “مرتد”، ومصطلح “الموطوءة” الذي يحمل ازدراء واضحاً للمرأة، ومصطلح “كتابي” ضمن قانون الأحوال الشخصية الجديد، ليعيد أحد أسس أحكام الفقه الإسلامي التي تعطي المسلم صدقية في الشهادة على المسيحي واليهودي -أو كما يُسمى “الكتابي”- إذ شهادته أكثر فاعلية وقوة قانونية، فمثلاً جاء في المادة 630 “ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم ويثبت إذا جحدته الكتابية”، أي إن الرجل المسلم ذو شهادة مقبولة في هذا المنحى، بينما المرأة “الكتابية” غير مقبولة الشهادة، والكتابية تعني المسيحية او اليهودية[24]. فمثلاً منعت زواج المسلمة من غير المسلم، وفتحت الباب مشرعا لمقاضاة من يغير دينه والضغط عليه من باب حق الحضانة أو صلاحية الزواج أمام القانون. علاوة على أن القانون السوري لا يسمح بالزواج المدني، والزواج المدني هو من أسس مساواة المواطنين في النظام العلماني.
هذا التمييز بين المواطنين بحسب الدين، لم يتوقف عند الأحوال الشخصية والإرث، بل شمل الإكراه على الفرائض الإسلامية من دون غيرها؛ مثل عقوبة إفطار غير الصائم في رمضان علناً، ومن تراوح عقوبته ما بين ثلاثة أشهر إلى ثلاثة سنوات أو الغرامة المالية[25].
ماذا تبقى من القوانين إذا لا تميّز بين المواطنين بحسب دينهم؟ وفق علمي لا يوجد دولة بالعالم تعاقب مرتكب جريمة السرقة أو النصب أو القتل أو غير ذلك من جرائم جنائية، وفق دينه أو طائفته ضمن نظامها القانوني (باستثناء السعودية وطالبان ربما)، فهل يكفي أن هذه العقوبات في القانون السوري لا تميز بين المواطنين وفق دينهم لتأسيس نظام علماني في سوريا؟ إذاً ادعاء بشار الأسد، بأن العلمانية هي تساوي المواطنين أمام القانون والدولة من دون اعتبار لدينهم أو طائفتهم، ادعاء يكذبه القانون والدستور السوري.
الأدلة والحجج التي يقدمها الأسد دليلاً على علمانيته
أولا: وضع المرأة السورية
لقد منح النظام المرأة مراكز سلطوية وإدارية ونسبة مشاركة في مجلس الشعب، وحتى ضمن المؤسسة العسكرية والأمنية، إضافة إلى عدم سيطرة الحجاب الإسلامي على الشارع السوري، وغير ذلك من مظاهر؛ وقد لاقت هذه الحجة صدى أوسع في الإعلام الغربي الذي طالما عرف النظام السوري بوصفه نظاماً علمانياً. لكن هذه الحجة تتهاوى أمام الحقائق الآتية:
- تخضع المرأة السورية وفق القانون السوري لأحكام الفقه الإسلامي وتشريعات الكنيسة؛ والمرجعيتان كلاهما ممتلئتان بالأحكام والتشريعات التي تنتهك حقوق المرأة أمام الرجل[26].
- إن تنوع المجتمع السوري دينياً وطائفياً وعرقياً، وبنيته وتطوره تاريخياً بوصفه مجتمعاً مدنياً وريفياً؛ وميل الأغلبية من المجتمع السوري لنبذ التشدد والتطرف في التطبيق الديني؛ هو الذي أسس لانطلاق المرأة السورية في مشاركتها الفاعلة في المجتمع، منذ ثلاثينات القرن الماضي، فالمرأة السورية نالت حق الانتخاب السياسي مثلا عام 1949 أي قبل أن تناله المرأة السويسرية عام 1971. لا يجوز مقارنة وضع المرأة السورية بوضعها في السعودية أو إيران تحت حكم الملالي، بل يجب مقارنته بالعراق ولبنان ومصر وتركيا، وضمن هذه المقارنة يتضح أن وضع المرأة السورية تطور مع تطور المجتمع السوري والمجتمعات المجاورة. إن إهمال قانون التطور التاريخي للمجتمعات البشرية، وانتقاء الإيجابيات ضمن هذا التطور وإرجاعها إلى الحاكم، هو أسلوب قديم جديد لطالما استخدمته النظم الدكتاتورية.
[image src=”https://mena-researchcenter.org//wp-content/uploads/2019/12/علمانية-الاسد-941×580.jpg” size=”” width=”650″ height=”” align=”center” stretch=”0″ border=”0″ margin_top=”” margin_bottom=”” link_image=”” link=”” target=”” hover=”” alt=”” caption=”” greyscale=”” animate=””]
ثانياً: حماية الأقليات الدينية
تصاعد استخدام هذه الحجة كثيراً بعد عام 2011، في محاولة النظام الأسدي لكسب المؤيدين داخلياً وخارجياً. من حيث المبدأ إن حماية الأقليات الدينية أو العرقية ليست سمة كافية للحكم بعلمانية أي نظام حاكم؛ فمقارنة حال الأقليات الدينية في دول الشرق الأوسط منذ خمسينات القرن الماضي إلى اليوم تثبت أن حالها في سوريا ليست أفضل من تركيا أو مصر أو الأردن، ولا حتى أفضل كثيراً من الشيعة في السعودية أو السنة في إيران.
إن تعايش الطوائف والأديان المختلفة في سوريا تاريخياً، بشكل أكثر تسامحاً -إذا قارنّاه تاريخيا بدول الإقليم كلها وأوروبا- يعود إلى طبيعة المجتمع السوري وليس لأي سياسة أو استراتيجية طرحها النظام الأسدي. فمنذ وصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا، وخلال مدّة حكم الأسدين كلها، بل وحتى خلال المأساة التي تعيشها سوريا منذ عام 2011، لم يقم النظام أبداً بطرح موضوع المشكلة الطائفية والدينية في سوريا، بل حتى أنه منع الكلام بها بصورة علنية أو حتى ضمن ندوات ثقافية محدودة؛ علاوة على غياب أي ذكر لمعنى الدين والطائفة والقوميات غير العربية ضمن المناهج الدراسة السورية. فكيف يمكن ادعاء أن نظام الأسدين حاول بأي شكل حل مشكلة التمييز الديني والطائفي في سوريا، وهو لم يستخدم أهم وسائل حل هذه المشكلة، أي تأسيس مناخ حوار ومناقشة عامة تثقيفية توعوية تعليمية تساعد المجتمع على التخلص من هذه المشكلة.
أما وصول شخصيات من طوائف مختلفة في سوريا إلى مناصب عليا ضمن الدولة أو المجتمع، فهو أيضاً حتمية تاريخية ضمن مسار تطور المجتمع السوري؛ فاشتراك غير المسلمين السنة في السلطة في سوريا بدأ منذ نهاية الاستعمار الفرنسي، ولعل أشهر مثال هو فارس بك الخوري، المسيحي ذو الأصول اللبنانية، وغيره كثيرون ممن وصلوا إلى مناصب عليا في سوريا في مرحلة الخمسينات. بل إن الحقيقة الأهم هي: لو لم تكن الدولة السورية تتطور للخلاص من أحمال التاريخ مثل قاعدة أن الحكم للمسلمين السنة، لما وصل أساساً قادة حزب البعث ومنهم حافظ الأسد إلى مناصب عليا في الجيش والسلطة، ما مكنهم القيام بانقلاباتهم في سوريا. فنظام الأسدين لم يجترح جديداً أو يجبر حالة لم تكن موجودة ضمن الدولة السورية.
لنفترض جدلاً أن النظام الأسدي ضمان حماية الأقليات الدينية، فالسؤال ماذا كان يفعل نظام بشار الأسد وأبيه خلال 40 سنة، لتصبح الأقليات الدينية تحت خطر الإبادة أو الاضطهاد كما يدعون؟ هل حدث في التاريخ الإنساني كله أن حملة إبادة أو اضطهاداً واسعاً ضد جماعات دينية أو عرقية ظهرت فجأة وخلال عام أو عامين، في مجتمع كان يعيش التقارب والتسامح والعدل بين مكوناته؟ في الواقع إن هذه الحجة المسوقة هنا هي أفضل دليل على أن النظام الأسدي هو الذي رسخ المشكلة الطائفية واستغلها. في كل الأحوال من المؤكد أن نسبة الضحايا بين الأقليات الدينية في سوريا ليست أكبر من نسبتها السكانية في سوريا، وأن أغلب من قُتل من ضحايا، وعددهم بأقل التقديرات نصف مليون؛ قُتِلوا على يد النظام وحلفائه الحكومتين الإيرانية والروسية ومليشياتهم.
وضمن السياق نفسه، كيف يمكن تصديق أن النظام الأسدي يسعى لحماية الأقليات الدينية ومحاربة التحريض الطائفي، وهو يستعين بنظام يعلن طائفيته جهاراً نهاراً، أي النظام الإيراني الذي يستغل الإسلام الشيعي، ويستعين أيضاً بمليشيات عسكرية قائمة على عقيدة طائفية عنيفة باسم المسلمين الشيعة، بل حتى أن القيادة الروسية لم تتردد في استخدام التسويغ الديني المسيحي الأرثوذكسي لتورط الجيش الروسي في سوريا. هذا الكلام لا يعني وجود مليشيات إسلامية سنية إرهابية أو ينفيه، أعلنت جهاراً نهاراً أنها تعمل وتقاتل باسم المسلمين السنة، ومارست الاضطهاد والتنكيل بحق طوائف أخرى؛ لكن هذا لا يعني تسويغ استخدام مليشيات إرهابية إسلامية شيعية لتقاتلها، وبالتأكيد فإن هذا الاستخدام يهدم نهائياً حجة حماية الأقليات.
لا بد من التذكير بحقيقتين ثابتتين عن النظام الأسدي، كشفتا طريقة تعامله مع موضوع الدين السياسي. عام 2003 في شهر آذار/ مارس أصدر الشيخ أحمد كفتارو، مفتي سوريا في وقتها المقرب من بشار الأسد، فتوى تحث على الجهاد في العراق[27]؛ وقد قامت المخابرات السورية باستقبال كثير من المجاهدين السوريين وغير السوريين، ومنحتهم التسهيلات اللازمة لدخول العراق وقتال الأمريكيين، كان هؤلاء المجاهدون مساهمين أساسيين في إنشاء الدولة الإسلامية في العراق.
وفي خريف 2011 أطلق مفتي سوريا الشيخ أحمد حسون تهديدات واضحة بإرسال “استشهاديين” إلى أوروبا[28]. ويتضح معنى كلام حسون أكثر في 2013 وهو يفتي بضرورة الجهاد في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد، ويطالب بذلك ليس فقط السوريين بل العرب والمسلمين كلهم[29]. فأي نظام علماني، يحمي الأقليات الدينية، يكون جلّ اعتماده وحلفائه ورجاله من الإسلاميين السياسيين، والمستغلين للإسلام ومذاهبه وطوائفه.
الخاتمة
إن نظام حافظ وبشار الأسد نظام دكتاتوري مستبد مخابراتي قائم على القمع لكل معارضة أو نقد، وقد استغل التركيبة الدينية والطائفية والعرقية المتنوعة في سوريا، بهدف تقسيم الشعب السوري إلى جماعات تخاف من بعضها، وفق مبدأ “فرق تسد”، فتكتلت مكونات الشعب السوري في ردة فعل جماعية غير واعية داخل انتماءاتها، ما زاد قوة النظام الحاكم وسلطته، ومكنّه من حكم سوريا لما يزيد على 40 عاما.
لا يمكن للنظام الدكتاتوري المتطرف في عنفه وفي تمسكه بالسلطة، الانتماء إلى أي أيديولوجيا أو نظرية نظام دولة ذي بنية متماسكة، مثل الانتماء إلى المنهج الاشتراكي أو الليبرالي الرأسمالي أو الديمقراطي أو العلماني؛ فهذه النظم والتوجهات تتعارض مع بنية النظام الدكتاتوري الشمولي. وهو أيضاً ليس نظاماً طائفياً، بمعنى أنه يخدم طائفة معينة، كما يقول الوهم الشائع جداً حول أنه نظام علوي ضمن حلف شيعي، بل هو نظام استبدادي يستغل ما هو موجود من تركيبات دينية وطائفية وعرقية لترسيخ سلطته، وآخر همومه منح ميزات لهذه الملايين أو تلك الملايين من الشعب السوري.
إن ادعاء علمانية النظام الأسدي يسقط تماماً أما حقائق الواقع والتاريخ، سواء عند المقارنة بالدستور والقانون السوري الذين وضعهما النظام الأسدي، أو بالقياس بالممارسة العملية للنظام داخلياً وخارجياً. إن هذا الادعاء صعد بقوة إلى السطح بعد اندلاع الانتفاضات العربية ضد حكامها الدكتاتوريين وبخاصة في سوريا، لسببين أساسيين:
الأول هو أن هذه الانتفاضات جرت سرقتها وحرفها بسرعة، بسبب التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، إلى حركات إسلامية متعصبة وعنيفة وذات طابع سنّي سلفي جهادي تكفيري.
الثاني هو استخدام هذا الشعار دعاية إعلامية تعيد كثيراً من الشارع السوري الذي يخاف ويرفض الإسلامية السياسية، إلى التمسك بالنظام الأسدي مع مساوئه كلها؛ وكذلك تفتح له بالتدريج نوافذ التفاوض مع الغرب الذي يملك كثيراً من المفاتيح؛ من خلال وضع سوريا بين خيارين: إما نظام الأسد أو حكم الإسلاميين المتعصبين. وعلى الرغم من استحالة الخيارين[30]، إلا أن واقع الصراع العالمي أثبت أن المعركة الإعلامية وتصدير الأفكار والشعارات الإعلامية، حتى لو كانت خاطئة تماماً، قادرة على كسب كثير من المعارك. في الواقع إن هذا المنهج لم يثبت نجاحه لمصلحة النظام الأسدي فقط، بل أثبت نجاحه حتى في الغرب مع صعود اليمين المتطرف بقوة إلى السلطة في أوروبا الغربية ووصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
إن تصحيح الأفكار المنتشرة بين السوريين وعبر الإعلام العربي والعالمي عن سوريا ومأساتها هو الخطوة الأهم والأولى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ومن بين هذه الأوهام وهم أن النظام الأسدي نظام علماني، أو أنه نظام طائفي علوي، أو أن مستقبل سوريا محدود بين خيارين: الأسد أو الإسلاميين.
المراجع:
[1] بروفسور باري كوسمين، عضو مجلس Center for Inquiry (CFI) – 2006 – ورقة علمية
http://www.trincoll.edu/NR/rdonlyres/9614BC42-9E4C-42BF-A7F4-0B5EE1009462/0/Kosmin_paper.pdf
[2] المرجع 1، العلمانية المتشددة تعني “إن العلمانية المتشددة ترى أن الافتراضات الدينية غير متناسبة مع نظرية المعرفة، ولا مبررة من قبل العقل والخبرة، وبالتالي فهي مضرة أخلاقيا وخطرة سياسيا”
[3] المرجع 1، العلمانية الناعمة “مبنية على أساس قابلية التفكير البشري للخطأ، فهي متسامحة مع الدين والخلافات الدينية، وتفضل التسوية السياسية للدين، لكن بنفس الوقت ترفض تدخل الدولة الذي قد يؤدي لتقويض الحريات الدينية”
[4] بعض هذه الدول تعرف أحد الكنائس المسيحية ككنيسة أساسية للدولة، لكن من دون أي انعكاسات على القانون والنظام والمؤسسات. وفي بعض هذه الدول من حق الكنيسة جمع ضريبة اختيارية لأعضاء هذه الكنيسة، بمعنى أن الشخص يمكنه متى أراد الانسحاب من الكنيسة وبذلك هو غير ملزم بدفع أي مبلغ للكنيسة؛ وبعض دساتير هذه الدول تبدأ بعبارات من قبيل “باسم الله القادر In the name of Almighty God”.
[5] الدول العلمانية في عصرنا الحاضر هي الملجأ الأول لأغلبية المضطهدين دينيا في بلادهم، بمن فيهم المسلمون والإسلاميون السياسيون.
[6] “ما هي العلمانية” – علاء الدين الخطيب – موقع بيت السلام
[7] “في سبيل البعث” – الجزء الأول – ميشيل عفلق – 1978 دار الطليعة للنشر والطباعة
النص الكامل لكلام عفلق:
“فالدولة إذاً تقوم على أساس اجتماعي هو القومية، وأساس أخلاقي هو الحرية. وأفرادها يكونون مرتبطين بقوميتهم مسؤولين عن أداء واجباتهم نحوها بقدر ما يكونون أحرارا فيها. وعندما نفهم الدولة على هذا الشكل ونرى فيها مجالاً لبعث الأمة وبعث قوى أفرادها ولتصحيح القيم وإزالة الكذب والزيف والضغط من حياة المجتمع، ودفع هذا المجتمع في طريق إيجابية مبدعة لأداء رسالة الأمة إلى الإنسانية فمعنى ذلك أن هذه الدولة هي نقيض الإلحاد والفساد وكل ما هو سلبي هدام. وعلمانية الدولة بهذا المعنى ليست إلا إمعانا في الحرص على اتجاهها الروحي والأخلاقي، لأنها ليست إلا إنقاذاً للروح من شوائب الضغط والقسر ووضع العراقيل المصطنعة أمام يقظة الروح واستقلال الخلق وانطلاق النشاط في نفس كل عربي. وما دام الدين منبعاً فياضاً للروح، فالعلمانية التي نطلبها للدولة هي التي بتحريرها الدين من ظروف السياسة وملابساتها، تسمح له بأن ينطلق في مجاله الحر في حياة الأفراد والمجتمع وبأن تبعث فيه روحه العميقة الأصيلة التي هي شرط من شروط بعث الأمة”
[8] لقاء حافظ الأسد مع الصحفية اليوغسلافية دارا يانكوفيتش 2/4/1971
[9] خـطـاب حافظ الأسد أمام أعضاء مجالس المحافظات للإدارة المحلية 20/7/1976. ورد فيه: “إسرائيل تسعى إلى تقسيم لبنان لكي يسقط شعار الدولة الديمقراطية العلمانية. هذا الشعار الذي نطرحه هنا وهناك. قد لا نكون جميعنا مؤمنين بهذا الشعار ولكنه شعار مطروح وهو قابل للمناقشة في هذا المكان أو ذاك من العالم”؛ وفي معرض نقله لمناقشته مع كمال جنبلاط قال حافظ الأسد: “تحدث عن العلمنة يريد دولة علمانية في لبنان طبعاً كل ما أقوله هو في ضوء اتصالاتنا مع الآخرين التي أجريناها خلال أشهر طويلة. قلت له إن الكتائب متحمسة للعلمنة عندما زارنا حزب الكتائب قيادة حزب الكتائب وعلى رأسها الشيخ بيير الجميل سألته أنا شخصياً عن هذا الموضوع وقال لي أنا لا أقبل للعلمنة بديلاً أنا مصر ومتمسك بدولة علمانية في لبنان وطرحت هذا الأمر على مفتي المسلمين وعلى السيد موسى الصدر وعلى بعض رؤساء الوزارات ورؤساء مجلس النواب ورفضوه لأن الأمر يتعلق بجوهر الدين الإسلامي.”
[10] لقاء حافظ الأسد مع محطة التلفزيون الأمريكية /سي. إن. إن/ 28/10/1991
نص السؤال كاملا: “أنا أعرف أنكم لا تحبون هذه المقارنة. أنتم أصبحتم من حلفاء الولايات المتحدة في حرب عاصفة الصحراء ضد خصم الولايات المتحدة في هذه الحرب صدام حسين. أنتم رجل قوي وصدام حسين رجل قوي، كلاكما من حزب البعث العربي الاشتراكي، كلاكما يريد أن يبني دولة قومية علمانية وكلاكما ضد الأصولية الإسلامية، ما هي أوجه الشبه الأخرى؟ بعض الناس يقولون إن الرئيس حافظ الأسد أفضل من صدام حسين سوى أنه يقف إلى جانبنا. ماذا تقولون في ذلك؟”
[11] ورد أيضاً سؤال لحافظ الأسد عن العلمانية في سوريا في لقائه مع مجلة “تايم” الأمريكية في تاريخ 23/3/1984. لكنه لم يجب بوضوح عن العلمانية في سوريا أيضا.
[12] لقاء بشار الأسد مع قناة الإخبارية السورية بتاريخ / 17/04 / 2013
النص الكامل لكلام بشار الأسد حول العلمانية: “نحن دائما نغرق بالمصطلحات ولا نناقش المضمون. نغرق بالمعنى اللغوي. ولكن المهم ھو الممارسة.. فمثلا كان هناك اشتراكیات. ولكن كلها كانت تسمى اشتراكیة.. فهناك من یمارس العلمانیة على أنها اللادینیة وتتحول كما كانت في تركیا في مراحل مختلفة ضد الدین وتحارب الدین.. وهناك العلمانیة التي نفهمها نحن. بعضهم یقول علمانیة بفتح العین وهي بالنسبة إلينا حریة الأدیان. نحن مجتمع متنوع فكل أتباع شریعة أو طائفة لهم الحریة في أن یتبعوا الشعائر ویمارسوها بالطریقة التي یرونها ملائمة. أیضا هذا یعني بألا نتعامل نحن بوصفنا دولة على أساس الدین. عندما یأتي عدد من الأشخاص لیتقدموا إلى وظیفة على سبیل المثال لا نسأل إلى أي دین أو عرق ینتمي ھذا الشخص.. لا یجوز أن نمیز لا على أساس الدین ولا على أساس العرق.. هذا ھو المفهوم، وأعتقد أن هذا المفهوم ھو مفهوم إیجابي وجید للمواطنین، وما دامت لیست العلمانیة اللادینیة فهذا یعني أنها لا یمكن أن تكون ضد الدین، ما دمنا نتحدث عن حریة الأدیان فهذا یعني أن هذه العلمانیة تدعم الأدیان ولا تقف في وجهھا، بالعكس تماماً الدین ھو أخلاق ونحن بحاجة إلى الأخلاق ومن ثم نحن بحاجة إلى الدین، عملیة التطویر على سبیل المثال، كان كثیر من الأشخاص یسألون لماذا تتعثر هذه العملیة في أماكن مختلفة، أقول لهم، لأنكم تنظرون إلى عملیة التطویر في سوریا على أنها مجموعة قوانین، بینما هي قوانین تبنى على الأخلاق، عندما لا توجد الأخلاق في مجال ما لا یمكن أن یتطور المجتمع، فأن أكون علمانياً یعني ألا أفرق بین الأشخاص، لكن هذا لا یعني ألا أكون مسلماً ومؤمناً أو مسیحیاً ومؤمناً، بالعكس تماما فهذه الصورة هي صورة خاطئة، كالصورة التي وضعت في السابق حول التعارض بین العروبة والإسلام، إما أنك قومي أو إسلامي، لا، أنا عربي ومسلم، عربي ومسیحي، فإذا التناقض بین الاثنتین ھو كلام غیر صحیح، أما أن یقال إننا انتقلنا من العلمانیة باتجاه الدینیة، ففي سوریا بني منذ عام 1970 حتى الیوم ثمانیة عشر ألف مسجد، فلو كانت العلمانیة ضد الدین أو نمارسها ضد الدین، كیف نسمح ببناء 18 ألف مسجد، بني 220 مدرسة شرعیة وثانویة شرعیة وغیرها، بني العشرات من المعاهد لتأهیل الدعاة، إذاً الجانب الدیني في سوریا كان دائماً جانباً مهماً، الأهم من ذلك إذا أردنا أن نقول إن العلمانیة هي اللادینیة كما یحصل في عدد من الدول أو كما تفسرھا دول أخرى فهذا مستحیل، لأن الدولة هي مرآة المجتمع، وإذا كان المجتمع ملتزم بدینه فلا بد أن تكون الدولة مبنیة على الأسس الدینیة حتى وإن كانت علمانیة، لا یمكن أن تكون الدولة لا دینیة والمجتمع متدین، والعكس صحیح، لا یمكن أن تكون دولة ذات شكل دیني والمجتمع غیر ملتزم بدینه، فإذاً نحن مرآة للمجتمع، ومن ثم الطرح الأول والطرح الثاني كلاهما غیر صحیح وغیر دقیق ویعبر عن عدم فهم لحقیقة ومعنى الدولة السوریة ومعنى علمانیة الدولة السوریة”.
[13] من المهم هنا توضيح أن الإقرار بوجود مشكلة التمييز تاريخياً ضمن المجتمع السوري وفق الدين والطائفة والعرق والطبقة الاجتماعية والقبيلة والمستوى المادي والجنس، لا يعني أن نهمل حقيقة تاريخية هي أن سوريا لم تشهد أي حرب أو سياسات إبادة عرقية أو دينية يمكن مقارنتها بما حصل في حروب أوروبا القروسطية والعراق وإيران وتركيا وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية.
[14] ونصت المادة الثالثة من دستور 2012 على ما يأتي: دين رئيس الجمهورية الإسلام. الفقه الإسلامي مصدر رئيس للتشريع. تحترم الدولة الأديان كلها، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخل ذلك بالنظام العام. الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.”
[15] دراسة “أحكام الفقه الإسلامي وصدام بعضها مع شرعة حقوق الإنسان والدولة الحديثة” – للكاتب – مرصد مينا
https://mena-monitor.org/research/8093/
[16] دراسة “المرأة ضحية تاريخية للتقاليد وأحكام الفقه الإسلامي” – للكاتب – مرصد مينا
https://mena-monitor.org/research/المرأة-ضحية-تاريخية-للتقاليد-وأحكام-ا/
[17] بعض من هذه القرارات القضائية: قرار محكمة النقض السورية الصادر في 06/04/1981
كذلك قرار المحكمة الشرعية بدمشق بقرارها رقم أساس 2205 رقم قرار904 تاريخ 18/10/2000
[18] كتاب “الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة” (الجزء الأول) – مجموعة مؤلفين – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – الدوحة – 2016
[19] حوار قانوني على منتدى المحامي السوري
http://www.damascusbar.org/AlMuntada/showthread.php?t=8060
[20] المرجع 12
[21] مقال ” هشاشة الحماية القانونية لمسيحيي المشرق العربي في مسائل الأحوال الشخصية” – الدكتور نائل جرجس – برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأمانة الدولية لمنظمة العفو الدولية
[22] دراسة “ لجنة حكومية أعدت مشروع قانون للأحوال الشخصية السوري” – مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية – 26/05/2009
[23] المرجع 11
[24] مقال ” أهل الذمة في سوريا اليوم” – المحامي ميشيل شماس
[25] مقال “العقوبة القانونية للمفطر في شهر رمضان” – المحامي حسام كريم الدين – دمشق الآن
https://damasnow.com/العقوبة-القانونية-للمفطر-في-شهر-رمضان-2/06
[26] المرجع 12
[27] تقرير للجزيرة بعنوان “مفتي سوريا يدعو لتنفيذ عمليات استشهادية ضد الغزاة” – 27/03/2003
تقرير للنيويورك تايمز بعنوان “سوريا، علمانية طويلة بلا رحمة، انبعاث المد الإسلامي Syria, Long Ruthlessly Secular, Sees Fervent Islamic Resurgence” – 24/10/2003- يتراجع به ابن أحمد كفتارو عن فتوى أبيه بعض التنديد الدولي. اللافت للنظر أن هذا التقرير يسمى النظام السوري علمانيا، مع أنه يذكر ضمن التقرير تواؤم النظام الأسدي وانسجامه مع دعوات كفتارو، ومع الشيخ محمد قول أغاسي المعروف بكنية “أبي القعقاع السوري”، وتأييد هذا الشيخ، الذي له كان تواصل ثابت مع قاعدة العراق وأفغانستان، للنظام الأسدي.
تقرير لموقع بوابة سان فرانسيسكو – “Syrians told to prepare for fight with U.S. /Iraq war is just the beginning, leaders say” – 31/03/2003
https://www.sfgate.com/news/article/Syrians-told-to-prepare-for-fight-with-U-S-2625143.php
[28] فيديو للشيخ أحمد حسون يهدد بتحريك استشهاديين في أوروبا
https://www.youtube.com/watch?v=1GfL-9dVxQU
[29] فيديو للشيخ أحمد حسون يدعو للجهاد في سوريا دفاعا عن نظام الأسد
[30] دراسة “هل سورية بين خيارين فقط: النظام أم الإسلاميون؟” – للكاتب – 01/08/2016
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.