عادت المعركة الكلامية بين التيار الصدري بزعامة “مقتدى الصدر” وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق “نوري المالكي”، وذلك في ظل حملة انتخابية مبكرة للحصول على مكاسب سياسية لتحقيق غالبية برلمانية تمكنهم من الفوز بمنصب رئاسة الوزراء.
رئيس الوزراء العراقي “المالكي” قال مساء أمس الخميس: إنه “لن يسمح للبطة أن ترعب الناس مجددا كما لم أسمح لها في السابق”. لافتاً إلى أنه “سيتصدى للخارجين عن القانون، وسيقف ضد أي قوة سياسية تتبنى منهج القوة في إدارة البلاد”.
و”البطة” هي تسمية شعبية في العراق لسيارة نوع “تويوتا كراون” من موديلات (1994 – 2002)، كانت تستخدمها عناصر مليشيا “جيش المهدي”، التابع لـ “التيار الصدري” في جرائم الخطف والقتل خلال الحرب الطائفية بين العامين 2006 و2007.
يذكر أن الصدر والمالكي يتنافسان على تزعم المشهد السياسي الشيعي وينحدران من خلفيات “سياسية إسلامية شيعية”، إذ يتزعم الصدر تياراً شعبياً شيعياً ورثه عن والده المرجع الديني “محمد صادق الصدر”، بينما يترأس “الماكي” حزب الدعوة، أقدم الأحزاب الشيعية العراقية.
صراع شيعي..
ورد مقرب من زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” على تصريحات رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي عن “البطة، اذ كتب “صالح محمد العراقي” في تغريدة على موقع “تويتر”: “من الممكن القول إن البطة هي الحل الوحيد للفاسدين، ولمن باعوا ثلث العراق لداعش” وذلك في إشارة إلى الاتهامات التي وجهت للمالكي بالتسبب في سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد تنظيم “داعش” الإرهابي منتصف العام 2014.
ولم تسلم ولايتي المالكي في رئاسة الحكومة بين العامين 2006 – 2014 من الانتقاد، بسبب اتهامات بشن حملات اعتقال على أسس طائفية وزج آلاف الأبرياء في السجون.
إلى جانب ذلك، ذكر “العراقي”، أن “أخلاقنا، نحن الصدريين القح (الخالصين)، لا تسمح لنا بذلك، فهي سيرة المنشقين والمليشيات الوقحة، وهم أجمع ليسوا أسوة لنا”.
ولم يخف “الصدر” عن طموحه في قيادة العراق مستعينا بزعامة بالوراثة وبـ”شرعية” ثورية يشكك فيها كثير من السياسيين، معتمدا على شعبيته في الوسط الشيعي التي اكتسبها في السنوات.
تحالف مصالح..
بداية الصراع الانتخابي مبكرا يشير إلى أن المنافسة على قيادة العراق بعد انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021 ستكون محتدمة، وتشهد كثيرا من المفاجآت، اذ طالب “الصدر” بأن تكون رئاسة الوزراء المقبلة بعد الانتخابات المبكّرة من نصيب “التيّار الصدري”، وأقام أنصار “الصدر” مسيرات حاشدة في نوفمبر/ الفائت داعية لتحقيق هذا المطلب.
وكان عضو البرلمان السابق مشعان الجبوري قد تحدث في لقاء متلفز سابق عن أيهما أفضل في الصراع بين المالكي والصدريين قائلا “لو خيرنا بين سائق البطة والمالكي سنختار المالكي”.
بينما وجهت في السابق اتهامات لمليشيا “جيش المهدي” بقتل واختطاف وتغييب وتهديد آلاف العراقيين بين عامي 2006 و2007، قام على إثرها المالكي بشن حملة سميت “صولة الفرسان” ضد أنصار الصدر في العام 2008 وحدثت مواجهات مسلحة بين القوات العراقية والصدريين تسببت بسقوط قتلى في الجانبين.
ومن المؤكد أن المشهد في العراق سينفتح على تحالفات واصطفافات في المرحلة القادمة لتأمين حظوظ أوسع في الانتخابات التشريعية، على غرار ما فعله التيار الصدري في الانتخابات الماضية حين تحالف مع الشيوعيين وأحزاب أصغر، في مفارقة عجيبة جمعت حزبا دينيا بأحزاب علمانية.
كما يرى مراقبون أن “التنافس بين المكون السياسي الشيعي على تأمين المصالح والنفوذ لا مفر منه، ولا سيما بعد أن تفكك الائتلاف العراقي الموحد (الذي كان يضم معظم الأحزاب الشيعية) والذي كان يهيمن على الحكم منذ العام 2003 حتى الأشهر الأخيرة من العام 2019”.
وكان “الائتلاف العراقي” الموحد يضم معظم التيارات الشيعية في العراق: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وتيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم والمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة “همام حمودي” وحزب الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر ومنظمة بدر بزعامة “هادي العامري” وحزب الفضيلة وكتلة مستقلون إضافة إلى شخصيات أخرى.
وشهدت الفترة الأخيرة جدلاً حول موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة، اذ تؤكد الحكومة عزمها على إجراء هذه الانتخابات في موعدها المقرر في السادس من شهر حزيران\ يونيو المقبل، بينما تتعالى أصوات مشككة بإمكانية إجرائها في موعدها، وتطالب أخرى بتأجيلها.
بينما أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية، مشاركة 27 تحالفا في الانتخابات، تضم 235 حزباً سياسيًا، إضافة إلى دراسة مشاركة 5 تحالفات أخرى؛ إذ تستمر فترة تسجيل التحالفات الانتخابية حتى 10 فبراير/شباط الجاري
وتتمثل أبرز التحالفات والقوى السياسية بانتخابات العراق المبكرة بخمس تحالفات شيعية، وتحالف سُني “المحور الوطني” ينقسم إلى 3 تحالفات، بالإضافة إلى تحالفات الأحزاب الحاكمة والمعارضة الكردية.
التحالفات الشيعية..
تشكل التحالفات الشيعية الأكثرية في البرلمان العراقي الحالي، بواقع 187 مقعدًا من أصل 329، وتمتلك تلك التحالفات موالين في بغداد ومحافظات جنوبي البلاد، أبرزها:
سائرون: يضم (54 مقعدًا من 329) أحزابًا أبرزها التيار الصدري، والحزب الشيوعي العراقي، وتمكن من الحفاظ على تماسكه الشعبي، عقب تعهد زعيمه “مقتدى الصدر” بالوقوف إلى جانب مطالب الاحتجاجات الشعبية.
دولة القانون: يضم (26 مقعدا من 329) ويتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ويسعى للحصول مجددا على رئاسة الوزراء لتشكيل الحكومة، ويعد الخصم الشيعي المنافس للزعيم مقتدى الصدر.
تيار الحكمة: يضم (19 مقعدا من 329) ويسعى إلى تعويض الخسارة النيابية التي لحقت به في انتخابات 2018، بعد حصوله على 30 مقعدا في انتخابات 2014.
الفتح: يضم تحالف الفتح (47 مقعدا من 329) 17 كيانا بين أحزاب ومنظمات وتجمعات، غالبيتها مكونة من فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران.
النصر: يضم (42 مقعدا من 329) الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق “حيدر العبادي”، وهو 4 كتل سياسية شيعية ذات وهي الفضيلة، وتيار الإصلاح برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، ومستقلون بزعامة وزير النفط الأسبق حسين الشهرستاني، والمجلس الأعلى بزعامة همام حمودي.
التحالفات السُنية
وتعد الكتل السُنية، أكثر القوى السياسية العراقية انقسامًا وصراعًا على الزعامات خلال العامين 2019 و2020، اذ حصلت في انتخابات العام 2018، باسم “المحور الوطني” بزعامة رئيس البرلمان الحالي “محمد الحلبوسي” على 50 مقعدًا من أصل 329 بالبرلمان، وخرج منها ثلاثة تحالفات وكتل، أبرزها (المحور) بزعامة “خميس الخنجر”، و(القوى العراقية) بزعامة “محمد الحلبوسي،” و(جبهة الإنقاذ) بزعامة “أسامة النجيفي”، وجميعها تسعى لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.
التحالفات الكردية
خاضت الأحزاب الكردية في إقليم كردستان، شمالي العراق، الانتخابات الماضية عام 2018 بقائمتين، وهما “السلام الكردستانية”، و”القائمة الوطنية”، إذ حصلت الأولى 43 مقعدا والثانية على 15 مقعدا من أصل 329 بالبرلمان.
وضمت قائمة السلام الكردستانية، الحزبين الحاكمين في إقليم شمالي العراق، وهما الاتحاد الوطني الكردستاني، والديمقراطي الكردستاني، بينما ضمت القائمة الوطنية، أحزاب معارضة وهي حركة التغيير، والجماعة الإسلامية الكردستانية-العراق، والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة، ولم تعلن حتى الآن القوى السياسية الكردية ما إذا كانت ستخوض الانتخابات وفق تحالفاتها التقليدية أم بشكل فردي.
ائتلاف الوطنية
يعد ائتلاف الوطنية (26 مقعدا من 329) خليطا من إسلاميين وعلمانيين وقوى سياسية سُنية، أبرزها التجمع المدني للإصلاح بزعامة رئيس البرلمان الأسبق “سليم الجبوري”، الجبهة العربية للحوار بزعامة “صالح المطلك”، والوفاق الوطني العراقي بزعامة رئيس الوزراء الأسبق “إياد علاوي”.
يذكر أنه من المفترض انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في العام 2020، إلا أن الأحزاب السياسية قررت إجراء انتخابات مبكرة بعدما أطاحت احتجاجات شعبية واسعة بالحكومة السابقة برئاسة :عادل عبد المهدي” أواخر 2019.
ومنحت الثقة للحكومة الجديدة برئاسة “مصطفى الكاظمي” في مايو/أيار الماضي، لإدارة المرحلة الانتقالية وصولا إلى إجراء الانتخابات المبكرة في 10 أكتوبر المقبل، اذ تعهد الكاظمي بإجراء عملية اقتراع نزيه تحت رقابة دولية، وبعيدا عن سطوة السلاح.
يشار إلى أن العراق أرسل طلبا الى مجلس الأمن الدولي لمراقبة الانتخابات المبكرة المقبلة، والمقرر إجراؤها في العاشر من شهر تشرين الأول أكتوبر المقبل، وقد صوت على تأجيل الانتخابات البرلمانية المبكرة، بعدما كان مقرراً إجراؤها في السادس من يونيو/ حزيران، وجاء التأجيل بعد طلب تلقته الحكومة من مفوضية الانتخابات، بالتأجيل، وسط حديث عن ضغوط سياسية دفعت بهذا الاتجاه.