وفاء فتاة في الثلاثين من عمرها، اعترفت بحبها بشكل علني لفتاة أخرى أمام مجموعة من الأصدقاء، الأمر الذي شكل صدمة لبعضهم، فعانت من أسئلتهم كثيراً، الأمر الذي جعل الفتاة الأخرى تقر باعترافها بذات المشاعر إلى وفاء، ولم ينته الموضوع عند هذا الاعتراف والمصارحة، فنهضت وقامت بتقبيل وفاء أمام الجميع، ثم غادرتا المكان أمام ذهول الجميع.
يحدث هذا في السويداء، في الجنوب السوري، ذات المساحة الصغيرة نسبياً، حيث سكانها يعتبرون من الأقلية الدينية والعددية، ذات الغالبية الدرزية والتي تعتبر من الاقليات المنغلقة على نفسها التي لا تتحفظ في فتح بوابات خصوصياتها الثقافية لأحد، ففي السويداء تعترف فتاة بحبها لفتاة اخرى، وأنهما سيعيشا معاً، ضمن حياة جنسية كاملة.. سيتطلب متل هذا الكثير من إشارات التعجب.
ما هو رد فعل المجتمع، وما هي الأمور التي سيترتب عليها هذا الاعتراف، هل سيقبلهما المجتمع، هل سيبنون معاً بيتاً، ضمن هذه المحافظة الصغيرة التي كل سكانها يعرفون الشاردة والواردة فيها، ولا يخفى شيئا على أحد، هل سيحارَبون من قبل الجميع بسبب خروجهم عن العادات والتقاليد السائدة في هذا المجتمع الصغير، وخاصة بعد ظهور العديد من الحالات المشابهة والمختلفة والتي تعرفنا عليها عن قرب..
في هذا التحقيق سنحاول التعرف على هذه الظاهرة في محافظة أغلب سكانها من الطائفة الدرزية، وهل توجد هناك أي علاقة بين تقوقعهم على نفسهم، والخوف من المجتمعات الأخرى التي تنظر إلى الدروز على كونهم خروج عن الاسلام، بحسب فتاوى قديمة، أكثرها تداولاً فتاوى ابن تيمية، وبين حالة المثلية الجنسية التي انتشرت مؤخراً بين مجموعات صغيرة.
تنص معظم النصوص الدينية في الدين الدرزي على استنكار المثلية الجنسية، ويميل الأشخاص الأكثر تدينًا فيها إلى أخذ هذه التعاليم الدينية على محمل الجد. والتي انتشرت بين اهلها على نطاق واسع أثناء الحرب، سواء بين الإناث أو الذكور، لتعود نسبة كبيرة من الناس بشدة إلى تعاليمهم الدينية والسلفية الدرزية، وتكون أشد رفضاً للمثلية الجنسية، التي يعتبرها المجتمع بكل شرائحه الدينية وغير الدينية خرقاً لعاداته وتقاليده. وفي المقابل نسمع أصواتاً وبنسبة قليلة من اهلها يؤيدون الاختلاف والحرية الشخصية.
ظاهرة قديمة مسكوت عنها:
“المثلية” من الملفات المسكوت عنها، غير أن انتشارها اللافت، وقد اجتاح المجتمع السوري والسويداء مثالاً، استحضر الحوار حولها بقوة، خصوصاً في المجتمعات الصغيرة المنغلقة، كالمجتمع الدرزي، وقد واجهنا في تحقيقنا لهذه القضية الشائكة بعض الصعوبات، منها، صعوبة الحصول على الأرقام الصحيحة حول مدى انتشار هذه الظاهرة، وذلك لاستحالة الإحصاءات الرسمية، وبسبب التكتم الذي يحيط بمثل هذه الحالات في مجتمعاتنا.
بعد سبع سنوات ونصف من الحرب السورية، نجد أن مدينة السويداء اختلفت بشكل كبير عما كانت قبل، لنرى ظواهر عديدة تخرج عن صمتها في ظل مجتمع يعاني من التمزّق وويلات الحرب والصراع السياسي والأهلي، كالإدمان على المخدرات، ولا يبدو غريباً اليوم في ظلّ هذه الظروف الاستثنائية، أن نسمع عن ظاهرة “المثلية” ، التي أصبحت منتشرة وتلاقي رواجاً لها في العديد من المجموعات الصغيرة، وإن كانت موجودة من قبل إلا أنها طفت على السطح الآن.
نسونة المجتمع والنازحين:
لم تعد ظاهرة “المثلية” مقتصرة على مجرد حالات فردية يمكن التعامل معها، من خلال المنظور الفردي، بل تحول الأمر إلى ظاهرة اجتماعية، لها العديد من الأسباب، وهنا لا نتكلم عن المخنثين او مضطربي الهوية الجنسية، وإنما عن نساء يتمتعن بكامل أنوثتهم الجسدية ولكنهم لا يفضلن شريكاً جنسيا مغايراً.
بدأت هذه الظاهرة تأخذ مساراً جديداً مع انتشار وسائل التكنولوجيا والتفكك الأسري وتعرض المجتمع لضغوط الحرب والدمار والعنف، وما خلفه ذلك من انخفاض عدد الذكور مقابل عدد النساء. فمع بداية الحرب السورية التحق العديد من الشباب في الخدمة العسكرية طوعاً أو قسراً، لتحصد أعداداً كبيرة منهم من مختلف أطراف النزاع، وتعرض الكثيرون منهم إلى الإصابة والإعاقة. بالإضافة إلى ظاهرة الهجرة واللجوء، التي دفعت بالعديد من شبان المحافظة إلى الهرب من الوضع الأمني والاجتماعي والاقتصادي، تاركين وراءهم أمهات وأخوات وزوجات بانتظار المجهول.
كما أدت حالات النزوح الى محافظة السويداء والأعداد الكبيرة من النساء الوافدات والأطفال، وانعكاسات الأزمة الاقتصادية على عدم استقرار المعيشة، الى المساهمة في ارتفاع هذه الظاهرة.
الظهور العلني للمثلية الجنسية
إن غياب الذكور عن المجتمع هو أحد الأسباب التي جعلت هذه الظاهرة تخرج من السرية الى العلنية سواء كان في العمل أو البيت أو الجامعة التي فرغت من طلابها نتيجة هروبهم من ” الخدمة العسكرية – الاحتياطية” والبحث عن ملاجئ في الخارج، لنرى أن المجتمعات أصبحت نسائية بغالبيتها وخاصة في أماكن النازحين. فمنهن من بدأت بالبحث عن سُبل للخروج من الحالة والوضع الذي وجدت نفسها فيه، ليكون العالم الافتراضي هو المخرج أو المخبأ، وفرصتها في رؤية العالم الآخر. ولكن هذا السبب يجعل النتائج آنية مؤقتة، كما تقول لنا الأخصائية النفسية (خ.ه) نتيجة الفراغ العاطفي والنفسي.
كما أن محاكاة الغرب وتقليده جعل من هذه الظاهرة تأخذ بالتنامي في وسط مكبوت عاطفيًا وجنسيًا، حيث تمتنع الفتاة من القيام بعلاقة جنسية مع شاب لخوفها من أن يقوم بفضحها أو تصويرها خلسة وابتزازها لاحقاً، أو خوفها من فقدان عذريتها في مجتمعٍ محافظ. وقد يكون السبب أيضاً حاجتها إلى الحنان والعاطفة التي لا تجدها في أغلب الأحيان إلا عند فتاة مثلها، فلا تجد متنفساً آمناً لشهوتها سوى هذا الخيار.
المثلية الجنسية، ظاهرة يرفض المجتمع الدرزي مثل أي مجتمع أخر الاعتراف بها، أو الحديث عنها مهما بلغ حجمها، أو وصل عدد أفرادها سواء في السر أو العلن، وفي ظل هذا التكتم والصمت وعدم الاعتراف بوجودها، كان لنا لقاءات مع فتيات مررن في تجربة المثلية الجنسية، منهن من يبحثن عن حلول وغير قادرات على الاعتراف حتى إلى أقرب الناس إليهن، ومنهن من يرين أنهن يعيشن حياتهن بطريقة سعيدة بعيداً عن ضغوط المجتمع ومتطلبات الحياة والأسرة.
خطافات النساء:
تقول (س) 20 عاما: تعرضت للتحرش عندما كان عمري تسع سنوات، وفي الخامسة عشر من عمري تمت خطوبتي لشاب، استمرت علاقتنا سنة، لأكتشف خلالها أنه تعرف على صديقتي وخطبها، هذا السبب جعلني أكره الشباب وكل ما يمت لهم بصلة، بعد مدة من الزمن تعرفت على صديقة كانت من ضمن شلة بنات، لهن نفس الميول اتجاه بعضهن، دخلت في جوهن وانسجمت معهن تمامًا، وانجذبت لصديقتي لتصبح لنا لقاءاتنا السرية في ممارسة الجنس وعليه باتت لي حياتي المختلفة سراً.
(ع) 30 سنة: تعترف بميولها الجنسية “المثلية”، وتعلن أنها مارست الجنس مع صديقة لها أكثر من مرة، ولا تعرف كيف تتوقف عن الأمر، تقول: “أحببت صديقتي، وجدت فيها كل شيء أبحث عنه، لدي طاقة جنسية لم أستطع تفريغها مع أي شاب لعدم إحساسي بالأمان، لكن الأمر اختلف مع صديقتي التي تعرفت عليها لاحقاً، حيث نحمي بعضنا. حاجتنا إلى الأمان والحنان هو ما جعل قسم كبير منا يتجه الى “المثلية”، ومع ذلك قد نتعرض للغدر من قِبل صديقات أخريات، عندما يجدن صديقة ويحببنها وتتطور العلاقة معها، ويصبح الشعور متبادل، حيث ستنظر كل واحدة منهن للأخرى على أنها المنقذ الوحيد لتأخذ العلاقة شكلا آخر، وتزداد غيرتي عليها، عندما تكون جالسة مع صديقاتها، حيث أخاف عليها منهن لأنهن يفكرن بها مثل تفكيري بها ويحاولن ان يأخذنها مني وهذه الحالة عامة بيننا لمعرفتنا ببعضنا”.
هناك حالات تكون فيها الفتاة هي الابنة الكبرى في البيت ولاختلاطها الكبير مع إخوتها الشباب تمتلك النزعة الذكورية نفسها، ليبدأ إحساسها تجاه الأنثى يأخذ شكلاً آخر برغبتها بها لكي تجد نفسها معها، وتسمى هذه الحالة “باي سيكشول” ميالة للجنسين.
للنزوح تأثيراته:
( ) وجودي ضمن عائلة جميع أفرادها من الذكور أثر على شخصيتي، لم أعد أشعر بأنني أنثى، احتياجاتي اختلفت، أحيانا أرتدي من ثياب إخوتي، أتكلم بلغتهم، كل ذلك جعلني أشعر بالقوة وبحاجة إلى فتاة أقضي أوقاتي معها، أعيش حياتي وفقاً لطبيعتي، لا أنجذب إلى الشباب لأنني أعيش بينهم، لذلك أقضي وقتي مع صديقتي لإحساسي معها بالأمان والشعور بالهدوء بعيداً عن صخب الشباب وعلاقاتهم الكاذبة.
فتاة أخرى دخلت هذه الأجواء والشلل كنوع من الموضة، من مبدأ التغيير والرغبة في التجربة، تحكي لي () : رغبت أن أدخل في هذه التجربة لأهرب من الفراغ العاطفي الموجودة فيه، والظروف الصعبة التي تمر علي، رغبت أن أجرب شيء جديد غير اعتيادي أو نمطي، تعرفت على صديقة وكانت ضمن شلة بنات، لا يحدث بيننا علاقة جنسية ويقتصر الموضوع على القُبل، ارتبطت بها وأصبحنا نمضي أغلب أوقاتنا مع بعضنا، أحاديثنا كلها تدور حول الفتيات وصورهن وجمالهن، وتضيف تعجبهن الأنثى الجميلة وينظرن اليها كنظرة الشاب إلى الفتاة وتفاصيل جسدها، وتكون بمخيلة كل واحدة منهن مواصفات للفتاة التي سترتبط بها إن كان من حيث جمال الوجه أو اللون أو الطول.
25 سنة، نازحة من حمص، تهجرت في أول نزوح لها مع عائلتها إلى ريف دمشق، ومع بدء المعارك في الريف انتقلت في نزوح ثاني إلى السويداء، وخلال نزوحها الأول تعرفت على فتاة، كان الخوف من الحرب والقصف هو الذي جمعهما لتجدا نفسيهما ملتصقتين دائماً.
تقول: وضعونا في بيت واحد مع عائلتينا بعد انتقالنا إلى السويداء، خوفنا من الحرب والنزوح جعلنا نلتقي لنجد الأمان مع بعضنا، أصبحت أشعر كأنها نصفي الآخر، لم أكن أعي وأفهم أن هذا الالتصاق معها يمكن أن يتطور ليصبح التصاق جنسي وتأخذ علاقتي معها هذا المنحى. بدأ كل شيء يتغير في حياتينا، فكل تفاصيلنا كنا نعملها سوية، حتى في الاستحمام كنا ندخل معاً، لنجد فرصة من الاستمتاع بعيدا عن جو عائلتينا وعن جو القهر والوجع الذي نمر به، وتضيف، أنا أعلم أننا سنفترق عندما نعود لبيتنا في حمص وأعلم أنها حالة مؤقتة، ولكن لولا وجودها في حياتي لا أعلم اين سأكون.
وهذا ما تؤكده لنا الأخصائية النفسية، بأن هذا الخيار الذي تتخذه الفتاة ليس خياراً حقيقياً إنما هو خيار وهمي وهي حالة مرضية. في المجتمعات الأوروبية صُرح لهن بالوجود، كما سمحوا لهم بالتبني، ولكن هذه الحالة ليست طبيعية، فالطفل يجب أن ينشأ في بيت متوازن مكون من أم وأب. فالفتاة تقرر أين ستكون ولكن هذا القرار ليست هي من اتخذته، وإنما الظروف التي ساقتها إليه.
أخيرًا سيتقبلوننا:
الوضع الديني والاجتماعي في السويداء لن يسمح لهن بالظهور والإعلان عن أنفسهن، لأن المجتمع يعتبره نوعاً من الفسّق والفجور، وهو غريب عن العادات والتقاليد المحافِظة، فهم يرفضون الفتاة التي تتزوج من خارج الطائفة الدرزية، وقد يصل الأمر إلى قتلها من قبل أسرتها، فكيف سيقبلون بالمثلية إن كان بين النساء أو الرجال، والتي قد تتسبب بشرخ كبير في الطائفة والمجتمع مما يؤدي الى كوارث اجتماعية حسب منظور بعض الرافضين لهذه الظاهرة.
تضيف الأخصائية: “انا لا أسميه شذوذ جنسي بمعناه الحقيقي، بقدر ما هو تبني للمظاهر، ولكن حتى تبنيه هو بشكل أو بآخر اضطراب، فالأزمة ساعدت الناس بقدرتهم على التكلم عن الأشياء والأفكار التي يحبونها. بفترة ما تأخذ علاقة الفتاة بغيرها صفة عاطفية قد تشتد حتى تصل إلى درجة من القوة تفوق في شدتها رغبتها بالجنس الآخر، وإن الارتباط العاطفي بالجنس نفسه إذا كان مؤقتا ولم يصل إلى درجة الاتصال الجنسي الصريح أو الغرامي العنيف، يساعد الفتاة على التحرر من الروابط العاطفية كالارتباط بالأم والاستعاضة عنها بروابط جديدة أي أن الميل لنفس الجنس قد يكون عامل من عوامل النمو، وقد يكون هناك خللا هرمونيا قد يؤدي إلى تحول الشخص جنسياً، ولكن في معظم الأحيان لا تكون الأسباب راجعة إلى وجود خلل هرموني ولكن لأسباب ترتبط بالنشأة والتربية، ولا سيما في سنوات الطفولة المبكرة”.
فالفتيات التي تحدثن عن وضعهن متفقات على أنهن لن يستطيعن الاعتراف بحالة الشذوذ الجنسي أمام مجتمع كالمجتمع الدرزي والمطالبة بحقوقهن، لأنهن مدركات لحجم الكارثة التي هم فيها ضمن هذا المجتمع المنغلق على نفسه”.
واحدة منهن كان لها رأي أخر بقولها، أننا في محافظة السويداء نستنكر الحالة عند بداية ظهورها ويبدأ السب والشتم وخاصة تلك المسائل التي تتعلق بالشرف، ولكن مع الوقت سوف يتقبلوننا مثل أي ظاهرة دخلت على مجتمعنا الدرزي وأصبحت بمرور الزمن من الأمور التي لا شأن لهم فيها.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.