تتعاظم مشكلة انتشار المخدرات في العراق، لتصل إلى حدود قياسية في ما يتعلق بنسب التعاطي بين الشباب وانتشار تجارتها داخل البلاد، حسبما تكشف مصادر رسمية، مرجحة أن يتسبب الأمر بإدخال البلاد في معضلة يصفها مطلعون بـ”أكثر خطورة من الإرهاب”.
المراقبون يشيرون إلى أن ملف تجارة المخدرات وتعاطيها سيكون التحدي الرئيسي والأكبر الذي ستواجهه الحكومات العراقية خلال السنوات القليلة المقبلة، نظراً لضعف الرقابة والزيادة المضطردة في أعداد المتعاطين، تبدو المؤسسات الحكومية في كثير من الأحيان، عاجزة عن حل تلك الإشكالية، خاصة مع الحديث عن أن تلك التجارة تُدار من قبل ميليشيات مسلحة وأحزاب سياسية نافدة.
وحسبما يكشف مراقبون ورؤساء منظمات معنية بمتابعة ملف المخدرات، فإن الجهود الرسمية لا تتناسب مع حجم الانتشار الكبير، وتقتصر على مكافحة صغار التجار وعدم ملاحقة المتورطين الرئيسيين فيها لارتباطهم بجهات سياسية نافذة وميليشيات مسلحة، فضلاً عن أن عدم حسم ملف المنافذ الحدودية يعدّ أحد أكبر العراقيل أمام هذا الملف، كون إيران تعتبر المصدر الأكبر لدخول المخدرات إلى العراق.
مصادر عراقية تؤكد أنها ترصد تسارعا في حركة تهريب المخدّرات من إيران إلى العراق، في ظاهرة تبدو مرتبطة ببحث الميليشيات الشيعية عن مصادر تمويل إضافية، كما ترجع جهات أمنية تزايد حجم المخدّرات المضبوطة إلى مضاعفة جهود محاربة الظاهرة التي تفاقمت خلال السنوات الماضية وتشديد الرقابة على المنافذ الحدودية الأمر الذي أدّى إلى سقوط الكثير من شبكات تهريب المواد المخدّرة والاتّجار بها في أيدي الأجهزة الأمنية، إذ لا يمضي يوما إلا وتتناقل وسائل إعلام محلية أخبارا حول ضبط كميات مهربة من المخدرات أو اعتقال مجموعات تعمل على ترويجه.
أرقام خيالية ونسب إدمان عالية
مطلع العام الحالي، كشفت وحدة مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية العراقية، على لسان مديرها “مازن القريشي”، عن إحصائية بعدد المعتقلين بتهمة تعاطي وتجارة المخدرات خلال عام 2020، مشيرا الى أن الفترة الممتدة من الأول من يناير/كانون الثاني إلى الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اعتقلت السلطات العراقية أكثر من 6 آلاف من متعاطي المخدرات في البلاد، بينهم 200 من الذكور غير البالغين و 85 امرأة، بينهن عشرون تحت سن البلوغ.
تعليقا على ذلك، تشير الباحثة المجتمعية “نهى العبدالله”، إلى أن “نسب تعاطي المخدرات باتت مقلقة بشكل متزايد، مع تجاوزها حدود 40 بالمئة بين بعض الفئات العمرية من الشباب، خاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة، بينما النسبة الأكبر في مراكز علاج الإدمان تنحصر بين عمر 17-25 سنة.
وتلفت “العبدالله” إلى أن “هناك مقاهي باتت أماكن لترويج المخدرات، حيث تضع لزبائنها تلك المواد في الأراكيل من دون طلب منهم، لجذب الشباب نحو الإدمان”، موضحة أن “مديرية الأمن العراقي يقوم كل فترة بمداهمات لتلك المقاهي، لكنها في تزايد مستمر.
وكان محافظ الديوانية الجنوبية قد تحدث نهاية العام الماضي، عن نِسب تعاطي بلغت نحو 40% بين صفوف الشباب في محافظته.
وتضيف “العبدالله”، أنه على الرغم من انتشار تعاطي المخدرات بشكل واسع، إلا أنه لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة في شأن نسب المتعاطين، مشيرة الى أن معظم المتعاطين الذين توصلت إليهم منظمات مختصة بمتابعة المخدرات، يفضلون عدم الذهاب إلى مصحات العلاج نتيجة العقوبات القانونية التي قد يتعرضون لها، ومشددة على أن يتم تكرس الجهود الحكومية لملاحقة المروجين والمهربين لهذا السم.
يشار الى أن منظمات حقوقية ومؤسسات رسمية كانت رفعت توصيات عدة للحكومة العراقية بإلغاء العقوبات على المتعاطين لتشجيعهم على تسليم أنفسهم إلى مراكز التأهيل.
تجارة برعاية إيران وميليشياتها
يؤكد الصحفي “خالد السامرائي”، أن تجار المخدرات في مدن جنوب العراق يحصلون على المخدرات من خلال تجار آخرين في ديالى وواسط، المجاورتان لإيران، مشيرا الى أن ذلك يتم بدعم جهات بعضها مرتبط بفصائل مسلحة معروفة، مشيرا الى أن أكثر أنواع المخدرات المتداولة في العراق هي الحبوب المعروفة باسم “الحبوب الوردية”، إضافة إلى الخشخاش، والحشيشة، والكريستال، وهذه المخدرات تصل غالبيتها من إيران وأفغانستان.
ويضيف “السامرائي”، أنه ورغم النجاح النسبي للأجهزة الأمنية في مكافحة المخدّرات، إلاّ أنّ ذلك لا ينفي تغوّل الظاهرة وتشعّبها وهو ما كشف عنه قيام ميليشيا مسلحة قبل أيام بانتزاع تاجر مخدرات بالقوة من أيدي القوات الأمنية أمام محكمة في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان بجنوب العراق.
يشار الى أن المسؤول المحلي في محافظة البصرة، “علي الوائلي”، كان شدد على ضرورة تكثيف الجهود الأمنية من أجل التوصل إلى التجار الرئيسيين للمخدرات، من خلال السيطرة الفعلية على الحدود مع إيران، مشيرا الى أن أكثر من 80 في المائة من المخدرات التي يتم ترويجها في جنوب العراق إيرانية المنشأ.
وقبل أيام، هرّب مسلحون كانوا يرتدون زيا عسكريا، تاجر مخدرات بالقوة من أمام محكمة في مدينة العمارة جنوب العراق، بعد أن هاجموا مجموعة من نحو مئة عنصر شرطة كانوا يتولون نقل تاجر المخدرات إلى المحكمة، وبحسب ما كشفت مصادر أمنية، فإن العناصر كانوا مدججين بأسلحة “حديثة”، وقاموا بإخلاء سبيل التاجر و”نقله بأربع سيارات رباعية الدفع من طراز “تاهو” أميركية الصنع.
وكان المتهم اعتقل قبل نحو 24 ساعة، حيث تم ضبطه وبحوزته كميات كبيرة من المواد المخدرة.
مواجهة الظاهرة من خلال القانون
وفق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار ولا تزيد على عشرة ملايين دينار كل من أستورد أو أنتج وأصنع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية أو زرع نباتاً من النباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو أشتراها بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي.
وكذلك تعاقب المادة 33 من القانون نفسه، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن ثلاثة ملايين دينار ولا تزيد على خمسة ملايين دينار كل من سمح للغير بتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية في أي مكان عائد له ولو كان بدون مقابل
كما تنص المادة 288 من القانون نفسه على “عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار ولا تزيد على ثلاثين مليون كل من أدار أو أعد أو هيأ مكاناً لتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية ومن أغوى حدثاً وشجع زوجه أو أحد أقربائه حتى الدرجة الرابعة على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية وللمحكمة بدلاً من أن تفرض العقوبة أن تلزم من تعاطي المواد المخدرة بمراجعة عيادة نفسية تنشأ لهذا الغرض لمساعدته على التخلص من عادة تعاطي المخدرات.
في هذا السياق، تقول المحامية “إخلاص خليل” إن الحكومة العراقية، إذا أرادت، فعلا، مواجهة مشكلة المخدرات المتفاقمة في البلاد، ستجد نفسها مضطرة إلى العودة إلى القوانين، التي كانت سائدة قبل الاحتلال للسيطرة عليها، وإلغاء قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 الذي أصدرته سنة 2017، معتبرة أن خفض العقوبات على متعاطي ومروجي المخدرات ساهمت بشكل كبير في تزايد أعدادهم.
يشار إلى أن القانون العراقي قبل الاحتلال الأميركي 2003، كان يعاقب بالإعدام شنقا مروجي المخدرات، إلا أنه بعد الاحتلال ألغي الإعدام، وفرضت عقوبات تصل إلى السجن لمدة 20 عاماً.