الحرب المستمرة في سوريا منذ ثمانية أعوام خلفت آثاراً سلبية كبيرة في المجتمع السوري ليصل الحال إلى كارثة إنسانية؛ دفعت شرائح المجتمع السوري كافة ثمنها؛ ولعل المرأة كانت من أكثر الشرائح معاناة؛ لما تعرضت له من أنواع الألم والمعاناة وانتهاء بالانتهاكات الجنسية التي طالت شريحة منهن؛ فأصبحت المرأة أمام تحديات عصيبة ساهمت في تفاقم مشكلة الأسرة السورية واضطرابات اجتماعيات كثيرة انعكست آثارها في عدد كبير من الأسر في ظل غياب الحلول المساعدة على وقف هذه المعاناة والحد من آثارها المتفاقمة. هذه الورقة ترصد هذه الحالة وتستطلع بعض من تعرضن لذلك من خلال المحاور الآتية:
- معاناة المرأة السورية في ظل الحرب.
- شريحة من النساء تعرضن للاستغلال الجنسي.
- شهادات نسوة تعرضن لابتزاز.
- استغلال النساء؛ ما العمل؟
المدخل
معاناة المرأة السورية في ظل الحرب
ظلت المرأة الخاسر الوحيد في الحروب والأزمات التي تطال الشعوب والمجتمعات والمرأة السورية التي كانت حاضرة في مجالات الحياة اليومية كافة في سوريا، ترتب عليها أن تدفع ثمنا باهظاً أمام التحديات الكبيرة التي فرضت على الشعب السوري ولم تراع كبيراً ولا صغيراً متجاوزة القيم والمعايير الأخلاقية وواضعة المرأة في قائمة المستهدفين سواء بالقتل والاعتقال والتنكيل والتهجير والانتهاكات كافة التي طالت الشعب السوري بفئاته كلها، فكانت المرأة عرضة للاعتقال في غياهب السجون في أوضاع لا إنسانية متعرضة خلالها للإهانة والتعذيب بوسائل القمع كلها؛ من جلد وشبح وصعق بالكهرباء واغتصاب، إذ وثقت المنظمات المحلية والدولية عشرات الحالات التي اعتقلت على حواجز النظام السوري وفي حملات الدهم والاعتقال التي طالت المدن والقرى والأحياء السورية وانتهى عدد من المعتقلات إلى الموت في أبشع الأوضاع.
في ظل غياب الرقيب أو المحاسب ومع استمرار الحرب الدائرة في سوريا اتسعت معاناة المرأة السورية لينتهي بها المطاف إلى مخيمات النزوح في ظل غياب مقومات الحياة وما رافقها من بؤس وشقاء دفعت المرأة ثمنها مرتين مرة من نفسها ومن أطفالها مرات أخرى سعياً وراء ما يحفظ الكرامة ويسد الرمق.
يأتي الانتهاك والاستغلال الجنسي في قائمة المشكلات التي واجهت شريحة من النساء ولا سيما اللواتي فقدن المعيل والسند في موجة النزوح والتشرد التي تعيشها آلاف الأسر السورية في الوقت الذي تغيب فيه الرقابة ولا يجد ضعاف الأنفس وتجار الحروب والأزمات من يوقفهم ويضع حداً لانتهاكاتهم وتصرفاتهم المسيئة إلى المجتمع عموماً وإلى المرأة على وجه الخصوص.
نساء تعرضن للاستغلال الجنسي
إن تزايد أعداد النازحين ووجود آلاف اللاجئين في بلدان الجوار أفسح المجال أمام ارتفاع أعداد العاملين في مجال الدعم والمساعدات الإنسانية من أشخاص ومنظمات وغياب الرقيب والمحاسب أفسح المجال أمام شريحة من ضعاف الأنفس والفاسدين أخلاقياً لاستغلال عملهم الإنساني في الإساءة إلى الناس وابتزازهم سواء من خلال بيع المساعدات الإنسانية أم إعطائها ببدل ومقابل مادي.
وصل الحال لدى بعضهم أن يستغل النساء ولا سيما اللواتي يُعلن عائلات كبيرة يغيب عنها القائم عليها شهيداً كان أم معتقلاً أم مفقوداً وجعلهن عرضة للمتاجرة بالمساعدات الإنسانية مقابل الاستغلال الجنسي، ولعل العادات والتقاليد والخوف من الفضيحة أرغم ضحايا هؤلاء الانتهازين على التكتم، إضافة إلى الواقع الصعب الذي اضطر بعض النساء إلى أن يلجأن إلى السكوت مقابل المحافظة على قوتهن اليومي أو مكان إقامتهن.
وقد سعت بعض المنظمات إلى صور توثيقية بحجة أن الداعم يطلب توثيقاً للمستفيدين ثم تدرج الأمر لإحضار بعض النسوة إلى اجتماعات وهمية كان الغاية منها التحرش والابتزاز.
شهادات نسوة تعرضن لابتزاز
(س.ع) وهي أم لأربعة أطفال ولم يتجاوز عمرها الخامسة والعشرين تروي لنا بأسف وندم حكايتها التي بدأت عندما ذهبت لتقديم طلب للحصول على سكن لها ولأبنائها الأيتام وتقول لقد شعرت أن مدير الدار ينظر إلي بطريقة غير طبيعية وعند توقيعي على الطلب حاول لمس يدي فلم أدرِ حينها ما عليّ فعله، غير أني أخبرت إحدى النساء اللواتي أعرفهن فقالت لي لعلك فهمتي الموقف بصورة خاطئة فهذا شخص مستقيم ولا يمكن أن يبدر منه سوء.
وتضيف أنه بعد مدّة من الزمن عاود التواصل معي عبر الهاتف ثم أخبرني أنني حتى أستطيع الاستمرار في السكن يجب علي أن أكون أكثر مرونة وعلي أن ألتقي به وأرسل له صوري الخاصة ملوحاً بطردي من السكن في حال أني بحت بشيء أو رفضت عروضه ومحاولته الوصول إلي.
(س. ع) لم تتخيل أن الواقع سيصل بها إلى مثل ما هي فيه فهي لا تملك خياراً آخر إلا البقاء في السكن وذلك أنها فقدت وأبناؤها الأربعة كل معيل واستشهد أفراد عائلتها كلهم، تقول رفضت الضغوط التي مورست علي كلها، غير أن التهديد والوعيد لم يتوقفا وعندما وصل إلى مرحلة يئس فيها من الوصول إلي عرض علي الزواج سراً وعندما وافقت أخذني إلى الشقة التي كان من المفترض أن يعقد فيها القران علي فلم أجد أحداً غيره فعلمت حينها أني وقعت ضحية واحد من اللصوص التجار واستطاع الاعتداء علي والتقط لي صوراً وأنا عارية ليعمل على استغلالي كلما أراد ذلك ثم بنبرة المنتصر قال لي إن واحدة مثلي لا تصعب عليه.
(ف. م) تحمل إجازة في التربية وتعمل في إحدى المؤسسات وتقول عندما أعطاني مديري في العمل كرتاً للحصول على مساعدات غذائية لم أكن أعلم أنه يسعى لاستدراجي وأن المقابل سيكون أكبر كثيراً مما أتصور، فما يدعيه من أنه رجل يخاف الله وأن لا هم له إلا مساعدة المحتاجين لم يكن إلا وسيلة لابتزاز الناس واستغلالهم.
وتروي (ف. م) كيف أن مديرها بدأ مراسلتها عبر الهاتف مدعياً أنه مشفق عليها ويعلم مدى حاجتها وأنه سيزيد لها المساعدات والمنح، وتضيف طلب إلي الحضور إلى أحد الأماكن ليقدم لي مساعدات إنسانية وعندما أتيت إلى المكان الذي أراد لم أجد أحداً غيري فبدأ التحرش بي وعندما حاولت الهرب منه وأبديت مقاومة ورفضاً ضربني ثم مزق لي ثيابي واعتدى علي جنسيا ثم ألتقط لي صوراً وأنا عارية وهددني بنشرها إن كلمت أحداً عما حصل بيننا.
وتحكي (ف. م) والحرقة والألم يخيمان على صوتها لم يكن أمامي فعل أي شيء فالفضيحة أنا التي سأدفع ثمنها مرة أخرى أمام المجتمع إن علم أحد بما حصل لي، فلم يكن أمامي خيار إلا أن أترك العمل وأتوجه إلى العمل في الزراعة فحالي حال كثيرات من النساء اللواتي اغتصبن وتعرض للتحرش الجنسي وآثرن السكوت وتجرع العلقم لأن مجتمعنا حكم على المرأة بأنها المذنبة حتى إن كانت الضحية.
استغلال النساء؛ ما العمل؟
مديرة أحد المراكز النسائية في ريف حلب الغربي تقول إن السكوت على ما تتعرض له المرأة السورية من استغلال بسبب الحاجة التي ألجأتها الأوضاع إليها جريمة أخلاقية ومجتمعية نشترك فيها جميعا ويجب العمل على متابعة هذه الحالات التي طرأت مؤخراً وبالتحديد الاستغلال الجنسي منها والعمل على فضح كل من تسول له نفسه المتاجرة بالمرأة السورية في ظل الأوضاع الراهنة التي يمر بها المجتمع السوري وتعريته وذلك من خلال تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المعنية بالمرأة على وجه الخصوص وذلك من خلال حملات التوعية التي تستهدف النساء في المخيمات الداخلية وفي بلدان اللجوء وإخراج المرأة من حالة العزلة المجتمعية وتحريرها من قيود العادات والتقاليد التي تحتم عليها السكوت حيال الانتهاكات والاعتداء التي تتعرض إليه، وبخاصة التحرش الجنسي وما يلازمه من خوف العار والفضيحة الأمر الذي يستغله ضعاف الأنفس من أجل تحقيق غاياتهم ومآربهم مع كثير من النساء.
وترى ناشطات سوريات في مجال المرأة أن الواجب على المنظمات والفاعليات المدنية أن تطلق عدداً من الحملات وأن تلاحق الأشخاص والمنظمات التي تستغل حاجات النساء والأطفال وتستغل حاجات الناس في تحقيق غاياتها الشخصية وتعمل على الوصول إلى حملات مخصصة ضد أي اعتداء يحصل وذلك من خلال تشكيل هيئات رقابية يفرزها المجتمع من ناشطين وفاعليات مدنية تؤدي دور الرقيب على عمل المنظمات والأشخاص في مجال الدعم الإغاثي والإنساني.
ويجب العمل على تشكيل هيئات نسائية ضمن المنظمات تشرف على التواصل مع النساء ومتابعة حاجاتهن وإيصال المساعدات اللازمة إليهن والعمل على تحديد الضروري واللازم حتى لا يساهم ذلك في منح الفرص للأشخاص الفاسدين ولتجري حماية نساء أخريات من أن يقعن ضحية الحاجة والفقر والتشرد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.