ينطلق هذا البحث من تسليط الضوء على المشكلة المجتمعية الأساسية في البنية الثقافية المشرقية التي تعانيها المرأة، ثم ينتقل نحو دور النساء في القطاعات المختلفة ومشكلاتهن، للوصول إلى إمكانية دخول المرأة في مسارات التنمية المستدامة.
يتكون بحث النساء ومسارات التنمية من:
مدخل
ومحاور رئيسة هي:
- المرأة بوصفها قضية ثقافية وتأسيس لهوية
- تعزيز تناقض النساء
- مسارات التنمية
- خاتمة
مدخل
ينطلق هذا البحث من فرض منهجيّ أساس، مؤدّاه أن التراث الفكري والثقافي العربي والإسلامي خضع لنسق ثقافي مضمر ومتناقض، تولّى صوغ الرأي وتوجيه الموقف من المرأة، من أجل تسويغ النظرة المحافظة والمنتقصة من المرأة جسداً وخطاباً التي أدّت بتراكماتها التاريخية إلى تبنّي النساء دورهن المجتمعي المرسوم بدقة، ومن ثم تحديد قدرتهن على المشاركة مع الرجل أو ممارسة دور فاعل في مسارات التنمية التي تعدّ مدخلاً لصناعة التغيير في الثقافة السائدة مجتمعياً وبداية للانطلاق نحو المجتمع الحداثي والتساوي الإنساني في الحقوق، وهو أمر لن يتحقق إلا بالحوار المباشر مع النصوص والخطابات التي مثّلت الأسّ المعرفي الذي بُنيت عليه أنظمة الثقافة والفكر في السياق العربي.
إن تسليط الضوء على ما تعانيه المرأة، من جرّاء الثقافة السائدة ومنظومة القيم الثقافية المتكاملة من المعتقدات والعادات والتقاليد التي ميّزت المجتمعات العربية والإسلامية، هو بداية الطريق لصوغ الحلول الممكنة لتفعيل دور المرأة.
المرأة بوصفها قضية ثقافية وتأسيس لهوية
تشكّل قضايا المرأة واحدة من أكثر المسائل إشكالية في مجتمعنا العربي والإسلامي الذي خضع لنسق ثقافي متحيّز ضد المرأة من أجل تسويغ النظرة المحافظة والمنتقصة من المرأة جسداً وخطاباً كما جرى ترسيخها في المخيال الجمعيّ العام، واستخدامها للوقوف في وجه تطوّرات العصر في ما يتعلق بالعولمة أو عالمية حقوق المرأة بمسمّى الخصوصية الثقافية المتمايزة عن الغرب والمقاومة للثقافة الوافدة(1) التي تعدّ غزواً فكرياً وحضارياً غايته إفساد هذه المجتمعات وتشويهاً لنموذجها المثاليّ.
فهذه المجتمعات المشرقية ما تزال بعيدة عن التنمية الشاملة، رازحة تحت وطأة العلاقات الناتجة من متغيرات الاستبداد السياسي والاقتصادي في مستويات الفقر والبطالة، وما يرافقها من انعدام حقوق الإنسان للجنسين كليهما، يجري فيها تعزيز الظلم المجتمعي وقيوده وظلاميته وعنصريته التي تحوّلت إلى نسق ثقافي متحيّز ضد المرأة، خصوصاً أن مسألة تحرّر المرأة تدخل في صميم تشكّل الهوّية العربية وارتباطها التاريخي بالخطاب الأخلاقي حول النساء وقضايا العرض والشرف الموروثة من مجتمعات البداوة ووأد البنات سلوكاً متعارفاً عليه منعاً لجلب العار(2)، إذ تُعَززّ تلك القضايا بطرائق مختلفة كأحد مكوّنات السلطة الأبوية، ليعاد إنتاج موضوع الشرف الذكوري المرتبط كلياً بغشاء البكارة الأنثوي، واستخدامها في سياق عمليات مقاومة الاستعمار حيث ارتبطت المقاومة والمحافظة على الهوية بمفهوم الدفاع عن الشرف(3)، ليس بصفته مفهوماً متكاملاً تبنى عليه قواعد المقاومة للاستعمار، إنما بصفته أحد مكوّنات خطاب الهوية التي تفصل بين الشرق المحافظ والغرب الإباحي. وهو ما نلاحظه من خلال رصد صورة المرأة الغربيّة في سرديّات المتأسلمين التي تصوّر حرية المرأة تصويراً جنسياً، وعدّ مشاركة النساء الرجال أعمالهم والاختلاط بهم من دون رابط زواج أو قرابة محرم، هي خطر محقّق، ودليل قاطع على الانحلال الأخلاقيّ وكسر العادات والتقاليد(4).
ازداد الموقف حدّة مع تدخّل منظمات المرأة والمنظمات الدولية بالقضايا الحسّاسة ثقافياً مثل ختان الإناث، وجرائم الشرف، وقضايا المساواة بين الرجال والنساء التي يحلو لمناهضي العولمة التركيز عليها بوصفها تمسّ الخصوصية الثقافية والهوية العربية مباشرة.
وتجدر الإشارة إلى أن ختان البنات موجود بكثرة في أثيوبيا والريف الإيراني وكردستان العراق، حيث تتجاوز نسبة الختان 60 في المئة، إضافة إلى الأرياف المصرية والسودانية المعزولة، وقد تسرّب ختان البنات إلى بعض البلاد العربية نتيجة الترحال. وهو لم يكن معروفاً حتى في العصر الجاهلي بين العرب وكان لدى العرب مسألة وأد البنات وهي نسبية أيضاً وليست عامة.
هذا الربط بين قضايا المرأة والخطاب الأخلاقي الذي تتبنّاه المجتمعات العربية والإسلامية في ادعاءات الخصوصية الثقافية بوصفه مفهوماً يشير إلى نطاق الحياة الخاصة التي تبنتها هذه المجتمعات حول وضعية المرأة، وعدّها أيّ انزياح عن السّائد ضرباً من الفوضى والاضطراب اللذين يهدّدان تماسك المجتمع ووحدته. فضلاً عن كونه يحجب النساء عن الحياة والسياسة والدين والأخلاق في استبعاده أيّ قدرة إنسانيّة على التحكّم في الغرائز، وجعله من التقاء الجنسين لقاء جنسيّاً محرّماً وإثماً محتوماً، فإنه لا يشكّل مقاومة حقيقية للعولمة، ويحتاج إلى مراجعة واسعة لما ينطوي عليه من ادعاءات انتهازية، ولما يعزّزه من مفهومات ثقافية تحتكر قدرة المرأة على الفعل وأهمّها:
أولاً: تعزيز الثقافة الذكورية وازدواجية المعايير
أدّت المرأة منذ بداية التاريخ وحتى يومنا هذا دوراً عظيماً في بناء الحضارة الإنسانية، واستطاعت أن تصبح العامل الأساس في خلق الحياة الاجتماعية والاقتصادية. فهي التي قامت بتغذية المجموعات الصغيرة، وتطوير الإنتاج من خلال الزراعة وتربية الحيوانات، ومع ظهور المجتمع الطبقي ودخول السلطة يد الرجل عن طريق أخذ الإنتاج الزراعي والحيواني من يد الآلهة الأم، أصبحت المرأة ضعيفة وهزيلة وصاحبة أدوار بسيطة في المجتمع بعد أن كانت هي قوة الحياة وأساسها. فتكامل سيادة الرجل مع مرحلة الحضارة وإبعاد المرأة عن المؤسسات التحتية والفوقية للمجتمع الطبقي، عزّز هامشية المرأة مقابل فاعلية الرجل التي صارت أساساً لكتابة تاريخ المرأة وتسجيلاً لتبعيّتها وحصر دورها في بناء الأسرة بطريقة ممسوخة لا تسمح لها بعودة المشاركة أو نيل حقوقها.
لم تقتصر فكرة تفوّق الرجل على المرأة وسيطرته عليها على المجتمعات العربية والإسلامية، بل طالت المجتمعات ككل. قال فيثاغورث “إن هناك مبدأ خير خَلَقَ النظام والنور ألا وهو الرجل، ومبدأ شرير خَلَقَ الاضطراب والظلام ألا وهو المرأة”(5)، كذلك قال زرادشت في معرض حديثه عن المرأة “إن الرجل يجب أن ينشأ للحرب والقتال، أما المرأة فيجب أن تُعد للترويح عن المحاربين، وكل ما عدا ذلك فهو حمق”(6)
هذه الثقافة التمييزية التي تجاوزتها المجتمعات الغربية بإعادة بناء وعي مجتمعي يرفض التمييز بين الجنسين، بقيت سائدة ضمن منظومة الثقافة المجتمعية عربياً وإسلامياً، تنطوي على جملة من المفهومات الخاطئة في التمييز بين الجنسين، تربوياً وثقافياً، من لحظة الولادة باختيار الألوان الذكورية والألوان الأنثوية بحسب المولود، وتجري تنميتها في مرحلة الطفولة بالمسموح والممنوع (يحقّ للطفل استخدام العنف وللأنثى الخضوع والبكاء)، وصولاً إلى احتكار الرجل وسائل الإنتاج والثروة لنفسه ما يمنحه السلطة المطلقة على باقي أفراد العائلة وبخاصة المرأة، التي تبنّت ضعفها مقابل قوّة الرجل، ما ساهم في ترسيخ مجموعة من التصوّرات والعادات والسلوكات المرتبطة بالذكر والأنثى التي تتطوّر لتصبح قاعدة راسخة في المجتمع تفصل بين الجنسين. هذه الازدواجية في المعايير التي تنسجم مع الكبت السائد للجنسين كليهما، تساهم في تمتين الخلل في التركيبة الاجتماعية القائمة على التساوي بين الرجال والنساء.
من جهة ثانية يأتي التناقض في تذبدب الموقف الذكوري من المرأة ما بين الانجذاب والكراهية، الافتتان والنفور، القداسة والنجاسة، وتتصاعد حدّة التناقضات حول دور المرأة في المجتمع ووجودها(7)، تُعزز تلك التناقضات في إنشاء ثقافة أنثوية وبخاصة ببرمجة النساء على وظيفة الواجبات المنزلية والطاعة المطلقة لرجال الأسرة، الأب والأخ ومهمة إرضاء الزوج. لتحاصر المرأة بخيوط متشابكة تبقيها حبيسة التناقضات الاجتماعية والتحديات المعيشية المرافقة لتطوّرات العصر، جاعلة من قضاياها مساحة خصبة للبحث والتدقيق في أوضاع النساء داخل الثقافة الذكورية وتجلياتها في التهميش والتسليع:
التهميش
شكّلت قضية تهميش دور المرأة واحدة من أكثر المسائل إشكالية في مجتمعاتنا، فبين إعطائها منزلة مميّزة بوصفها صانعة للحياة و”الجنّة تحت أقدام الأمهات”، وشريكة في البناء الأسروي والمجتمعي و”النساء شقائق الرجال في الأحكام”، وعدّها “عورة” ووسيلة للغواية وتقنين حركتها في الفضاءات المكانية، وعدّ البيت مكانها الطبيعي الذي يلائم أنوثتها، تكمن بذور الاضطراب الاجتماعي في علاقة الطرفين وتنعدم القدرة على تحديد دور المرأة بوصفها قيمة إنسانية فاعلة ويجري عدّها مهما وصلت من مراتب علمية وعملية “ناقصة عقل ودين” ومصدراً للمفاسد(8).
بذور التهميش والتبعية التي فرضتها التقاليد والأعراف، تؤكّد إجبارية خدمتها وخضوعها للرجل والتزامها بأوامره. والأديان تعطي الأفضيلة للرجل:
( بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ..) سفر التكوين 3: 16
(أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ… لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ.) رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 22 – 23:5
والحديث المنسوب للنبي: لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا. رواه ابن ماجة
وهي قراءة منقوصة وانتقائية عزلت النصوص والآيات الدينية عن تاريخها الزماني والمكاني(9)، وفي هذا نكران لما أعطي من حقوق قياساً بما كان سائداً قبلها، ويجعل من إمكان تسخيرها لغايات لا علاقة لها بالدين أمراً وارداً، وأساساً متحكّماً في دور المرأة وحقّها بوصفها إنساناً كامل الأهلية، وما يغيّب قدرة المرأة على بناء وعيها الخاص استمرارها في العيش متلقّياً يجري تدريبه وبرمجته منذ الطفولة على قبول الأدوار المرسومة له بدقّة.
التسليع (المرأة الموديل)
على الرغم من أن مسألة تحويل كلّ شيء إلى سلعة ووحدة اقتصادية تعمل على تعظيم الربح والفائدة يجري ردّه إلى العولمة(10)، إلا أن هذه الحقيقة حول عولمة الجسد الأنثوي والترويج له أساساً للمرأة لا تنفصل عن اضطرابات قيم الثقافة الذكورية السائدة ومعادلة سيطرة الرجل. فقراءة الكتب العربية القديمة المتخصصة في قضايا الجنس والعلاقات الجنسية تكشف خوف الرجل العربي من المرأة بوصفها آلة جنسية تصعب مجاراتها، وأنها بتكوينها تمتلك قدرات جنسية لا يمتلكها الرجل(11)، وهذا ناتج من ضعف الثقافة الجنسية للطرفين، إضافة إلى دور المرأة المرسوم لإرضاء الزوج الكامل داخل مؤسسة بُنيت على أساس نكران المتعة وأن هدف الزواج هو الإنجاب فقط.
في عصر الاستهلاك للمباح وغير المباح، المترافق مع الفراغ الفكري والرغبات المكبوتة المرتبطة بالمحرّم الديني والاجتماعي، تتصاعد النظرة الذكورية إلى المرأة بوصفها محض جسد وملحق ذكوري داخل الأسرة، وسلعة “فوتو موديل” لإثارة الرغبات وموضوع للفتنة لدى تجار الفيديو كليب والإعلانات، وكأن هذا الملمح هو الأصل في المرأة، بحسب ما تسوّقه وسائل الإعلام المختلفة والفضائيات التي يختلط فيها الغثّ بالسمين(12)، ومَن لا تغرق الرجل وحده بصورة المرأة السلعة إنما تمثّل استجابة شبه طبيعية للمرأة التي تتحوّل بدورها إلى وسيلة إمتاع وامتناع في الوقت نفسه بمسمى الحرية أو التحرر، إنها المرأة (الناصلة اللون) كما أسماها الباحث السيكولوجي بيير داكو(13) التي تقبل دورها سلعة ومادة ثمينة للمكسب المادي والشهرة الذي يجرف النساء إلى أسواق نخاسة من نوع آخر.
(التهميش والتسليع) الناتجين من تصوّرات متوارثة عن طبيعة المرأة والخوف من انقلاب الأدوار الاجتماعية وسيطرة المرأة على المجتمع، يعززان خضوع المرأة للاستغلال الجسدي والمادي وما يرافقهما من عنف على صعيد الأسرة والمجتمع. فالمرأة (الأم والزوجة والأخت والابنة) لم تخرج يوماً من دائرة العنف وفنونها وشرائعها التي تجلّت بأبشع صورها في الحروب التي طالت دولاً عدة في العالم العربي كالعراق وسوريا واليمن وليبيا، حيث فرضت الممارسات الوحشية واللاإنسانية إيقاعها الطاحن، تعدّ النساء والأطفال الأكثر تضرّراً فيها وعلى مناحي الحياة كافة، وإن كان أسوأها ما مورس باسم الدين في الآونة الأخيرة. ويكفي الحديث عن خطاب السلفيين في تونس ومصر عن إعادة المرأة إلى المنزل(14)، والتدليل على حوادث الاغتصاب في ليبيا والعراق وسوريا، وممارسات التنظيمات الدينية المتشدّدة، كتنظيم داعش وفظاعاته بحقّ النساء حتى المنضويات تحت لوائه(15).
ثانياً: تعزيز تناقض النساء وجعل المرأة شريكة باضطهاد ذاتها
تراكمات تاريخية اختلط فيها الموروث القبلي والأخلاقي والديني والسياسي والقانوني، لتقييد النساء وإخضاعهن فكرياً ونفسياً وجسدياً لمنظومة الحصار. ما يمنع تكوين تصوّر واضح لماهيّة النظرة الفعلية السائدة تجاه المرأة، وكيفية البحث عن جذور الخلل الذي تعيشه في تصوير القهر بكافة النواحي الذي تتبنّى فيه المرأة انسحابها وانعزالها في البيت إلى أن يصير سجنها المقدّس، وباتت وكأنها مجبولة على التبعية والخضوع. حيث تتضاءل القدرة المرأة على المشاركة مع الرجل، وتردعها عن الفعل بوصفها جزءاً مندمجاً وأساسياً في المجتمع.
ما تعانيه المرأة من سطوة العادات والتقاليد المدعومة بقوانين ذكورية استهلاكية لم تقرّ التعاطي معها بصفتها إنساناً. أفرزت نموذجين أساسيين:
المرأة العاجزة المنقادة وهي الشكل الأكثر رسوخاً في مجتمعنا، حيث استسلمت فيه لمملكة الرجل، متخلّية عن دورها الفاعل في المجتمع، وتبنّت مفهومات الرجل وآرائه ضدّها، لتكون شريكة في اضطهاد ذاتها وفي غرس المفهومات الخاطئة وتمريرها للأجيال بداية من تفضيل ولادة الذكر على ولادة الأنثى، وبعدها التمييز بينهما في التربية المنزلية والمدرسة واللعب.
والمرأة المحتجّة المنافسة التي بدأت أولى خطوات الخروج عن أحد أشكال التبعية، من خلال تحصيلها العلمي والإبداعي والثقافي مستفيدة من تطوّر الأوضاع التي ساعدتها على العمل، مع إدراكها أنه ليس نهاية المطاف.
فما تجاوزته مجتمعاتنا من القيود ومن التحوّلات، وما نالته المرأة من حقوق المشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني، لا يعني أنها نالت حريتها وعادت إلى نديّتها في خلق التوازن المجتمعي، بل أوقعتها في صراعات أخرى وتناقضات مختلفة لأن هذه المكاسب جرت وفق شروط الفكر الذكوري السائد مجتمعياً(7)، على الرغم من مظاهر التمدّن ومجموعة القوانين التي تعنى بحقوق الإنسان (الرجل والمرأة) التي جرى تبنّيها في دول العالم قاطبة، لتبقى مكاسب منقوصة ومضطربة على الصعد كافة. ومنها:
على صعيد المجتمع والحقوق
تختلف طريقة التعامل والنظرة إلى المرأة بحسب البيئة العائلية أو الطبقة الاجتماعية أو المنطقة في المجتمع الواحد. فحركية الأوضاع السياسية والاقتصادية والاختلافات الجغرافية هي الأساس في تحديد منزلتها، وسبل تنميتها ودعم تطورها العلمي وحثّها على أخذ دور فاعل في المجتمع. وبهذا فإن تعديل القوانين الشرعية والوضعية بما يلائم العصر ورفع جورها تجاه المرأة، يرفع إمكان فاعلية المرأة. وقد اتخذت بعض الدول مؤخّراً إجراء تعديلات للقوانين الجائرة بحقّها، كإقرار المغرب قانوناً لمكافحة العنف ومحاربة الزواج القسري ضد المرأة 14/ 2/ 2018، والمصادقة على مشروع قانون المساواة في الميراث بين النساء والرجال في تونس في 23/11/ 2018، لكن هذا لا يلغي أن هذه المجتمعات معظمها تكرّس دونية المرأة مهما نالت من حقوق.
الاختلاف الأكبر والأعمّ بين أوضاع النساء وأدوارهن يبرز فعلياً بين الريف والمدينة(16)، فهناك شريحتان من النساء تقعان على ضفّتين مختلفتين من حيث المتطلبات، ومن حيث آليات التنمية والقدرة على الفعل والتفعيل.
تمتاز المدن بانفتاحها الذي يضمن المحافظة على استقلال الفرد، ويسهل بناء العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل نتيجة تنوّع الخلفيات الثقافية والفكرية، والتوجّه العام نحو التعليم والعمل. هذه الخصوصية ساهمت في بناء نظرة أكثر إيجابية تجاه مشاركة المرأة، وفي تنمية الوعي الكافي لدى النساء بحقوقهن ودورهن في المجتمع وبضرورة الاستقلال المادي أو الظهور وجهاً متحرّراً وقادراً على الفعل واتخاذ القرار. لكن هذا لم يأتِ في مسار تطوّر المجتمع ككل، فالظهور وجهاً متحرّراً ما زال يشوبه كثير من الجدل المجتمعي. والمعوقات التي تخضع المرأة لتأثيراتها تغرقها في التناقض بين وجودها التابع للرجل داخل الأسرة، ووجه مجتمعي مستقلّ وقادر على اتخاذ القرار في خارج حدود المنزل.
ما حقّقته النسبة الكبرى من نساء المدينة وإن كان منقوصاً، بقيت نساء الريف اللاتي يشكلّن 43 في المئة من النساء محرومات منه، وهن يغرقن في الفقر والأمية، وتقيّدهن التقاليد والعادات التي تصل أحياناً حدّ حرمانها اختيار الزوج. فالمرأة الريفية على الرغم من وجودها عاملة في الزراعة وتربية الحيوانات(17)، إلا أنه عمل لا يحقق المردود المادي أو الاستقلال، فهو جزء من أدوار المرأة الريفية ويصبّ في إطار الدور السلبي للمجتمع والعادات والتقاليد. حيث تكون المرأة عرضة للاستغلال المادي والمعنوي من عائلتها أولاً، فهي عاملة داخل المنزل وخارجه، عدا دورها الوظيفي الأساسي في مسألة الإنجاب وتربية الأولاد(18) الذي تغيب عنه الصحّة الإنجابية وتنظيم الأسرة نتيجة مفهومات متعددة لتسويغ كثرة الأولاد، تتعلّق بوجهة نظر الدين في تنظيم الأسرة، ووجود الأولاد أيدي عاملة إضافية، وسيادة مفهوم أن كثرة الأولاد تمنع الزوج من الزواج بأخرى.
المرأة الريفية ما زالت تبتعد أشواطاً عن معرفتها حقوقها وواجباتها، وتمارس الدور المرسوم لها بقناعة شبه مطلقة بأنها تقوم بما قُدّر لها أن تقوم به، وتضع بناتها على المصير نفسه ضمن واقع تغيب عنه قضايا التنمية الفكرية والمجتمعية.
وتجدر الملاحظة أن قيوداً مجتمعية كثيرة ارتخت حبالها مع ما وصل إليه العصر من تطور رافق ثورة الاتصالات الحديثة التي سهّلت الطريق للتواصل بين المرأة والرجل، وأدخلت العلاقة بينهما ضمن حيّز مختلف، على الرغم مما يمكن أن يجري فيها من انتهاكات أو اختراق للمحظورات(19).
على صعيد الاستقلال المادي
دخول المرأة إلى سوق العمل مبكراً في معظم الدول، أكسبها عدداً من الخبرات الحياتية وزاد من قدرتها على احترام وجودها الفاعل والمنتج. وثمّة تزايد في الإقبال النسائي على انتقاء المسار العلمي التخصّصي، فنجد أن المرأة العربية لها تمثيل مرتفع في الأعمال المهنية، فالنسبة الكبرى من الوظائف في مجالات الطبّ والوظائف الأكاديمية ووسائل الإعلام تشغلها طبيبات وأستاذات وصحافيّات ومذيعات(20). على الرغم من الأعباء الكبيرة والمضافة إلى واقعها بوصفها عاملة في المنزل وفي تربية الأولاد والاهتمام بهم.
المشكلة الحقيقية ليست في وجودها بوصفها منتجة، إنما في دخولها تناقضاً آخر بين الضعف والحاجة إلى حماية الذكر، ورفض الاستغلال الناجم عن تلك الحماية. فتوجّه المرأة نحو العمل في كثير من حالاته لم تحفّزه رغبة الاستقلال المادي لبناء شخصية مستقلّة بقدر ما حفّزته الحاجة إلى تلبية متطلبات الحياة وأعبائها التي تفرض قبولها شروط العمل والاستغلال الذي يمكن أن تتعرض له، خصوصاً في الأعمال الحرّة وما يرافقها غالباً من استغلال جسدي ومادي، يعزّز عبودية المرأة وتحوّلها إلى أجيرة لدى ربّ العمل بشروطه، والتواطؤ الضمني لدى الطرفين لتكون المرأة شريكة في اضطهاد ذاتها وتبنّي قهرها المجتمعي إرضاء لزوج أو ربّ عمل أو غيرهما.
وفي النظرة العامّة المجتمعية – الاقتصادية يجري التجاهل لقيمة مساهمات النسوة الاقتصادية والاجتماعية وعدّ النساء غير منتجات، فعمل المرأة يبقى من دون قيمته الفعلية انطلاقاً من عملها داخل الأسرة، إلى وجودها في قطاعات العمل المختلفة، فغياب الاستثمار المبرمج في جهدهن من شأنه أن يتدنّى بمستوى إنتاجيتهن ويهمِّش ما يقمن به(21).
على صعيد السياسة
داخل واقع المرأة الممجوج بالتناقضات، والموقف المتحفّظ من تحرّر المرأة لمشاركتها في الحياة العامّة(22)، لم تكن فكرة مشاركة المرأة السياسية داخل الأحزاب أو النقابات سوى قفزة إلى الأمام في الهواء، فوصولها إلى مراكز مرموقة سياسياً في مستوى البلاد كأن تكون عضواً في مجلس الشعب ووزيرة ونقابية على أهميّته الرمزية وضرورة وجوده(23) لم يكن سوى تجميلاً لواقع المرأة ولواقع هذه المجتمعات، وحتى لو تكرّرت الحالة أو خضعت لمتغيرات انتخابية، فهي لا تعكس واقع النساء ككلّ ولا يمكن لأي مراقب أن يقول إن المرأة صارت تمتلك حريّتها وشخصيّتها في ظلّ ثقافة تقليدية متحيّزة ضدّ المرأة، وأنها تعيش في أوضاع تتوافر على كثير من الحقوق الخاصة والعامة(24)، بحيث يمكن مقارنتها بأيّ من نساء الغرب اللاتي يعشن واقع الثقافة الغربية التي قطعت أشواطاً طويلة في تقرير الحقوق النسوية في مستوى الوعي العام، ولهن أثرهن السياسي الفاعل وحواملهن الفكرية كـ مارغريت تاتشر أو تريزا ماي، أو مارين لوبان وغيرهن ممن استطعن التأثير في مجتمعاتهن بسبب أفكارهن ونهجهن السياسي بغض النظر عن هذا النهج.
أكثر من هذا؛ ما زالت هناك نساء في برلمانات عدد من الدول لا يقمن بالدفاع عن أنفسهن أو إيجاد الحلّ للمشكلات التي تتسبّب في نخر المجتمع ومن ثم الى إعاقة تقدمه.
فضلاً عن أنه لم يحصل في أي بلد في العالم أن المرأة حصلت على المساواة الحقيقية بالرجل لحصولها على الحقوق السياسية فحسب، على الرغم مما يصاحب الاعتراف بهذه الحقوق من ضجّة كبرى عن الديمقراطية وخطب عن حرية المرأة، لكنها فعليّاً تتعلق بقرارات سياسية في نظام الدولة وذلك لإبراز نوع من الاعتراف المقنّع بحقوق المرأة للاستهلاك الخارجي، ولا يلغي أنهن ملكاً لغيرهن ومصدراً للتلاعبات السياسية والدينية والتجارية(25).
على صعيد المجتمع المدني
تمثّل منظمات المجتمع المدني أحد الأشكال التي تتعين فيها علاقات الأفراد بالمجتمع من جهة وبالدولة من جهة ثانية، سواء أكانوا عاملين فيها أم لم يكونوا، فإنها على كثرتها ما زالت محدودة التأثير والفاعلية ككل، ووجود المرأة جزءاً فاعلاً على أهميته بقي منقوصاً، إذ تعاني معظمها ضعف العنصر النسائي بسبب الموقف السلبي من المرأة(26)، فكثير من المنظمات حملت كثيراً من الخلل المجتمعي داخل تركيبتها، ليس لجهة وجود المرأة فحسب، إنما في عدم قدرتها على بناء شبكة علاقات نظامية تربط بين أفرادها من دون تمييز لتجعل منهم فريقاً منسجماً، وتخرجهم من مسألة وجودهم بوصفهم عدداً حسابياً من موظفين خاملين.
فمعظمها لم تبنَ كمؤسّسات، على الرغم مما تؤكّده لوائحها وقوانينها التي قلّما تنطبق على صورتها الفعلية، فاللوائح الجيّدة لا تعني دائماً مؤسّسة جيدة، وهذا ما يفسّر عملية الاصطفاء والتهميش، وظواهر الشللية والمحسوبية والفساد، وغياب التشاركية وانعدام العلاقة بين الكفاءة والفاعلية التي تحدّد مدى حيويتها وديناميتها وأسلوب عملها ومستوى قدرتها على استثمار الكفايات الفكرية والخبرات(27). فضلاً عن المشكلة الكبرى في الفصل المبالغ فيه –في فهم التنمية الشاملة– بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي من جهة، والجانب السياسي من جهة أخرى، بما يشكّله من مكوّن مفصليّ وحاسم في إنجاح الخطط التنموية أو في إخفاقها.
ثم إن المتتبّع لخريطة تطوّر المجتمع المدني سيلاحظ من دون ريب أن الجمعيات النسوية هي الأكثر انتشاراً، بافتراض أن النساء هنّ الفئة الأكثر تضرراً من الوضعية الصعبة للمجتمع. فالانخراط في العمل الجمعويّ الأهلي أو المدني المفترض به أن يمدّ المرأة بالثقة والقدرة على مواجهة مشكلات الواقع، لكن هذا لا يحدث في معظم الأحيان، فهذه المنظمات والاتحادات النسوية بقيت في بعض الدول رهينة للواقع، واقتصر دورها على العمل ضمن قطّاعات المشكلات المزمنة كالتعليم والصحّة وقضايا تحديد النسل والأسرة بالنسبة إلى فئة المهمّشين والفقراء، وبالنظر إلى النتائج لم تقدّم سوى تحسّناً طفيفاً في المستوى العام، والخاص في ما يخصّ وضع النساء.
وتكون أحياناً مشكلتها أن المتحكّم بها هو المرأة نفسها التي تحمل مشاعر الضعف والقهر والدونية، وتتحكم فيها البنية الثقافية نفسها فعلى من سيعترضون أو كيف سيناضلون لتنمية المرأة وهنّ ما زلن خارج الصورة التنموية الكلية لهذه البلدان التي تعاني منظومة الفقر والحرمان من الحقوق والجهل والتجهيل.
الوصايا العشر في مسارات التنمية
إن السير في دروب التنمية سيراً سليماً وناجعاً من دون تخطيط علمي – استراتيجي، وفي إطار شامل لعناصر التنمية المتاحة كلها، سيكون محض دعاية ليس أكثر. والبحث عن سبل التنمية يتطلّب إزالة الاضطهاد الواقع على المرأة سواء كان اقتصادياً أم حقوقياً أم أخلاقياً، والبدء من أولى الإشكالات المحيطة بواقع المرأة، إلى آخر تلك الاشكالات، من دون القفز على التفاصيل مهما كانت دقيقة، أو تجاهلها لأنها تمسّ بعض الهيئات الأخرى التي من شأنها تعطيل التنمية والتضييق على وجود المرأة.
وهذا يتطلب:
أولاً: تجميع البيانات والإحصاءات حول فهم الشرائح الأنثوية المختلفة للعلاقة الاجتماعية والاستفادة منها بالاستناد إلى الأدلّة الملموسة الميدانية العملية، وإلى الحقوق الثابتة في إيجاد الحلول بما يلائم كل بلد وكل مجتمع. وتجميع البيانات حول حالة المرأة الريفية لتحليل المشكلات التي تتعرض لها والبحث عن حلول.
ثانياً: إعداد برامج توعية للمراهقين من الجنسين تتضمّن ثقافة جنسية (فوائدها ومخاطرها)، بحيث تساهم في وضع حلول لعقدة الجنس وأوهامه المختلفة. فالمعرفة تنفي الوهم، وترفع عن كاهل المرأة فكرة الخضوع الجنسي وإمكانية الاستغلال والتحوّل إلى وسيلة إرضاء، كما تبعد الشباب عن النظر إلى المرأة بوصفها أداة متعة وسلعة.
ثالثاً: زيادة الاختلاط في المجتمع بدءاً من الأسرة والمدرسة انتقالاً إلى مجالات العمل المتعدّدة، للعمل على نزع حاجز الذكورة والأنوثة الذي يجعل التقاء الجنسين لقاء محرّماً. فزيادة الاختلاط تعزّز التوازن في بناء علاقات سليمة تقوم على الاحترام المتبادل والزمالة بين الطرفين وتحوّلهما إلى عنصرين متجانسين ومنتجين من دون أوهام تفوّق أحدهما على الآخر أو استغلاله.
رابعاً: العمل من أجل إنتاج استراتيجيات واعية لمناهضة ادعاءات الخصوصية الثقافية، بحيث تكون استراتيجيات كاشفة للمغالطات المبنية على أن ادعاءات الخصوصية تشكّل مقاومة حقيقية للعولمة. وعلى هذه الاستراتيجيات أن تحلّل تناقضات العولمة وتكشفها، وبيان أن خطاب الخصوصية يمكنه الاستفادة من الوجه المشرق للعولمة أي احترام التنوع الثقافي، بدلاً من تحويله إلى خطاب هوية مطلق واستبدادي.
خامساً: خلق قاعدة عمل متوازنة وخطط استراتيجية لرفع التمييز بين الجنسين وإعادة تفعيل دور المرأة، وتتضمن إعداد برامج توعية يجري بثّها دورياً في الإعلام وغيره من الوسائل التي تلقى حضوراً في المجتمع. والاعتماد على ورشات عمل واسعة النطاق، والزيارات الدورية للمدارس لتوعية الأجيال بحقوق الإنسان ككل، وللتعريف بأسباب التمييز وتقسيم الوظائف الذي ساد نتيجة متغيرات ماضوية، وما عاد ممكناً الآن.
سادساً: العمل على خلق قاعدة بناء علاقة سليمة بين الطرفين، وهذا يتطلّب مراجعة كافة المعطيات المعوقة لتنمية المرأة، واتخاذ جميع التدابير الملائمة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات وغيرها التي تشكّل تمييزاً ضد المرأة أو إبطالها. ما كُرِّس بوصفه ثقافة عامة على مدار عصور متتالية، واختلفت معطياته باختلاف العصر والسياقات التاريخية والمجتمعية، وما يزال يستخدم ورقة ضغط لمحاربة الأفكار التحرّرية محافظة على سيادة الأفكار المهيمنة بضرورة تبعية المرأة.
سابعاً: نشر الوعي الديني العقلاني للجنسين كليهما، إذ لا يمكن إنكار دور الدين البارز في مجتمعاتنا التي بُنيت على العقائد الدينية. فالدين على ضرورة وجوده ناظماً للحياة الاجتماعية هو سيف ذو حدين مع انتشار التعصّب والتطرّف، ودعوات إعادة المرأة إلى المنزل من جهة، ومن جهة أخرى استعادة مفهوم التسامح الديني والتعايش قاعدة لتنشئة الأجيال، والتركيز على دور المرأة فهي حاجز الصدّ الأول في وجه تبنّي أولادها لأفكار التطرّف وتثبيت الكراهية والرفض للآخر.
ثامناً: انتهاج الحلول الممكنة وتشجيع دور الجمعيات التنموية لتأهيل قدرات النساء وتطويرها وتعليمهن بعض الحِرف، وإدخال النساء في إدارة المشروعات الصغيرة خصوصاً في الأرياف، وتأهيلهن لاتخاذ دورهن بوصفهن منتجات، والضغط للحد من استغلالها من المُشغِّل.
تاسعاً: إعداد برامج توعية تساهم في استعادة النساء ثقتهن بأنفسهن وخلاصهن من أوهام المجتمع حول وصاية الرجل. والتجربة الألمانية عقب الحرب العالمية الثانية، ومبادرة “لويزا شرودر” التي شكّلت النواة لما عرف بمرحلة “نساء الأنقاض” اللاتي رفعن حطام الحرب والقهر وبنين ألمانيا الحالية بإرادتهن وليس بالتبعية للرجل طلباً للسترة والحماية هي خير دليل على قدرة النساء.
عاشراً: إلغاء القوانين الجائرة بحقّ المرأة (زواج القاصرات، جرائم الشرف، الطلاق، الميراث..) وإعادة تفسير المصطلحات الدينية بما يجيز للمرأة أن تكون شريكاً فعلياً غير محكوم بنصوص مجحفة في بناء الأسرة. فمع ازدياد تحرّر المرأة صار من الضروري نشر ثقافة عقلنة الزواج ومأسسته وصوغه وفق شروط تعاقدية متكافئة، وكذلك العمل على وضع قوانين لحماية المرأة من التحرّش في أماكن العمل، إضافة إلى التوعية الحقوقية كجزء من تفعيل دور المرأة.
خاتمة
تطوّر وضع المرأة في أي مجتمع يدلّ على درجة تطوّر ذلك المجتمع، فصراع المرأة الفعلي مستمر ليس مع الرجل إنما مع موروث اجتماعي بنيت هياكله في العقول، ولن يجري الخلاص منه إلا بثورة معرفية حقيقية يقودها الطرفان لكسر جدرانه السميكة للسير في ركب التطوّر. وهذا يتطلّب تضافر الجهد المعني بالشأن التنموي، سواء اتصلت بمؤسّسات الدولة وخططها أم تعلّقت بالجهات الفاعلة في المجتمع (مؤسّسات إعلامية، مؤسّسات دينية، مؤسّسات رعاية الأسرة والمرأة، منظمات أهلية) لاستنباط الحلول لتمكين المرأة في المجالات كافة، والمهمّة الكبرى في هذه التنمية تقع على عاتق المجتمع المدني الذي سيترتّب عليه إعادة بناء هيكليته بطريقة مؤسّساتية سليمة وفاعلة وتشجيع النساء على اتخاذ أدوار فعلية في التنمية والبناء.
المراجع
(1) متخيّل المرأة الغربيّة في فكر المتأسلمين/ مؤمنون بلا حدود / بقلم عمار بنحمودة – 24/09/2018
https://www.mominoun.com/articles/
-5602
(2) العرض والشرف بين العصبية البدوية والتسامح القرآني/ ساسة بوست- 31/12/2015
https://www.sasapost.com/opinion/
(3) الخصوصية الثقافية كذريعة لقمع المرأة – يسري مصطفي / الآوان – 08/12/2013
https://www.alawan.org/2013/12/08/
(4) متخيّل المرأة الغربيّة في فكر المتأسلمين – بقلم عمار بنحمودة – مؤسسة مؤمنون بلا حدود – 24/9/2018 https://www.mominoun.com/articles/
(5) سيمون دي بفوار: الجنس الآخر- المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت لبنان، طبعة 1989.ص:32
(6) رواية هكذا تكلم زرادشت للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه – ترجمة فيلكس فارس – الإسكندرية جريدة البصير 1938 – الجزء الاول الحرب والمحاربون، صفحة 37
(7) المرأة ونظام الثقافة هيمنة الذكورة- بقلم مصطفى الغرافي/ ديوان العرب -19/11/2015
www.diwanalarab.com/spip.php?article42646
(8) تاريخ المرأة على مقاس الذكر- يامنة كريمي/ الحوار المتمدن- 08/09/2010 –
www.m.ahewar.org/s.asp?aid=228529&r=0
(9) المرأة العربية محاصرة بين التشريعات السماوية والقوانين الذكورية – طارق عزيزة/ الأوان –
https://www.alawan.org/2013/12/08/
(10) المرأة والعولمة الاقتصادية – تقديم: منتهى الرمحي (د. سمية بن خلدون- د. هدى فاخوري- د. سوسن الأبطح) – الجزيرة – 17/06/2004
https://www.aljazeera.net/programs/forwomenalone
(11) الخوف الجنسي من المرأة عند العرب- حسن عباس/ رصيف 22- 14/08/2014
https://raseef22.com/culture/2014/08/14/arab-men-sexually-fear-women/
(12) المرأة العربية إعلاميا وسلطات الثقافة والسياسة والمال- ندى أمين/ الجزيرة- 09/02/2018
(13) كتاب- سيكولوجيا الأعماق – الكاتب بيير داكو / ترجمة وجيه أسعد- مؤسسة الرسالة دار المتحدة / الفصل السابع صفحة (191)
(14) النساء والثورات العربية: المرأة ضحية الفحولة السياسية – ريتا فرج/ شبكة المرأة السورية- 17/07/2012
wonews.net/ar/index.php?act=post&id=3463
(15) المرأة والتطرف الديني في العالم العربي- ريم شطيح/ الحوار المتمدن – 08/03/2016
www.m.ahewar.org/s.asp?aid=508258&r=0
(16) المرأة.. بين الريف والمدينة- سمر المقرن/ الجزيرة- 07/03/2018
www.al-jazirah.com/2018/20180307/ar5.htm
(17) [PDF]المرأة الريفية والأهداف الإنمائية للألفية – FAO
www.fao.org/docrep/015/an479a/an479a.pdf
(18) المرأة الريفية: بين جور الواقع واستغلال الساسة – هزار الفرشيشي/ مجلة ميم- 18/10/2017
(19) أثر العولمة على المرأة – الكاتب: د. أنيسة فخرو / الرأي ميديا – 12/04/2018
www.alraimedia.com/Home/Details?id=474d20fa-3681-4ee9-beb4-45d7c56352af
(20) تأثير العولمة على وضعيات المرأة المسلمة – موقع مداد midad.com/article/217794/
(21) [PDF]اﻟﻤﺮأة واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻟمتوسط/ سمير رضوان. منتدى البحوث الاقتصادية – جان لويس ريفيرز . معهد البحر المتوسط – EEAS
eeas.europa.eu/archives/docs/euromed/women/docs/women_0406_ar.pdf
(22) المرأة في الوطن العربي – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
https://ar.wikipedia.org/wiki/
(23) فى يوم المرأة المصرية – إيمان على/ اليوم السابع – 2018/3/16
https://www.youm7.com/story/2018/3/16/
(24) السياسة والتقدم والبرلمان في العام 2018 :هل تستطيع المرأة اللبنانية المضي قدما؟ كاثرين بتروني وماركوس هالينان
(25) المرأة الشرقية – سوزان أحمد/ الحوار المتمدن – 12/08/2011
www.m.ahewar.org/s.asp?aid=271133&r=0
(26) المرأة والمجتمع المدني- نادية الأزمي/ صحيفة المثقف- 5/3/ 2013
www.almothaqaf.com/woman-day-1/61522.html
(27) اسم الكتاب: المجتمع المدني هوية الاختلاف – الكاتب: جاد الكريم الجباعي
https://www.kutub-pdf.net/book/
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.