بعثت زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي “محمد المنفي” إلى “بنغازي” ولقاؤه القائد العام للجيش المشير “خليفة حفتر” رسائل إيجابية، وجدية دعم المؤسسة العسكرية للسلطة التنفيذية الجديدة التي جرى انتخابها قبل أسبوع في جنيف.
وأكد قائد الجيش الليبي، “خليفة حفتر”، دعمه لرئيس لمجلس الرئاسي الجديد في ليبيا، ” محمد المنفي”، مشدداً على أن “الجيش يدعم عملية السلام وتداول السلطة في ليبيا، اذ من المقرر أن تشهد البلاد خلال الأسابيع القادمة تشكيل حكومة جديدة، بالإضافة إلى إجراء انتخابات عامة نهاية العام الجاري، املاً في ترسيخ أسس السلام فيها بعد سنوات من الحرب.
وكان الجيش الليبي الذي يمثل إحدى أهم القوى الفاعلة على الأرض في المنطقة الشرقية، قد أعلن قبل أيام تأييده للسلطة التنفيذية الجديد، داعياً كافة الأطراف إلى دعمها وتسهيل مهامها، ودعم خارطة الطريق والوصول لانتخابات رئاسية وبرلمانية.
تفاهمات وتوافق..
بدوره، طالب “المنفي” في تغريدة له على حسابه في تويتر، كافة الأطراف بتحمل مسؤولياتهم، وذلك وسط أنباء عن نيته إطلاق مشاورات لبحث إمكانية مباشرة المجلس أعماله من “بنغازي” وتقريبِ وجهات النظر مع كافة التركيبات السياسية والاجتماعية في شرق البلاد، قبل الانتقال إلى طرابلس لتسلم مهام عمله رسميا.
إلى جانب ذلك، هناك مؤشرات كبيرة تمثل مفاتيح الاستقرار، وألمحت إلى وجود تفاهمات بين رئيس الحكومة المكلف “عبد الحميد الدبيبة” و”حفتر”، كان أبرزها تصويت ممثلي الجيش في ملتقى الحوار الليبي لصالح قائمة الدبيبة – المنفي، كما نشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي زيارةً أدّاها “الدبيبة” إلى بنغازي قبل أيام من التصويت النهائي.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا، أعلنت الجمعة، عن نتائج تصويت أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، في جنيف، على قوائم المرشحين لشغل مناصب المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الانتقالية، والتي أظهرت النتائج فوز “محمد يونس المنفي” برئاسة المجلس الرئاسي، فيما سيقود “عبد الحميد دبيبة” الحكومة، إضافة إلى “موسى الكوني” و”عبدالله اللافي” في عضوية المجلس الرئاسي.
وظهرت خلافات خلال الأيام الماضية بين أعضاء مجلس النواب بشأن مكان انعقاد جلسة التصويت على منح الثقة للمجلس الرئاسي الجديد وحكومته، اذ دعا نواب الغرب لأن تكون الجلسة في مدينة صبراتة بينما يصر نواب من الشرق، على أن تكون في مدينة طبرق قبل نقل مقر البرلمان إلى “سرت” التي من المفترض أنها ستكون مقر السلطة الجديدة.
زيارة المنفي إلى بنغازي اعطت أجواء من التفاؤل بأن السلطات الجديدة لن تلاقي الرفض نفسه الذي لاقاه المجلس الرئاسي الحالي بقيادة “فايز السراج” من قبل الجيش والبرلمان في طبرق.
يذكر أن “المنفي” من مدينة “برقة” وعُرف بمعارضته للجيش، كما كان سفير ليبيا لدى اليونان التي طردته بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، وهو ما شكك في إمكانية أن يكون مدعوما من الجيش.
صفقة روسية – تركية
محللون يربطون النجاح بوجود صفقة روسية – تركية انهت آمال الإجماع شبه دولي على قائمة “عقيلة – باشاغا” التي بدت المبعوثة الأممية “ستيفاني ويليامز” حريصة على فوزها، اذ اتهمت أطرافا بتقديم رشاوى لأعضاء ملتقى الحوار، الامر الذي دفع رجل الأعمال المصراتي “علي الدبيبة” ابن عم رئيس الحكومة إلى مطالبتها بفتح تحقيق لإثبات تلك الاتهامات أو نفيها.
وشغل “الدبيبة” في عهد القذافي عدة مسؤوليات مهمة، وكان ضمن دائرة المقربين، اذ كان أحد المستفيدين من الفورة الصناعية والاقتصادية التي شهدتها مدينة مصراته ثالث أكبر مدن ليبي، وبنى ثروته من مجال البناء ليصبح أحد أنجح رجال أعمال “مصراتة” إلى جانب ابن عمه “علي دبيبة”، وفتحت تحقيقات بحقهما في ليبيا ودول أخرى بتهمة الاختلاس.
كما دخل “دبيبة” عالم السياسة بعد ثورة العام 2011، وأسس “حركة ليبيا المستقبل”، ويعتبر مقربا من جماعة الإخوان المسلمين وأنقرة التي لها مصالح اقتصادية في مصراتة، ويترأس مجموعة تجارية لها فروع في أنحاء العالم بما فيها تركيا.
ويعتبر “المنفي” من القيادات النشطة في رابطة الطلاب الليبيين الدارسين في فرنسا، ومن أكثر المتحمسين لنظام العقيد الراحل “معمر القذافي” الامر الذي يرجح أن يكون على علاقة جيدة بأنصار القذافي الذين تطالب روسيا بإشراكهم بالدور السياسي وخارطة الطريقة الجديدة.
ودعا نائب وزير الخارجية الروسي، “سيرغي فيرشينين” في وقت سابق، إلى إشراك أنصار الزعيم اللّيبي الراحل “معمر القذافي” في الحوار الوطني اللّيبي، لافتاً إلى أنه “خلال منتدى الحوار السياسي اللّيبي في تونس، وافقت الأطراف اللّيبية على إجراء انتخابات عامة في ديسمبر/كانون الأول 2021”.
يذكر أن دراسة تحليلية صدرت عن معهد الدراسات السياسية الدولية في ايطاليا (ISPI)، كشفت أن “روسيا وتركيا” تستعدان لتقاسم ليبيا والحصول على نفوذ متزايد في جنوب البحر الأبيض المتوسط، اذ استند التقرير إلى المناورات الجوية والبحرية التركية قبالة الساحل الليبي، ونشر روسيا لمقاتلاتها في قاعدة الجفرة، مشيراً إلى أن “أنقرة تريد بسط نفوذها في طرابلس، بينما ترغب موسكو في تثبيت قدميها في برقة”.
المرتزقة باقية..
ويرى مراقبون أن نجاح خارطة الطريق الجديدة والمسار السياسي مرهون بوقف التدخلات الأجنبية، إلا أن نوايا الأطراف التي تدخلت بشكل مباشر تثير شكوكا حول قدرة نجاح اتفاق وقف إطلاق النار ونجاح الأمم المتحدة في ابعاد اطراف الصراع ولا سيما تركيا التي تدخلت بشكل مباشر وعلني.
المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم كالين” أعلن أمس الخميس، أن قوات بلاده المنتشرة في ليبيا ستظل هناك ما دام الاتفاق الثنائي العسكري قائما بين أنقرة وطرابلس، وما دامت الحكومة الليبية تطلب ذلك. مشيراً إلى أن “الشركات التركية ستلعب أيضا دورا في جهود إعادة إعمار ليبيا، مشيرا إلى أن أنقرة ستقدم الدعم للحكومة الجديدة”.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية في وقت سابق، عن مواصلة التدريب العسكري لعناصر حكومة الوفاق الليبية، في إطار اتفاقية التدريب والتعاون والاستشارات العسكرية بين أنقرة وحكومة الوفاق.
كما يأتي الاعلان التركي، رغم الدعوات الدولية بإخراج المرتزقة من ليبيا، ولا سيما بعد انتخاب أعضاء السلطة التنفيذية الجديدة، والشخصيات التي تم اختيارها للمرحلة الانتقالية، وسط ترحيب دولي واسع.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن الجيش الليبي، أن 160 من أفراده يواصلون تلقي التدريب في تركيا، ضمن برنامج شامل يستمر لخمسة أشهر، بموجب اتفاقية التدريب العسكري والتعاون بين البلدين.
إلى جانب ذلك، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان الثلاثاء أن بلاده ستبحث سحب قواتها، التي تقول أنقرة إنها تقدم تدريبا عسكريا للقوات الموالية لحكومة الوفاق، إذا انسحبت القوات الأجنبية الأخرى أولا.
بدوره، أشار العميد ركن “الفيتوري غريبيل”، عضو وفد قوات حكومة “الوفاق” الليبية في اللجنة العسكرية المشتركة، لـ”الشرق الأوسط” إلى أنه “تواصل أعضاء باللجنة المشتركة مع بعض قيادات السلطة الانتقالية الجديدة، التي أكدت بدورها على دعمها كامل مسار عمل اللجنة، ولا سيما قضية إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، طبقاً لاتفاق جنيف لوقف إطلاق النار”.
وكانت اللجنة العسكرية المشتركة (5+ 5)، التي تضم ممثلين عسكريين لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، والجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، قد توصلت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بجنيف إلى اتفاق، يقضي بوقف فوري لإطلاق النار، وخروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار، وهي المدة التي انتهت فعلياً في 23 من يناير /كانون الثاني الماضي، دون أن يصدر أي إعلان عن رحيل أو تفكيك تلك القوات.
وكشف “غريبيل” عن احتمال قيام أعضاء باللجنة العسكرية بزيارات للدول، التي تعدّ راعية وجود المرتزقة في ليبيا، مؤكداَ أنه “يتواصل مع الدول للضغط عليها، والإصرار على رحيل المرتزقة بأسرع وقت”
يذكر أن تركيا قد عقدت اتفاقا مع رئيس المجلس الرئاسي السابق فائز السراج، أرسلت بموجبه أنقرة الآلاف من المرتزقة وعناصر ميليشيات متطرفة نقلتها من سوريا إلى طرابلس، بالإضافة إلى عدد من القوات التركية، وهو ما ساهم في إطالة أمد الصراع بالبلاد وتعقيد الأزمة لفترة كبيرة.