أثبتت المجموعات المحلية المسلحة الحليفة لإيران قدرتها على مواجهة المناهضين للمشروع الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، واستمرارها في تنفيذ السياسات الإيرانية على المدى البعيد؛ وبات مؤكدا أن تلك المجموعات المحلية أصبحت كيانات موازية للمؤسسات العسكرية لضمان نفوذ إيراني أوسع في البلدان الثلاثة مستقبلا.
وحقق المشروع الإيراني المعلن، بإخضاع جغرافية ممتدة من حدودها الغربية إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط لنفوذها المباشر، أو نفوذ القوى الحليفة لها، المزيد من التقدم بعد تشكيل التحالف الدولي في أعقاب أحداث الموصل 2014 التي كانت إيران في حينه تتمتع بنفوذ على ممر بري واحد عبر الأراضي العراقية وصولا إلى منفذ الوليد (مقابل منفذ التنف السوري) استخدمته بين عامي 2011 و2013، لتخرج ايران بعد خسارة تنظيم الدولة منتصف نوفمبر 2017 جميع المراكز الحضرية في العراق وسوريا بنفوذ على ثلاثة ممرات برية عبر محافظتي الأنبار ونينوى.
خلفية تاريخية:
الطموح الإيراني في الوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط لم تتكتم عنه مراكز صنع القرار الإيرانية منذ نجاح ثورة الخميني في عام 1979 وتبنيها دعم مجموعات شيعية مسلحة “تمثل جيوشا شعبية مرتبطة بالثورة الإيرانية في العراق وسوريا واليمن، وتستلهم فكر وقيم الثورة الإسلامية الإيرانية”، تتشكل من منتمين للطائفة الشيعية من أبناء بعض البلدان العربية وأفغانستان وباكستان وغيرهما.
ترتبط الكثير من المجموعات الشيعية المسلحة بسياسية “ولاية الولي الفقيه” التي تُلزمها الدفاع عن إيران “والقتال إلى جانبها في حال نشوب أية حرب”، حتى لو تعلق الأمر بمواجهة عسكرية مع بلدها الأم؛ كما ترتبط تنظيميا بمؤسسات إيرانية مثل الحرس الثوري الإيراني أو مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يُعد مرجعا دينيا لعدد من المجموعات المرتبطة معه بـ”بيعة شرعية”، ومنها “41 فصيلا أعلنت رسميا بيعتها الشرعية للمرشد الأعلى علي خامنئي من أصل أكثر من 70 فصيلا تتشكل منه هيئة الحشد الشعبي”.
وتتبنى إيران مشروعا يهدف إلى فرض نفوذها الإقليمي وهيمنتها على جغرافية سُنيّة “تمتد إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق باب المندب” لتأمين العمق الاستراتيجي لأمنها القومي ضمن رقعة متصلة جغرافيا عبر ممرات برية تربط بين إيران وكل من العراق وسوريا ولبنان، وهي بلدان تحكمها قوى نافذة حليفة لإيران.
ففي العراق، تهيمن قوى “شيعية” على القرارين الأمني والسياسي في الحكومة المركزية التي تسيطر على الملف الأمني بمشاركة فصائل الحشد الشعبي التي “تلعب بشكل رسمي دورا في الملف الأمني” خارج المهمة التي تشكلت من أجلها لقتال تنظيم الدولة بعد أحداث الموصل 2014؛ وتُعد فصائل الحشد الشعبي من القوى الحليفة لإيران التي باتت “تستحوذ على العراق”.
وفي سوريا، اتجهت الحكومة التي يقودها بشار الأسد لتعزيز التحالف الإستراتيجي مع إيران التي وفرت له حاجته من الاستشارات والأسلحة والمقاتلين في مواجهة المعارضة المسلحة بعد عام 2011 حيث لعبت إيران دوراً مباشراً في منع سقوط دمشق و”ضرب وحشية وهمجية التيارات الإرهابية”؛ ومن هذه التيارات، فصائل المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل قوات النظام السوري الذي زجت إيران بعشرات المجموعات الشيعية المسلحة للقتال إلى جانبه.
أما في لبنان، فيستحوذ حزب الله اللبناني، الحليف لإيران، على معظم السلطة “ويسيطر على قرار الدولة الاستراتيجي وقرار السلم والحرب”، وانخرط مقاتلو الحزب في قتال المعارضة السورية المسلحة داخل الأراضي السورية منذ الأيام الأولى للحرب السورية بشكل غير معلن حتى “اعتراف الأمين العام للحزب” في مايو 2013.
ويمكن تحديد تصور خاص لأهم الأهداف الإيرانية من تمويل ودعم المجموعات الشيعية المسلحة في النقاط التالية:
الحفاظ على الأمن القومي الإيراني من خلال قتال الفصائل السنية المسلحة المناهضة لإيران بهدف إضعافها أو القضاء عليها.
تأمين العمق الإستراتيجي للأمن القومي الإيراني وحماية المصالح الإيرانية العليا من خلال دعم الحكومات الحليفة لإيران في العراق وسوريا واليمن (حكومة تحالف أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام).
إيجاد حالة من توازن القوى بين الدول المعنية بالمنطقة والتي لها مصالح معينة، مثل الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، بما يرجح كفة النفوذ الإيراني.
المنافذ الحدودية بين العراق وإيران بوابات المرور:
لتحقيق المشروع الإيراني لابد من وجود قوى محلية حليفة لها ومؤتمنة على مشروعها في البلدان المستهدفة، مثل سوريا والعراق واليمن؛ وهذا يتطلب وجود قوى محلية حليفة “جيوش شعبية” تقوم بفتح ممرات برية آمنة لتقديم الدعم وتأمين وصول الإمدادات من إيران إلى الدول التي تتواجد فيها تلك القوى الحليفة.
جغرافيا، لا تبدو “الممرات الإيرانية” ذات مسافات بعيدة تعرقل تنفيذ الطموحات الإيرانية في الوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط؛ وتبلغ المسافة البرية بين الحدود الإيرانية وشواطئ البحر الأبيض المتوسط أقل من 1300 كيلومتراً.
ويرتبط القسم العربي من العراق بثلاثة منافذ برية رسمية مع إيران؛ وهي منفذ الشلامجة 30 كيلومتراً شرق مدينة البصرة مقابل منفذ الشلامجة في محافظة خوزستان جنوب غربي إيران، ومنفذ زرباطية في محافظة واسط شرق العراق مقابل منفذ مهران في محافظة إيلام الإيرانية، والمنفذ الثالث هو منفذ المنذرية في محافظة ديالى شمال شرقي بغداد مقابل منفذ خسروي في محافظة كرمنشاه الايرانية.
تقع العاصمة بغداد على مسافة نحو 150 كيلومتراً إلى الغرب من منفذ زرباطية في محافظة واسط على الحدود مع إيران شرق العراق، وترتبط بغداد مرورا بمحافظة الانبار بكل من الأردن وسوريا بطريق بري يسمى طريق المرور السريع رقم واحد الذي يمر بمدينة الرمادي، مركز محافظة الانبار، وقضاء الرطبة، 300 كيلومتراً غرب الرمادي، حيث يتفرع بعدها إلى فرعين، الشمالي الذي يصل إلى منفذ الوليد المؤدي إلى منفذ التنف السوري، والفرع الجنوبي الذي يصل إلى منفذ طريبيل المؤدي إلى الأردن.
أما منفذ “المنذرية”، فيقع في قضاء خانقين التابع لمحافظة ديالى على مسافة 100 كيلومتراً عن مدينة بعقوبة مركز المحافظة التي تقع على مسافة أقل من 55 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة بغداد؛ واستحدثت هيئة الحشد الشعبي خلال معارك استعادة تكريت في مارس 2015 طريقا بريا بطول 85 كيلومتراً يربط مدينة الخالص في محافظة ديالى بمدينة سامراء لتأمين وصول الدعم الإيراني والاستفادة منه مستقبلا في “تسهيل التواصل الجغرافي عبر أراضي محافظة ديالى بين إيران وكل من سوريا ولبنان عبر صحراء الأنبار” مرورا بمدينة سامراء التي ترتبط بطريق بري مع مدينة الرمادي يبلغ طوله حوالي 100 كيلومتر.
ليس من الواضح بعد إن كانت إيران تفكر في الاستفادة من منفذ الشلامجة لنقل الإمدادات إلى القوى الحليفة لها في سوريا ولبنان عبر المحافظات الجنوبية، حيث يبعد المنفذ عن العاصمة أكثر من 550 كيلومتراً وتبعد العاصمة عن كل من منفذي المنذرية وزرباطية أقل من 150 كيلومتراً.
وتعد محافظة ديالى، شمال شرقي العراق، نقطة الانطلاق الأهم إلى الممرات البرية الثلاثة؛ ممر التنف السوري الذي يمر من قضاء الخالص إلى مدينة سامراء ثم إلى مدن محافظة الأنبار، الرمادي والرطبة وصولا إلى منفذ الوليد مقابل منفذ التنف السوري؛ وسيكون بإمكان إيران نقل الإمدادات بعد وصولها مدينة الرمادي إلى منفذ البوكمال عبر الطريق الآخر بين مدينتي الرمادي والقائم بمحاذاة نهر الفرات؛ بينما ستستخدم إيران أراضي محافظة ديالى لنقل الإمدادات عبر شمال محافظة صلاح الدين وغربا نحو مدينتي الحضر والبعاج وصولا إلى الحدود السورية.
الممرات الإيرانية الثلاثة عبر الأراضي العراقية:
– الممر البري الأول (منفذ الوليد العراقي مقابل منفذ التنف السوري):
بعد انطلاق الحركات الاحتجاجية “الربيع العربي” أواخر العام 2010، شهدت عدة بلدان عربية حركات شعبية استهدفت “التغيير” من أنظمة الحكم الاستبدادية أو الدكتاتوريات العسكرية إلى أنظمة تقوم على آليات التغيير والتداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع؛ ومنذ بداية الحرب السورية عام 2011 ضمنت إيران ممرا بريا لنقل المقاتلين “الشيعة” والإمدادات عبر أراضي محافظة الانبار إلى حلفائها في سوريا ولبنان لقتال المعارضة السورية المسلحة؛ وهو الأقرب برياً والأقل تكلفة في الإمداد من الوسائط البحرية والجوية.
وتقطع قوافل الإمدادات الإيرانية مسافة أكثر من 500 كيلومتراً على طول طريق المرور السريع رقم واحد الذي يصل بغداد بمنفذ الوليد على الحدود السورية (التنف السوري)؛ وتمر القوافل على هذا الطريق عبر أراضي محافظة الانبار لمسافة 410 كيلومتراً عبر صحراء غير مأهولة كان ينشط فيها مقاتلو تنظيم الدولة قبل 2014.
لكن إيران توقفت عن استخدام هذا الممر البري منذ عودة “تنظيم الدولة” من معسكراته الصحراوية في أوائل عام 2013 وسيطرته على معظم طريق المرور السريع إلى أن استطاعت القوات الأمنية والحشد الشعبي استعادة معبر الوليد المقابل لمعبر التنف السوري في 17 يونيو 2017؛ ويعد “الممر البري الأول” الممر الوحيد الذي يربط إيران بالحلفاء في سوريا ولبنان قبل أحداث الموصل 2014.
ولا يزال “الممر البري الأول” خارج قدرة إيران على الاستفادة منه بعد أن أنشأ التحالف الدولي قاعدة عسكرية له في منطقة التنف السوري ومعسكرا لتدريب الفصائل المعتدلة في الجيش السوري الحر؛ وشهدت المنطقة أول “حالة صدام مباشر” في 18 مايو 2017؛ لكن هذا لا يمنع أن تستفيد منه إيران مستقبلا بعد تفكيك التحالف الدولي قاعدة التنف العسكرية.
ولمواجهة الإستراتيجيات الإيرانية، أقامت قوات التحالف منتصف أغسطس 2016 “قاعدة عسكرية في منطقة التنف السوري عند التقاء الحدود مع العراق والأردن” وأنشأت في يونيو 2017 قاعدة جديدة في منطقة “الزكف”، 70 كيلومتراً شمال شرقي التنف لمنع تحالف قوات النظام من الوصول إلى الحدود العراقية؛ لكن اتفاقا بين روسيا والولايات المتحدة أدى إلى إخلاء المعسكر ونقل الجنود والمعدات إلى قاعدة التنف في 19 سبتمبر 2017.
وتُعد مناطق جنوب سوريا وشرقها المُستثناة من اتفاق “خفض التصعيد” بين روسيا وتركيا وإيران من بين أهم المناطق لاعتبارات تتعلق بارتباطها الجغرافي بالأردن وإسرائيل جنوباً وبالعراق ثم إيران شرقاً؛ وتتمثل أهمية “الممر البري الأول” لكل من إيران وسوريا في ما يلي:
ضمان بقاء الطريق البري سالكاً أمام تدفق الأسلحة والمقاتلين من إيران عبر صحراء الأنبار إلى القوى الحليفة.
تنشيط التجارة مع إيران والعراق لتخفيف الآثار المترتبة على تدهور الاقتصاد السوري وتراجع سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
– الممر البري الثاني (منفذ القائم العراقي مقابل منفذ البوكمال السوري):
الحشد والحشد المقابل من قوى حليفة لإيران على جانبي الحدود العراقية السورية ساهم في تسهيل مهمة تحالف قوات النظام بالسيطرة على مناطق إستراتيجية لاستباق التحالف الدولي والقوى الحليفة في الوصول إلى منفذ البوكمال الذي وصلته القوات السورية وحزب الله اللبناني و”فصائل تابعة للحشد الشعبي” بعد تخلي قوات التحالف الدولي عن خوض معركة استعادة مدينة البوكمال بموجب “اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة” في 19 سبتمبر 2017.
وتنتشر على الجانب العراقي قوات تابعة لفصائل الحشد الشعبي من شمال منفذ الوليد إلى جنوب منفذ القائم الحدودي “للدفاع عن أمن العراق من مصادر الإرهاب خارج الحدود” نجحت بالسيطرة على منفذ القائم بمشاركة القوات الأمنية العراقية في 4 نوفمبر 2017 بالتزامن مع “تركيز القوات السورية المدعومة بفصائل من الحشد الشعبي جهدها العسكري للسيطرة على مدينة البوكمال السورية” التي استعادتها بالكامل في 19 نوفمبر وفرضت سيطرتها على الطرق البرية المتجهة نحو محافظتي حمص والعاصمة.
ويُعد “الممر البري الثاني” (منفذ البوكمال) أول منفذ حدودي تستعيده القوات السورية من أصل ثلاثة منافذ رسمية مع العراق تمثل نقاط العبور من إيران عبر الأراضي العراقية؛ وهو منفذ حدودي تبرز أهميته من “وجود قائد فيلق القدس في البوكمال أثناء معارك استعادتها إلى جانب حركة النجباء”، إحدى فصائل الحشد الشعبي.
وتأتي أهمية السيطرة على منفذي القائم العراقي والبوكمال السوري في وقت متقارب من قبل قوتين حليفتين لإيران في:
تحاشي المرور عبر منفذ الوليد العراقي غرب الانبار مقابل منفذ التنف السوري الذي تقيم فيه قوات تابعة للتحالف الدولي قاعدة عسكرية.
استخدامه في نقل الإمدادات الإيرانية إلى الحدود السورية مع إسرائيل في الجولان السوري، 70 كيلومترا جنوب غربي العاصمة.
الاستفادة منه في تأمين انتقال البضائع باتجاهي الحدود وإعادة “الحياة التجارية بين العراق وسوري”.
تسهيل مرور “خط أنابيب نقل الغاز مستقبلا عبر أراضي محافظة الانبار من إيران إلى الشواطئ السورية”، ومنها إلى أسواق الطاقة العالمية.
– الممر البري الثالث (منفذ ربيعة العراقي مقابل منفذ اليعربية السوري):
دفع وجود قوات التحالف الدولي في قاعدة التنف السوري المخططين الإيرانيين للبحث عن ممرات برية بديلة في مناطق خاضعة لسيطرة الحشد الشعبي في منطقة البعاج على الحدود السورية شمال غربي العراق ضمن محافظة نينوى.
وتمثل منطقة العبور المؤقت في البعاج “الممر البري الثالث” من إيران إلى سوريا ولبنان، ويتميز موقع قضاء البعاج بأهمية جغرافية كبيرة لقربه من الحدود السورية بمسافة 40 كيلومتراً إلى الشرق منها.
والممر البري المؤقت في منطقة البعاج، هو بديل مؤقت عن المسار الأصلي الذي يمتد من تلعفر وصولا إلى منفذ ربيعة العراقي، 55 كيلومتراً غرب مدينة تلعفر، ومنه بمحاذاة الحدود الشمالية مع تركيا إلى محافظة ادلب ومحافظة حمص وسط سوريا؛ ويأتي اختيار منطقة البعاج كممر مؤقت نتيجة “الضغوط السياسية الدولية التي أدت إلى تغيير مسار الحشد الشعبي من تلعفر إلى مناطق البعاج”.
ومع نهاية مايو 2017، أعلنت قيادات في الحشد الشعبي انتزاع عشرات القرى من تنظيم الدولة “ووصولهم إلى الحدود العراقية السورية” والسيطرة على مسافات مهمة من الشريط الحدودي العراقي السوري في منطقة البعاج باتجاه منفذ القائم الحدودي جنوبا على مسافة أكثر من 220 كيلومتراً قبل سيطرة فصائل الحشد الشعبي على مركز قضاء البعاج في 4 يونيو 2017.
ويقطع “الممر البري الثالث” طريقه من إيران عبر محافظة ديالى ثم إلى شمال محافظة صلاح الدين في منطقة الشرقاط، 90 كيلومتراً جنوب الموصل، ثم غربا أقل من 50 كيلومتراً إلى مدينة الحضر في محافظة نينوى ومنها حوالي 100 كيلومتراً باتجاه الغرب إلى مدينة البعاج وصولا إلى الحدود السورية؛ وهي مناطق تمتاز بأنها في معظمها مناطق صحراوية تضم قرى متناثرة قليلة الكثافة السكانية على العكس من الممرين البريين الأول والثاني، والذي يمر الأول عبر مدينتي الرمادي والرطبة ذات الكثافة السكانية العالية، فيما يمر الثاني بمحاذاة نهر الفرات عبر مدن الرمادي وهيت وحديثة وعانه وصولا إلى منفذ القائم ثم إلى منفذ البوكمال في الجانب السوري.
التهديدات المستقبلية على الممرات الإيرانية:
تبقى “الممرات الإيرانية” غير آمنة بشكل كامل قبل تطهير مساحات شاسعة من مناطق نشاطات تنظيم الدولة الذي يشن هجماته عبر مجموعات صغيرة متنقلة في محافظات صلاح الدين والانبار ونينوى، حيث مسار الممرات البرية الثلاثة، وهي مناطق مرور إجبارية للإمدادات الإيرانية إلى سوريا.
وتواجه “الممرات الإيرانية” إلى البحر المتوسط جملة من التهديدات التي تجعل حركة مرور ونقل الإمدادات غير آمنة بشكل كاف، ومن أهمها:
تمر الممرات البرية عبر جغرافية صحراوية أو جبلية وعرة في مناطق سنية مناوئة للطموحات الإيرانية تنشط فيها جماعات مسلحة، مثل “تنظيم الدولة”.
مخاطر المراقبة الجوية الإسرائيلية للأراضي السورية واستهداف حركة الإمدادات إلى مخازن حزب الله في لبنان، حيث تعرضت عدة قوافل لنقل شحنات الأسلحة ومواقع تخزينها في ضواحي العاصمة دمشق إلى عدة غارات جوية إسرائيلية خلال العام 2017.
مواجهة الرفض الإسرائيلي للتواجد الإيراني الدائم في سوريا الذي سيسهل “نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله عبر سوريا، ويعزز تواجد حزب الله والقوات الإيرانية على الحدود معها”.
الإستراتيجيات الإيرانية المتوقعة لحماية الممرات البرية:
أولا: سوف تستمر القوى الحليفة لإيران في العراق بإجراء “تغييرات في التركيبة السكانية لمحافظة ديالى التي كانت تقطنها غالبية عربية سنية قبل أحداث الموصل 2014″، والتي باتت تمثل نقطة الانطلاق الأهم لنقل الإمدادات عبر الممرات البرية الثلاثة.
ثانيا: ستواجه إيران تحديات الإبقاء على سيطرة تامة على ممراتها البرية التي تمر عبر جغرافية عربية سنية في العراق وسوريا وسط موجة من خطاب طائفي يتصاعد بشكل واضح بين السنة والشيعة؛ ولمواجهة هذه التحديات يستوجب على إيران استمرار نشر القوى الحليفة لها في المناطق السنية لسنين عدة مع تحمل أعباء الإنفاق عليها وتمويلها وتسليحها وتدريبها، وتوفير ما يستلزم لحمايتها من هجمات محتملة من تنظيمات سنية سواء من المعارضة السورية المسلحة أو خلايا “تنظيم الدولة” في العراق وسوريا.
ثالثا: قد تجد إيران نفسها مضطرة للاستعانة بمجموعات شيعية مسلحة من بلدان أخرى للإشراف على الممرات البرية وتأمينها، وذلك لصعوبة تأمين مثل هذه المسافات الطويلة من قبل القوات الأمنية العراقية أو قوى محلية حليفة لإيران مثل الحشد الشعبي.
رابعا: سيتوجب على إيران تحمل تبعات تحدي رفض إسرائيل “إنشاء ممر بري إلى لبنان وسوريا عبر العراق يمكن أن تستخدمه من أجل تعزيز خطوط إمداداتها إلى التنظيمات الموالية في البلدين”، وسيكون على إيران استمرار نشر مجموعات شيعية مسلحة في سوريا مستقبلا، وهو ما يدفعها لعرقلة أي تسوية أممية للحرب السورية تفترض غياب دور النظام السوري القائم.