تعتبر إيطاليا إحدى القواعد الهامة لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى القارة الأوروبية منذ عقود، حيث بدأت قطعان الجماعة بالتوافد إلى المدن الإيطالية منذ ستينيات القرن الماضي على خلفية حملات التضييق على قيادات الإخوان في مصر. وما أن حلّت طلائع الجماعة على الدولة الأوروبية حتى شرعوا في إقامة منظمات دعوية؛ هدفها الظاهري نشر الإسلام وضمان الحقوق للجاليات المسلامية هناك، إلا أن باطنها كان –ولايزال- الدعوة إلى تطبيق مشروع حسن البنا القائم على أستاذية العالم وبناء خلافة إخوانية في أرجاء المعمورة.
ويعيش في إيطاليا اليوم، بحسب موقع Statista، ما يقرب من 1.6 مليون مسلم، وتشكل الجالية المغربية العدد الأكبر من هؤلاء بتعداد يبلغ 450 ألف نسمة. ويمثل الإسلام ثاني أكثر ديانات الأجانب شيوعًا على مستوى البلاد. [1]
وتمكنت الجماعة خلال سنوات نشاطها في إيطاليا من نسج علاقات جيدة مع عدة أحزاب، وبشكل خاص الأحزاب اليسارية التي لطالما اعتُبرت داعمة أو على الأقل متسامحة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا. ومن الأمثلة الحية على ذلك، الرئيس الحالي للبرلمان، ديفيد ساسولي، من الحزب الديمقراطي الإيطالي (PD)، الذي تربطه علاقة وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين في إيطاليا.[2]
أبرز الأدوات الإخوانية
تدير الجماعة في إيطاليا وأوروبا عامة شبكة واسعة من الجمعيات والمنظمات الدعوية والإجتماعية والإقتصادية، التي قد تبدو منفصلة عن بعضها البعض، إلا أن التمحيص في نشاطاتها وأسماء الشخصيات التي تديرها تعطي صورة واضحة عن آلية عمل الجماعة. ويمكن رصد المنظمات والجمعيات الإسلامية النشطة في إيطاليا فيما يلي:
- اتحاد الطلاب المسلمين في إيطاليا USMI: أول نتاج للإخوان في ايطاليا. تأسّست في أواخر الستينيات من القرن الماضي في بيروجيا وتألف في الغالب من طلاب أردنيين وسوريين وفلسطينيين. وكان الإتحاد هو النواة التي شكلت لاحقاً في التسعينيات “اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا[3]“؛ ذراع الإخوان الضاربة في إيطاليا.
- اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا ((UCOII: يعتبر “اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا” المعروف إعلامياً بلوكوي (UCOII) الممثل الرسمي للإخوان هناك، وقد تأسس العام 1990، ويديره محمد نور داشان، سوري الأصل، ويضم ما يقرب من مئة وثلاثين جمعية، ويتحكم في ثمانين بالمائة تقريباً من المساجد، كما يمتلك فرعاً ثقافياً، وآخر شبابياً.
وتشكل مؤسسة قطر الخيرية أبرز الداعمين لنشاط اتحاد« UCOII» ، ويأتي الدعم عبر مؤسسة قطر الخيرية ومؤسسة الصندوق السيادي لقطر، والتي خصصت 25 مليون يورو في ثلاث سنوات لبناء 43 مسجدًا، بما في ذلك مسجد رافينا، مسجد كاتانيا، بياتشينزا، ولشراء مبنى في الحي الروماني Centocelle لاستخدامها مسجد، كبديل لمسجد روما الكبير، الذي يتخذ موقفاً مناهضاً لفكر الإخوان، بحسب ماجاء في الكتاب الاستقصائي «أوراق قطر» للصحفيين الفرنسيين كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو.
ويضم اتحاد« UCOII» شخصيات مثيرة للجدل، على رأسهم، ياسين برادعي ، الأمين العام للإتحاد، الذي صرّح في سبتمبر 2020 بأنّ المسيحية واليهودية “بدعة وتتلاعبان برسالة الأنبياء الأصلية” مرجعاً ذلك إلى ” كلام الله الواضح في القرآن الكريم”، كما كتب “إذا كان الأمر بخلاف ذلك، فسيسمح لنا نحن المسلمين باتباع اليهودية أو المسيحية “. بدلاً من ذلك، ادّعي أن “الإسلام يأتي لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت في الكتب المقدسة السابقة (التوراة والإنجيل)”.[4] وهو ما أثار موجة من الإستنكار لدى أصحاب التوجهات الدينية المسيحية واليهودية.
- الرابطة الإسلامية في إيطاليا[5]: (أو الجمعية الإسلامية في إيطاليا) واحدة من أهمُّ مؤسَّسات الجماعة في إيطاليا ويقع مقرها في ميلانو. تعمل الرابطة تحت ستار الأنشطة الثقافية والتربوية، وتشارك اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية إدارة شبكة الإخوان في الأراضي الإيطالية، وتلعب دورا كبيرا في التنسيق بين أعضاء الشبكة. والرابطة عضو في “مجلس مسلمي أوروبا” التابع للإخوان المسلمين. [6]
- جمعية الشبان والطلاب المسلمين في إيطاليا(AGESMI) : منظمة شبابية إسلامية تأسست تحت رعاية اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا، وتألف مجلس إدارتها الأول من أبناء وبنات قادة اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا.[7] وقد أخفقت الجمعية في كسب أي زخم.
- منظمة الشبان المسلمين الإيطاليين (GMI): منظمة شبابية منشقة عن الإخوان تأسست في عام 2001، بعد أيام من هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وسرعان ما بدأ اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا بالتدخل من أجل السيطرة عليها.
- الجمعية الخيرية لمناصرة الشعب الفلسطيني [8]: وهي معنية بالعمل الخيري وجمع التبرعات لصالح الفلسطيين كما تزعم، ويقع مقرها في مدينة جنوة.
- المركز الإسلامي لميلانو ولومباردي: تأسّس في عام 1977، بجهود مجموعة صغيرة من الطلاب والمهاجرين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنتسبين إلى USMI المرتبط بالإخوان المسلمين. نما المركز بشكل تدريجي لاحقاً حيث جلبت تدفقات الهجرة المزيد من المسلمين إلى ميلانو.
كما توجد جمعية المسلمين في إيطاليا، التي أسسها ويقودها أحد ضباط الجيش الإيطالي من أصل صومالي، وجمعية المسلمون الإيطاليون، وأسسها مواطن إيطالي من أصل إسكتلندي. وأيضاً الجمعية الدينية الإسلامية، التي نشأت في البداية كمركز دراسات، ثم تحولت إلى جمعية دينية إسلامية بهدف الحصول على اعتراف رسمي من الحكومة الإيطالية
الشخصيات البارزة
احتضنت إيطاليا منذ سنوات قيدات بارزة من الجماعة، أهمهم يوسف ندا وغالب همت؛ الممولين البارزين للإخوان، وأحد أهم مؤسسي التنظيم الدولي للجماعة على مدى عقود، وفق تقرير صادر مركز توثيق الإسلام السياسي.
وكان منزل يوسف ندا في كامبيون دي إيطاليا، في كثير من الأحيان مكانًا لاجتماعات كبار قادة شبكة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، بحسب التقرير النمساوي.
عملياً، يدير شبكة الإخوان المحلية مسؤولو اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا ((UCOII، وهم المغربي ياسين لفرم الذي يقود الإتحاد منذ تموز (يوليو) 2018 ولمدة أربع سنوات.[9] ويعتقد أنه مجرد واجهة شبابية لقادات الصف الأول من التنظيم المحلي، مثل إمام فلورنسا منذ العام 2001، محمد نور دهشان، الرئيس الفخري للمنظمة، والمتحدث باسم المجلس التنفيذي للاتحاد منذ العام 2006 إلى شباط (فبراير) 2010.[10]
كما تضم القائمة، المدعو عز الدين الزير، وهو فلسطيني من مواليد 1971، حاصل على شهادة جامعية من جامعة الخليل، يعتبر من مؤسسي مايعرف بـ “الجالية الإسلامية” في منطقة توسكانا، وأصبح عضو مجلس إدارتها حتى العام 1991، ثم مسؤولاً ثقافياً فيها حتى العام 2001 والرئيس الحالي لها منذ العام 2000.
من الأسماء البارزة أيضاً، ناديا بوزكري، فهي نائب رئيس الاتحاد، ويشغل ياسين البرادعي منصب الأمين العام في الإتحاد ، ومصطفى البزطامي، كأمين للصندوق المالي، وعبد الحفيظ خيط، رئيس قسم العلاقات المؤسسية والعلاقات العامة في الإتحاد.
لكن من الشخصيات الأبرز كواجهة للجماعة، الشيخ وجيه سعد، عضو مؤسِّس للتجمُّع الأوروبي للأئمة والمرشدين في إيطاليا، والدكتور علي أبو شويمة، الممثل للإخوان في مجلس شورى الجماعة، ومدير المركز الإسلامي في ميلانو ولومبارديا.
العلاقة مع الجماعات الشيعية
وتُشير بعض التقارير إلى وجود انقسامات حادة بين الكتلة الإسلامية في إيطاليا، نتيجة الإنتماءات المختلفة؛ جماعة الدعوة والهجرة أو جماعة التكفير والهجرة، الإخوان المسلمين، السلفيون، الصوفيون وغيرها من التكتلات المختلفة التي انتشرت في السنوات الأخيرة.
في المقابل، حذرت دراسة صادرة حديثاً عن موقع “عين أوروبية على التطرف” من العلاقة المشبوهة بين الكيانات المرتبطة بالإخوان المسلمين في إيطاليا والخمينية (ولاية الفقيه في إيران)، حيث تشابه الرؤية والأيديولوجيا والممارسات.
وأوصى مُعدّا الدراسة، الباحثان؛ توماسو فيرجيلي وجيوفاني جياكالوني، بضرورة التحقيق بعناية في العلاقة بين الجماعات الإسلاموية السنية، ونظيرتها الشيعية المرتبطة بإيران. حيث اعتبرا أنّ الأحداث الماضية والحالية في الشرق الأوسط، تظهر أنه يمكن للمتطرفين السنة والشيعة محاربة بعضهم البعض بشراسة، ولكن يمكنهم أيضًا إقامة تحالفات باسم هدف مشترك على سبيل المثال، معارضة الغرب و/أو إسرائيل أو السعي إلى دولة قائمة على الشريعة الإسلامية.
واستشهد الباحثان بالعلاقة المثيرة للجدل بين إيران والقاعدة تاريخيًا، حيث أقامت جماعة الإخوان المسلمين مع استثناءات محلية علاقات ودية وأيديولوجية مشتركة مع الإسلامويين الإيرانيين والجمهورية الإسلامية التي أنشأوها في عام 1979 .
واختُتمت الدراسة بتوصية السّلطات الإيطالية بالانتباه إلى مؤشرات إعادة إنتاج هذا التحالف غير المقدس على المستوى المحلي، كونه يقود إلى التطرف المجتمعي، والتسلل المؤسسي، وبالتالي يشكل تهديدًا جديدًا لديمقراطيتها الليبرالية.
مراجع
[1] https://www.statista.com/statistics/626049/resident-muslims-italy-by-country-of-origin/
[2] https://trendsresearch.org/insight/the-muslim-brotherhood-and-the-west-democracy-and-human-rights/
[3] https://www.hudson.org/research/9813-islam-islamism-and-jihadism-in-italy
[4] https://blogs.timesofisrael.com/the-muslim-brotherhood-covets-a-presence-in-italy/
[5] https://www.facebook.com/AlleanzaIslamicaItalia/
[6] https://www.eumuslims.org/ar/adawna/adawna-w-shrkawna/aljmyt-alaslamyt-alaytalyt
[7] The Closed Circle: Joining and Leaving the Muslim Brotherhood in the West
[8] https://www.absppodv.org/?fbclid=IwAR1gfIkqe4S8bkwpo4cvaqDkLIkwXng0eUA61Ej0_tjWP4ND0PIoKaBnQGg
[9] https://ucoii.org/il-consiglio-direttivo/
[10] https://hafryat.com/ar/blog/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%8A%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%9F
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.