في الوقت الذي يعاني فيه اللبنانيون أزمات سياسية واقتصادية وصحية حادة، تركت آثارها السلبية على كافة مناحي حياة اللبنانيين، وسط الانهيارات المتتالية في قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية، والارتفاع الجنوني في أسعار المحروقات والمواد الغذائية والأدوية، تطفو على السطح أزمة بيئية جديدة، سببها تفاقم مشكلات التلوث وتجاهل الحكومة لضرورة معالجته، لتضاف الى قائمة أزمات البلاد، أزمة جديدة، ربما تشكل كارثة بيئية في المستقبل القريب، حسبما يقول خبراء.
من بين أبرز تلك المشكلات، عدم معالجة أزمة النفايات بشكل جذري، واستمرار تلوث نهر الليطاني، وتضاعف نسب التلوث الحاد في الهواء، ما قد يزيد من معاناة السكان الصحية.
“عصارات سامة ”جبل نفايات طرابلس
تشكل العصارات السامة الناتجة عن مكب نفايات طرابلس شمال البلاد أخطر كارثة بيئية متوقعة، حسبما يكشف لمرصد “مينا” الباحث الجيولوجي “خلدون المزرعاني”، الذي يؤكد أن مكب النفايات وصل إلى حالة كارثية بعد فشل إدارته في معالجة العصارة السامة، ما قد يشكل خطرا جراء انفجار كميات كبيرة من “البيوغاز” المختزن في طبقات التربة.
ويضيف “المزرعاني”، تنساب العصارة السامة الناتجة عن مكب نفايات طرابلس شمال لبنان، وتتجمع في جدول لتصل الى البحر المتوسط دون معالجة، عبر نهر “أبو علي”، محذرا من خطورة هذه العصارات على حياة المواطنين.
ولفت الى أنها قد ترفع الى درجة كبيرة نسب الإصابة بمرض السرطان، نتيجة استنشاق الغاز أو نتيجة اختلاطها بمياه البحر وما قد تشكله من خطر كبير على البيئة البحرية بسبب احتوائها على غازات مذابة ذات رائحة كريهة أبرزها كبريتيد الهيدروجين والأمونيا.
تقديرات “المزرعاني”، تشير إلى أن 70 مترا مكعبا من العصارة تتسرب يوميا من المكب، بينما تزداد خلال الشتاء مع هطول الأمطار لتصل إلى 110 أمتار مكعبة.
يشار الى أن نقابة المهندسين في طرابلس شكلت خلال شهر آب الماضي فريقا من الخبراء البيئيين لإجراء مسح للمكب، وأظهرت نتائج الكشف الميداني، أن “مطمر النفايات الذي تبلغ مساحته 67000 متر مربع، يختزن منذ عام 2013 كميات كبيرة من البيو غاز الناتج عن تحلل النفايات العضوية، وأشار تقرير الخبراء الى أن كميات البيوغاز المختزنة في طبقات التربة تحت المكب، ستنطلق في الهواء الطلق في حال تم نبشها، موضحا أن الخطر يكمن في حال إحداث شعلة يمكن أن تحدث حريقا يصعب إخماده.
بالإضافة الى ذلك، أظهرت نتائج تحليل عينة مياه من البحر قرب المكب، وجود مستويات مرتفعة من ملوثات DCO بنسبة مقاربة لنسب التلوث في مياه الصرف الصحي غير المعالجة، إذ تتراوح نسبة DBO5 بين 300 و400 ملغم/لتر في مياه الصرف الصحي، أما الـ DCO يكون تركيزه 250 ملغم/لتر، وبالتالي فإن نزول العصارة في البحر دون معالجة يتسبب بتلوث هائل واستهلاك كميات كبيرة من الأوكسيجين، ما يحرم الكائنات البحرية منها، ويؤدي إلى نفوقها، حسبما ذكر تقرير الخبراء البيئيين.
يذكر أن لبنان يعاني منذ عام 2015 أزمة نفايات، حيث تشهد بعض المناطق تكدساً للنفايات بين الحين والآخر، ويرى خبراء أن التخلص من النفايات في لبنان لا يتم بطريقة تراعي الشروط البيئية وتسبب أضرارا صحية.
وفي وقت سابق، قال مصدر مطلع من الحركة البيئية اللبنانية، إن مكبات النفايات العشوائية انتشرت بشكل أكبر خلال الأزمة التي تعيشها البلاد، مشيرا الى أنه خلال عام 2018، كان هناك 941 مكبا عشوائياً ينتشر في لبنان، والعشرات منها تُحرّق في الهواء الطلق بمعدل مرة واحدة في الأسبوع على الأقل.
وخلال الصيف الماضي شهد لبنان حرائق غابات أدت الى خسارته نحو 7000 هكتار من مساحته الخضراء والاراضي الزراعية، كما تعاني العديد من الشواطئ اللبنانية من التلوث بمياه الصرف الصحي منذ سنوات.
“الليطاني” تحول مكب نفايات
يعاني نهر الليطاني أطول وأكبر أنهار لبنان من تلوث حاد، ما أفقده دوره كشريان حياة أساسي في البلاد لتأمين مياه الشرب والري وتوليد الكهرباء، حسبما يكشف مدير عام المصلحة الوطنية، “سامي علوية”، الذي يؤكد أن الأزمة الاقتصادية في البلاد شكلت ذريعة بالنسبة للوزارات المعنية والمتعهدين، لعدم تنفيذ تدابير معالجة التلوث ووقف الصرف الصحي والصناعي الذي يصب بالنهر.
ويؤكد “علوية” أنه في ظل الأزمة، زاد انتشار مكبات النفايات العشوائية على ضفاف النهر، مشيرا الى أن الأمور تتفاقم ويهدد تلوث النهر بصحة المواطنين في المناطق القريبة منه، حيث تم تسجيل آلاف الإصابات بالأمراض السرطانية في البلدات المحيطة القريبة من النهر، وسجلت بلدة واحدة من أصل 296 بلدة محاذية للنهر، قرابة 600 إصابة بمرض السرطان.
كما أشار إلى أن 20 بالمئة من المزروعات في منطقة البقاع، تُروى من مياه الليطاني الملوثة، وبالتالي هي غير صالحة للاستهلاك البشري، كاشفا عن انهيار الثروة السمكية وفقدان عشرات العائلات لمصدر رزقهم بعدما كانوا يعتمدون على صيد الأسماك.
أعلى نسب تلوث في الهواء في المنطقة
يكشف مدير برنامج الحملات في الشرق الأدنى بمنظمة “غرينبيس” الدولية “جوليان جريصاتي”، أن تلوث الهواء في لبنان يتسبب سنويا بعدد وفيات أكثر مما تسببه جائحة كورونا، مشيرا الى أن لبنان يسجل أعلى نسب تلوث في الهواء في منطقة الشرق الأوسط.
وفي وقت سابق، كشف تقرير أصدرته منظمة “غرينبيس”، أن متوسط عدد الوفيات المبكرة في لبنان نتيجة تلوّث الهواء بلغ 2700 حالة خلال عام 2018، أي بمعدل 4 وفيات لكل 10000 شخص، حيث يعتبر ذلك من أعلى المعدلات في المنطقة.
ويقول خبراء، إن نسب التلوث في لبنان، ارتفعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة بنسبة 50 بالمئة، فيما شهد عام 2020، وخاصة بعد انفجار مرفأ بيروت، زيادة ملحوظة بنسب التلوث وصل لنسبة 150 بالمئة، وذلك بسبب الغبار الناتج عن الانفجار والدمار وأعمال رفع الركام.
ويرجع الخبراء أسباب ارتفاع نسب التلوث خلال السنوات الماضية، الى انخفاض أعمال كنس الشوارع، وتكدس النفايات في الشوارع، بالإضافة الى تضاعف أعداد المولدات الكهربائية التي تعمل على الوقود السائل.
يشار الى أن انفجار مرفأ بيروت وقع في الرابع من شهر آب\ أغسطس الماضي، كما تسبب بمقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6 آلاف آخرين، إضافة الى تشرد أكثر من 50 ألف مواطن لبناني.