مرصد مينا – هيئة التحرير
وسط تصاعد مستوى العلاقات بين حركة النهضة التونسية، المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، وحكومة العدالة والتنمية التركية، تظهر مجدداً اتهامات المعارضة التونسية للجانبين بمحاولة تعويم “الفكر الإخواني” في البلاد، وتمكين السيطرة التركية على القرار التونسي، بحسب ما تراه رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر، “عبير موسى”، التي اتهمت حركة النهضة بالعمل على تمرير اتفاقيات استعمارية لصالح الجانب التركي.
رؤية “موسى” طرحت خلال مناقشة البرلمان التونسي لمشروعي اتفاقيتين تجاريتين بين تونس من جهة وتركيا وقطر من جهة أخرى، واللتين أرجأ البرلمان التصويت عليهما لما أثارتاه من جدل واتهامات لرئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة “راشد الغنوشي” باستغلال سلطته لخطف الدولة التونسية لصالح المسروع الإخواني، على حد وصف المعارضة.
اتفاقيات مشبوهة .. ومشاريع بالمجان
بالنسبة للمعارضة التونسية، فإن أكبر خطر يهدد مسيرة تونس بعد الثورة، يتمثل بمحاولات تركيا فرض النموذج الإخواني والسيطرة على القطاعات الاقتصادية عبر سلطة حركة النهضة، ما دفع الأحزاب المعارضة لرفض الاتفاقيتين الأخيرتين، التي تناولت إحداها فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية في تونس، في حين نصت الثانية على التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين تونس وتركيا.
في هذا السياق، ترجع “موسى” أسباب رفض المعارضة للاتفاقيتين المذكورتين إلى أهدافهما، التي قالت بإنها “مشبوهة” وتحاول الزج بتونس في لعبة المحاور والاصطفاف وراء الحلف الإخواني، خاصةً وأنهما تمنحان كل من قطر وتركيا سيطرة كبيرة على المسار الاقتصادي التونسي يمكنهما استثمارها على الجانب السياسي والهيمنة على السيادة الوطنية، على حد قولها.
وترى المعارضة التونسية، أن كل من قطر وتركيا تمثلان جناحا المشروع الإخواني في المنطقة العربية، من خلال دعمهما للحركات الإخوانية في كل من تونس وليبيا وسوريا ومصر، وتمويلها ومنحها الغطاء السياسي ومساحة للعمل على أراضيهما.
النائب عن حزب تحيا تونس، “مبروك كورشيد”، يشير بدوره إلى أن تركيا تسعى من خلال الاتفاقيات التي توقعها مع تونس إلى القفز على قانون منع تملك الأجانب، والسماح للمؤسسات وللأشخاص الأتراك بامتلاك العقارات في تونس وحتى الأراضي الفلاحية، معتبراً أن أنقرة تملك مشروع استعماري توطيني، تنفذه بمساعدة من حركة النهضة.
سرقة أم استثمارات
الحديث حول الشبهات والفساد في الاتفاقيات بين حركة النهضة والحكومة التركية لم يقتصر على اتفاقيات بعينها، كما أنه لم يكن وليد اللحظة، فارتباط أي اتفاقية اقتصادية تونسية مع تركيا يعني سرقة للثروات التونسية، والحديث لرئيس اتحاد الشغل التونسي “نور الدين الطبوبي”، الذي طالب اتحاده سابقاً بفتح تحقيقات مع قيادات حركة النهضة والحكومات المتتالية، التي تشكلت في كنفها، حول ما وصفه بـ “بيع البلاد لتركيا” بالمجان.
وتحكم حركة النهضة البلاد منذ قرابة 8 سنوات، أي بعد سقوط نظام الرئيس السابق “زين العابدين بن علي”، إذ شكلت خلال تلك السنوات الائتلافات الحكومية، التي سيطرت من خلالها على الوزارات السيادية، وكان آخرها حكومة “يوسف الشاهد”، التي شكلتها بالتشارك مع قلب تونس، قبل أن تخفف الانتخابات النيابية الأخيرة من سطوة الحركة في حكومة “إلياس الفخفاخ” الحالية.
هنا، يذهب اتحاد الشغل ورئيسه “الطبوبي” وخلفهم المعارضة السياسية في حكمهم على الاتفاقيات مع تركيا، إلى سلسلة من الأحادث والمشكلات على رأسها قضية مطار النفضية، التي يؤكد فيها “الطبوبي” أن الدولة التونسية لم تتلقى أي أموالٍ من الشركة التركية التي تشغل المطار.
ويتهم اتحاد الشغل، حركة النهضة بتعديل اتفاق تشغيل المطار مع الشركة التركية، التي كانت قد وقعته مع نظام “بن علي”، عام 2007،لافتاً إلى أن التعديلات الجديدة، التي تمت بسرية كاملة، منحت الشركة التركية امتيازات كبيرة على رأسها، إعفاء الشركة من 65 في المئة من التزاماتها للدولة التونسية، ما اعتبره سرقة موصوفة وكارثة للاقتصاد التونسي.
السلطان الغنوشي وسياسات الإقصاء
على الطرف المقابل من معادلة الاقتصاد والسياسة في تونس، تظهر مصلحة حركة النهضة من السيطرة التركية على البلاد من بوابة الاقتصاد، حيث يرى الساسة التونسيون أن النهضة تستفيد من التمدد التركي – القطري داخل البلاد لتقوية نفوذها السياسي وترسيخ سيطرتها على الحكم، حيث يرى النائب ورئيس الكتلة الوطنية في البرلمان التونسي، “حاتم المليكي” أن رئاسة البرلمان، التي يشغلها رئيس حركة النهضة تحولت إلى سلطنة فعلية، وأن رئيس البرلمان تجاوز صلاحياته وبات في مكانٍ يصدر فيه القوانين ويقصي معارضيه.
أما مشكلة المعارضة الحقيقية مع سياسات حركة النهضة وبحسب ما يشير إليه “المليكي”تمكن في محاولتها تركيز الصلاحيات في المناصب التي تسيطر عليها، موضحاً أن “الغنوشي” يتعامل مع الأوضاع السياسية في البلاد ويسير عمل البرلمان من طرف ووجهة نظر واحدة، كما أنه يتعامل مع الجميع وكأنه رئيس جمهورية بدلاً من كونه رئيس برلمان.
ويواجه “الغنوشي” منذ أشهر، عدة دعوات من قبل نواب تونسيون لإسقاط الثقة به، بعد اجتماعات سرية مع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في تركيا، دون إخطار الدولة التونسية ومؤسساتها بتلك اللقاءات وفحواها، ما أذكى الاتهمات لحركة النهضة برعاية المشروع التركي في البلاد.