هيئة التحرير
منذ التصريحات التي أطلقها عضو مجلس «الشعب» السوري، خالد العبود، مهاجماً من خلال منشور له الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وانتقادات مختلف وسائل الإعلام الروسية، للنظام السوري لم تتوقف، والتي بدأت حين وصفت وكالة الأنباء الفيدرالية، في نيسان/ أبريل الماضي، بشار الأسد بـ«ضعيف ولا يتحكم في الوضع بالبلاد فيما مسؤولوه يعيثون فساداً»، هذا الهجوم الذي اعتبر الأول من نوعه بهذا الشكل الصريح، والذي أعطى مؤشراً على توتر العلاقة مع الحليف المقرّب ومنقذ النظام، ولعلّ هذا الهجوم بالذات أخذ بعين الاعتبار أكثر من أيّ وقت مضى، نظراً للعلاقة التي تجمع مالك الوكالة الملياردير «يفغيني بريغوجين»، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى أنه مالك شركة «فاغنر» الأمنية، التي تنشر مقاتلين في سوريا.
ويبدو أن الأسد أراد أن يقول للروس أنه أخذ انتقاداتهم على محمل الجد، التي لم تقع إلا برأس رئيس الحكومة السورية، عماد خميس، الذي اتهمته الوكالة بالكذب في التبريرات التي يقدمها حول توقف حقلي (حيان، والشاعر) عن العمل، مؤكدة أن «الفساد في حكومة (خميس) هو ما يقف وراء انقطاع الكهرباء وغلاء الغاز، حتى وصلت كلفة أسطوانة الاستهلاك المنزلي إلى 15 ألف ليرة سورية في السوق السوداء»، أي أن الحليف اتهم النظام بسرقة عائدات استخراج النفط والغاز، علماً أن الروس أنفسهم على يقين من أن الفساد في دمشق كان سيطيح بالنظام في وقت سابق لولا تدخل موسكو عسكرياً لدعمه.
تصريحات المعلم لم تختلف عن العبود
عقب إعلان الولايات المتحدة أنها شرعت في حملة من العقوبات ضد النظام السوري، بموجب «قانون قيصر» الذي دخل حيز التنفيذ منذ الأربعاء الماضي، واستهدف شخصيات مهمة في النظام السوري، علق وزير الخارجية في النظام السوري، وليد المعلم، بمؤتمر صحفي بث على القنوات التابعة للنظام السوري، في الثلاثاء الماضي 23 حزيران/ يونيو، على القانون الذي استهدف حكومة نظامه وداعميه، هذه التصريحات «المفرطة» لم تختلف كثيراً عن التفاؤل المفرط الذي كتب فيه «العبود» منشوره والفرضيات العجيبة التي أطلقها بمجموعة تساؤلات بلغة التهديد: «ماذا لو أنّ الرئيس الأسد غضب من بوتين، ودفعه إلى أتون حريق في حوران، سهلاً وجبلاً؟ ماذا لو جيّشت استخباراته آلاف الناقمين على روسيا، وعلى تدخّلها واملاءاتها على السوريين؟ ماذا لو غضب الرئيس الأسد من بوتين وجرّه إلى تيه البادية السوريّة، وأغرقه في حرّها ورملها، وأطبق عليه هناك، بعد أن فخّخ له ما فوق الأرض وما تحتها؟ ماذا لو سحب الرئيس الأسد بوتين إلى ضفاف الفرات، وتركه في مواجهة غضب الأرض والسماء، وقيّض له عشائر ترى فيه غازياً ومحتلاً؟ ماذا لو خرج الرئيس الأسد على الشعب السوريّ، ليقول له بأنّ بوتين يمارس دور المحتلّ لبلادنا، وما على السوريين إلا مواجهة هذا المحتل؟ ماذا لو خرج الرئيس الأسد على العالم، ليقول بأنّ وجود القوات الروسيّة في سورية، وتحديداً الدور الذي يلعبه بوتين، يعتبر احتلالاً موصوفاً، وهو غير مقبول من السوريين؟ هذه الفرضيات التي تبدو من عالم الخيال، كانت عند العبود من الممكن تحقيقها في علم السياسة لأنها قائمة حسب تعبيره!
النخب الروسية ترد بطريقتها
وجهت شخصيات روسية انتقادات حادة للتصريحات التي أطلقها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، من أن «الرئيس الأسد سيبقى طالما يريد الشعب السوري بقاءه وهدف قانون قيصر التأثير على الانتخابات المقبلة». مشيرةً إلى أن الوقائع تظهر أن النظام بات عاجزاً عن تغيير سلوكه، ومواجهة المشكلات الجدية التي تتعرض لها سوريا حالياً. ونقلت صحيفة «الشرق الأوسط» في تقرير لها أمس الخميس، عن خبير في مركز دراسات متخصص بشؤون الشرق الأوسط، موضحاً أن «المشكلة الرئيسة تكمن في تزايد القناعة لدى النخب الروسية بعدم القدرة على فصل النظام عن إيران، مع ما ينعكس من ذلك على آليات التعامل مع الملفات المختلفة المطروحة حالياً». فيما وصف الدبلوماسي السابق المقرّب من الخارجية، رامي الشاعر، تصريحات المعلم بأنها «تبعث على الدهشة»؛ مشيراً إلى أن «تلك الصورة التي نقرأها في كلماته عن الوضع في سوريا تظهره وكأنه طبيعي للغاية».
وأضاف «الشاعر» في حديثه للصحيفة، وكأنه «لا يوجد أي دمار أو مهجّرين في الداخل والخارج، والدولة تقوم بواجبها على أكمل وجه، وملتزمة بدفع الرواتب لجميع الموظفين والعاملين في مؤسساتها، ولا يعاني الشعب السوري من غلاء المعيشة وانخفاض القيمة الشرائية للرواتب». وأعرب الدبلوماسي عن استغرابه من رؤية المعلم بالعقوبات الأمريكية، أن «كل الضجة المثارة حول (قيصر) لا يراها المعلم سوى فرصة للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، باعتبار أن سوريا معتادة على التعامل مع العقوبات الأحادية التي فرضت (عليها) منذ 1978 تحت مسميات عدة وصولاً إلى ما يسمى قانون قيصر».
انفصال المسؤولين السوريين عن الواقع
وفي السياق ذاته، أشارت الصحيفة إلى أن انتقاد خبراء روس لتجاهل حكومة النظام تردي الأوضاع المعيشية حتى قبل دخول «قانون قيصر» حيز التنفيذ، في محاولة لتحميل القانون كل تبعات الأخطاء السياسية والاقتصادية في البلاد. إذ جاءت أهم تصريحات الخبراء الروس أن المسؤولين السوريين منفصلين عن الواقع، وهذه كانت نقطة الانعطاف في الرد الحقيقي على تصريحات «المعلم» الذي ظهر نفسه بنفس المكانة في تجاهل ما يجري على الأرض والمعاناة التي عاشها- ويعيشها- السوريون، والتركيز فقط؛ وبشكل مفتعل على «المؤامرات الخارجية المحاكة ضد سوريا».
وكان لافتاً الكلام الذي نقلته الصحيفة عن أحد الدبلوماسيين، الذي توقع نهاية النظام الحتمية بقوله: إن «النظام الذي استمر نحو 50 عاماً، وصل إلى مرحلة التكلس، وآن أوان التغيير الحقيقي لنظام الحكم في سوريا. لأن هذا النظام لم يعد مقبولاً من غالبية الشعب السوري، وكل محاولات عرقلة النظام لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، أو الالتفاف حوله، أو إيقاف عجلة التاريخ عند لحظات بعينها، لن تطيل من عمر النظام أكثر من بضعة أشهر».
دخول معاذ الخطيب على الخط
سربت وسائل إعلام روسية، أن نائب وزير الخارجية والمبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، التقي رئيس حركة «سورية الأم» الشيخ معاذ الخطيب، في الدوحة، للتباحث في الأوضاع الداخلية في سوريا، مع التركيز على آفاق التسوية السورية بموجب القرار 2254، قبل أن تعلن عن ذلك وزارة الخارجية الروسية على موقعها الرسمي، دون أن تشير في تعليقاتها الرسمية إلى الهدف الرئيس من زيارة بوغدانوف للعاصمة القطرية، هذا التوجه الذي يمكن وضعه ضمن إطار أن النظام في دمشق لا ينوي القيام بأيّة خطوات جدّية للمشاركة في الانتقال إلى مرحلة جديدة في سوريا كما نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2254، وأن الوضع الحالي مريح ومناسب بالنسبة له، لذلك هنا يمكن طرح السؤال: هل رئيس الائتلاف الأسبق ضمن الخطة الروسية القادمة؟
ما يجب التأكيد عليه؛ والعمل لأجله، أن سوريا لن ترى بريقاً لأي أمل بتحسين وضعها وإنهاء معاناة شعبها دون شروع فوري في عملية الانتقال السياسي؛ تكون نهاية حقيقية لهذا النظام الاستبدادي ونقطة الانطلاق نحو إعادة الإعمار، وعودة الملايين النازحة إلى ديارها تحت ظل نظام ديمقراطي يحقق مطالب الشعب السوري بكل مكوناته… وكل ما هو دون ذلك؛ ليس سوى حلم بعيد المنال، وإطالة أمد معاناة هذا الشعب.