قام وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بزيارة رسمية قبل أيام إلى دولة مالي، التي شهدت انقلابًا عسكريًا وتوترات مع الدول الإفريقية المجاورة، في خطوة قرئت كتحركات دبلوماسية مغربية لها بعدها.. حيث تم استقباله من طرف الرئيس الانتقالي لجمهورية مالي، باه نداو. كما تباحث “بوريطة” مع نائب الرئيس الانتقالي، الكولونيل عصيمي غويتا، ومع الوزير الأول الانتقالي، مختار أوان.
ولم يكتف “بوريطة” بالسياسيين حيث تباحث مع زعماء دينيين ماليين، خصوصًا “بويي حيدرا” والإمام “محمود ديكو”، مؤكداً في تصريح للصحافة أن هذه الزيارة رسالة تشجيع مقارنة بكافة المبادرات الهامة التي تم اتخاذها لوضع مالي على طريق انتقال سلس وواعد ويمكن من بناء مالي الغد.
دبلوماسية هادئة وعلاقات متجذرة
أثارت التحركات المغربية تساؤلات مهمة عن دلالتها واهميتها، والتي جاءت بالتوازي مع مسارات المفاوضات الليبية التي ترعاها الرباط على أرضها.. إذ أكد المتخصص في العلاقات الدولية، كريم عايش، وفق تصريحات لصحيفة “فبراير” أن “المغرب مستمر عبر دبلوماسيته الواقعية والهادئة والمبنية على اخلاقيات واعراف الممارسة الدبلوماسية منذ بناء الدولة المغربية، في حل النزاعات عبر تشجيع الحوار واللقاء المباشر وازاحة العراقيل، كما فعل مع الأطراف الليبية بكل حيادية وتجرد”.
ليضيف المختص أن “المغرب كان حاضرًا وبدون أضواء أو تغطيات إعلامية في حل الأزمة المالية بفعاليته وبراغماتيته المعهودة، وكيف لا يتأتى للمغرب ذلك وهو معروف بدوره التاريخي والديني عبر مختلف ربوع القارة ابان بيك الإمبراطورية المغربية لأطرافها، حتى كانت تمبوكتو محورًا رابطًا بين شمال المغرب وجنوبه في تخوم الصحراء”.
وأكد عايش أن “حاليًا بقي محور باماكو الرباط يزخر بغنى العلاقة التي تربط مالي بالمغرب، وهو ما ظهر على برنامج لقاءات وزير الخارجية بوريطة بمختلف مكونات الحكومة الانتقالية والزعماء الروحيين لمالي، الذين يكنون ما يعرف بالتوقير والاحترام للأسرة العلوية وشرفاء الطرق التيجانية والبودشيشية”.
بعد استراتيجي وإقليمي
برر عايش التحركات المغربية بعد شرح حيثيات العلاقة معلنًا أن “هذه الأبعاد عجلت بوجود المغرب كشريك لدعم الاستقرار بهذا البلد الشقيق، وهي ايضا رسالة يبعثها لكل الدول خاصة المعادية للمغرب لتبين لبقية الدول الافريقية”. ليشير إلى أن “المغرب وديبلوماسيته يسعون لتوحيد صفوف الدول ونبذ الفرقة والنزاعات، واحقاق الممارسة الديمقراطية، وهي أيضًا نقطة هامة من مسار تقدم المغرب داخل المنظومة الافريقية”.
وفي عمق أبعاد الزيارة، نوّه عايش أن “زيارة بوريطة تشكل قدمًا إضافية يضعها المغرب كفاعل استراتيجي لا محيد عنه ولاعب اساسي اقليمي ذو مصداقية وتجربة، وله ثقة القوى العظمى في قيادة المفاوضات والتوافقات وتحقيق نتائج جد إيجابية في حل النزاعات والحروب وصانع سلام كفيل بتقديم حلول عملية ومبعوثين اكفاء لحل أكثر النزاعات تعقيدا ومدة”.
دور سابق
حتى في الفترة التي سبقت الانقلاب وهي المرحلة التي شهدت توترات كبيرة في مالي بين الإمام محمود ديكو، والرئيس السابق أبو بكر كيتا، تدخلت الرباط في مجريات الأحداث هناك، فقد مكنت وساطة سرية قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس، بين الإمام المالي محمود ديكو والرئيس المالي السابق إبراهيم بوبكر كيتا، من تهدئة الأوضاع في أعقاب المظاهرات العنيفة التي شهدتها العاصمة المالية باماكو يوم العاشر من شهر يوليو/ تموز الماضي والتي نتج عنها 14 قتيلًا وأكثر من مائة جريح.
كما شارك المغرب، ضمن مجموعة من الدول، في مواكبة مسلسل انتقال الحكم في مالي، بعدما كان قد حظي سفيره في باماكو بأول استقبال من طرف المجلس الانتقالي العسكري الذي يقود البلاد بعد إطاحة الرئيس السابق.
السفير يوضح
تتقاطع الآراء أن زيارة بوريطة لـ مالي، تعرض وساطة مغربية دبلوماسية لإنهاء الأزمة هناك.. ففي حديث خاص مع مجلة “لوبوان” الفرنسية، أعلن سفير المغرب في مالي، حسن الناصري، حيثيات الوساطة المغربية، حيث قال: “إن الهدف الأسمى للوساطة المغربية ليس سوى ضمان استقرار مالي، البلد الذي تجمعه بالمملكة علاقات موصولة تمتد لعدة قرون، وإحلال السلام في المنطقة”.
كما ناقش الدبلوماسي المغربي رهانات وساطة المملكة في الأزمة التي تعيشها مالي على ضوء الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، بناء على تعليمات ملكية.
حيث أكد السفير الناصري أن “الرهان الوحيد (للوساطة المغربية) هو السلام وأمننا الجماعي، كما أنه من واجبنا أن نساعد قدر الإمكان بلدا شقيقا يمر بأوقات عصيبة. كما أن مالي عضو في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لكنها أيضًا عضو في الاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمنظمة الدولية للفرونكوفونية”.
حيث اعتبر الدبلوماسي بباماكو (العاصمة الماليّة)، أن اهتمام المملكة يستمد تفسيره أيضًا من عرى التاريخ، والأخوة القائمة بين الشعوب، وضرورة دعم أي مقاربة تتيح تعزيز السلام في المنطقة. ليؤكد سفير المملكة أن المغرب ومالي تربطهما “علاقات عمرت لقرون مضت، حتى قبل قيام دولتينا.. فهي علاقات كثيفة، متعددة الأوجه وغير منقطعة، بما يحتم علينا صونها والعمل من أجل استدامتها”.
أبعاد خاصة
أما حول حمولة المسعى المغربي وانعكاساته على المستوى السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي والديني في مالي، أكد الناصري أن “الهدف الأسمى ليس هو سوى استقرار مالي، البلد الذي يقع وسط منطقة الساحل، على مقربة من المغرب، لا سيما من حيث الأهمية التاريخية والجغرافية والثقافية.. من المؤكد أن استقرار هذا البلد سينعكس على جميع دول الجوار وخارجها”.
حيث أشار السفير – الذي حضر اللقاء الذي جمع بوريطة بالسلطات الانتقالية في باماكو هذا الأسبوع، إلا أن الانتقال بدأ وفقًا لخطة الترتيبات المحددة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وارتباطا بالمشاورات الوطنية المالية التي جرت من 10 إلى 12 أيلول سبتمبر المنصرم.
هذا وأوضح الدبلوماسي المغربي في حواره، أن “الأزمة التي يعاني منها هذا البلد الشقيق ليست ماليّة فقط. فهي تهم منطقة الساحل والصحراء برمتها، وهي نتيجة لعوامل خارجية هامة للغاية”.. كما ذكّر السفير المغربي بتجذر وطبيعة العلاقات الدينية بين مالي والمغرب ما يفسر لقاء الوزير بزعماء دينيين في البلاد في مشهد حمل أبعاد خاصة.
إلى ذلك.. تصر السلطات المغربية على بعث رسالة أن الرباط من الداعمين الأساسيين لجهود الاستقرار وتحقيق المصالحة في دولة مالي ومحاربة التنظيمات المتطرفة شمال البلاد، حيث دعت في 19 أغسطس آب الماضي، إلى انتقال مدني سلمي يتيح عودة سريعة ومؤطرة إلى النظام الدستوري بدولة مالي.