شكلت الأزمة المغربية الجزائرية جزءً هاماً من القضايا العربية المعاصرة، إذ أن جولاتها لم تسفر بعد أعوامها الطويلة عن حل، بداية بالحرب ونهاية بإعلان الخارجية الجزائرية قطع العلاقات الدبلوماسية مع جارتها المغرب.
وبعد ثلاثة أيام من إعلان الجزائر قطع علاقاتها بالمملكة المغربية، بسبب ما أسمته “أعمال عدائية”، من المقرر أن يغلق المغرب، اليوم الجمعة، سفارته في العاصمة الجزائرية، فيما ستبقى قنصليات المغرب في كل من وهران وسيدي بلعباس مفتوحة، وفقا لما ذكرته مصادر مطلعة لوكالة فرانس برس.
وكان وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” أعلن في مؤتمر صحافي، يوم الثلاثاء، أن بلاده قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب ابتداء من ذلك اليوم، متهما الأخير بأنه “لم يتوقف يوماً عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر” في 1962.
بعد ساعات على ذلك، أعرب المغرب في بيان صادر عن وزارة الخارجية عن “أسفه لهذا القرار غير المبرّر تماماً”، مؤكدا أنه “يرفض بشكل قاطع المبررات الزائفة، بل العبثية التي انبنى عليها”.
تكريس رسمي للقطيعة
تشهد علاقات الجارين توترا منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزء لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.
وبينما يرى مراقبون أن قرار قطع العلاقات بين البلدين، تكريس رسمي لحالة من القطيعة السياسية والاقتصادية والحرب الإعلامية القائمة بين البلدين، منذ حادثة تفجير فندق “أطلس أسني” في مراكش في أغسطس/آب عام 1994، حيث اتهم المغرب جهاز المخابرات الجزائري بالضلوع بالهجوم حينها، يقول أخرون إن القرار قد يكون ضرورة لحسم حالة مرهقة من “اللاحرب واللاسلم” بين البلدين، بما يدفعهما مجدداً إلى مراجعة الحسابات وإعادة بناء العلاقات في ظروف مغايرة، وفقاً لالتزامات سياسية بحكم الجوار والمصالح المشتركة ومصالح المنطقة.
من جهة ثانية، يتوقع البعض إمكانية ازدياد وتيرة الخلافات والشحن السياسي والإعلامي بين البلدين، وكذلك ازدياد الصدام في المحافل الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التباين الكبير واتساع المسافة بين المواقف والخيارات السياسية لكل دولة، فإن توقعات أخرى تظهر ومفادها أن ما حدث من شأنه أن يحث أطرافاً وسيطة على أداء دور لتخفيف حدة التوتر وإعادة إنتاج تفاهمات تؤدي إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية وتطبيعها وفتح الحدود على أسس والتزامات مشتركة، على غرار ما حدث بعد أزمة قطع العلاقات في عام 1976، عندما قام العاهل السعودي حينها، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، بوساطة أثمرت عن فتح الحدود وإعادة العلاقات عام 1988.
تصاعد التوتر
إعلان الجزائر الذي جاء في بيان صادر عن الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للأمن، يأتي بعد أكثر من شهرين من استدعاء الجزائر لسفيرها في الرباط بشكل فوري، للتشاور حول الخطوات التي ستتُخذ، بعد غياب رد فعل رسمي من المغرب بخصوص تصريحات سفيرها، في نيويورك الداعمة لما سماه “باستقلال شعب القبائلي”.
وكانت العلاقات بين الرباط والجزائر شهدت خلال الأسابيع الماضية، توتراً دبلوماسياً، بعد أن قام المندوب المغربي بتوزيع مذكرة في نيويورك على مندوبي دول عدم الانحياز تضمنت خريطة الجزائر من دون منطقة القبائل.
وتصاعد التوتر بعد اتهام مجلس الأمن القومي في الجزائر، برئاسة تبون، المغرب بدعم حركة “الماك” الانفصالية التي تدعو لاستقلال منطقة القبائل، وقرر الأسبوع الماضي “إعادة النظر في العلاقات” مع المغرب، بعد شهر على قرار الجزائر استدعاء سفيرها من الرباط، ورفض المغرب تقديم توضيحات طالبت بها الجزائر بشأن موقف المندوب المغربي في الأمم المتحدة.
حول أسباب وصول الوضع الحالي بين البلدين، إلى ما هو عليه اليوم، يقول الصحفي “معتز وجدية”، إن المشاكل بين البلدين ليست بالجديدة، لكن الجو المشحون الحالي “خلقته المغرب، بدايةً من تصريح القنصل المغربي العام الماضي، حيث قال في لقاء مع أبناء جاليته المتواجدين في الجزائر، بأنهم في بلد عدو”.
ومنذ ذلك الحين، يضيف “وجدية”: “بدأ مسار من الأخطاء، التي لا ترتكب من طرف دولة، تعتبر شقيقة وصديقة”.
ويرى أن الأيام الأخيرة حملت العديد من التجاوزات الملموسة، كان “أولها دعوة ممثل المملكة لدى الأمم المتحدة، لاستقلال منطقة القبائل، مسانداً بهذا حركة مصنفة في الجزائر كحركة إرهابية، في موقف غير مفهوم، يضاف إلى ذلك فضيحة “بيغاسوس” وثبوت تجسس المملكة على مسؤولين جزائريين، حالهم حال مسؤولين أوروبيين، بالإضافة لموافقة المغرب للكيان الصهيوني، للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب”.
ويؤكد أن هذه المساعي التي أجهضتها الجزائر، “بتحركات دبلوماسية حثيثة، مع الدول الصديقة والشقيقة، ليأتي إطلاق وزير خارجية الكيان الصهيوني لتصريحات، كشف فيها عن قلقه وامتعاضه من التقارب الجزائري الإيراني، والذي كان تعليقا عن لقاء دبلوماسي عادي بين الوزير الأول الجزائري والرئيس المنتخب حديثا في إيران”.
يشار إلى أن المغرب أكد أيضا في رده على القرار الجزائري أنه سيظل “شريكاً موثوقاً ومخلصاً للشعب الجزائري وستواصل العمل، بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبنّاءة”.
كذلك، سبق للملك “محمد السادس” أن دعا الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” في خطاب نهاية يوليو إلى “تغليب منطق الحكمة” و”العمل سوياً، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا عبر سنوات من الكفاح المشترك”، مجددا أيضا الدعوة إلى فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994.
خسائر اقتصادية مشتركة
بغض النظر عن الطرف الذي يتحمل القدر الأكبر من المسؤولية في وصول العلاقات بين الجزائر والمغرب إلى حدود القطيعة الدبلوماسية، يشدد مراقبون على الكلفة السياسية والاقتصادية التي يدفعها البلدان وكامل المنطقة المغاربية بعد تعطل مسار بناء الاتحاد المغاربي، وتأثير القطيعة على التبادلات التجارية داخل المنطقة المغاربية، ناهيك عن تعكر حركة النقل والسلع وتنقل الأفراد بين البلدين والبلدان المغاربية.
في هذا السياق، يؤكد الباحث في العلوم السياسية “خلدون فلاحة”، أن “الخسارة السياسية والاقتصادية ستكون كبيرة، فصحيح أنه بلغة الأرقام لم يكن هناك مستوى ورقم كبير في إطار المبادلات التجارية البينية، لكن بلا شك عاد البلدان إلى نقطة الصفر في العلاقات بين البلدين وفي العلاقات المغاربية أيضاً”.
ويضيف “فلاحة”: “كنا نراهن على أنه إذا كان هناك من عامل يمكن أن يزيل الجمود في العلاقات، فهو العامل الاقتصادي، بحيث تتغلب المصالح الاقتصادية على الخلافات، وتصبح ضرورة تفرض على السياسيين الجلوس على طاولة الحوار، لكن ذلك لم يحدث بسبب طبيعة الاقتصاد المركزي في البلدين”.
كما يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي سيكون المستفيد الأول اقتصادياً من هذه القطيعة، كونه نجح في تحويل البلدين إلى سوق مفتوحة لمنتجاته، خاصة أنه يفاوض بشكل منفرد مع كل دولة على حدة، في إطار اتفاقيات الشراكة، وهو ما يضعف الموقف التفاوضي في مقابل الاتحاد، بخلاف ما لو كانت العلاقات جيدة وتم التفاوض مع الاتحاد الأوروبي كمنطقة مغاربية”.
بدوره، يعتبر الصحفي والمحلل والسياسي، “خلدون نعمة”، أن “قرار قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب على الرغم من أنه غير مفاجئ، بفعل التغيير الذي طرأ على وزارة الخارجية الجزائرية، فإنه يسيء للعلاقات التاريخية والتاريخ المشترك بين البلدين، ويتنكر للتضحيات الجسيمة التي بذلها المغاربة من أجل استقلال الجزائر ولمستقبل الاتحاد المغاربي”.
وبحسب “نعمة”، فإن “جميع الأطراف ستتضرر من القرار، لأن قطع العلاقات الدبلوماسية معناه الكثير من نفقات التسلح واستنزاف الاقتصاد بدعوى وجود عدو خارجي”، مستبعداً أن “تصل الأمور إلى حافة الحرب، مضيفا أن “سيناريو الاصطدام العسكري إن حصل فسيكون مدمراً لكلا البلدين، لكن السيناريو الأقرب إلى الواقع هو أن قرار قطع العلاقات بين البلدين سيتم تطويقه، مع إمكانية تدخل قوى إقليمية ودولية لإعادة العلاقات إلى الحد الأدنى الذي كانت عليه قبل القرار الجزائري.
خط أنابيب في قلب الأزمة
وبات خط أنابيب في قلب الأزمة بين البلدين، حيث أكد وزير الطاقة الجزائري، “محمد عرقاب”، أن جميع إمدادات الغاز الطبيعي الجزائري نحو إسبانيا ومنها نحو أوروبا، ستتم عبر أنبوب “ميدغاز” العابر للبحر المتوسط، على ما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية مساء الخميس، نقلا عن بيان للوزارة.
ويلمح بذلك الوزير الجزائري، الذي جاء بعد استقبال السفير الإسباني، إلى أن الجزائر ستستغني عن خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي، الذي يمر عبر المغرب، بعد يومين من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وكان المغرب أعرب، قبل قطع العلاقات، عن تأييده تمديد خط الأنابيب الذي يربط حقول الغاز الجزائرية بالقارة الأوروبية مرورا بالمملكة، الذي ينتهي الاتفاق بشأنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
وأكد وزير الطاقة الجزائري”التزام الجزائر التام بتغطية جميع إمدادات الغاز الطبيعي نحو إسبانيا عبر “ميدغاز”، موضحا أن لدى بلاده “قدرات لتلبية الطلب المتزايد على الغاز من الأسواق الأوروبية وخاصة السوق الإسبانية، وذلك بفضل المرونة من حيث قدرات التسييل المتاحة للبلاد”، مشيرا إلى “توسيع طاقة خط أنابيب الغاز ميدغاز، الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا” عبر البحر الأبيض المتوسط.
كذلك وصفت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، إعلان المغرب استعداده لتمديد اتفاق الغاز بين البلدين بـ “الأكاذيب المحضة”، مشيرة إلى أن المملكة تجني “فائدة كبيرة” من مرور أنبوب الغاز نحو أوروبا، علما أنه “يضخ 800 مليون متر مكعب من الغاز لاحتياجاته الخاصة، التي تضاف إلى الرسوم التي يفرضها في إطار +حقوق مرور+ أنبوب الغاز”.