تستعد الولايات المتحدة للخطة القادمة في تعاملها مع ملف إيران النووي في حال فشل الدبلوماسية والمفاوضات الجارية حالياً بين النظام الإيراني والدول الغربية وفقاً لما تؤكده المتحدثة باسم البيت الأبيض “جين ساكي”، مبينةً أن الرئيس الأمريكي، “جو بايدن” قد أصدر أوامر فعلية لفريقه الحاكم ببحث كل الخيارات الممكنة استعداداً للفشل الدبلوماسي.
كما تشير “ساكي” في تصريحات لها إلى أن بلادها مستعدة لاتخاذ أي خطوات تصعيدية ضد إيران يتم الاتفاق عليها، لافتةً إلى أن الإدارة الأمريكية تنتظر الآن تقييم التعامل الإيراني وجدية طهران خلال جولة المفوضات الأخيرة لتحديد خياراتها القادمة.
يشار إلى أن مفاوضات فيينا الخاصة بالملف النووي الإيراني والتي يشارك فيها كل من الدول الغربية ووكالة الطاقة الدولية وإيران قد عادت للانعقاد مجدداً خلال الأيام القليلة الماضية بعد أن توقفت مطلع العام الجاري لعدة أشهر، وسط توقعات بعدم التوصل إلى نتائج جديدة بسبب تمسك طهران بشروطها لتخفيض نسب تخصيب اليورانيوم.
سيناريوهات محتملة ومرحلة التحضير
أياً كان السيناريو الذي قد يتعامل به “بايدن” مع ملف إيران النووي فإنه يحتاج إلى مرحلة تحضيرية قد تستغرق أسابيع قبل تطبيقه، وفقاً لما يقوله الباحث في شؤون الشرق الأوسط “فلاح الخالدي”، لافتاً إلى أن واشنطن بحاجة لتسوية العديد من الملفات الإقليمية والدولية المرتبطة بالملف الإيراني بشكل مباشر أو غير مباشر قبل اتخاذ أي خطوة ضد النظام في إيران.
ويوضح “الخالدي”: “طبيعة النظام الإيراني وعلاقاته المتشابكة والمعقدة تتطلب من واشنطن تفكيك قاعدة العلاقات تلك ومحاولة تجميد دور حلفاء طهران في أي معركة قادمة وضمان عدم دخولهم بها، لا سيما بالنسبة للروس والصينيين وهذا يتطلب تضحيات كبيرة ومؤلمة لصالح المنافسين بالنسبة لإدارة بايدن، وبناء على ذلك يمكن القول بأن الولايات المتحدة قد تعهد إلى إسرائيل بمهمة توجيه الضربات العسكرية لإيران مع توفير كافة الدعم اللازم لها من النواحي الدفاعية والهجومية والدعم المالي واللوجستي”، لافتاً إلى أن ردة الفعل الإيرانية وشروع الجيش الإيراني بمناورات عسكرية في المنطقة يشير إلى عدم وجود نية حقيقية في طهران للحد من طموحاتها النووية.
يشار إلى أن الجيش الإيراني قد أعلن خلال الساعات القليلة الماضية عن بدء مناورات عسكرية تشمل اختبار دفاعاته الجوية في أجواء مفاعل بوشهر على الخليج، متوعداً بردّ ساحق إذا استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية.
في ذات السياق، يشدد “الخالدي” على أن كل ما تشهده المنطقة من تطورات في مقدمتها انسحاب القوات الأمريكية من قواعد عسكرية في العراق ورفع مستوى التسليح والجاهزية في إسرائيل، يؤكد أن الضربة العسكرية لإيران إن وقعت ستقوم بها إسرائيل وليس الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن روسيا والصين لن تكونا قادرتين على اتخاذ أي ردة فعل لصالح نظام طهران في تلك الحالة.
مرحلة الاستعداد لتوجيه ضربات عسكرية لإيران لا تتوقف بحسب “الخالدي” عند حد الحلفاء الدوليين وإنما تشمل أيضاً ضرورة تحجيم نفوذ وقوة حلفاء طهران الإقليميين سواء بالنسبة للميليشيات العراقية أو ميليشيات حزب الله في لبنان وسوريا أو ميليشيات الحوثي في اليمن، لافتاً إلى أن ذلك سيحمل معه الكثير من التطورات على المشهد في تلك الدول خلال الأيام المقبلة.
مفاوض بلا مخالب يحاول كسب الوقت ليس إلا
عودة إيران إلى المفاوضات في فيينا لم تكن سوى محاولة لكسب الوقت على اعتبار أنها لا تمتلك أية أوراق مساومة مهمة، وفقاً لما يراه وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس”، مضيفاً: “إيران تدخل في المفاوضات دون أوراق مساومة حقيقية، هي تعمل على كسب أكبر قدر ممكن أو خسارة أقل قدر ممكن في المجالين النووي والاقتصادي”.
ويعتبر “غانتس” أن الوقت قد حان فعلاً لوضع حد لاستراتيجية التباطؤ التي تتبعها إيران، لافتاً إلى ان إسرائيل تعمل على تعميق التعاون الدولي لمواجهة طموحات إيران النووية وأنها على يقين بان الفترة المقبلة ستشهد توسيعاً للإجراءات العلنية والسرية على حد سواء لمواجهة طهران.
كما يضيف “غانتس”: “على مدار عام ونصف، انخرطنا في تعزيز قوة الجيش الإسرائيلي، وشراء آليات جديدة من شأنها أن تضمن التفوق الأمني لإسرائيل في المنطقة لمواجهة كل التهديدات التي تمثلها إيران ضد الأمن الإسرائيلي”.
يذكر أن مصادر أمنية إسرائيلية قد كشفت في وقتٍ سابق عن تعهد الرئيس الأمريكي بمساعدة إسرائيل في أعقاب عملية عسكرية تستهدف الأراضي الإيرانية، والتي تشمل أيضاً إعادة إعمار البنى التحتية المدنية إذا شنت إيران أي هجمات ضد إسرائيل.
تعليقاً على تصريحات “غانتس” يقول المحلل السياسي، “سامح أبو سالم”: “الولايات المتحدة ستتولى مهمة الدفاع عن إسرائيل عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً في حال توجيه الضربات العسكرية ضد المفاعلات النووية الإيرانية”، لافتاً إلى أن الموقف الأمريكي والأوروبي سيضمن لإسرائيل شرعية تحركها العسكري ويمنع أي تحركات في مجلس الأمن لوقف تلك العملية.
كما يرى “أبو سالم” أن قرار مواجهة إيران عسكرياً ليس وليد اللحظة وإنما بدأ فعلياً منذ قرار الولايات المتحدة باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني” عام 2020، والذي أحدث خللاً كبيراً في نفوذ إيران ليس في العراق وحسب وإنما في المنطقة ككل كونه كان القائد الفعلي للميليشيات المدعومة إيرانياً في عدة دول عربية، لافتاً إلى أن تبدل الإدارة الأمريكية ومجيء “بايدن” إلى السلطة لم يغير أي شيء في قناعة الولايات المتحدة بعدم جدوى المفاوضات مع إيران.
وعلى الرغم من المناورات العسكرية الإيرانية الحالية واستعدادات إيران الدفاعية، إلا أنها وبحسب ما يراه “أبو سالم” لا تزال تعتقد أن المجتمع الدولي وإسرائيل غير جادين في مسألة العمل العسكري وهو ما يدفع النظام الإيراني إلى الاستمرار في تعنته ومحاولة فرض شروطه، لافتاً إلى أن الحل الوحيد أمام طهران لتفادي الضربة العسكرية هو وقف برنامجها النووي.
حرب غير تقليدية بأبعاد مختلفة
خلافاً لما واجهه نظام الرئيس العراقي السابق، “صدام حسين”، يؤكد الخبير في الشؤون العسكرية، “جورج صايغ” أن الحرب على إيران لن تكون حرباً تقليدية تنتهي بإسقاط النظام الإيراني، وإنما ستكون حرباً دقيقة وبأبعاد مختلفة تعتمد على بنك من الأهداف النووية في مقدمتها مجمع نطنز النووي ومفاعل بوشهر وبعض المنشآت التي يعتقد أنها تضم أنشطة نووية سرية.
ويشدد “صايغ” على أن الحرب ستشمل أيضاً عمليات استخباراتية داخل الأراضي الإيراني تستهدف شخصيات مؤثرة في النظام الإيراني سواء عسكرياً أو في المجال النووي، كما حدث مع “فخري زادة”، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي سيستمر في ذات الوقت بخنق النظام الإيراني اقتصادياً من خلال فرض العقوبات.
أما عن الهدف الرئيسي للعملية العسكرية، فيعتقد “صايغ” أنه يقوم على تدمير شبه كامل للبنى التحتية النووية الإيرانية وإعادة البرنامج النووي إلى نقطة الصفر، بالإضافة إلى تدمير القدرات الصاروخية الإيرانية والقوة التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني، الذي يمثل العصب الرئيسي للنظام، موضحاً أن أي عملية عسكرية ضد إيران ستكون بجدول زمني محدد ولن تصل إلى مرحلة الحرب المفتوحة.