تتزايد سخونة المشهد العسكري اليمني بشكل غير مسبوق منذ سنوات، لا سيما مع تصاعد العمليات العسكرية للجيش ضد ميليشيات الحوثي، والتي أدت خلال الساعات الـ 24 الماضية لمقتل نحو 92 عنصراً من الميليشيات على جبهة مأرب، بحسب إعلان صادر عن تحالف دعم الشرعية في اليمن.
تعليقاً على التطورات الأخيرة، يقول الخبير في شؤون الحركات المسلحة، “خيري عبد السلام” إن اليمن حالياً أقرب إلى التصعيد واشتداد المعارك أكثر من قربه إلى السلام، على اعتبار أن القضية برمتها تتعلق بتطورات خارج الحدود وبشأن إقليمي عام، لافتاً إلى أن قضية اليمن ليست صراعاً على السلطة وحسب إنما محاولة طرف خارجي لفرض وجوده داخل هذا البلد وفرض أجنداته فيه لخدمة أهداف استراتيجية، في إشارة إلى إيران.
ويضيف “عبد السلام”: “عموماً في أي صراع تقوده دولة ضد ميليشيات فإن هذا الصراع من الصعب أن ينتهي بشكل سياسي أو سلمي على مبدأ لا غالب ولا مغلوب بعيداً عن العسكرة، وفي الشأن اليمني خاصة الأمر يرتبط بصراع بين الدولة التي يمثلها الجيش اليمني واللا دولة التي تمثلها ميليشيات الحوثي”، لافتاً إلى أن تلك المعادلة تجعل من المستحيل جمع الطرفين في كيان حكومي واحد أو في حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية.
لا مكان للإنسانية
تصاعد الأزمة الإنسانية في اليمن، وبحسب ما يراه “عبد السلام”، لن يلعب دوراً في إقناع الجهة الحوثية بضرورة وقف القتال والاتجاه أكثر نحو السياسة والمفاوضات، مذكراً برفض الميليشيات في نيسان عام 2020 إقرار هدنة ووقف إطلاق النار، التي عرضها الجيش اليمني وتحالف دعم الشرعية، لتعزيز جهود مكافحة انتشار وباء كورونا.
يذكر أن ميليشيات الحوثي كانت قد اشترطت عام 2020، فك الحصار عن مطار صنعاء، الذي تسيطر عليه، للموافقة على الهدنة المقترحة، وهو ما رفضته الحكومة اليمنية حينها، مرجعةً رفضها للشرط الحوثي إلى رغبة الأخير باستغلال المطار لتعزيز عمليات تهريب السلاح من إيران إلى اليمن.
كما يشير “عبد السلام” إلى أنه في فكر الميليشيات عموماً لا مجال للتفكير الإنساني، خاصة إذ كانت الميليشيا تمتلك أجندات وعقيدة خارجية، كما هو حال الميليشيات الحوثية، مشدداً على أنه في مثل تلك الحالة تكون الأزمات الإنسانية ورقة ضغط بيد الميليشيات لتمرير شروطها وفرض واقع يناسب مصالحها.
ويضيف “عبد السلام”: “الحوثيون قالوا كلمتهم منذ البداية بأن حركتهم موالية تماماً لإيران ولمبدأ ولاية الفقيه، وهو ما يؤكد أن مشروعها هو مشروع فرض أجندة وعقيدة بعيداً تماماً عن المشروع الوطني”، مشبهاً حال اليمن بما هو قائم حالياً في لبنان عبر ميليشيات حزب الله وفي العراق عبر الميليشيات المدعومة إيرانياً.
يشار إلى أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، قد حذر الجمعة من أن الجوع وشح السيولة يدفع عائلات في اليمن، إلى أكل أوراق الشجر، مضيفاً في بيانٍ له: “دوافع أزمة اليمن، المتمثلة بالصراع والانحدار الاقتصادي، لا تظهر أية بوادر لتراجعها، ما يؤدي إلى تزايد الجوع وهذا يدفع العائلات في اليمن إلى اللجوء إلى تدابير قاسية، مثل أكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة”.
ويختم “عبد السلام” حديثه بالتأكيد على عدم إمكانية المراهنة على العامل الإنساني في سحب ميليشيات الحوثي إلى طاولة التفاوض، لافتاً إلى أن الميليشيات تعتقد في فكرها أن الغاية تبرر الوسيلة وأنه لا مشكلة في سقوط ضحايا يمنيين مقابل خدمة الهدف الأخير وهو بناء يمن مرتبط كلياً بالنظام الإيراني.
رد فعل من أصل الفعل
تزامناً مع ترايد التحركات الحوثية بالقرب من شبوة، تكشف مصادر مطلعة عن بحث تحالف دعم الشرعية في اليمن نقل قوات إلى المدينة لمنع سقوطها بشكل كلي بيد الميليشيات، التي سيطرت خلال الفترة الماضية على عددٍ من مناطقها، لافتةً إلى أن الوضع الميداني حالياً يتطلب وجود خطة تعامل عسكرية وسريعة لمواجهة أي سيناريوهات قد تحاول ميليشيات الحوثي فرضها في المدينة، خاصةً مع تزايد خسائرها في محاول القتال على جبهة مأرب.
من جهته يصف المحلل السياسي، “أنور بن جبلي” تحركات التحالف بأنها رد فعل من أصل الفعل، لافتاً إلى أن سيطرة الحوثيين على المزيد من الأراضي في اليمن تؤدي إلى تعقيد الأزمة وترسيخ الواقع المأساوي في البلاد، على اعتبار أن أي انتصار قد تحققه الميليشيات سيبعدها أكثر عن قبول الحل السياسي.
ويوضح “بن جبلي”: “يمكن تشبه الحرب اليمنية برقعة الشطرنج، التي يضحي فيها الملك، وهو إيران في هذه الحالة، بكامل جنوده، وهم الحوثيين، للوصول إلى هدفه في كسب اللعبة، وبالتالي فإن الحوثيين سيستمرون بفتح المعارك في كافة الجبهات اليمنية حتى وإن كانت محكومة سلفاً بالهزيمة والخسارة، كما كان الحال في معركة مأرب، التي فشل الحوثيين بتحقيق أي تقدم ملموس على الرغم من مرور أشهر على إطلاقها وتكبد الميليشيات خسائر كبيرة في الأرواح”، معتبراً أنه من الفعلية يمثل عناصر الحوثي الضحية الأكبر للمشروع الإيراني من خلال زجهم بمعارك قد تكون محسومة سلفاً، بما يشبه مهام انتحارية.
يذكر أن مصادر يمنية سبق لها وأن كشفت عن توجيه إيران أوامر للقيادات الحوثية بعدم الدخول في أي مفاوضات مع الجانب اليمني قبل الانتهاء من ملف مدينة مأرب النفطية، التي تحاول الميليشيات السيطرة عليها منذ شباط الماضي.
ولفهم ما يحدث في اليمن، يلفت “بن جبلي” إلى ضرورة الإجابة على سؤال مهم حول هدف إيران من الحرب اليمنية، مبيناً: “هدف إيران المرحلي في اليمن هو استمرار التوتر والحرب والوضع المأسوي، على اعتبار أن ذلك يساعدها في امتلاك ورقة ضغط إقليمية، لا سيما بعد الضربة التي تلقاها نفوذ طهران في العراق، إيران اليوم بحاجة إلى أن تبقى أصوات المدافع هي الأعلى في اليمن، خاصةً وان النظام الإيراني حتى إن هلك الحوثيين جميعاً”.
كما يضيف “بن جبلي”: “إيران ربما ترغب في هدفها النهائي بفرض سيطرة مطلقة على اليمن وجعله خنجر في الخاصرة العربية والسعودية، ولكن في ظل صعوبة تحقيق هذا الهدف حالياً، فإن الهدف المرحلي هو الحفاظ على التوتر والتصعيد واستمرار الأزمة”.
إقرار دولي ودور سلبي
الدور الإيراني في اليمن ومحاولات إيران لترسيخ الازمة هناك، لم يبق ضمن إطار التحليلات مع الإقرار الدولي بذلك الدور، حيث يؤكد المبعوث الأميركي إلى اليمن “تيموثي ليندركينغ”، أن المجتمع الدولي لم يلمس حتى الآن وجود رغبة إيرانية بإنهاء الحرب في اليمن، مضيفا أن دعم إيران للحوثيين وتسليحهم هو مصدر قلق لواشنطن.
كما يصف “ليندركينغ” التصعيد الحوثي في مأرب بأنه أكبر عقبة أمام تحقيق السلام، ويقف ضد رغبة المجتمع الدولي في التهدئة، مضيفاً: “إيران تدعم الحوثيين بالسلاح، وتدعمهم لوجيستيا، كما أرسلت حزب الله لتدريبهم، وهو أمر سلبي برمته، وهو بصراحة يساعد في تأجيج الصراع، لذلك نرى في هذا الأمر مصدر قلق كبير، فإذا أرادت إيران أن تبدي وجهها الحسن للمنطقة، وحسن النوايا تجاه استقرار المنطقة، فإن اليمن نقطةُ بداية جيدة لهم، دعونا ننتظر لنرى التغير في السلوك الإيراني حيال اليمن، وسنكون من المرحبين بهذا التغيير”.
إلى جانب ذلك، يشير “ليندركينغ” إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة مائة بالمائة تجاه الدفاع عن المملكة العربية السعودية، خاصةً مع زيادة الهجمات الحوثية على الأراضي السعودية.