المرأة هي المعلم الأول للأجيال، وهو عنوان التماسك المجتمعي، ومدرسة الحياة الأهم، وسند الرجل الأول، وهي صانعة الحب ومنبع الحنان، إلا انها- أي المرأة- في سوريا، منذ قرابة عقدا من الزمن تُحارب وتعاني الكثير، لتدفع المئات بل الألوف من السيدات السوريات أرواحهن على طريق كسر قيود الديكتاتورية وطمعا منها ببناء جيل سوري واع ومتعلم بعيدا عن العبودية السياسية والاقتصادية الممارسة من قبل الحزب الحاكم في البلاد.
في اليوم الدولي للمرأة، المرأة السورية لا تزال تعاني من أسوأ أنماط الانتهاكات، ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان- منظمة غير حكومية- مقتل ما لا يقل عن 28316 أنثى، في حين أن ما لا يقل عن 9668 أنثى لا تزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
حراك وتحديات
وذكر التقرير الحقوقي، الذي وصلت نسخة منه لمرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي، أن التحديات المرافقة للحراك الشعبي والمطالبة بتغيير سياسي في بلد مثل سوريا محكوم بنظام استبدادي طويل الأمد تزداد وطأة على المرأة بشكل خاص ضمن المجتمع السوري.
وذلك نظراً لظروف اقتصادية واجتماعية تحكم هذا المجتمع، واعتبر التقرير أن المرأة السورية التي انخرطت في مسار التغيير السياسي قد عرضت نفسها لأنماط الانتهاكات ذاتها، التي مارسها النظام السوري بحق الرجل منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي، وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف عن المساهمة في الحراك بشكل فعال وحيوي، وبالتالي فهي تدفع أثماناً باهظة في المسيرة نحو الديمقراطية والكرامة وحقوق الإنسان.
سجل التقرير مقتل ما لا يقل عن 28316 أنثى على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2020، قتل النظام السوري 21933 أنثى بينما قتلت القوات الروسية 1578 أنثى، وقتل تنظيم داعش 980 أنثى، وقتلت هيئة تحرير الشام 81 أنثى، وبحسب التقرير فإن 1307 أنثى قتلنَ يد فصائل في المعارضة المسلحة، فيما قتلت قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية 250 أنثى، وقتلت قوات التحالف الدولي 959 أنثى، كما سجل التقرير مقتل 1228 أنثى على يد جهات أخرى.
اعتقال واختفاء قسري
طبقاً للتقرير فإن ما لا يقل عن 9668 أنثى لا يزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2020، 8156 منهم لا تزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري، فيما لا تزال ما لا يقل عن249 أنثى قيد الاختفاء القسري بعد اعتقالهن من قبل تنظيم داعش، و29 أنثى لا تزلن قيد الاعتقال او الاختفاء القسري على يد هيئة تحرير الشام، فما لا تزال 851 أنثى قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد فصائل في المعارضة المسلحة، وسجَّل التقرير وجود ما لا يقل عن 383 أنثى قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات سوريا الديمقراطية.
مدير الشبكة السورية “فضل عبد الغني” يقول: “على الرغم من حساسية الانتهاكات بحق المرأة والتنديد الواضح لنصوص القانون الدولي بها، نلاحظ فشلاً تاماً في تطبيق حماية للمرأة في سوريا من قبل مجلس الأمن أولاً، ومن المجتمع الدولي ثانياً، كما أنَّ كثيراً من الانتهاكات بحق المرأة، والتي بلغت حد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لم تحصل على المستوى الكافي من التنديد والإدانة وممارسة الضغوطات الاقتصادية والسياسية الكافية للتخفيف منها على الأقل في حال فشل إنهائها”.
وبحسب التقرير فقد تعرضت الإناث في سوريا -طفلات وبالغات- لمختلف أنماط الانتهاكات من القتل خارج نطاق القانون والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإعدام، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والتشريد القسري، والحصار، والحرمان من الرعاية الصحية والخدمات الأساسية، ووصلت العديد من هذه الانتهاكات وخاصة القتل والتعذيب والإخفاء القسري إلى معدلات هي الأسوأ في العالم.
تغيير ثقيل
وفي هذا السياق أشار التقرير أن النزاع المسلح الداخلي فرضَ على السوريات تغييراً ثقيلاً، فقد تسبَّبت الحصيلة المرتفعة من حيث القتل والاختفاء بحق الرجال في المجتمع، في انتقال عبء إضافي إلى المرأة، حيث ارتفعت نسبة الأُسر التي تُعيلها السيدات، وبالتالي لعبت السيدات دوراً جديداً يُضاف إلى أدوارهنَّ الاعتيادية، وخضعت بالتالي إلى ظروف مركَّبة يصعب التأقلم معها؛ لأنها تفوق في كثير من الأحيان قدراتها وإمكاناتها المادية والمعنوية، ومع غياب الأمن والرعاية الاجتماعية بسبب فقدان الزوج أو الأخ بشكل أساسي وشلل العملية التعليمية بالنسبة لأطفالها أو إخوتها الصغار؛ فقد انعكس كل ذلك بشكل كارثي على الجانب النفسي.
وفقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن 90 أنثى قد قتلنَ بسبب التَّعذيب على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2020، 72 منهن على يد قوات النظام السوري، و14 على يد تنظيم داعش، وأنثى واحدة قتلت بسبب التعذيب على يد كل من فصائل في المعارضة المسلحة وجهات أخرى، واثنتان على يد قوات سوريا الديمقراطية.
وسجَّل التقرير وجود ما لا يقل عن 11523 حادثة عنف جنسي منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2020، ارتكب النظام السوري 8013 منها، بينها 871 حصلت داخل مراكز الاحتجاز، وارتكب تنظيم داعش 3487 حادثة عنف جنسي، في حين أن ما لا يقل عن 11 حادثة عنف جنسي ارتكبتها فصائل في المعارضة المسلحة، و12 حادثة على يد قوات سوريا الديمقراطية.
فلسطينيو سوريا
أكدت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، أن أكثر من (110) لاجئات فلسطينيات لا زلن في حالة إخفاء قسري لدى الأجهزة الأمنية وسجون النظام السوري، حيث اعتقلن على بوابات ومداخل المخيمات الفلسطينية والحواجز الأمنية في المدن السورية، فلا يخلو مخيم من المخيمات من وجود معتقلات من نسائه في سجون النظام والمجموعات الموالية له.
ولا يزال مصير المعتقلات مجهولاً، فأجهزة الأمن السورية تتكتم عن مصير وأسماء المعتقلات الفلسطينيات لديها، الأمر الذي يجعل من توثيق المعلومات عنهن أمر في غاية الصعوبة.
ووفقاً لشهادات وثقتها مجموعة العمل فقد تعرض المعتقلون الفلسطينيون في السجون السورية، لكافة أشكال التعذيب والقهر الجسدي والنفسي والاعتداء الجنسي، وفي هذا مخالفة واضحة للإعلان العالمي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة الصادر في عام 1974 في المادة رقم (5) منه التي نصت على اعتبار هذه الممارسات اجرامية «تعتبر أعمالاً إجرامية جميع أشكال القمع والمعاملة القاسية واللاإنسانية للنساء والأطفال، بما في ذلك الحبس والتعذيب».
وأكدت المجموعة، في بيان لها، وصلت نسخة منه لمرصد مينا، أنها وثقت (34) لاجئة فلسطينية قضين تحت التعذيب في سجون النظام السوري، دون تسليم جثامينهن وسط تكتم النظام السوري على قضية شهداء التعذيب، منهم من تم التعرف عليه من خلال الصور المسربة لضحايا التعذيب.
هذا وتشير إحصاءات المجموعة إلى اعتقال أكثر من (1787) لاجئاً فلسطينياً على يد أجهزة الأمن السورية منذ آذار 2012، في حين أن الرقم الحقيقي للمعتقلين قد يتجاوز هذا العدد، وذلك بسبب عدم قيام وجود إحصاءات رسمية للمعتقلين الفلسطينيين في سورية، وعدم تفاعل أي جهة رسمية فلسطينية مع ملف المعتقلين الفلسطينيين لدى النظام السوري.