هيئة التحرير
“شاهد على الفساد”، توصيف جديد يطلقه رئيس الحكومة التركية الأسبق، “أحمد داوود أوغلو” على نفسه، مفتتحاً فيه معركته الانتخابية ضد حليفه السابق، الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، التي من المقرر أن تجرى عام 2023.
وتشهد الانتخابات القادمة لأول مرة منذ 20 عاماً مواجهات سياسيةبين “أردوغان” وحلفاءه السابقين، الذين أعلنوا انشقاقهم عن حزب العدالة والتنمية، على خلفية اتهام الرئيس بمحاولة الانفراد بالسلطة.
فيما يبدو أنها حرب شاملة على حليف الأمس، يحمل “أوغلو”، الرئيس”أردوغان” المسؤولية المباشرة عن عدة مشكلات تعاني منها البلاد، في مقدمتها انتشار الفساد المتعلق بالمناقصات الحكومية والتخبط في الملف الاقتصادي وتراجع مستوى الحريات، مطالباً حليفه السابق بالكشف عن مصير أكثر من 16 مليار دولار مختفية من أموال الدولة التركية.
يضيف “أوغلو”: “كنَّا سنجري تعديلات تفرض سيطرة كاملة على جميع المناقصات؛ لأنني رأيت بعيني ما يجري في هذه المناقصات. ولكنني تعرضت لانقلاب داخلي من الحزب”، لافتاً إلى أن أزمة تركيا عام 2008؛ كانت خارجية، أما الآن فهناك أزمة خارجية وأزمة داخلية أيضًا في ظل غياب الديمقراطية وأزمة إدارة، على حد وصفه.
ويستعد “أوغلو” لخوض غمار الانتخابات القادمة، من خلال حزب المستقبل، الذي شكله مؤخراً بمشاركة عدد من القيادات المنشقة عن حزب العدالة والتنمية الحاكم وسياسيين معارضين.
المهمة شبه المسحيلة
تصاعد حدة المعركة الانتخابية، والهجوم المبكر من “أوغلو” على شخص “أردوغان”، يعتبره مصدر تركي خاص بمرصد مينا، مؤشر على إدراك المعارضة التركية لصعوبة مهمتها في الانتخابات القادمة، مضيفاً: “على الرغم من وجود الكثير من الأوراق، التي قد تلعبها المعارضة خلال الانتخابات؛ من انتشار الفساد وتراجع الاقتصاد والحريات والأزمة السياسية، إلا أن المهمة ليست سهلة أمامها، خاصةً وأنها تواجه منظومة حكم عمرها قرابة الـ 20 عاماً، تمكنت من السيطرة على الكثير من مفاصل الدولة والمجتمع”.
مقابل جهود المعارضة، يؤكد المصدر أن حزب العدالة والتنمية بدوره يتخذ أيضاً سلسلة من الإجراءات، التي يسعى من خلالها لتأمين بقاءه في الحكم، خاصةً مع دراسته عرض قانون على البرلمان لخفض الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لدخول الأحزاب إلى البرلمان لـ 5 في المئة بدلاً من 10 بالمئة”، موضحاً: “هذا الإجراء يعني أن الحزب الحاكم انتبه إلى وجود الانخفاض في شعبيته وأنه يسعى لرسم القانون الانتخابي الجديد على مقاسه، مستفيداً من سيطرته الحالية على البرلمان”.
وشهد حزب العدالة والتنمية خلال الأعوام الأخيرة حركة انشقاقات كبيرة داخل قياداته، حيث استقال أيضا وزير الاقتصاد الأسبق، “علي باباجان” من الحزب واتجه لتشكيل حزبه الجديد.
كما يرى المصدر أن المعارضة مطالبة ليس فقط بالتركيز على الإحصائيات أو الحريات أو أوضاع البلد السياسية، وإنما بمحاولة خلق الخطاب العاطفي مع الشعب التركي، لسحب البساط من تحت أقدام الحكم الحالي، مشيراً إلى أن الشعب التركي بطبيعته يتأثر بهذا النوع من الخطابات، بشكل كبير، معتبراً أنه أحد أوراق القوة لدى “أردوغان”.
رهانات إيجابية ولكن..
قلب الموازين المجتمعية، حجر الزاوية في إحداث أي تغيير سياسي في تركيا، كما يراها المحلل السياسي، “حسام يوسف”، في حديثه مع مرصد مينا، لافتاً إلى أن شريحة كبيرة من الناخبين الشباب، نشأوا على فكر حزب العدالة والتنمية، الذي سيطر طيلة 18 عاماً على كامل جوانب الحياة.
إلى جانب ذلك، يرى “يوسف” أن رهانات المعارضة على حالة التفكك، التي ضربت حزب العدالة والتنمية واستقطاب جزء من أصوات الحزب لصالح المعارضة، قد يكون ورقة إيجابية، ولكنها غير كافية، في ظل وجود مئات الآلاف من المعارضين دخل السجون، بالإضافة إلى حالة السيطرة العقائدية، التي يفرضها الحزب، المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، على أنصاره، والتي تقوم على مبدأ الطاعة لولاة الأمر.
وكانت الحكومة التركية قد شنت خلال السنوات الخمس الماضية، سلسلة حملات اعتقال بحق عشرات الآلاف من الضباط والأساتذة الجامعيين والموظفين والطلاب والناشطين، بتهمة الانتماء إلى التنظيم الموازي، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة صيف العام 2016.
في السياق ذاته، يوضح “يوسف” أن شريحة كبيرة من أنصار الحزب الحاكم، تنظر إلى المنشقين على أنهم خونة، بحكم طبيعة التفكير السائد لديهم، واعتبارهم أن مصلحة الدولة هي من مصلحة الحزب، لا سيما في ظل سلسلة تعدد جبهات الحروب الخارجية، التي فتحتها تركيا في كل من سوريا وليبيا وتونس وغيرها، لافتاً إلى أن المعارضة مطالبة بالمزيد من الجهد على الجانب العاطفي للشعب التركي، المعروف بأنه شديد الالتصاق بالمفاهيم الوطنية والقومية، وأن التركيز فقط على الجانب الملموس والإحصائيات، لن يؤثر بالشكل المطلوب على قناعات الناخبين.