منذ إعلان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني الفريق “عبد الفتاح البرهان”، السيطرة على البلاد من خلال تولي الجيش للسلطة، وحلّ مؤسسات الفترة الانتقالية بما فيها مجلس السيادة الذي يرأسه بنفسه، دخل السودان في دوامة من الاضطرابات العميقة، في خطوة قد تعمق في رأي كثيرين الخلافات والانقسامات، وتنذر بنتائج وعواقب وخيمة داخل البلاد وخارجها، رغم أن أنصار هذه الخطوة يرون أن الإجراءات ليست انقلاباً، بل تصحيح لمسار الثورة، في حين يصر آخرون على وصفها بالانقلاب العسكري.
وبينما تفشل الدول صاحبة القرار في العالم، في التوصل لاتفاق على موقف موحد بشأن الأحداث الأخيرة التي شهدها السودان، لا يبدو المشهد داخل البلاد أكثر وضوحا، إذ يقول مراقبون في الخرطوم إن الخطوات التي اتخذها الفريق البرهان هي “انقلاب كامل الدسم”، معتبرين أن الحديث عن “التمسك بإكمال التحوّل الديمقراطي إلى حين تسليم قيادة الدولة إلى حكومة مدنية، ليس إلا ذرّ للرماد في العيون”، مشددين على أن الإصلاحات لا تتم عبر الانقلاب على الوثيقة الدستورية، وأن هذه الخطوة ستزيد الانقسام وتعمقه، وتضع البلاد على فوهة بركان منفجر.
من جهة ثانية، يدافع البعض عن الإجراءات التي اتخذها البرهان، بالتأكيد على أن جانباً من الأحزاب السياسية، والحركات المسلحة تقف مع قادة الجيش، وأنه في الإمكان تشكيل “حكومة كفاءات وطنية مستقلة”، تدير شؤون البلاد إلى حين تسليم السلطة إلى “حكومة منتخبة”، تنال احترام الشارع، وتستطيع بسط الأمن، وإنهاء الأزمة في الشرق مع إعلان الجماعات التي تقود الاحتجاجات في الشرق تأييدها للبرهان.
انقسام دولي وتبرير أمريكي
اختتم مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات مغلقة الليلة الفائتة بشأن التطورات في السودان دون التوصل إلى اتفاق على موقف موحد حيالها.
المندوب الروسي في مجلس الأمن “ديميتري بوليانسكي” قال إنه يتعين على المجلس الإعراب عن رفضه للعنف من جميع الأطراف في السودان، ممتنعا عن وصف ما حصل في السودان بالانقلاب، ومشيرا إلى أن الانقلاب له تعريف محدد، وأن مثل هذه التطورات توجد في العديد من الدول وفي أجزاء كثيرة من العالم ولا توصف بأنها انقلاب.
في السياق، رُفعت جلسة عقدها مجلس السلم والأمن الأفريقي بشأن السودان دون التوصل إلى اتفاق، وتَقرر أن تُستكمل في وقت لاحق من بعد ظهر اليوم الأربعاء.
يشار إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة “أنتونيو غوتيريش”، كان قد دعا القوى الدولية الكبرى إلى التحلي بالوحدة في ردع ما وصفه بوباء الانقلابات التي تحدث في أفريقيا وأماكن أخرى حول العالم، مشيرا إلى أن بعض القادة العسكريين يعتقدون بأنهم يتمتعون بالإفلات التام من العقاب وأن بإمكانهم فعل ما يريدون، داعيا القوى الكبرى على وجه الخصوص للاتحاد من أجل التأكد من وجود ردع فعال فيما يتعلق بوباء الانقلابات، مشيرا إلى أن هذا الردع الفعال غير موجود حاليا.
وكانت الولايات المتحدة، قد تجنبت إطلاق مصطلح “الانقلاب” على ما حدث، مفضلة القول إنه “استيلاء عسكري على السلطة”.
وردا على إثارة هذه النقطة في إفادته اليومية، الاثنين، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، “نيد برايس”، إنه “عندما تنشأ مثل هذه الأحداث، نقوم بالفعل بتحديد وصف الانقلاب”، موضحا أن السودان يخضع منذ انقلاب 1989 من قبل نظام البشير، لمحددات الانقلاب العسكري، ومشيرا إلى أن الولايات المتحدة لم تزل الخرطوم من هذا الوصف أساسا حتى بعد ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت في النهاية بالرئيس السابق عمر البشير الذي ظل في الحكم طيلة 30 عاما.
وأضاف “برايس” أن بلاده تعتبر أن ما يحصل هو “استيلاء عسكري على السلطة”، مشيرا إلى أن “الانقلاب هو وصف قانوني تستخدمه وزارة الخارجية الأميركية، نحن لا نقوم حاليا باستخدام هذا المصطلح في هذه الحالة، لأننا ندرك أننا نعمل تحت كنف تصنيف الانقلاب الذي يعود لعام 1989”.
وأوضح أن “محددات الانقلاب التي تعود لعام 1989 ستظل كما هي عليه حتى يقر وزير الخارجية الأمريكي أن حكومة منتخبة ديمقراطيا تولت السلطة في السودان”.
انقلاب أم تصحيح لمسار الثورة
يرى المحلل السياسي “عبدالله العمرين” أن الخطوات التي اتخذها الفريق البرهان “انقلاب كامل الدسم”، معتبرا أن حديث القائد العسكري عن التمسك بـ”إكمال التحوّل الديمقراطي إلى حين تسليم قيادة الدولة إلى حكومة مدنية، في انتخابات تموز المقبل ليست إلا ذرّ للرماد في العيون”. كما يشدد “العمرين” على أن الإصلاحات لا تتم عبر الانقلاب على الوثيقة الدستورية، وأن هذه الخطوة ستزيد الانقسام وتعمقه، وتضع البلاد على فوهة بركان منفجر.
ورغم اقراره بوجاهة ما أعلنه الفريق “البرهان” في التزامه بإكمال مسار الثورة، وتمسكه بالوثيقة الدستورية، التي تحكم الفترة الانتقالية، فإن “العمرين” يؤكد أن “البرهان” أثار الشكوك بتجميده 7 مواد من الوثيقة، وهي المواد 11 و12 و15 و16 و24-3 و71 و72، المتعلقة بوقف التشريعات حول مهام الفترة الانتقالية.
وبحسب المحلل السياسي، فإن تجميد هذه المواد، دليل على تراجع البرهان عما تم الاتفاق عليه في الوثيقة، وبالتالي فهي “عملية تمزيق كاملة للوثيقة”، كما قال مكتب رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” في نشرة وزّعها عقب اعتقال مجموعة من عناصر الأمن لرئيس الوزراء.
وتتعلق المادتان 11 و12 بشكل خاص، بتشكيل مجلس السيادة الانتقالي واختصاصاته وسلطاته، فيما تتعلق المادتان 15 و16 بتجميد عمل لجنة تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران، أي نظام “البشير”، ووقف التحقيق في جريمة فض الاعتصام التي وقعت في 3 يونيو 2019، التي يعتقد الكثيرون ان المجلس العسكري يقف وراءها.
ويضيف “العمرين” أن البرهان أثار الشكوك بإلغاء المادة 24 – 3 التي تتعلق بتكوين المجلس التشريعي الانتقالي، وتقول تحديداً إن أعضاء المجلس السيادي والحكومة هما من يقومان بعمل المجلس التشريعي، إلى حين تشكيله، وكل هذا يؤكد بحسبه أنه انقلاب على الوثيقة بكل تفاصيلها.
نتائج كارثية في الداخل والخارج
يصر المحلل السياسي السوادني، المقيم في فرنسا، “خلدون أبو بكر”، على توصيف ما حصل في السودان بالانقلاب، معتبرا أن نتائجه ستكون كارثية، وقد تدفع بحدوث أزمات أمنية داخلية وخارجية، حيث سيحصل “انفلات بالأمن وعنف في الشارع السوداني وعلى الحدود الشرقية مع السودان، والتي قد تفضي إلى استغلال لهذا الأمر، واشتعال حرب مع إثيوبيا تتعلق بمناطق حدودية متنازع عليها، أو تسلل عناصر إرهابية لجماعات مسلحة لتدخل السودان وتثير البلبلة.
ولا ينف “أبو بكر” وجود مخاطر تهدد مصالح الولايات المتحدة في تلك المنطقة، ما قد يعطي “مدخلا لروسيا أو الصين للتدخل ومد أذرعها بما يغذي الصراع الداخلي السوداني”.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي أن “الانقلاب العسكري الذي حدث في الخرطوم ستكون له آثار مباشرة على القرن الإفريقي، فالسودان الذي تحده سبع دول أفريقية، يتميز بتداخلات سكانية كبيرة بينه وبينها، حيث القبائل العابرة للحدود، والمصالح التجارية والاقتصادية المتشابكة مع الجيران، بخاصة في منطقة القرن الأفريقي”.
وعلى المستوى الاستراتيجي يعتبر أبوبكر أن “تصاعد الصراع وتحوله إلى مواجهات مسلحة ينذران بإمكانية امتداده لدول الإقليم، كما أن تفاقم الأزمة الداخلية قد يدفع العسكر إلى اتخاذ مواقف وإجراءات أكثر نزوعاً نحو العنف، تجاه الجيران، بخاصة في منطقة الفشقة بالحدود الإثيوبية.