“باسيج”، أو مؤسسة الرعب، كما يعرفها الإيرانيون،لا سيما وأنه الاسم الذي ارتبط في أذهانهم بالعنف والقتل والأيادي الغارقة بالدم، كيف لا يكونون كذلك؛ وهم حرس النظام الإيراني ومرشد ثورته الأعلى، من أعداء الداخل، وأذناب أمريكا والإمبريالية الصهيونية الأمريكية العالمية، التي تترصد بالثورة الإسلامية، على حد وصف النظام لهم.
أهمية “باسيج” وهي قوات الأمن الداخلي، التي تشرف عليها منظومة معقدة، مؤلفة من قادة أمنيين ورجال دين وخبراء في المجال العسكري، تأتي من كونها الحلقة الأقرب من المرشد “علي خامنئي”، وغالباً ما يتم إسناد مهام خاصة لها، تتعلق بأمور تمس أمن وسلامة النظام، خاصةً وأنها تملك صلاحيات القتل والاعتقال واستخدام العنف المفرط، دون حسيب ولا رقيب، ما طرح تساؤلاً جوهرياً حول ما هية تلك المؤوسسة الغامصة، والأجندة التي يحملها أفرادها، لتجعل منهم وحوشاً، تعتبر القتل جزءاً مهماً من عملها ورزقها.
منذ البداية، من هم عناصر “باسيج”؟
الناشط الإيراني المعارض “مرتضى رجائي” وهو إسم مستعار، أشار في حديثه لـ”مرصد مينا”، إلى أن عناصر “باسيج” يتم اختيارهم بدقة شديدة، وهم في أعمار صغيرة، حيث تقوم السلطات الإيرانية بإعدادهم عقائدياً، على أساس الطاعة العمياء للمرشد الأعلى، وهو ما يتم عبر رجال دين متشددين، واصفاً تلك المرحلة بأنها أهم مراحل إعداد عناصر المؤسسة، التي تعتبر أقوى أذرع المرشد الأعلى للثورة، على المستوى الأمني الداخلي.
وأكمل الناشط “رجائي”: “خلال هذه المرحلة يتم إقناع العنصر بأن كلمة المرشد من كلمة الله، وأن سماعها واجب شرعي، ومخالفتها إثم كبير، حتى وإن أصدر أمر للعنصر بقتل والديه، فالعنصر يجب أن ينفذ دون اعتراض أو تردد، من هنا يمكن تفسير الهمجية والقلوب القاسية التي تتمتع بها هذه الشريحة من عملاء النظام”، لافتاً إلى أن “باسيج” مشكل بطريقة يصعب فيها أن يشهد أي انقلابات على النظام أو عدم انصياع لأوامر المرشد، لا سيما وأن تلك العقيدة “أي تبعية المرشد والولاية لآل البيت” يتشربها العناصر منذ الصغر.
إلى جانب ذلك، أوضح “رجائي” أن العناصر بعد دورة الإعداد العقائدي أو غسيل الدماغ، يخوضون دورات التدريب العسكري والأمني، موضحاً: “النظام بعد أن يزرع فيهم الولاء والطاعة العمياء، يبدأ بإعدادهم ليكونوا وحوشا وقتلة، عبر التدريبات العسكرية والأمنية، وهنا تبدأ مرحلة العنف والقلوب القاسية، وهذا ما يفسر قدرة عنصر باسيج على القتل بالدم البارد، سواءاً بالرصاص أو بالسلاح الأبيض أو حتى بالعصي، فالقتل بالنسبة له لم يعد مجرد مصدر رزق وإنما طريق إلى الجنة الموعودة”.
أما المرحلة الأخطر في عملية تشكيل الأمن الداخلي الإيراني، تكمن بحسب “رجائي” في المرحلة الأخيرة، التي يكون فيها العناصر قد أنهوا تدريباتهم، وحان وقت التطبيق العملي لإثبات الولاء للمرشد، وأحقيتهم بأن يكونوا جنوداً له، عبر إطلاقهم لقمع أي حركة احتجاجات أو حركة مناوئة للنظام مهما كانت صغيرة أو كبيرة، لا سيما في المناطق المهمشة في الأقاليم الكردية والعربية، والتي تنظر إليها الحكومة الإيرانية كطابور خامس.
اسألوا من كان بها خبيرا
على الرغم من أن مهارات “باسيج” في القتل، ظهرت بشكل علني خلال العقدين الماضيين، ضمن الاحتجاجات التي انطلقت في كافة المدن الإيرانية ضد إعادة انتخاب الرئيس الإيراني السابق “أحمدي نجاد”، في ما عرف وقتها بـ”الثورة الخضراء، إلا أن إقليم الأحواز العربي يبقى صاحب الخبرة الأكبر بجرائم مؤسسة “باسيج”، على اعتبار أنه كان صاحب الحصة الأكبر من ضحاياه بين قتلى ومعاقين ومعتقلين ومحكومين بالإعدام على مشانقه.
وفي هذا المجال، أشار “رجائي” إلى أن السلطة الإيرانية ترى في إقليم “الأحواز” خطر حقيقي يهددها بشكل مستمر، لا سيما في ظل الظلم والقهر الذي يعيشه أهل الإقليم، بالإضافة إلى أنه يكن الكره لهذا الإقليم بشكل ممتد لكرهه للعرقية العربية عموماً، والتي يعتبرها أشد أعدائه، مؤكداً أن عشرات الآلاف من أبناء الأحواز قضوا على يد عناصر الأمن الداخلي، إما خلال قمع المظاهرات أو في المعتقلات.
وأردف “رجائي”: “باسيج يحكم قبضته على الأحواز، فالإقليم يشهد بشكل مستمر حركات احتجاجية أو بالأخرى بوادر ثورة بين فينة وأخرى، تحديداً بعد الإجراءات التي تتخذها الحكومة الإيرانية خلال العقد الحالي والهدفة لترسيخ الفقر والجهل والجوع بين أبناء الإقليم”، لافتاً إلى أن أشد وأكثر عناصر الأمن الداخلي “باسيج” إجراماً ووحشية، غالباً ما يتم إرسالهم إلى ذلك الإقليم البائس، والذي غالباً ما يتحمل غضب النظام في أي توتر أمني تشهده البلاد، على حد قول الناشط.
بيت الرعب
كحاله من الأجهزة الأمنية التي تحكم في الدول الديكتاتورية، يكتنف الغموض مؤسسة “باسيج” بشكل كبير، لدرجة ان العديد من الناشطين يشككون في الإحصائيات الرسمية التي تنشرها الحكومة، سواء من حيث العدد أو المهام أو الصلاحيات، وتحديداً فيما يخص الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالمعتقلين، تحديداً مع الأنباء عن وجود معتقلات سرية تابعة للأمن في إيران، ولا يكشف عنها بشكل علني، وهي المعتقلات التي غالباً ما ينقل إليها من تصفهم الدولة بالخطرين أو الأعداء، والتي تدار بواسطة شخصيات ذات نفوذ في “باسيج”.
من جهته، أكد “رجائي” أن أكثر ما يعرف عن مراكز “باسيج”، وأكثر ما هو موثوق، أنها تمثل بيت الرعب بالنسبة للإيرانيين، فداخل تلك المعتقلات كل أنواع التعذيب والإجرام مباحة، أعداد القتل المسموح فيها مفتوحة ولا سفق لها، كما هو الحال بالنسبة لعمليات الاغتصاب التعذيب النفسي، مشيراً إلى أن الموت في الداخل هو أرحم ما يمكن أن يتلقاه المرء في الداخل.
وأضاف “رجائي”: “على العكس من الأخلاقيات والقيم الإنسانية، كلما زاد توحش السجان وزاد عدد ضحاياه وتنوعت فنون إجرامه بحق المعتقلين، كلما زاد قربا من المرشد وأثبت ولاءاً مطلقاً له”، مشيراً إلى أن لا أحد يمكنه تخيل ما يحدث في داخل تلك المعتقلات، ولا حتى من قدر لهم الخروج منها، خاصةً وأن أنواع التعذيب تخضع أيضاً لمزاجية السجانين.
كما يزاد الغموض أكثر حول المؤسسة الأمنية، وفقاً لكلام “رجائي”، عندما يتم الحديث عن عدد عناصر “باسيج” في إيران”، لافتاً إلى أن العدد المعلن يصل إلى مئة ألف أو أكثر بقليل، في حين أن العدد الفعلي لا يمكن حصره، خاصة وأن لباسيج عملاء سريين برتية مخبرين، وهم لا بقلون وفاءاً وإجراماً عن العناصر المعلن عنهم.
وختم “رجائي” حديثه لـ”مرصد مينا”: “إن سامحنا النظام على الثروة المنهوبة والمبددة، وإن سامحناه على ضحاياه، والجوع والفقر، فكيف سنسامحه على ما فعله بأجيال كاملة، على تحويله الأطفال، الذين كان من المفترض أن يكونوا أطباءاً أو خبراءاً أو حرفيين، إلى مجرمين في منظومته التي لا تمت للإنسانية بصلة”، لافتاً إلى أن تلك الجريمة يجب أن تكون على رأس الجرائم التي يحاكم فيها النظام أمام محكمة عادلة.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.