حاسماً للتسريبات، ظهر رئيس التيار الوطني الحر، وحليف ميليشيات حزب الله، “جبران باسيل” بتصريحات، أكد خلالها أن الحزب بدأ بالتفكير جدياً في الانسحاب من سوريا وإعادة جنوده إلى لبنان، داعياً الطيف السياسي اللبناني إلى دعم قرار الحزب.
وكانت مصادر لبنانية قد كشفت خلال الأيام الماضية، عن سحب حزب الله نحو 2500 مقاتل من سوريا باتجاه الأراضي اللبنانية، دون إرسال بدلاء عنهم، ضمن خطة لانسحاب تدريجي من هناك.
تعليقاً على تصريحات “باسيل”، يشير الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، “وليد نعمة” إلى أن حزب وجد أن لا مفر من سحب قواته من سوريا، إذا أراد الحفاظ على قوته وسلاحه في لبنان، معتبراً أن توجه الميليشيا إلى سحب عناصرها، هو أول مؤشرات إقرارها بالهزيمة في سوريا وعلى الساحة اللبنانية.
تهديدات وترتيب للبيت الداخلي
مع سقوط حكومة “حسان دياب”، وتصاعد المظاهرات ضد سلاحه وبدء ظهور أصوات معارضة لسياساته من داخل معقله في الضاحية الجنوبية، يلفت “نعمة” إلى أن حزب الله وصل إلى قناعة من خلال المعطيات السابقة، مفادها أنه من الصعب القتال على عدة جبهات، وأن بقاءه في سوريا سيقود إلى تنامي الضغط الدولي عليه في الساحة اللبنانية لنزع سلاحه، ما دفعه إلى اتخاذ خطوة انسحاب تكتيكي لمحاولة عدم خسارة كل شيء، واصفاً تلك الخطوة بأنها خطوة صحيحة وواقعية يتخذها الحزب بعيداً عن لغة الخطابات والشعارات التي يرددها.
في السياق ذاته، يشير المحلل السياسي “أحمد قعبور” إلى أن قرار الانسحاب لم يأتي على خلفية توقف الدول المانحة عن تقديم المساعدات المالية إلى لبنان ولا بسبب الأزمة المالية والاقتصادية، وإنما نتيجة استشعار الحزب للخطر على مؤسسته وسلاحه، وإداركه لحقيقة صدور قرار دولي جدي بإخراجه من سوريا، لافتاً إلى أن الانسحاب جاء فقط للحفاظ على قوته وسطوته في الشأن اللبناني الداخلي.
وكان المجتمع الدولي قد اشترط خلال الأشهر الماضية، ترسيخ مبدأ حياد لبنان وعدم الانخراط في الأزمات الإقليمية مقابل إعادة تقديم المساعدات المالية، للحكومة اللبنانية.
حرب استنزاف
التعمق في نتائج تورطه بالحرب السورية، وخسائره البشرية، يقود بحسب الباحث الاستراتيجي “فادي حداد”، إلى ربط قرار الحزب بعدم تمكنه من تحمل المزيد من الخسائر البشرية والمادية، تحديداً مع استمرار الغارات الإسرائيلية، التي تطال منذ سنوات مواقع انتشار عناصره في عدة مناطق سورية، لافتاً إلى أن الحرب السورية كانت بمثابة حرب استنزاف بالنسبة لحزب الله، خاصة مع اقترابها من دخول عامها العاشر.
وكانت تقارير إعلامية دولية قد ذكرت أن حزب الله فقد نحو ألفي عنصر من عناصره على الأقل في الحرب السورية، حتى منتصف العام الماضي، في حين أقر الحزب بمقتل عدد من قيادييه الميدانيين، بينهم “جهاد مغنية” و”مصطفى بدر الدين” و”سمير القنطار”، الذين قتلوا بغارات إسرائيلية، على حد إعلان الحزب.
إلى جانب ذلك، يشير “حداد” إلى أن القدرات العسكرية وتراجع قدرة إيران على تقديم الدعم المالي، بسبب الحصار والعقوبات، ساهم أيضاً بدفع الحزب للخروج من سوريا وأوصله إلى قناعة بأن الخروج بات حاجة استراتيجية، لافتاً إلى أن 10 سنوات من الحرب المتواصلة كافية لإنهاك جيوش بأكملها، في إشارة إلى تأثير الحرب السورية على قوة حزب الله.
وكان المبعوث الأمريكي السابق إلى إيران، “براين هوك”، قد أكد أن العقوبات الأمريكية قد أفقدت الاقتصاد الإيراني نحو 50 مليار دولار أمريكي، ما أثر على دعمها للميليشيات العراقية اللبنانية.
خيارات ومشروع آيل للسقوط
إلزام حزب الله بالانسحاب من سوريا، يعني بحث إيران عن خيارات جديدة لدعم مشروعها هناك، وفقاً للباحث “نعمة”، لافتاً إلى أن إيران منحت حزب الله الإذن بسحب عناصره من سوريا، لإدراكها بأن الحزب فقد كامل القدرة عن الاستمرار في الوجود، وأن بقاء عناصره في سوريا بات يهدد كيانه في لبنان.
إلى جانب ذلك، يشير “نعمة” إلى أن حزب الله عملياً بات خارج حسابات إيران في سوريا، وأن إيران باتت تعتمد على تجنيد سوريين في صفوفها لملئ الفراغ، الذي سيخلفه انسحاب الحزب، معتبراً أن قبول إيران بانسحاب الحزب يعكس أن النظام الإيراني أدرك صعوبة تحقيق مشروعه هناك.
وكانت مصدر حقوقية سورية، قد كشفت عن تجنيد إيران نحو 6 آلاف سوري في صفوف الميليشيات الإيرانية في المناطق الجنوبية، من أصل 7400 مقاتل تابع لتلك الميليشيات، لافتةً إلى أن الميليشيات استغلت الأزمة المالية والفقر الحاصل في سوريا، لإقناع السوريين بالانضمام إليها.