بعد نضالها لعقود، وفيما يعتبر انتصارا للمرأة المصرية، وافق مجلس النواب المصري أمس الأحد، على تعديلات مقدمة من الحكومة على بعض أحكام قانون العقوبات، بهدف تشديد عقوبة ختان الإناث لتصل إلى السجن المشدد، محيلا الملف إلى مجلس الدولة لمراجعة صياغة مواده تمهيداً لإقراره نهائياً، وسط معارضات محدودة داخل البرلمان المصري.
رئيس مجلس النواب “حنفي جبالي” قال حول التعديلات، إن “البرلمان أخذ رأي الأزهر الشريف، والمجلس القومي لحقوق المرأة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، في شأن تغليظ عقوبة ختان الإناث”.
عقوبات..
التعديل المنتظر إقراره ينص على سجن مشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات، لكل من أجرى ختان الأنثى بإزالة أي جزء من أعضائها التناسلية الخارجية، أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، ولمدة لا تقل عن عشر سنوات إذا أفضى الفعل إلى الموت.
ويعاقب التعديل أيضا بالسجن لكل من طلب أو يطالب بختان أنثى، كما ويوقع عقوبة الحبس على كل من روج أو دعا إلى ارتكاب هذه الجريمة، ولو لم يترتب على فعله أثر.
كذلك أقرّ التعديل عقوبة السجن المشدد إذا كان من أجرى الختان طبيباً، أو زاول مهنة التمريض، فإذا نشأت عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت فتكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن خمسة عشر عاماً، ولا تزيد على عشرين عاماً، وكذلك عزل الجاني من وظيفته الحكومية مدة لا تزيد على خمس سنوات، إذا ارتكبت الجريمة بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته، وحرمان مرتكبها من ممارسة المهنة مدة مماثلة، وغلق المنشأة الخاصة التي أجرى فيها الختان”.
الختان..
مصطلحات عدة أطلقت عليه ك”ختان الإناث، تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أو الخَفْض”، أما مصطلح تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية فهو المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية وتعرفه بأنه “أي عملية تتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية دون وجود سبب طبي لذلك”.
يمارس تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية باعتباره أحد الطقوس الثقافية، والتي تنسب أحيانا إلى ادعاءات دينية في أكثر من 27 دولة في إفريقيا ويوجد بأعداد أقل في آسيا وبقية مناطق الشرق الأوسط.
وقدرت مُنظمة اليونيسف أعداد الإناث المختونات في سنة 2016 بِحوالي 200 مليون يعشن في الدول سالفة الذكر، إلى جانب بضعة مناطق ومجتمعات أُخرى حول العالم.
تقرير اليونيسف اقتصر فقط على الإناث التي تجري عليهن عملية الختان ولم يتعدين الخامسة من العمر.
وتشمل عملية الختان على إزالة غطاء البظر وحشفته، واستئصال الشفرين الصغيرين والكبيرين، وختم الفرج “خياطته”، بحيث لا يترك إلا فتحة صغيرة للسماح بمرور البول ودماء الحيض؛ وفتح المهبل للسماح بالجماع والإنجاب لاحقا، وهي العملية المعروفة ب”الختان الفرعوني” أو التبييك” الشائعة في شمال شرق أفريقيا بالأخص.
أرقام..
تعتبر مصر من أكثر الدول في عدد الفتيات اللاتي أجريت لهن العملية حول العالم، وبحسب إحصاءات صندوق الأمم المتحدة للسكان، ووزارة الصحة المصرية، فإن 92 بالمئة من النساء والفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و45 عاما تعرضن لشكل من أشكال الختان.
إلا أن الدكتور “عمرو سيف الدين” طبيب النساء والولادة وأحد مؤسسي مركز “ترميم” الحديث في مصر، لمعالجة آثار ختان الإناث لفت لمرصد مينا إلى أنه لا توجد إحصاءات دقيقة عن الختان في مصر، لكنها واحدة من أكثر البلدان في العالم التي يمارس فيها ختان الإناث.
ويقول “سيف الدين” “في مصر هناك ما يقرب من 40 مليون فتاة وامرأة بين سن 7 -69 سنة تعرضن للختان، علما بأن الأمم المتحدة تحتسب سن الختان في مصر من عمر 15 -49 عاما، رغم أن مصر تحديدا غير الدول الأفريقية تجرى عمليات الختان فيها من سن 6 سنوات حتى 15 سنة”.
وبدأ مركز “ترميم” العمل منذ نحو 8 أشهر، بمبادرة من الدكتور “عمرو سيف الدين” وطبيبة التجميل “ريهام عواد”، ويقوم عمل المركز على ثلاث طرق، وهي تقديم الدعم النفسي للنساء اللاتي تعرضن للختان، ومعالجة آثار الختان بطرق غير جراحية، وإجراء عمليات جراحية لتحسين آثار عملية الختان إذا استدعت الحالة إلى تدخل جراحي.
عادة مجتمعية أم شرع..
ينظر إلى هذه العادة حاليا في العديد من المجتمعات حول العالم على أنها إحدى أبرز أشكال التمييز الجنسي، أو أنها محاولة للتحكم بالحياة الجنسية لِلمرأة، فيما تنظر إليها مجتمعات أُخرى على أنها علامة من علامات الطهارة والعفة والتواضع، وغالبا ما تقدم النساء البالغات على ختن بناتهنَ، اللواتي يعتبرن هذا الفعل مدعاة للشرف، وإن عدم الإتيان به يعرضُ بناتهن إلى العار أو الإقصاء الاجتماعي.
طبيا تختلف الآثار الصحيَة لختان البنات باختلاف طبيعة العمليَة، فقد تعاني المختونة من التهابات مُتكررة، وصعوبة في التبول وفي تدفق الطمث، وبروز خراجات، وصعوبة في حمل الجنين، ومضاعفات عند الولادة، ونزف مهلك، إضافة إلى أثار نفسية نتيجة العملية التي قد تقوم بها نساء غير مختصات بدون تخدير وبأدوات غير معقمة في الكثير من المجتمعات.
أما دينيا لم يقل أي من الفقهاء بأنَ الختان “الخفاض” في الإسلام حرام أو مكروه تحريما أو تنزيهًا، وله مشروعَّة وجواز عند الجميع، وإن تجاوز الحدود الشرعية المتفق عليها يحرم، فأجمع الجميع على انه مكرمة للمرأة واجبة أحيانا وغير واجبة عند البعض.
وأشار بعض الأطباء إلى أنَ ختان الأنثى له فوائد طبية، وفي ذكر بعض هذه الفوائد يتحدث بعضهم عن رائحة كريهة والتهابات في المهبل نتيجة تراكم مفرزات على الشفرين، كما تحدث البعض عن تقليل الحساسية المفرطة للبظر الذي قد يكون شديد النمو في الدول الحارة بحيث يبلغ طوله عند بعض الإناث إلى 3 سنتيمترات عند انتصابه وهذا مزعج للزوج، وبخاصة عند الجماع، وأنَ ختان المرأة يحول دون ظهور ما يسمَى بإنعاظ النساء وهو تضخُم البظر بصورة مؤذية يعرضها لآلام متكررة في نفس الموضع.
كذلك يمارس الختان للإناث عند الأقباط المسيحيين في مصر والسودان تبعا للعادات الاجتماعيَة وليس له سبب ديني أو عقائدي، إذ أن الأقباط كما المسلمين في مصر، ربطوا تلك الممارسة على المسيحية بالعفة والطهارة قبل الزواج وبعده.
رئيس اللجنة الدينية في البرلمان “علي جمعة”، قال في جلسة أمس عن القرار المتخذ في مصر “الفقه الإسلامي الموروث اختلف فيه العلماء في قضية ختان الإناث، وحسم أمر الختان يجب أن يكون بإجماع آراء الأطباء، وليس بالثقافات المختلفة بين الشعوب”.
وأضاف “جمعة” “الطب يمثل مرجعاً مهماً في هذه المسألة، ومنظمة الصحة العالمية أكدت ضرر ختان الإناث”، متابعا “تجريم الختان يتفق مع الشرع الشريف، ولم يُختلف فيه فقهياً من حيث الحكم الشرعي، باعتبار أن المُختلف فيه هو الثقافات الموروثة حول الختان”، على حد قوله.
يشار إلى أن جلسة أمس شهدت تسجيل اعتراضات لعدد من أعضاء اللجنة التشريعية في البرلمان، بخصوص تغليظ العقوبات على الختان في تعديل القانون.