خلال العام 2020 حلّت كارثة كبيرة على لبنان، جراء الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت، مسفرا عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6 آلاف بجروح، بالإضافة لتشريد 300 ألف شخص، جراء الدمار الحاصل، ما أدى إلى استقالة رئيس الحكومة “حسان دياب”.
ماذا حدث
في الرابع من شهر آب\اغسطس 2020، وقع انفجار ضخم في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، أُطلِق عليه اللبنانيون مصطلح “بيروتشيما” تشبيهًا بما جرى لمدينة هيروشيما جراء الانفجار النووي.
الانفجار حدث على مرحلتين في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت ونتجت عنه سحابة دخانية ضخمة على شاكلة سحابة الفطر ترافقت مع موجة صادمة هزّت أنحاء بيروت.
أسباب الانفجار
بحسب ما كشفت الأجهزة الأمنية اللبنانية فإن سبب الانفجار يعود لتخزين 2750 طنًا من مادة “نترات الأمونيوم” شديدة الانفجار، في المرفأ منذ أكثر من ست سنوات، ويقال إنها تابعة لميليشيات “حزب الله”، المدعومة من إيران.
كيف وصلت نترات المونيوم الى المرفأ؟؟
بحسب تقارير إعلامية فقد كانت نترات الأمونيوم على متن سفينة بضائع روسية تُدعى “إم في روسوس” متجهة من مرفأ مدينة باطوم الجورجية، إلى مدينة بيرا في موزمبيق، وخلال الرحلة اضطرت إلى التوقّف في ميناء بيروت في 21 تشرين الثاني\ نوفمبر 2013 بسبب مشاكل في محركها.
عند التفتيش الذي قامت به سلطات الميناء، تبين أن السفينة تعاني من عيوب كبيرة تعيق تحركها وأنها غير صالحة للإبحار، ومُنِعت على إثر ذلك من الإبحار.
في العام 2014، قامت سلطات الميناء بتفريغ السفينة من الشحنة الخطرة ونقلت المواد إلى الشاطئ بسبب المخاطر المتعلقة بإبقاء “نترات الأمونيوم” على متن السفينة، حيث خزنتها في المستودع رقم 12 في الميناء، لتظل هناك لأكثر من ست سنوات.
خلال هذه السنوات، أرسل العديد من مسؤولي الجمارك اللبنانية رسائل إلى القضاء اللبناني يطالبون فيها بحل قضية المواد المصادرة، مقترحين إعادة تصدير مادة “نترات الأمونيوم”، أو تسليمها إلى عهدة الجيش اللبناني، أو بيعها إلى شركة خاصة معتمدة من الجيش، تُسمى الشركة اللبنانية للمتفجرات.
وتشير إحدى الرسائل المرسلة في 20 مايو 2016، أن مدير عام الجمارك اللبنانية السابق “شفيق مرعي” أرسل التماسًا إلى قاضي الأمور المستعجلة في لبنان للإسراع في حل القضية، بعد سلسلة من الرسائل التي لم يُرد عليها، وقد ورد في ختام رسالته: “وحيث أنه لم يردنا لغاية تاريخه أي جواب من قبلكم، وبالنظر للخطورة الشديدة التي يسببها بقاء هذه البضائع في المخزن في ظل ظروف مناخية غير ملائمة، فإننا نعود ونؤكد على طلبنا التفضل بمطالبة الوكالة البحرية بإعادة تصدير هذه البضائع بصورة فورية إلى الخارج حفاظًا على سلامة المرفأ والعاملين فيه، أو النظر بالموافقة على بيع هذه الكمية إلى الشركة المعتمدة في كتاب قيادة الجيش الآنف ذكره”.
وثائق قضائية، كشفت أن مدير الجمارك اللبنانية “بدري ضاهر”، حذر لسنوات من “الخطر البالغ” المتمثل في ترك نترات الأمونيوم في أحد عنابر التخزين في مرفأ بيروت.
وكتب بدري ضاهر، في رسالته في عام 2016، أنه “بسبب الخطر البالغ الذي تمثله هذه العناصر المخزنة في ظروف مناخية غير مناسبة، نكرر طلبنا إلى سلطات الميناء بإعادة تصدير البضائع على الفور للحفاظ على سلامة الميناء والعاملين فيه”.
وكشف ضاهر في الرسائل أيضًا أن الميناء حاول بيع نترات الأمونيوم للجيش اللبناني ولشركة المتفجرات اللبنانية ولكن دون جدوى، مضيفًا: “أبلغنا الجيش اللبناني أنه لا يحتاج إلى نترات الأمونيوم”. وفي رسالة عام 2017، أشار مدير الجمارك اللبنانية، إلى محاولاته المتكررة للتخلص من تلك الشحنة، مؤكدًا، انه أرسل 6 رسائل للمطالبة بنقل تلك الشحنة من الميناء، “لم يكن ينبغي على هيئة الميناء السماح للسفينة بتفريغ المواد الكيميائية في الميناء”، لافتًا إلى أن تلك الشحنة كانت في طريقها إلى موزمبيق وليس لبنان.
كيف حدث الانفجار ؟
أفادت التحقيقات الأولية بأن حريقًا نشب عند الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي للبنان في 4 أغسطس 2020، داخل المستودع رقم 9 في مرفأ بيروت، ليمتد إلى المستودع رقم 12، حيث كانت تُخزن شحنة النترات، وليُحدث إثر ذلك مجموعة من الأصوات والأضواء في محيط المبنى، كانت تبدو أنها ناتجة عن مفرقعات، ثم حدث الانفجار على مرحلتين، حيث شكّل الانفجار الأوّل، وهو الانفجار الأصغر، سحابة دخانية بيضاء وسوداء اعتُقد أنها نتاج مجموعة من الحرائق، ثم تلاه انفجار ثانٍ، ليهز بدوره العاصمة اللبنانية بيروت ويخلق سحابة من الغبار، مُسبّبًا في دمار المنطقة.
وقال شهود عيان إن الأضرار امتدت إلى منازل وأبنية تقع على بعد 10 كيلومترات من موقع الانفجار، وبحسب المحللين، فإن هذا الانفجار يُعدّ الأعظم على مر تاريخ لبنان، ولم يعهده اللبنانيون حتى في خضم الحرب الأهلية اللبنانية وعمليات القصف الجوي الإسرائيلية العنيفة التي استهدف بيروت صبيحة الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982.
وبحسب ما ورد فقد سُمع صوت الانفجار الرئيسي في فلسطين، سوريا، اليونان وفي قبرص التي تبعد 240 كم عن لبنان، وهو ما يُشير إلى مدى شدّة الحادث.
مرصد الزلازل الأردني، قال في بيان أن شدّة انفجار بيروت، تعادل طاقة زلزال بقوة 4.5 درجة على مقياس ريختر، وقال رئيس المرصد “محمود القريوتي” في تصريح صحفي، إن محطات رصد الزلزال الأردنية سجلت الانفجار، واصفًا الطاقة المتحررة من التفجير بأنها «قوية جدًا» في حين أشارت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن الانفجار عادل طاقة زلزال بقوة 3.3 درجة على مقياس ريختر، بعد أن قام علماء الزلازل بقياس ضغط الانفجار، الذي أدّى لاقتلاع النوافذ في مطار رفيق الحريري الدولي الذي يقع على بعد تسعة كيلومترات من الميناء، وقد نقلت شبكة سي إن إن عن المركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل، بيانًا أشار فيه إلى أن الانفجار كان محسوسًا في قبرص.
النتائج
أدّى الانفجار إلى مقتل أكثر من 204 أشخاص وإصابة أكثر من 6500 آخرين، في حين لا يزال تسعة أشخاص في عداد المفقودين، كما تسبب بأضرار كبيرة في المرفأ وتهشيم الواجهات الزجاجية للمباني والمنازل في معظم أحياء العاصمة اللبنانية بيروت، حيث أُعلنت السلطات اللبنانية عن تضرّر مباشر لنحو 50 ألف وحدة سكنية، وبات نحو 300 ألف شخص بلا مأوى، وقدر محافظ بيروت حينها الخسائر المادية الناجمة عنه ما بين 10 إلى 15 مليار دولار أمريكي.
على إثر ذلك أعلن رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب يوم الأربعاء 5 أغسطس 2020 “يوم حداد وطني” فيما أعلن المجلس الأعلى للدفاع في لبنان بيروت “مدينة منكوبة” بعد اجتماع طارئ عقده بعد ساعات من الانفجار، وناشد رئيس الحكومة، الدول الصديقة للبنان الوقوف إلى جانب بلاده وإرسال المساعدات.
قرر الرئيس اللبناني ميشال عون “تحرير الاعتماد الاستثنائي” من الموازنة ويبلغ 100 مليار ليرة لبنانية ويخصص لظروف استثنائية وطارئة.
بدأت المساعدات الطبية العاجلة والمستشفيات الميدانية بالوصول إلى لبنان، بينما هرعت دول العالم، وبينها الولايات المتحدة وفرنسا وقطر وإيران، إلى عرض مساعداتها وتقديم تعازيها إثر الانفجار.
وبعد الانفجار بيومين، وصل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى العاصمة المنكوبة مؤكداً أن “لبنان ليس وحيداً”، فيما أعلن أعلن رئيس الوزراء حسان دياب بعد اسبوعين تقديم استقالة حكومته، والتي سبقها استقالة أكثر من وزير وعدد من النواب.
اقتصاديا
أدى الانفجار إلى إبادة القطاع السياحي برمّته، مع خسائر تقدّر بأكثر من مليار دولار، وبحسب “طوني رامي”، نائب رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان، ونقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري فأن 70% من الكثافة السياحية في لبنان والتي تتركز في نطاق بيروت الكبرى، قد طاولتها أضرار الانفجار، مباشرة وغير مباشرة، أكثر من 10 آلاف مؤسسة سياحية، من فنادق ومطاعم وملاهٍ ومقاهٍ وشركات تأجير سيارات وشقق مفروشة ومحلات حلويات وباتيسري وغيرها.
وتتراوح خسائر المؤسّسات بين عشرات آلاف الدولارات لبعض المؤسسات وعشرات الملايين لأخرى، خصوصاً الفنادق التي تضررت غالبيتها، خصوصاً الكبيرة منها التي توقفت عن العمل مثل فينيسيا ولو غراي وهيلتون وفور سيزنز ومونرو وغيرها، بحسب نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر.
أما الأضرار غير المادية فهي أشدّ ضخامة إذ يشير رامي إلى أن أكثر من 100 ألف عامل في القطاع السياحي من أصل 150 ألفاً أصبحوا بلا عمل.
التحقيقات الجنائية
في اليوم التالي لوقوع الانفجار، وضعت السلطات اللبنانية مسؤولي التخزين والأمن لمرفأ بيروت تحت الإقامة الجبرية، لحين انتظار التحقيق في الانفجارات كما فُرِضَت حالة الطوارئ في المدينة لمدة أسبوعين.
بعد بأيام انضمت الولايات المتحدة إلى التحقيق بانفجار بيروت، بحسب ما أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، “ديفيد هيل”، بعد وصوله إلى بيروت، موضحا أن فريقا من مكتب التحقيقات الفدرالي سينضم إلى فريق التحقيق الذي ينظر في ملف الانفجار.
وزير الخارجية الكندي “فرانسوا-فيليب شامبين” أعلن أيضا، أن بلاده عرضت الانضمام إلى التحقيق اللبناني في الانفجار الذي وقع بمرفأ بيروت هذا الشهر بشرط أن يكون “تحقيقا شفافا ذا مصداقية”.
وفي يوم الخميس 6 أغسطس 2020، طلبت النيابة العامة التمييزية، من هيئة التحقيق الخاصة تجميد حسابات ورفع السرية المصرفية عن المدير العام للجمارك “بدري ضاهر”، مدير المرفأ “حسن قريطم”، والمدير العام السابق للجمارك “شفيق مرعي، وموظفين آخرين هم نعمة البراكس ونايلة الحاج وجورج ضاهر وميشال نحول.
كما أصدرت النيابة العامة قراراً بمنع سفر المذكورين. وشملت التحقيقات وزراء في الحكومة السابقة ونواب في البرلمان اللبناني لكن رغم مرور اربعة أشهر على بدء التحقيقات فلم تقدم السلطات اللبنانية أي مدان.
اتهام حسن نصر الله
حمل الأمين العام السابق لحزب الله “صبحي الطفيلي” خلفه الحالي “حسن نصر الله” مسؤولية انفجار مرفأ بيروت، مطالبا بمحاكمته.
وقال “الطفيلي”، في تسجيل مصور، إن “سلاح حزب الله يخدم العدو.. هذا السلاح دمر سوريا والعراق واليمن ولبنان، هذا السلاح فجر بيروت”، مضيفا أن “فوق رئيس الجمهورية، أمين عام حزب الله، فوق رئيس المجلس النيابي، أمين عام حزب الله، إذا هو الأساس، هو الذي يجب أن يحاكم، ومن ورائه، المرشد الإيراني علي خامنئي”.