الثامن والعشرون من يناير/ كانون الثاني 2020، “دونالد ترامب” الرئيس الاميركي المنتهية ولايته في البيت الأبيض وعلى يمينه رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، وبحضور سفراء ثلاث دول عربية الإمارات، مملكة البحرين وسلطنة عُمان، أعلن “ترامب” في مؤتمر صحفي خطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الهادفة لحل الدولتين أو ما عرف لاحقا بصفقة القرن، التي شرعت إدارته بالعمل عليها منذ تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الاميركية قبل نحو أربع سنوات، واصفا بأنها ” قد تكون الفرصة الأخيرة للفلسطينيين” للحصول على دولة يحدد أبعادها “ترامب” نفسه.
اقترح الرئيس الأميركي حينها الخطة “صفقة القرن”، متعهدا في أبرز بنودها بأن تظل القدس عاصمة “غير مقسمة” لإسرائيل، ومستقبلا جزيل الشكر من إسرائيل ورئيس حكومتها على الاقتراح، الذي وصفوه ب”اللحظة التاريخية الفاصلة وفرصة القرن، التي لن يفوتوها”.
من جهته، رفض الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” الخطة قائلا: “رفضنا خطة ترامب منذ البداية ولن نقبل بدولة دون القدس”، مؤكدا أنها “لن تمر وستذهب إلى مزبلة التاريخ”.
الصفقة كفكرة..
بعد تنصيب “ترامب” رئيسا للولايات المتحدة الأميركية في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، عكفت إدارته تحت إشراف صهره وكبير مستشاري البيت الأبيض “جاريد كوشنر” على إعداد خطة للسلام في الشرق الأوسط لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، على أن يتم تقديمها رسمياً مطلع 2018، إلا أنها أوجلت عدة مرات، وسط تصريحات أميركية بتقدم كبير في تلك الصفقة.
ووفقا لشبكة فوكس نيوز الإخبارية، تضمنت صفقة القرن أو “اقتراح ترامب” ما بين 175 إلى 200 صفحة، وتم تداول الكثير من مضامينها إعلاميا وبين الأطراف المعنية على شكل تسريبات.
تقارير صحفية عديدة تناولت تلك الصفقة قبل الإعلان الرسمي، ولخصتها في حل القضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية بدون جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنه سيتم إنشاء جسر معلق أو نفق يربط بين غزة والضفة لتسهيل الحركة، وقيام مصر بمنح أراض إضافية للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة دون السماح للفلسطينيين في العيش فيها وسيتم الاتفاق على حجم الأراضي وثمنها.
بعد 18 شهرًا من التخطيط، قام المسؤولون الأمريكيون بتطوير الاقتراح من خلال زيارة أربعة عواصم عربية، ومع ذلك، فإنه لم يكن جاهزًا لتقديمه للجمهور رسميًا، وبناءً على استطلاع أجرته صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية وقتها، اعتقد 44 في المائة من المشاركين أن الصفقة لصالح إسرائيل، بينما اعتبر 7 في المائة أن الصفقة تحبذ الفلسطينيين.
نقاط الاختلاف..
الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين كان الأكثر تعقيدا وصعوبة على مر القرن الماضي، فرغم توقيع الجانبين اتفاق سلام عام 1993، إلا أنهما ومن حينها يتباعدون أكثر، في قضايا محورية شائكة نذكر منها:
مدينة القدس: يتنافس كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على المدينة، إذ تعتبر إسرائيل التي احتلت الجزء الشرقي الذي كان يسيطر عليه الأردن عام 1967، القدس بأكملها عاصمة لها، فيما يصر الفلسطينيون على أن تكون القدس الشرقية، عاصمة لدولة مستقلة يأملون في الحصول عليها.
الاعتراف بالدولتين: يريد الفلسطينيون دولة مستقلة خاصة بهم، تضم الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، إلا أن الجانب الإسرائيلي يرفضها بهذه الحدود ويريدها منزوعة السلاح.
ومن الجانب الآخر تصر إسرائيل على أن أي اتفاق سلام يجب أن يشمل الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل “دولة قومية للشعب اليهودي”، الذي يعتبره الفلسطينيون تمييزا عنصريا ضد السكان العرب من أصول فلسطينية من المسلمين والمسيحيين والدروز.
الحدود: يختلف الجانبان على الحدود التي من المفترض أن تكون حدود الدولة الفلسطينية المحتملة. ففي حين يصر الفلسطينيون على الحدود القائمة على اتفاقية خطوط وقف إطلاق النار التي فصلت بين إسرائيل والقدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة بين عامي 1949 و 1967، يقول الإسرائيليون إن هذه الاتفاقية لم تذكر أين يجب أن تكون الحدود، باستثناء توضيح أن حدودها الشرقية يجب أن تكون على طول نهر الأردن.
المستوطنات: منذ عام 1967، شيدت إسرائيل حوالي 140 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، بالإضافة إلى 121 موقعا استيطانيا، تعتبر غير شرعية من قبل معظم المجتمع الدولي، رغم أن إسرائيل متمسكة تعنتا بها، فيما يطالب الفلسطينيون بإزالتها حتى تكون الدولة الفلسطينية التي يطالبون بها قابلة للحياة.
اللاجئون: يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط حسب الأمم المتحدة قرابة 6 ملايين، بما في ذلك أحفاد الأشخاص الذين فروا أو طردوا من قبل القوات اليهودية التي أصبح تعرف فيما بعد بإسرائيل في حرب عام 1948 -1949، ويصر الفلسطينيون على حقهم في العودة إلى ديارهم السابقة، لكن إسرائيل تقول إنهم لا يحق لهم ذلك، معتبرة بأن الخطوة ستطغى عليها ديموغرافيا مؤديا إلى نهايتها كدولة يهودية.
أبرز نقاط الصفقة..
الصفقة جاءت كالصاعقة على قرارات المجتمع الدولي القاضية بحل الدولتين على أساس اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1967، وفي أبرز ما جاء في الصفقة:
• اعتراف الطرفين بالدولة الفلسطينية بأنها دولة للشعب الفلسطيني والدولة الإسرائيلية بأنها دولة للشعب اليهودي.
• استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967، وضم كل الكتل الاستيطانية إلى دولة إسرائيل.
• وادي الأردن الذي تقول إسرائيل إنه مهم لأمنها سيكون تحت السيادة الإسرائيلية.
.• إنشاء رابط مواصلات سريع بين الضفة الغربية وغزة يمر فوق أو تحت الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية.
• نزع سلاح حركة حماس وأن تكون غزة وسائر الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح.
• مدينة القدس غير مقسمة عاصمة لإسرائيل.
• عاصمة الفلسطينيين المستقبلية ستكون في منطقة تقع إلى الشرق والشمال من الجدار المحيط بأجزاء من القدس، ويمكن تسميتها بالقدس أو أي اسم آخر تحدده الدولة الفلسطينية المستقبلية.
• الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس مسموح لجميع الديانات، والمسجد الأقصى سيبقى تحت الوصاية الأردنية.
• ألا تبني إسرائيل أي مستوطنات جديدة في المناطق التي تخضع لسيادتها في هذه الخطة لمدة 4 سنوات، وهي الفترة الممنوحة للجانب الفلسطيني كي يقر الدخول في مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي لتطبيق الخطة.
ردود الفعل الدولية والعربية..
“ولدت ميتة” والقدس خط أحمر، هذا ما أعلنته تركيا ردا على الصفقة عبر وزارة خارجيتها، كما قالت روسيا عبر مندوبها السامي لدى الأمم المتحدة “صفقة القرن تتجاهل قاعدة التسوية المعترف بها دوليا” مشككة بجدوى الصفقة، اما ألمانيا فأعلنت أن الاقتراح الأميركي يثير أسئلة سنناقشها في الاتحاد الأوروبي، الذي أصدر بيانا يشدد فيه على موقفه الثابت والموحد على حدود1967، والذي يأخذ بعين الاعتبار التطلعات المشروعة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، فيما قالت وزارة الخارجية البريطانية، إنّ “خطة السلام التي أعلنها الرئيس الأميركي، لحل النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني هي بكل وضوح اقتراح جدي”.
عربيا وفي اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول العربية في الأول من فبراير/ شباط 2020، رفضت الجامعة العربية بالإجماع خطة السلام الأميركية الجديدة. وقال أمينها العام “أحمد أبو الغيط” في مؤتمر صحفي في ختام اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية بالقاهرة” إن قرار رفض الخطة الأميركية جاء بالإجماع، وبالتالي صادر عن موافقة كاملة من الجميع”.
وتبين لاحقا أن القرار لم يكن بالإجماع مع تدافع عربي على التطبيع مع إسرائيل، والتسابق على فتح سفاراتها في عواصم عربية.
فبعد مصر السادات 1973 والأردن عام 1994، يجري قطار التطبيع العربي مع إسرائيل سريعا، لتلتحق به بداية عربة الإمارات ثم البحرين وبعدها السودان وآخرها المغرب، وسط أنباء عن عربات أخرى تسلك السكة التي يسرها “اقتراح ترامب”.