تتصاعد الأزمة التي أثارتها تصريحات وزير الإعلام اللبناني، “جورج قرداحي” والتي اعتبرت مسيئة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج، وذلك بعد استدعاء المملكة لسفيرها في لبنان وإبلاغ السفير اللبناني بضرورة مغادرة الأراضي السعودية، إلى جانب وقف استيراد كافة السلع أو المنتجات اللبنانية.
يشار إلى أن وزارة الخارجية السعودية قالت في بيان لها: “بشأن التصريحات المسيئة للمملكة الصادرة من قبل وزير الإعلام اللبناني، فهي تمثل حلقة جديدة من المواقف المستهجنة والمرفوضة الصادرة عن مسؤولين لبنانيين تجاه المملكة وسياساتها فضلاً عمّا تتضمنه التصريحات من افتراءات وقلبٍ للحقائق وتزييفها”.
يذكر أن الحكومة البحرينية كانت قد اتخذت ذات الخطوة السعودية تجاه السفير اللبناني على أراضيها، حيث قالت وزارة الخارجية البحرينية في بيانٍ لها: “قرار الحكومة يأتي على خلفية سلسلة التصريحات والمواقف المرفوضة والمسيئة التي صدرت عن مسؤولين لبنانيين في الآونة الأخيرة وهذا القرار لا يمس الأشقاء اللبنانيين المقيمين في المملكة”.
حرب مستمرة ووجوه استثمارية
تعليقاً على الأزمة الحالية، يشير الباحث في شؤون الشرق الأوسط “معمر منصور” إلى أن تصريحات “جورج قرداحي” يمكن تصنيفها ضمن خانة الحرب المستمرة ضد المملكة العربية السعودية، والتي تقودها إيران وحزب الله والنظام السوري، لافتاً إلى أن ذلك التيار وعبر علاقات حزب الله مع التيار الوطني الحر، أراد استغلال “قرداحي” كوجه إعلامي لإظهار وجود توجه مخالف لسياسيات المملكة وموالي للتوجهات الإيرانية في لبنان، لا سيما وأن عدد كبير من المشاهير في لبنان عبروا عن سخطهم الكامل على النفوذ الإيراني وحلفائه في لبنان بفعل الأزمة الحاصلة في البلاد سياسياً واقتصادياً.
كما يلفت “منصور” إلى أن “قرداحي” يعتبر فعلياً أحد أشد مناصري حزب الله والتيار العوني والنظام السوري، وأنه لم يخف ذلك التوجه، لافتاً إلى أنه كان من المفروض أن ينتبه الوزير اللبناني إلى الحالة الصعبة التي يمر بها لبنان قبل أن يجاهر بعدائه للعمق العربي لصالح النفوذ الإيراني، وأن يتذكر الحرب البعثية التي شنتها إيران وحزب الله والنظام السوري ضد الشعب السوري المنتفض، بدلاً من أن يصف “الأسد” بأنه “بطل”.
في ذات السياق، يرى الكاتب الصحافي، “الحبيب الأسود” أن “جورج قرداحي” يمثل نموذج من فئة منتشرة في المنطقة العربية تتحالف ضمنيا مع أعداء العروبة وتقف في صفهم بزعم الانتماء إلى محور المقاومة الذي تحول إلى حصان طروادة لاختراق المنطقة، مضيفاً: “م أستغرب ما ورد على لسان وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي من انحياز كامل لميليشيات الحوثي وتحامل مبالغ فيه على السعودية والإمارات، فمثل تلك المواقف أصبحت موضة بين النخب في أغلب الدول العربية، وبخاصة بين من يزعمون الثورية والتقدمية، ومن يتبنون الأيديولوجيات الفكرية والعقائدية المتطرفة يمينا ويسارا، ومن يرقصون على دفوف الطائفية والمذهبية المقيتة، أو يدورون في فلك المشاريع الإمبراطورية التوسعية الإيرانية والتركية”.
إلى جانب ذلك، يذكر “الأسود” أن ترشيح قرداحي لمنصب وزير الإعلام من قبل تيار المردة بزعامة سليمان فرنجية، ووجد ذلك هوى لدى الرئيس عون والتيار الوطني الحر، ولاسيما أن قرداحي معروف بدورانه كمتصوف في حلقة حزب الله، وبانتمائه إلى الطيف المسيحي المتحالف مع القوى الشيعية المرتبطة عقائديا وسياسيا بالمشروع الفارسي الإمبراطوري التوسعي الذي يناصب دول الخليج العداء، ويعمل على محاصرتها عبر تمدده في العراق وسوريا ولبنان واليمن، على حد صف “الأسود”، مضيفاً: “كثيرون هم أدعياء القومية العربية الذين يدافعون عن الحوثيين، وهم في الأصل يدافعون عن المشروع الإيراني، ولا يرون مانعا من فتح أبواب ونوافذ بلدانهم لاستقبال الغزاة الفرس بزعم الانخراط في مشروع المقاومة والممانعة، فيما يهاجمون دول الخليج العربي، وعندما تضيق السبل بدولهم لا تجد إلا تلك الدول لتمد لها يد العون والسند. ولعل اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم يدركون مدى ما قدمت لهم السعودية وشقيقاتها، ولكن النزعة العدائية تجاهها ترتبط بغياب العقل وضبابية الرؤية والمفاهيم وبإرث الخمسينات والستينات، وبالعجز عن قراءة المستجدات الثقافية والحضارية على حقيقتها، فما توصف بالدول الرجعية هي التي أثبتت أنها تقدمية بنجاحها في خدمة شعوبها وتحديث مناهجها العلمية والعملية وتطوير أدائها الاقتصادي والاجتماعي وبتكريس عقلانيتها السياسية ومسابقتها للعصر في مختلف المجالات وعلى جميع الأصعدة.
الخاسر الوحيد من تقطيع الشرايين العربية في لبنان
يصف المحلل السياسي اللبناني، “ميشال بوصعب” تصريحات “قرداحي” بأنها قطع للشريان العربي للبنان خاصة وانها تصدر عن وزير في الحكومة، حتى وإن جاءت قبل توزيره، مؤكداً أن الخاسر الوحيد من آراء “قرداحي” ووصل أمثاله إلى الحكم هو لبنان واللبنانيين.
يشار إلى أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي طلب مساء الجمعة من وزير الإعلام جورج قرداحي “تقدير المصلحة الوطنية”، بعد دعوات إلى استقالته وذلك لاحتواء الأزمة الدبلوماسية مع الخليج التي أحدثتها تصريحاته حول حرب اليمن.
ويلفت “بوصعب” إلى أن ردة الفعل السعودية على تصريحات “قرداحي” هي ردة فعل منطقية ضد حكومة تجاهر بالعداء لها وتتجاهل أمنها القومي المهدد من قبل الحوثيين، مضيفاً: “قرارات السعودية وبعدها البحرين وقد تمتد ردود الأفعال إلى عدة دول عربية أخرى وبالتالي فإن وقف دخول المنتجات اللبنانية إلى الأسواق الخليجية سيتسبب بتعميق الأزمة الاقتصادية ومعيشة المواطن اللبناني، وهنا يحق لي أن أسأل كمواطن لبناني، أليست تصريحات الوزير قرداحي هي العبثية؟ وألا يحق لي كمتضرر مباشر منها ان اطالب بإقالته؟”.
كما يعتبر “بوصعب” انه كان مطلوب من “قرداحي” أن ينظر في واقع وطنه واحتياجاته وأزمته قبل أن يطلق أحكامه وآراءه التي قد تسقط الحكومة اللبنانية بعد أشهر قليلة من ولادتها بعملية قيصرية استمرت لـكثر من عام، مشدداً على أن “عبثية” قرداحي وعنان أفكاره سيجر كارثة جديدة على لبنان عنوانها الأبرز هو “العزلة العربية”.
إلى جانب ذلك، يبدي “بوصعب” صدمته من أن يتجه “قرداحي” إلى مثل تلك التوجهات وهو يرى أن لبنان يكافح جاهداً لاستعادة علاقاته العربية والدولية على أمل حل أزماته، واصفاً لبنان بأنه ضحية ثنائية حزب الله – عون ومن خلفهما معسكر نظامي إيران وسوريا.