مرصد مينا – هيئة التحرير
“صعود الحرس الثوري مقابل هبوط الرئيس الإيراني”، معادلة تَخلصُ إليها مجلة فورين أفيروز الأمريكية، في سياق شرحها لتقلبات القوى داخل إيران، التي تأثرت بانتشار وباء كورونا المستجد، خاصةً مع محاولة الحرس استغلاله لتعميق سلطته داخل مفاصل النظام الإيراني، وفقاً لما تراه المجلة الأمريكية.
حرب الصلاحيات والسلطة بين الحرس الثوري والتيار الإصلاحي متمثلاً بالرئيس “حسن روحاني” يرتبط بحسب ما تشير إليه المجلة، برغبة القادة العسكريين بالإطاحة بقوة التيار الإصلاحي، الأمر الذي يدفع للسؤال بقوة إذا ما كان عسكر إيران سيكتفون بطرد الإصلاحيين من المشهد السياسي، أم أن سياستهم قد تشهد انقلاباً على حكم العمائم المستمر منذ 1979.
هيمنة عامة أم استعداد لخلافة المرشد؟
تقلبات الوضع السياسي في إيران منذ مطلع العام، خاصة خلال فترة الانتخابات الإيرانية الماضية وبعد مقتل “سليماني”، تشير بحسب الصحافية الإيرانية والكاتبة في صحيفة الفاينانشيال تايمز، “نجمة بوزورج مهر”، إلى أن المعركة الداخلية في البلاد تدور حول هوية من سيخلف المرشد الأعلى “علي خامنئي” بعد موته، خاصةً مع تقدمه في السن وتردي حالته الصحية.
ويعاني “خامنئي” الذي يحكم البلاد بشكل فعلي منذ عام 1989، من عدة مشاكل صحية، أبرزها سرطان البروساتات، فقد شهدت السنوات الماضية، عدة شائعات حول وفاته وتردي حالته الصحية.
أما عن دور مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، “قاسم سليماني” في اشتعال حرب خلافة المرشد، يكمن بحسب ما يؤكده ناشط إيراني معارض، “رفض الكشف عن هويته”، بأن “سليماني” كان يعتبر من أكثر الشخصيات حظاً لشغل منصب المرشد، وأن مقتله أحدث خللا في خطط الذراع العسكرية للنظام، لافتاً في تصريحٍ خاص لمرصد مينا، إلى أن الحرس الثوري الآن لم يعد يمثل جزءً من الدولة العميقة فحسب بقدر ما بات يشكل الجزء الأكبر من عملية اتخاذ القرار في البلاد، تحديداً وأنه يحظى بدعم كبير من “خامنئي”.
ويحظى منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بصلاحيات واسعة جداً تجعل منه الحاكمالفعلي والأوحد في إيران، والتي من بينها وفقاً للمادة 110 من الدستور الإيراني، فصل وتعيين رئيس السلطة القضائية، وستة فقهاء مجلس صيانة الدستور، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون والقيادات العامة للقوات المسلحة، وإدارة السلطة التنفيذية.
وهنا يذهب الناشط المعارض إلى أن الانتخابات النيابية الأخيرة في إيران، كانت تمهد لحقيقة من اثنتين، أولهما رغبة الحرس الثوري بالإطاحة بحكم العمائم والنظام الديني لصالح نظام عسكري بحت، في انقلاب أبيض، أو فرض خليفة محدد “لخامنئي” يتماشى مع سياسة ترسيخ سلطة الحرس الثوري، لتظهر هنا عدة أسماء محتملةمن بينهم نجل المرشد الأعلى “مجتبى خامنئي”، في عملية توريث للحكم شبيه بالتي شهدتها حليفتهم سوريا عام 2000، وفقاً لقول الناشط المعارض.
ضربات عين الأسد وسيناريو الدعاية
كحال الكثير من الدول ذات الأنظمة الشمولية، فإن عملية نقل السلطة في إيران ستمر بالعديد من الأدوار أولها الدعاية الإعلامية، وهو ما تراه الصحافية الإيرانية، “بوزورج مهر”، التي تعتبر أن رد الحرس الثوري على عملية اغتيال “سليماني” بقصف قاعدة عين الأسد،بروباغندا إعلامية كبيرة، مكنت القيادات العسكرية من تعويم نفسها واللعب على الوتر البطولي، على الرغم من كارثة الطائرة الأوكرانية، خاصةً وأنها ضربات غير مسبوقة تتعرض لها قوات أمريكية في العراق، معتبرةً أن ذلك عزز من مكانة الحرس الثوري في الأوساط المتطرفة على وجه الخصوص.
الحديث عن قوة الحرس الثوري وتعاظمها مقابل سلطة المرجعيات الدينية بما فيها المتشدد، بعد مقتل “سليماني”، وجد أيضاً اعترافاً من داخل النظام الإيراني، فيؤكد السياسي المقرب من قيادات الحرس الثوري الإيراني، “أمير محبيان” أن الحرس في موقف قوي وهو في وضع لا يمكن لأي سلطة أو حاكم في إيران أن يهدد مصالحه في المستقبل، معتبراً أن الدعم الذي تتلقاه المؤسسة العسكرية يأتي من كون أن البلاد تعيش دائمًا في حالة طوارئ وتحتاج بشدة إلى الاستقرار.
على الجانب الآخر من الحياة السياسية الإيرانية، المتمثل بالتيار الإصلاحي، فإن الرؤية تبدو متشابهة حيال المشهد الإيراني، فينقل تقرير الفاينانشيال تايمز، عن محلل سياسي تابع للتيار الإصلاحي، لم يذكر هويته، تأكيده أن تقوية ودعم وترسيخ قوة الحرس الثوري تستند إلى سياسة متعمدة لجعلهم القوة المهيمنة حتى يتمكنوا من لعب الدور الرئيسي في انتقال السلطة ما بعد المرشد.
وشهدت الفترة التي سبقت الانتخابات النيابية الماضية، إقصاء أكثر من 7 آلاف مرشح إصلاحي من قبل مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المتشددون الموالون للمرشد، لتفرز تلك الانتخابات سيطرة شبه مطلقة للتيار المحافظ، الذي حصل على 221 مقعد، مقابل 16 مقعد للإصلاحيين و34 للمستقلين.
نظرية الحرب والشيطان الأكبر
“بوجود الشيطان الأكبر، فإن طرق الحرس للسلطة سالكة بسهولة”، هكذا يرى الناشط الإيراني “مجيد الأحوازي”، الذي يستند في رؤيته على ترسيخ التيار المتشدد لفكرة أن إيران في حالة حرب مستمرة مع الشيطان الأكبر، في إشارة إلى الولايات المتحدة، مؤكداً على أن القادة العسكريين أحسنوا استغلال التوتر الحاصل مع الولايات المتحدة وتوتر الأوضاع في كل من اليمن وسوريا والعراق، وتوظيف كل ذلك على الساحة الداخلية، سواء من خلال قمع المعارضة وكسب ولاء المؤيدين.
مشهد إيران، ما بعد “خامنئي”، يراه “الأحوازي” بحسب ما تحدث به لموقع مينا، ملون بزي العسكر، مضيفاً: “سواء أكان الخليفة القادم هو من القادة العسكريين أو من المدنيين المدعومين من قبلهم، فإن السيطرة الحقيقية ستكون للحرس الثوري، الذي بات يسيطر على كل شيء، ولاحقاً لن يكون هناك أي وجود لسلطة العمائم وستتحول إيران إلى نظام عسكري بحت، وعندما يموت خامنئي سيكون الحرس هو القوة العليا المؤثرة في الاختيار”.
إنجازات فلكية
خلال الفترة القليلة الماضية، ظهرت شهية العسكر لتصدر المشهد الإيراني بشكل واضح، على حساب رجال الدين، من خلال استعراض تطور قوة الحرس الثوري عسكريا وعلمياً، لتسجيل نقاط إضافية في الشارع الإيراني على حساب الحكومة وأركان النظام الأخرى، وفقاً لما تذكره مجلة فورين أفيرز، التي تقول بأن الحرس يريد إظهار أهلية العسكر في قيادة البلاد أكثر من الحكام المدنيين ورجال الدين على حد سواء.
وتأتي وجهة نظر الصحيفة، في وقتٍ ظهر فيه الجنرال الإيراني “حسين سلامي” على التلفزيون الرسمي، معلناً أن الحرس الثوري اخترع جهازاً يمكنه الكشف عن الفيروس التاجي من مسافة 100 متر، كما عرض جهازا يشبه صحن القمر الصناعي، قال إن نسبة نجاحه البالغة 80 بالمئة ستساعد في إنهاء أزمة الفيروس في البلاد، ووصفه بأنه ظاهرة علمية مدهشة.
كما يرتبط حديث المجلة، بإعلان الحرس الثوري قبل نحو أسبوعين إطلاق أول قمر صناعي إيراني لأغراض عسكرية، وسط تهليل غير مسبوق من قبل وسائل الإعلام الإيرانية، التي وصفت إطلاق القمر بالإنجاز العسكري الكبير.