عادت الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة “ليز تراس” تأكيد عزمها ترحيل المهاجرين غير الشرعيين القادمين عبر بحر المانش.
التأكيد الجديد جاء على لسان وزير الداخلية وهي من أصول مهاجرة “سويلا برافرمان” قبل أيام، في وقت تستمر فيه منظمات حقوقية أوروبية بانتقاد الخطوة البريطانية التي كادت أن تتم منتصف يونيو/حزيران الماضي لولا قرار للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي ألغى الرحلة في آخر لحظة.
وتصر بريطانيا على المضي قدما في سياستها المتشددة تجاه ملف المهاجرين، رغم كل الانتقادات التي تواجهها.
واختارت حكومة المحافظين البريطانية سياسة مثيرة للجدل في مواجهة تدفق المهاجرين إلى أراضيها عبر بحر المانش، من خلال ترحيلهم إلى رواندا في صفقة بين حكومة البلدين، وتعرضت هذه الصفقة لانتقادات شديدة من قبل الأمم المتحدة ومعها المنظمات الحقوقية المدافعة عن المهاجرين.
وارتفع عدد المهاجرين العابرين لبحر المانش باتجاه بريطانيا بشكل كبير منذ مطلع العام الجاري، حيث عبر أكثر من 32 ألف مهاجر القناة بشكل غير شرعي انطلاقا من الأراضي الفرنسية، مستخدمين زوارق صغيرة، وهو ما شكل موضوع خلاف متواصل بين لندن وباريس بعد البريكسيت.
ويتوقع مسؤولون بريطانيون أن يصل العدد مع نهاية هذا العام إلى نحو 60 ألف مهاجر في رقم قياسي غير مسبوق.
وتقول بريطانيا إنها تستهدف من هذه السياسة كل المهاجرين بمن فيهم القادمون من منطقة الشرق الأوسط حيث تعيش حروبا منذ عقود. وسبق أن أكدت رولا أمين المتحدثة باسم المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين في المنطقة على أن “موقف المفوضية واضح ومبدئي. وتجد هذا التطور أمر خطير جدا قد يكون له عواقب كارثية على طالبي اللجوء واللاجئين، وسابقة خطيرة ستضر وتقوض نظام حمايتهم”.
كذلك، سبق أن ندد مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي بخطة بريطانيا، معتبرا أنها “كلّها خطأ”. كما لم تلاق هذه الخطة في التعاطي مع ملف الهجرة غير الشرعية ترحيبا من أطراف مختلفة في الداخل البريطاني أيضا على رأسها الأسرة المالكة والكنيسة الأنغليكانية.
وسبق أن كتب الزعماء الروحيون للكنيسة الأنغليكانية وبينها رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي ويورك ستيفن كوتريل و23 أسقفا، في رسالة نشرتها صحيفة التايمز الصيف الماضي أن “هذه السياسة غير الأخلاقية تغطي بريطانيا بالعار”. من جانبه، وصف تشارلز حين كان لايزال أميرا قبل أن يصبح ملكا لبريطانيا بعد وفاة والدة الشهر الماضي، خطة الحكومة البريطانية لإرسال طالبي لجوء إلى رواندا بأنها “مروعة”.
هدف الحكومة البريطانية
تزعم الحكومة البريطانية الحالية والسابقة بأنها تريد طرد أي شخص، مهما كانت جنسيته، يتم توقيفه وهو يحاول دخول البلاد بشكل غير قانوني، إلى رواندا رغم تكلفة هذه السياسة “أخلاقيا وماليا”، حسب منتقديها.
ومن المتوقع أن تجبر الحروب والكوارث المناخية هذا العام عددا قياسيا من الأشخاص على الفرار من بلدانهم، وفق تقارير عديدة.
والتجأت حكومة المحافظين البريطانية إلى سياسة متشددة في مواجهة الهجرة غير الشرعية،في محاولة منها لتوجيه رسالة إلى المهاجرين الذين يحاولون دخول أراضيها عبر بحر المانش بطريقة غير شرعية. لكن هذه الرسالة لا تلقى ترحيبا من عدة جهات داخل المملكة المتحدة وخارجها.
وتدافع الحكومة عن خطتها بكونها موجهة في الدرجة الأولى ضد شبكات تهريب البشر التي تجني أموالا طائلة من العملية. وتقول إن “المجموعات الإجرامية التي تعرض حياة أشخاص للخطر في المانش يجب أن تفهم أن نموذجها الاقتصادي سينهار”.
ومنذ فترة لم تدخر الحكومة البريطانية أي جهد في سن قوانين متشددة مع استقبال المهاجرين وطالبي اللجوء، وذلك بهدف تقليص تدفق هؤلاء على المملكة المتحدة، والمثير أن من يقف وراء هذه السياسات هم وزراء داخلية كلهم من أصول مهاجرة، ووصل آباؤهم للبلاد بصفة مهاجرين.
ومنذ تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي”بريكست”عام 2016، والحكومات التي يقودها حزب المحافظين تسابق الزمن لإقرار قوانين تجعل من الحصول على تأشيرة الهجرة أو حق اللجوء أمرا صعبا، وخلال هذه الفترة تعاقب 3 وزراء داخلية جميعهم من أصول مهاجرة، وجميعهم أظهروا حماسة منقطعة النظير لكل جميع الإجراءات والقوانين التي تهدف للحد من وصول طالبي اللجوء إلى بريطانيا.
أبنة مهاجر ضد الهجرة
لم تمر سوى أسابيع قليلة على تعيينها وزيرة للداخلية في الحكومة البريطانية حتى اقترحت“سويلا برافرمان” إدخال تعديلات تمنح صلاحيات جديدة لمعالجة إشكال “الهجرة غير القانونية” نحو المملكة المتحدة.
وينص مقترح الوزيرة ذات الأصول المهاجرة على إدخال صلاحيات جديدة تسهل على السلطات المعنية، ترحيل المهاجرين الواصلين عبر قناة المانش. وقالت إن”حلمها” أن ترى طالبي اللجوء يُرسلون إلى رواندا.
كلام الوزيرة جاء خلال حديثها ضمن أعمال المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الأسبوع الماضي، أكدت خلاله أنها ستقدم مقترح قانون جديد، يهدف إلى تمكين الحكومة من ترحيل أي شخص قادم إلى البلاد عن طريق القوارب من فرنسا.
وأوضحت”علينا منع القوارب من عبور القناة، لقد استمر هذا لفترة طويلة جدا”، مضيفة بالقول “أتعهد اليوم بأنني سأقدم تشريعا يوضح أن الطريق الوحيد إلى المملكة المتحدة هو عبر طريق آمن وقانوني”.
ورغم أن التحديات القانونية قد تعني عدم إقلاع أي طائرات قبل رأس السنة الجارية، فإنه بحسب وزيرة الداخلية في ندوة سابقة على هامش المؤتمر، ستعمل على منع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من التدخل في قرارات بريطانيا في المستقبل.
وأضافت أن رؤية رحلة تقل طالبي اللجوء إلى رواندا هو “حلمها” و “هوسها”، على الرغم من انتقادات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي وصفت السياسة بأنها “كارثية”، كما العديد من المنظمات الحقوقية الأخرى.
حلمها ترحيل المهاجرين إلى رواندا
وتعرض تصريح وزير الداخلية الذي قالت فيه إن حملها أن تشاهد طائرة تنقل طالبي اللجوء إلى رواندا في شرق أفريقيا، لاتنتقادات حادة من الصحف البريطانية.
طريقة تعبير الوزيرة الجديدة التي لها أصول هندية ووصل والداها إلى بريطانيا من كينيا وموريشيوس، أثارت استغراب كثيرين من كيف أن وزيرة لها أصول مهاجرة تعلن أن حلمها هو ترحيل اللاجئين خارج البلاد.
أكثر من هذا فإن “برافرمان” هاجمت خطة رئيس الوزراء “تراس” لتوقيع اتفاق التجارة الحرة مع الهند، وقالت الوزيرة إن من شأن هذا الاتفاق أن يرفع من أعداد الهنود الذين سيصلون إلى بريطانيا.
وتبرر الوزيرة هذه المواقف بأن البريطانيين صوتوا من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي للتحكم في حدودهم، وتقليص أعداد المهاجرين في البلاد
خفض أعداد المهاجرين “غير المهرة”
الوزيرة “برافرمان” لا تريد ترحيل طالبي اللجوء فحسب، بل تعمل على خفض أعداد المهاجرين “غير المهرة” حسب وصفها.
وتقول إن بريطانيا بها عدد أكبر من اللازم من العمال المهاجرين ذوي المهارات المتدنية، إضافة لأعداد كبيرة جدا من الطلاب الدوليين الذين غالبا ما يجلبون عائلاتهم معهم.
وأضافت في مقابلة مع صحيفة “ذا صن” الأسبوع الماضي، أن حكومة رئيسة الوزراء “ليز تراس” تهدف إلى الالتزام بما تعهدت به خلال انتخابات 2019، وذلك بخفض صافي عدد المهاجرين خلال مقابلة قبل المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الحاكم.
وبحسب زعم برافرمان فإن”ما لدينا هو أن الكثير من العمال ذوي المهارات المتدنية يأتون إلى هذا البلد”، وأضافت “لدينا أيضا عدد كبير جدا من الطلاب الذين يأتون إلى هذا البلد ولدينا عدد كبير جدا ممن يعولونهم”.
كما اعتبرت بأن ”هؤلاء الناس يأتون إلى هنا، وهم ليسوا بالضرورة يعملون أو يعملون في وظائف لا تتطلب مهارات ولا يساهمون في تنمية اقتصادنا”، مشيرة إلى أنها تريد الحد من قدرة المهاجرين على الطعن في أوامر الترحيل على أساس أنهم تعرضوا للعمل القسري أو الاتجار بالبشر.
زيادة المهاجرين “المهرة”
وكان وزير المالية “كواسي كوارتنج” صرح في الـ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، بأن الحكومة تتطلع إلى مراجعة سياسة الهجرة في إطار محاولة لتعزيز النمو في أعقاب شكاوى من مجموعات الأعمال من أن قواعد ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت مقيدة للغاية خاصة بالنسبة للوظائف منخفضة الأجر.
في هذا السياق، أفادت صحيفة “التايمز” الشهر الماضي بأن رئيسة الوزراء تراس بصدد زيادة استقبال المهاجرين المهرة وذلك لتعزيز النمو الاقتصادي ولتعويض النقص الكبير في اليد العاملة في البلاد، مشيرة إلى أن هذا التحدي لتراس يأتي في وقت يعارض هذه الخطوة داعمي الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ووفقا للصحيفة، فإن رئيسة الوزراء تعتزم في الأسابيع المقبلة رفع الحد الأقصى لاستقبال المهاجرين من العمال الزراعيين الموسميين وإجراء تغييرات على قائمة المهن التي تعاني من نقص حاد، ما سيسمح للقطاعات الرئيسية بتعيين المزيد من الموظفين في الخارج.
وشكلت خطة تراس مفاجئة كبيرة، لاسيما أن الأخيرة هددت في وقت سابق بإرسال المهاجرين غير الشرعيين في البلاد إلى رواندا، وهو ما قوبل حينها بالرفض من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
ما بين التصريحات والتهديدات فإن الثابت الوحيد في بريطانيا هو استمرار زيادة تدفق المهاجرين إلى سواحل البلاد عبر المانش. ورغم اقتراب فصل الشتاء وارتفاع مياه البحر إلا أن القوارب وبالعشرات تتجه يوميا من سواحل فرنسا نحو سواحل المملكة المتحدة، كان آخرها يوم الأحد الماضي حيث عبر نحو 1065 مهاجرا على متن 25 قاربا نحو المملكة المتحدة قادمين من فرنسا. وعلى الجانب الفرنسي، أنقذت دوريات فرنسية أكثر من 360 مهاجرا كانوا يحاولون عبور بحر المانش.
ويبدو أن التصريحات البريطانية بترحيل المهاجرين عبر المانش، لا تجد آذانا صاغية سواء للمهاجرين الذين يجدون من بريطانيا “الحلم الأكبر” ولا من قبل المهربين الذين تقول بريطانيا إن قرارها يستهدفهم بالدرجة الأولى ورغم العقوبات الشديدة التي تنتظرهم في حال اعتقالهم حتى في فرنسا.
هذا الأمر جعل الحكومة البريطانية في “ورطة كبيرة من الناحية القانونية والأخلاقية” باعتبار أن الكثير من المهاجرين الذين سيتم ترحليهم قد “يعرضون أنفسهم للأذى الجسدي كالانتحار”، رفضا للقرار “التعسفي” الذي لم تجن منه لندن إلا “السمعة السيئة”، كما يقول نشطاء في حقوق الإنسان والذين يعتبرون بأن”بريطانيا لها تاريخ مشرف في مجال حقوق الإنسان وطالبي اللجوء”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.