لم تنتهِ فصول مسرحية الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي بعد، فرغم إنزال العلم البريطاني من بين أعلام الاتحاد في بروكسل، تبقى سنة فاصلة ومرحلة انتقالية ومفاوضات شاقة يتوجب على لندن وعواصم القرار الأوروبي تجاوزها للوصول إلى حلول ترضي الجانبين قبل إغلاق الحدود وإلغاء سماحية عضوية الاتحاد بشكل يمنع قطيعة محتملة تضر الاقتصاد البريطاني والعمالة الأوروبية وأسواق الإنتاج المشتركة بعد قرار الخروج، بشكل يقيم شراكة جديدة تستبدل 47 عاماً من الاندماج السياسي والاقتصادي.
بداية طريق شاق
بدأت مساء البارحة الاثنين، المفاوضات المهمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول علاقات المستقبل بين الجانبين بعد الخروج النهائي البريطاني من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير / كانون الثاني الماضي.
وأمام الجانبين فرصة حتى نهاية العام الحالي 2020، للاتفاق على أهم القضايا كالتعاون الأمني والتجارة، قبل وقف تطبيق قواعد عضوية الاتحاد الأوروبي على بريطانيا. وأمام لندن خيار تمديد الفترة الانتقالية إلى ما بعد نهاية 2020، ولكنها سبق وأكدت أنها لن تفعل ذلك.
تهديد بريطاني ومخاطر محتملة
من جهتها، تهدد بريطانيا بالانسحاب من المفاوضات إذا لم تحقق تقدماً ملموساً بحلول حزيران / يونيو المقبل.
وإذا نفذت لندن تهديدها وانسحبت بدون التوصل إلى اتفاق، ستخضع العلاقات التجارية بين الجانبين للقواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، مع بدء فرض رسوم جمركية وحواجز أخرى على حركة التجارة بينهما.
موعد ومكان المفاوضات
من المقرر أن تبدأ المحادثات بعد ظهر اليوم في بروكسل، ويقود وفد الاتحاد الأوروبي كبير مفاوضي ملف خروج بريطانيا من الاتحاد ميشيل بارنيه ونظيره البريطاني ديفيد فورست.
هذا ويتوقع استمرار الجولة الأولى من المحادثات حتى يوم الخميس القادم، على أن تعقد جولات جديدة كل 3 أو 4 أسابيع.
شروط أوروبا وموقف لندن
يعرض الاتحاد الأوروبي اتفاق تجارة حرة واسع النطاق يتجنب فرض أي رسوم أو حصص على التجارة البريطانية، شريطة موافقة بريطانيا على ما تسمى “الالتزامات العادلة” التي تفرض الالتزام بالمعايير الأوروبية في مجالات مثل الدعم الحكومي للشركات والبيئة وقوانين العمل.
في مقابل تلك العروض، تشدد الحكومة البريطانية على أن المفاوضات تهدف لاستعادة بريطانيا السيادة الاقتصادية والسياسية بما في ذلك حقها في فرض قواعدها الخاصة، معتبرة أنه ليس من مصلحة بريطانيا تقليص القواعد والمعايير.. عارضة بذات الوقت اتفاقًا شبيهًا بعلاقة كندا بالاتحاد الأوروبي على الصعد المختلفة كلها.
وبينما تريد بروكسل اتفاقاً واحداً شاملاً لتنظيم العلاقات مع لندن في كل المجالات، تقترح الأخيرة عدة اتفاقيات مستقلة، ثم لا تهمل المخاوف في الاتحاد الأوروبي من أن تحاول بريطانيا أن تكون لها ميزة تنافسية من خلال تخليها عن المعايير المكلفة المتعلقة بالبيئة وشروط العمل والضرائب.
كما لا يجب إغفال الخلافات بين الجانبين على قضايا مثل حقوق الصيد، وآلية تسوية المنازعات، ودور محكمة العدل الأوروبية.
توقعات ومؤشرات
أظهرت المؤشرات وتفاعلات الجانبين – التي سبقت الانطلاقة الرسمية للمفاوضات بين الوفدين الأوروبي والبريطاني – أن مباحثات الطرفين لن تكون سهلة، بل قد تصل إلى طريق مسدود بعد أشهر قليلة، وهو الاحتمال الذي وضعته لندن في الحسبان من خلال ردها الرسمي على العرض الأوروبي للمفاوضات.
ولم يخفي القادة الأوروبيون امتعاضهم مما وصفوه بمحاولات بريطانيا التراجع عن الالتزامات السابقة، الأمر الذي عبّر عنه كبير المفاوضين الأوروبيين ميشيل بارنييه، حين قال إن الفرق بين ما سبق والتزمت به المملكة المتحدة وما تعلن عنه بعد الانسحاب “أمر مثير للقلق”.
ويبدو الغضب الأوروبي وصل مراحل متقدمة، يعززه تقارير عن فيتو فرنسي لرفض أي اتفاق تجاري مع بريطانيا ما لم تلتزم لندن، بمعايير الاتحاد في قضايا المنتجات الغذائية وقوانين المنافسة التجارية العادلة، الأمر الذي يؤكد فرضية أن التكتل الأوروبي يخشى من المنافسة غير العادلة مع المنتجات الغذائية الأميركية مثلًا والتي تستوردها بريطانيا بأسعار زهيدة قد تغرق أسواق أوروبا وتسبب ضررًا للمزارعين والفلاحين هناك.
النقطة الأهم – فيما يبدو – تتلخص بشقين: رفض المسعى البريطاني بمعاملة شبيهة بحالة كندا، فبريطانيا ليست كندا وفقًا المفاوضين الأوروبيين.. والشق الأهم ما عبر عنه ” ميشال بارنييه” المفوض الأوروبي بأن شرط الاتحاد إما اتفاق شامل أو لا اتفاق.. لا أنصاف حلول.