هيئة التحرير
تُخيمُ حالة من السُكون على المشهد السياسي القائم في الجزائر، فبعد أكثر من عام على بداية حراك شباط/ فبراير، ما تزال الأحزاب السياسية على الهامش ومعزولة عن الحركة، رُغم إقدام مُعظمها على تجديد قيادتها بعد أن وقع الحراك الشعبي شهادة “وفاتها”، ورفع المُتظاهرون شعارات تُؤكدُ “تواطؤ” الأحزاب السياسية بمختلف تياراتها (الإسلامية، الديمقراطية، والوطنية) مع حُكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة.
واكتفت ثلاثة أحزاب تقليدية في الجزائر، في الشهرين الماضيين، بإعادة تأهيل نفسها، بعد أن تم الزج بقياداتها في السجن منذُ أكثر من عام بتهم فساد سياسي ومالي، كما هُو الأمر بالنسبة للأمينين العامين السابقين لجبهة التحرير الوطني الحاكم، (جمال ولد عباس، محمد جميعي، وأحمد أويحي) من التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أحزاب الائتلاف الحاكم خلال رئاسة عبد العزيز بوتفليقة وعمارة بن يونس عن الجبهة الشعبية الجزائرية وعمار غول عن تجمع أمل الجزائر.
ضرب التعددية الحزبية
ومن بين الأحزاب التي ضخت دماء جديدة في أوصالها، حزبي جبهة التحرير الوطني الحاكم، حيث أفضى مؤتمر اللجنة المركزية الذي انعقد نهاية مايو/ آيار الماضي إلى تزكية بُعجي أبو الفضل أميناً عاماً جديداً خلفا للأمين العام السابق مُحمد جميعي الموقوف في السجن بتهمة الفساد ونهب المال العام، بينما تمت تزكية الطيب زيتوني على رأس التجمع الوطني الديمقراطي، ذلك عقد حزب جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس)، الجُمعة الماضي، مُؤتمرهُ الاستثنائي لانتخاب قيادة جديدة، وهو الحزب الذي أسسهُ الراحل حُسين آيت احمد عام 1963.
وباستثناء التصريحات المعزولة لحزبي العمال (اليساري) والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المُعارض إضافة إلى التصريحات التي صدرت عن حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، الذي يقوده المُعارض كريم طابو، اتهم السُلطة بمحاولة إسكات كُل الأصوات المُعارضة والعمل على ضرب التعددية الحزبية في البلاد على خليفة التهديدات التي تطالب حزب التجمع من أجل الثقافة، فإن حالة من السكون و الجُمود تُخيمان على المشهد السياسي القائم في البلاد، رُغم الاستحقاقات السياسية الهامة التي تنتظرُ البلاد في الأفق على رأسها تمرير الدُستور الجديد وتنظيم انتخابات نيابية وبلدية قبل نهاية العام الجاري.
لفظها الشارع
ويرجعُ النائب البرلماني السابق مُحمد حديبي، أسباب الجمود الذي يعتري المشهد السياسي في الجزائر إلى الحراك الشعبي الذي لفظ الأحزاب السياسية بمختلف أطيافها وتوجهاتها، وقال في تصريح لـ«مرصد مينا» خلال تعليقه على العملية السياسية، «أعتقد أن شلل الأحزاب السياسية في الجزائر يعود لأسباب مباشرة عدّة، وغير مُباشرة، وأهمُها غلق الساحة السياسية بين السُلطة والحراك وخروج الأحزاب من لعبة الحراك بسبب عدم تقبل الشارع لها نتيجة تراكمات وملابسات سياسية مع نظام العاصبة السابق سواء مُولاة أو معارضة».
ويكمن السبب الثاني، بالنسبة للنائب البرلماني السابق، في اختفاء الآلية التي كانت تُحرك الطبقة الحزبية مُنذُ نشأتها، مشيرا إلى أنها “اختفت وتركت التشكيلات السياسية التي كانت تحت وصايتها دون توجيه أو معلومة، وأيضا بروز أصوات تفوق صوتها على صوت الأحزاب في التأثير السياسي ما جعل الساحة الحزبية في بطالة وعدم تفاعل سياسي وإعلامي وشعبي”.
إضافة إلى تلك الأسباب، يُضيف النائب البرلماني السابق، محمد حديبي، الأزمة الصحية التي باغتت الجزائر منذ فبراير/ شُباط الماضي، ويقول إن الوضع السياسي العام وتأثير الوضع الصحي لكورونا على الساحة الوطنية جمد كل شيء حتى المُبادرات الفردية والجماعية للأحزاب.
نُفور «تبون»
ولعلَ أبرز شيء أثقل كاهل الأحزاب التقليدية، نُفور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، من الأحزاب الموجودة خاصة الأحزاب التي كانت محسوبة على النظام السابق، كما أنه أغلق الباب أمام إمكانية تأسيس حزب سياسي جديد يدافع عن برنامج عمله، وتبرأ رفقة رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد من عُضويتها في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني.
وأكد المُستشار للاتصال، الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية، في بداية يونيو/ حزيران الماضي، أن الرئيس الجزائري هو رئيس كل الجزائريين ولا علاقة تنظيمية له بأي حزب سياسي معتمد.
وفي مُقابلة صحفية أجراها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مُنذُ يومين، مع جريدة “لوبينيون” الفرنسية، أكد أنه لا ينوي تأسيس أيّة كُتلة سياسية ولا أيّ غطاء سياسي وأنه ينوي الاستمرار على نفس النهج الذي بدأ به، وأعلن القطيعة مع مُمارسات النظام السابق بقوله إنه لا يُريد تكرار الأخطاء التي ارتكبها سلفه عبد العزيز بوتفليقة، وأنه يريد أن يشكل تشكيلة حكومية قادرة على الوصول إلى الشعب بهدف تحقيق مطالبه.
ويقولُ في هذا السياق المحلل السياسي والإعلامي الجزائري، أحسن خلاص، في تصريح لـ«مرصد مينا» إن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أدرك أن هذه الأحزاب تجاوزها الحراك، ولم تعد تُشكلُ قوى اجتماعية وسياسية كبيرة في الواقع لذلك فضل الاعتماد على الحركة الجمعوية، ويقول إن الانتخابات النيابية المُرتقب تنظيمها قبل نهاية العام الجاري سوف تُظهر وزن كل حزب.